أليس غريبا أن يجد المشاهد المغربي نفسه مجبرا على مشاهد مسلسلات لا علاقة له بها ؟ ما سر هذه الخلطة التلفزيونية ذات الأبعاد الإثنوغرافية والسياسية ؟ سؤال مركب موجه إلى مدير الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية ، الذي يسهر على التوقيع على برمجات قنواته الكثيرة . ليجيبنا وليشرح لنا – نحن من لم نفهم – هذه الخلطة التلفزيونية العجيبة التي نتلقاها كل يوم كجرعات دواء مر، نتناوله مجبرين ، على قنوات من المفروض أنها ملك للمواطنين ما داموا يؤدون ضرائب شهرية عنها في فواتيرهم الخاصة بالكهرباء . أتحدث هنا بغيرة كبيرة عن المجتمع المغربي الذي يتعرض تباعا لعلميات تخذير علقي ، أثناء عرض ثقافات عديدة مرة مكسيكية ومرة أمريكية ومرة مصرية والآن تركية ، ولا أحد يدري ماذا ينتظرنا مستقبلا . نبقى قليلا في هذه الأفلام التركية التي بتنا نسمع عنها هذه الأيام . فأغلبها قصص حب محترقة أو فراق لا رجوع بعده وألم بلا حدود . وأظن أننا لا نعدم مثل هذه المواضيع في مجتمعنا المغربي ويمكن أن نجد ما يشبهها ، لكن المشكلة أن هذه المسلسلات تنقل لنا حكايات تركية بلغة سورية لمجتمع مغربي . فلننظر إذن إلى نتيجة هذه الخلطة الاثنوغرافية العجيبة، التي لن نفهم معناها الان . لأننا لا نفهم ماذا تريد دولة تركيا من نشر هذه الأفلام في الدول العربية ومنها المغرب . ولا نعرف ماذا تريد الدولة المغربية من بث هذه المسلسلات التي حتى إن أردنا إدراجها في إطار حوار ثقافي بين الشعبين التركي والمغربي ، فإننا لن نجد المسوغ الكافي لتمرير هذه الحجة الواهية ، لأنه في الوقت الذي تنشر فيه تركيا ثقافتها – وان كانت مترجمة إلى السورية - فان الدولة المغربية لا تروج أي شئ في تركيا ( لا سلع ولا ثقافة ) ، كما أننا ونحن تلاميذ لم نتعرف على الثقافة التركية في إطار دروس الجغرافية ، واليوم تقدم لنا هذه الثقافة جاهزة في قالب درامي غاية في الحبكة . كما أن بث هذه المسلسلات في الدول العربية الأخرى قد يجد تفسيره بحنين الدولة التركية إلى مستعمراتها القديمة ( التي كانت تحت وصاية الإمبراطورية العثمانية ) ، في حين المغرب لم تربطه أية علاقات بهذه الدولة البعيدة جغرافيا ، لكنها بفضل مسلسلاتها أصبحت أقرب من دول لا تفصلنا عنها إلا أسلاك الحدود الوهمية . ولا ننسى أن الإعلام حمال أوجه ولا يخلو من خلفيات سياسية قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى . بمعنى أنه في هذا الإطار يجب طرح سؤال كبير : ماهو الهدف من هذه المسلسلات الأجنبية سواء كانت تركية ، أمريكية أو حتى مصرية ؟ أليس من أهداف الدول الحفاظ على ثقافة شعوبها ؟ الجواب بالطبع بلى ، لكن ربما نحتاج دائما إلى تذكير بأن المواطنين في أي بلد متحاجون من وقت لآخر إلى تذكير بقيمهم الثقافية المشتركة ، والتي ترسخ العيش المشترك في المجتمع ، وهذه المسلسلات الأجنبية تضرب هذا المبدأ عرض الحائط ، بمعنى أن المجتمع المغربي ، في المدى المتوسط والبعيد ، سيشهد تغيرات ثقافية هائلة ،ستبدأ معالمها على شكل تقليد لأنماط اجتماعية مختلفة وسلوكات مستوردة ( تقليد عادات غريبة عن الواقع المغربي كحرية الفرد التي قد تفهم خطأ كتحرر من قيود الدين والعادات الاجتماعية ، وضرب مفهوم الأسرة مقابل الحياة الخاصة لأفراد المجتمع ...) هذه التغييرات الجوهرية ستنتج عن هذه المسلسلات التي ستبني - الآن ومستقبلا - وعيا جديدا ، خاصة أنها تصاغ في قوالب فنية تجذب الأطفال والمراهقين والشباب ، وهم أكثر الفئات العمرية تأثرا بوسائل الإعلام ، وهم المستهدفون الأوائل من كل هذه العملية . باختصار ، يمكن القول أن الأعمال الدرامية المدبلجة سوف تحدث تغييرات في المجتمع المغربي ، وهو ما لن نستطيع إيجاد حلول له مستقبلا ، لأن ما تبنيه الشعوب في قرون ويتم تشويهه أو تغييره ، يصعب كثيرا إصلاحه . وحتى أصل إلى نتيجة من كل هذا الكلام ، أقول للمسؤولين عن هذه الأعمال ( ترجمة – تشخيصا- و برمجة ) ، وأخص بالذكر الجهات العليا المختصة في وزارة الاتصال المغربية، أن ينتبهوا إلى هذه الكارثة الثقافية الحقيقة التي ستحل بنا إن نحن تمادينا في نشر هذه الأعمال ، المخلة أحيانا باحترام الذوق العام و الدين والعادات والتقاليد المغربية . والتي سيشكل التخلي عنها تخليا عن أسس وقواعد المجتمع وهو ما سيهدده بالانهيار الثقافي. ومقابل ذلك أطالب هؤلاء المسؤولين بتشجيع الإنتاجات الوطنية ، خاصة تلك التي تحتفي بثقافتنا المغربية المتجدرة بتفرعاتها ( الامازيغية العربية الصحراوية الأندلسية الإفريقية ) . والتي لم يكشف عن الكثير منها لأنه مازال في كتب التاريخ والروايات الشفوية الشعبية . * أستاذ – باحث في قضايا التواصل والإشهار [email protected]