قبب "الأولياء الصالحين" في تازارين رُشّت بالجير والجبس لتغدو ناصعة البياض، استعدادا لاستقبال جحافل المريدين الذين جاءوا من كل فج عميق لإحياء ذكرى المولد النبوي على طريقتهم الخاصة. يسمونها "المُوسْناتْ" أو " العَادة" و "أيام لحضرتْ"، فقد تعددت الأسماء، لكن الطقوس تدوم لأسبوع كامل، حيث يعرض الباعة تجارتهم، وينظم أهل الزوايا مجالس الذّكر، وينظم مسيرو هذه الأضرحة مجموعة من الطقوس التي ورثوها عن أجدادهم. قصعة سيدي عمرو ومن أشهر طقوس الاحتفال بالمولد النبوي بضريح سيدي عمرو، تلك القصعة التي يقول أهلها إن الناظر إليها سوف يفقد بصره، إذا ما تحدى أعراف الضريح التي تدعو كل الحاضرين بغض بصرهم، عندما يهم رجال شداد بإدخال القصعة من كوة صغيرة. طين يتحول إلى جاوي ومن الطقوس الغربية أيضا، إلى جانب شرب الماء الساخن و"الحضرة"، هناك من "المجذوبين" الذين يتأثرون بإيقاع ضرب الدفوف، فيقومون برمي التراب في الجمر المشتعل، فتتصاعد رائحة بخور "الجاوي". ويتحلق الرجال والنساء حول "الحضرة"، يزدادون إيمانا ببركة هذه الطقوس وغرابتها، خاصة أن المتأثرين بطقس "الحضرتْ" من فئات عمرية مختلفة، من بينهم شباب في مقتبل العمر، تلقوا سنوات من التعليم. قرابين وهدايا وأهم طقوس الأسبوع بعد المولد النبوي بتازارين هناك طقس الجمل الذي تتكلف 4 قبائل بشرائه وتلطيخه بالحناء، ويقوم الناس بالتبرك عن طريق لمسه ونتف وبره، ثم تقديمه كهدية لزاوية أخرى تبعد بأزيد من 130 كيلومتر عن تازارين. ويأتي "أشطاط ن الشرفا"، أي حجر الشرفاء، وفيه يتم جمع أموال عبارة عن تبرعات لأشخاص يقدمون أعطيات لشرفاء مولاي بوعزة الإدريسي، دفين تازارين، مقابل دعوات بصلاح الذرية، وطول العمر، وحسن المآب. أصول الاحتفال بالمولد اتصلت هسبريس بالدكتور محمد مازوني، أستاذ التاريخ بجامعة ابن زهر، فقال إن "الاحتفال بالمولد النبوي شرع منذ العهد الفاطمي، حيث كان التقليد يقوم على الاحتفال بالمواليد الستة: مولد الرسول، وعلي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وفاطمة الزهراء، ومولد الخليفة الحاضر. أما فيما يتعلق بالمغرب، أورد المازوني أن "أول من دعا للاحتفال بالمولد، هو حاكم سبتة في العهد الموحدي، أبا القاسم العزفي، حين لاحظ متابعة المسلمين بالأندلس ومجاراتهم للنصارى في الاحتفال بعيد المسيح، فدفعته غيرته الدينية إلى التفكير في ثنيهم عن إتباع تقاليد النصارى". وتابع المتحدث بأن العزفي انتبه إلى ضرورة العناية بالمولد النبوي، فشرع في الدعاية له كنوع من المقاومة لما بدأ يدب بين المسلمين من محاكاة النصارى. وبعدما تولى ابنه أبا القاسم حكم سبتة، سن الاحتفال بالمولد عام 646ه/1250م، ولإشاعة هذا الاحتفال، أكمل كتاب والده: " الدر المنظم في مولد النبي المعظم" حيث بعث بنسخة منه إلى عمر المرتضى الخليفة الموحدي بمراكش، الذي سن الاحتفال بشكل غير رسمي". وأضاف أن المولد النبوي مناسبة لإظهار الفرح والحبور بميلاد الرسول، لذلك ظلت الزوايا تحرص على جعل هذه المناسبة لحظة لإقامة مجاميع الذكر والصلاة على الرسول، وهو أمر ظل متمسكا بقواعد السنة، باستثناء تسرب في المواسم من طقوس أغلبها مستحدثة في احتفالات المولد. وظلت هذه الزوايا تحتفي بالمولد بالذكر والصلاة على النبي، مع استحداث السماع والإنشاد، الذي يدور حول قصائد شعرية أو نظم ملحون، بل كانت الكثير من الزوايا تتغنى بأشعار كبار الصوفية، من قبيل نهج البردة للبوصيري، أو قصائد عمر بن الفارض. واستطرد بأن "ما تشهده المواسم حاليا، هو من توابع ممارسات شعبية لا صلة لها بما يقام في الزوايا بهذه المناسبة، فقد ظل التقليد في هذه المناسبة، هو إقامة مجاميع للذكر والسماع وإنشاد المولديات". وتعليقا على طقس الحضرة وإهداء الجمل بتازارين، قال مازوني "الحضرة طقس شعبي متصل بمؤثرات محلية لا صلة لها بأصول الاحتفال بالزاوية، مضيفا أن "إهداء الجمل يعبر عن تجديد الولاء بالشرفاء أولاد مولاي عبد الله بن حساين بتازارين". أما عن طقوس شرب الماء الساخن، وتحويل التراب إلى بخور، يورد المازوني بأنها "من الممارسات التي تولدت عن سلوك بعض الطرق الشعبية، من قبيل حمادشة وهداوة وشرقاوة، التي توسع نفوذها بالمغرب منذ نهاية القرن 16. وخلص إلى أن الاحتفال بالمولد النبوي ظل قائما على سنة استحضار ذكرى المولد بالصلاة عليه والتذكير بشمائله وخصاله، أما ما تدور عليه المواسم فإنه حادث وغير مثبت في ممارسات الزوايا التي قامت على أصول التصوف السني". وعن ارتباط هذه الطقوس بالشيعة أكد المتحدث أن "هذا محتمل، نظرا لوجود شيعي سابق بالمغرب له صلة بامتدادات الحركة الفاطمية قبل ظهور المرابطين، حيث ترسخت بعض الممارسات الموروثة عنها في الجنوب بالخصوص والجنوب الشرقي..". فرصة لفض النزاعات أما الناشط الجمعوي سعيد أكني فيعتقد أن "هذه الاحتفالات الخاصة بعيد المولد النبوي التي تعرفها بعض الزوايا في تازارين تتيح للأشخاص والعائلات بالالتقاء في ما بينهم، وصلة الرحم بعد غياب طويل". واسترسل أنها مناسبة خاصة للنساء التازارينيات لتكسير الروتين المنزلي اليومي، والخروج لربط علاقات الصداقة مع النساء الزائرات، وهو فرصة أيضا تجدد فيه الروابط بين هذه الزوايا المحتفلة والقبائل التي معها علاقات وروابط وطيدة منذ القدم." وزاد الناشط الجمعوي بأن هذه المناسبة "فرصة يتم فيها استغلال حضور معظم قبائل المنطقة لتذويب الخلافات والنزاعات التي قد تحدث بين قبيلة وأخرى، وبين الأشخاص والعائلات". أما من الناحية الاقتصادية فيورد أكني سعيد، وهو مستشار بجماعة أيت بوداود، أن "التجار المتنقلين يستغلون هذه المناسبة، وقدوم أفواج هائلة من الأسر التي تأتي من مناطق قريبة وبعيدة، لعرض منتوجاتهم المختلفة. وأضاف أنه من بين هذه المنتجات الملابس النسائية، والأواني المنزلية، والحلي، وغيرها من المنتوجات الأخرى التي تثير انتباه الزوار، موضحا أنه في هذه المناسبة يحدث رواج اقتصادي في تازارين، مما يخلق ارتياحا لدى تجار المواد الغذائية وبائعي اللحوم."