بعد أن انتهت أطوار ملاحقة الإخوة سعيد وشريف كواشي ،قدم الرئيس الفرنسي خطابا خاصا بالمناسبة المفجعة ،هذه الحدث الأليم الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بعد ،والذي ستكون له تداعيات خطيرة في المستقبل ، خاصة بالنسبة للجالية المسلمة .السيد الرئيس نوه بالجهود التي بدلها رجال ونساء الأمن والدرك، وكل الذين شاركوا من بعيد أو قريب في حل لغز الجريمة ، والوصول إلى المجرمين ثم تصفيتهما . جريمة" شارلي ايبدو" ، ستجل بدون شك كإحدى الجرائم الشنيعة التي تعرض لها رجال الصحافة ،في محاولة لإسكات الأقلام التي تؤمن أنها حرة في التعبير عن آرائها دون قيد أو شرط .وقد أجمع العالم شرقا وغربا على إدانة هذه الجريمة التي ذهب ضحيتها أزيد من 12شخصا ، من بينهم ثمانية من الصحافيين. هؤلاء الصحفيون ذهبوا إلى عملهم الذي يحبونه بشغف ذات صباح ، دون أن يخطر ببالهم أنهم لن يخرجوا على قدميهم من مقر عملهم ،بل سيودعون هذا المقر في نعوش إلى مثواهم الأخير . لم يكن الضحايا فقط فرنسيون على الرغم من أن الإعلام سلط الضوء فقط على الفرنسيين ، إذ قتل في الحادث المأساوي مسلمان :أحمد المرابط ومصطفى أوراد.الأول وعمره 45سنة شرطي في جهاز الأمن الفرنسي ،والثاني مدقق لغوي في المجلة .إذن لم يكن الفرنسي هو الضحية الوحيد للإرهاب ، بل حتى المسلم والعربي شرب من نفس الكأس دون أن ينتبه إليهم أحد خاصة وسائل الإعلام . العالم الغربي خاصة وبعد الحادثة التي أدانها الكل كما أسلفنا ، أصبح كل فرد فيه يحمل لوحة مكتوب عليها :أنا شرلي .دول الجنوب ومن بينها المغرب ،نظمت تظاهرات فيه تحمل نفس اللافتة :أنا شرلي . أنا شرلي تعني فيما تعنيه أنني ضد الإرهاب ، وأننا كلنا ذلك الصحفي أو أولائك الصحفيين الذي اغتالتهم خفافيش الظلام ، لأن هذه الخفافيش لا تؤمن سوى ببلاغة الدم كجواب على بلاغة الأقلام . لكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا وعلى كل المنديين بالإجرام في حق الأبرياء ، هو : هل رفعنا لشعار أنا شارلي ، لا يجعلنا ننزوي في معسكر واحد مسيج بقناعة أننا على صواب ،لأننا أبرياء و أحرار ونؤمن بالقيم الإنسانية التي جاء بها عصر الأنوار والثورات الديمقراطية .وأن الآخر ظلامي لا يؤمن بهذه القيم النبيلة وبالتالي يجب محاربته بالحديد والنار.هل هذا يعني أننا نحن الأخيار والآخرون على حد تعبير سارتر هم الجحيم . الموضوعية تقتضي على الغرب شاء ذلك أم أبى، أن يطرح السؤال الصحيح والذي هو : إذا كنا نحن شارلي فمن هم الأخوة كواشي ؟ وأنا لا اسمي هؤلاء الإخوة بالاسم هنا ألا على سبيل المثال ، لأنه إذا كان بطلا هذه الجريمة هم سعيد وشريف كواشي ، فغدا سيظهر أخوة آخرون باسم آخر لكن المعضلة ستبقى نفسها ،لا لشيء سوى أن السؤال بقي بدون جواب أو أنه لم يطرح أصلا .تأجيل طرح السؤال قد يكون وراءه مخافة الغرب أن يستيقظ على حقائق قد لا تعفيه من تحول المسؤولية عما وقع في عقر داره . منذ أحداث سبتمبر المفجعة التي عرفتها الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2001 ،إلى غاية الجريمة التي ارتكبت في حق صحافيي مجلة "شارلي ايبدو" ، ولا ندري ما الذي سيأتي به الغد من أحداث مفجعة .سيبقى طرح السؤال والإجابة عنه بموضوعية ضرورة ملحة للقضاء على ظاهرة الإرهاب .من هم الإخوة كواشي إذن ؟لا شك أنهم شابان اختارهما الإرهاب ليسفكا الدماء باسمه .لكن هذا الإرهاب في حد ذاته من جعله سحابة قاتمة تأبى أن تفارق أجواء الغرب المتطور تكنولوجيا و عسكريا ؟لننزع عن أعيننا نظارات الغرب للإرهاب ، ونضع نظارات بعض هؤلاء الذين يستهدفون الغرب .ألا ترى الجحافل المقهورة في العالم الإسلامي أن الغرب هو منبع الاستبداد والإرهاب . حين ترى الشعوب المقهورة على أمرها ، ساسة الأمم المتحضرة كي يدعمون الحكام المستبدين ، في أفغانستانسوريا والعراق واليمن .وحين يرون نتانياهو يقف في الصفوف الأمامية لتظاهرة باريس ، هو الذي قتل من الأطفال والأبرياء في فلسطين ولبنان ما لا يمكن عده وحصره .يتساءل الإنسان المقهور من هو الإرهابي حقا هل أنا أم هذا الغرب المتبجح الذي يكيل بمكيالين في قضاياه المصيرية . تدخل الغرب في شؤون الدول المتخلفة ،تأجيل حل القضية الفلسطينية ، تفقير الملايين في العالم بنهب ثروات بلدانهم ، وتكريس هيمنة رؤساء مستبدين أو تأجيل رحيلهم عن السلطة لأنهم يخدمون أجندة إدارة البيت الأبيض . كل هذا وغيره هو الوقود الذي يتغذى به الإرهاب ،أن النظام الرأسمالي المتوحش لا يؤمن سوى بعملة : دعه يمر دعه ينهب .وردة الفعل تكون بمستوى جشع الدول المتقدمة ،فمن يقنع الذي يلجأ إلى العنف أنه هو الإرهابي وليس الغرب المستبد . كتابة جملة : أنا شارلي لن يستقيم معناها دون إضافة :لكن من هم الإخوة كواشي ؟ كما أسلفت .وإذا ظل الغرب يضع رأسه في الر مال كما تفعل النعامة ،ويعالج الإرهاب بإرهاب مماثل فإن المشكلة ستظل قائمة وسوف نرى المزيد من الهجمات ، يذهب ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم سوى أن الغرب الذي ينتمون إليه يقارب الإرهاب مقاربة أمنية ، بدل أن يجد الحل له في الإجابة عن السؤال الذي يفرض نفسه بشدة هل حقا نحن نعرف من هم الإخوة كواشي ؟ .