يستعد شالوم عبد الحق، الحاخام اليهودي المغربي، 91 سنة، للهجرة إلى تل أبيب في إسرائيل، بعد أن فقد آخر ممتلكاته في الدارالبيضاء، إثر إفراغه من منزله بحي غوتيي في مقاطعة سيدي بليوط وسط العاصمة الاقتصادية. ويشكو رجل الدين اليهودي المغربي حرمانه من أدويته، وجوازي سفره وسفر زوجته المحتجزين في شقته التي أفرغ منها عنوة وبالقوة، وفق روايته، رغم حرصه على أدائه لمبلغ الكراء الشهري بانتظام. ولم يتمالك هذا المغربي الطاعن في السن، القادم من منطقة آيت أورير، حيث ازداد من والده الأمازيغي شالوم، قادما رفقة أسرته سنة 1937 إلى الدارالبيضاء، دموعه التي انهمرت بمجرد ما شرع في تذكر مأساته رفقة زوجته، وأربعة أسر مغربية تعتنق الديانة اليهودية. إهانة رجل دين يتوقف شالوم عن الكلام، وهو يمسح دموع الأسى والحسرة من وجنتيه، قبل أن يطلب منه السيد بنسامون، الذي قدم خصيصا من أجل مد يد المساعدة للأسر اليهودية الأربعة، الكَفَّ عن البكاء لكون عينيه لم يعد بمقدورهما التحمل أكثر بعدما أصيبتا بالتهاب. ولم يكف شالوم عن البكاء المتواصل، جراء قضائه 12 يوما بالتمام والكمال، وذلك بسبب المعاملة السيئة التي عامله بها ممثلو السلطات العمومية الذين أتوا لتنفيذ حكم الإفراغ يوم 25 دجنبر الماضي. ويروي الحاخام المغربي ما جرى "لم أعد أفهم شيئا، هل نحن في دولة يحكمها القانون أم في غابة، فقد جاءني عون التنفيذ رفقة رجال الأمن وطرقوا باب شقتي، وبمجرد ما فتحت الباب، فوجئت بهم وهم يجذبونني بقوة خارج الشقة وطرحوني أرضا". ويتابع الحاخام سرده "شعرت بآلام فظيعة في أطرافي وظهري، وشعرت بدوار، وغبت عن الوعي لثوان، قبل أن أستفيق، وأجد زوجتي بجانبي طريحة أيضا"، متسائلا "هل من حق هؤلاء أن يعاملونني هكذا معاملة؟ وهل القانون ينص على هذا الأمر.. ويضيف الحاخام اليهودي، وهو يبكي بحرقة "الآن وبسبب مافيا العقار، سأهاجر إلى إسرائيل رفقة زوجتي، بحثا عن ملجأ بعدما ضاقت بنا السبل في بلدنا، وهناك أسر أخرى اضطرت لنفس الأمر لنفس السبب". مأساة أسر يهودية مأساة شالوم وزوجته والأسر المغربية الثلاثة، التي تناضل من أجل العودة إلى بيوتها التي أفرغت منها من طرف أشخاص، تقول هذه الأسر إن لا علاقة لهم بهذا العقار، بدأت قبل سنتين فقط. ميسودي كوهين، جارة هذه الأسر المشتكية، قضت بدورها 50 سنة وهي تقطن في نفس الشقة بنفس العمارة في ذات الحي، وترفض مغادرة بيتها، وتعتبر بأن ما يجري للأسر اليهودية والمسلمة على حد سواء بسبب مافيا العقار، يندى له الجبين. هذه المغربية، التي تعتنق الديانة اليهودية، تحول بيتها لمحج لزوار أتوا خصيصا من الخارج للوقوف على ما يعانيه اليهود المغاربة، بسبب ما يقولون إنه "تمادٍ لمافيا العقار، التي لم يعد يهمها سوى الاستيلاء على العقارات، وطرد قاطنيها المسلمين منهم واليهود، وإقامة عمارات سكنية وبيعها لملاكين جدد". وتواصل ميسودي، التي ربطت علاقات طيبة مع سكان حي كوتيي منذ عقود، حكاية هذه الأسر اليهودية التي تستعد مضطرة لمغادرة بلدها صوب إسرائيل، وتقول "أنا شخصيا لن أتوجه لأي بلد في الخارج، أنا في المغرب". التقطت السيدة كوهين أنفاسها قبل أن تستمر في كلامها "أنا في بلدي، ولا يحق لأي أحد أن يتحايل على القانون، ويستولي على عقارات ليست في ملكه، ويوهم المحكمة أنه يتوفر على قرارات إدارية بالهدم، والواقع ليس كذلك". "لدليل هو الوثائق التي أمدنا بها مسؤولو مجلس مدينة الدارالبيضاء، حيث تشير إلى أنهم لم يسلموا أبدا للأشخاص الذين يدعون أنهم ملاك العمارة الجدد، أي وثيقة تتيح لهم هدم هذه البناية غير الآيلة للسقوط" تورد المتحدثة. مطالب بفتح تحقيق وبنبرة تحد، تواصل تأكيداتها، "والله العظيم لن أستسلم، أنا في أرضي وبلدي، ولا يحق لأي أحد طردي ما دمت على حق، هؤلاء هم ليسوا بأصحاب البيت ويجب أن يفتح تحقيق في الموضوع". واعتمدت المحكمة الابتدائية والاستئناف في إصدار أحكامها القاضية بالإفراغ في حق سكان العمارة 81 بزنقة دجلة في حي كوتيي، على رخص الهدم والبناء أدلى بها المالك الجديد، وهي الوثائق التي نفى عبد الرحيم وطاس، نائب عمدة الدارالبيضاء، في وثيقة رسمية صادرة يوم 25 دجنبر الماضي أنها صدرت عن المجلس. وجاء في الوثيقة أن الرخصة الصادرة عن المجلس لا تهم عملية الهدم أو إفراغ المكترين، وهي صادرة في يناير 2013، وأضحت منتهية الصلاحية حسب الضوابط والقوانين المنظمة للتعمير". هذه الوثيقة دفعت محمد متزكي، ناشط جمعوي، إلى توجيه نداء عاجل إلى مصطفى الرميد، وزير العدل، وحين مطر الوكيل العام باستئنافية الدارالبيضاء، لتوجيه أمر للفرقة الوطنية لفتح تحقيق في هذا الملف. ويقول متزكي إن مطالب سكان العمارة والحي تتمثل في " فتح تحقيق في هوية هذا الشخص والتأكد من صلته بالعمارة، والتحقيق في ملابسات القضية برمتها". وحاولت هسبريس البحث عن الشركة العقارية المالكة للعمارة، التي يعود تاريخ تأسيسها إلى عهد الحماية الفرنسية، ولم تجد لها أثرا، لا في العنوان المدون الأحكام القضائية، ولا في دلائل الهاتف، ولا في المواقع الحكومية الخاصة بالشركات المغربية. واعتبر متزكي أن الأمر أصبح واضحا للعيان "تبين أن هذه الأحكام التي أصدرتها المحكمة المدنية جاءت بناء على رخصة الهدم والبناء التي قال الطرف الآخر إنها في حوزته، وقد أدلى بنسخ منها للمحكمة، لكن مصالح المدينة أكدت أنها لم تصدر أي رخصة تعطي له الحق في الهدم". حرب إبادة؟ ويضيف المتحدث نفسه أن هناك حرب إبادة تُشنُّ ضد البيضاويين، يهودا ومسلمين، من طرف مافيا العقار التي تعمل كل ما في وسعها للتحايل على القانون من أجل الاستيلاء على عقارات ليست في ملكها وتحويلها إلى مشاريع عقارية وبيعها تم الاختفاء عن الأنظار. ويرى هذا الناشط الجمعوي أن في هذه القضية تم المس بأحد الحقوق التي يضمنها القانون لكل المغاربة، والتي تتمثل في الحق في السكن، كما تم المس بحق الأقليات الدينية في الاحتماء بالقانون. وأضاف " المغرب بلد التعددية الدينية ونحن لا نريد لأي مغربي أن يشعر بأنه مهدد، خاصة الطائفة اليهودية، نحن مسلمين ندافع عن اليهود المغاربة بكل قوة، وتعاليم ديننا الإسلامي تلزمنا بالدفاع عنهم". "وفي هذه القضية نشعر أن عاجزين عن الدفاع عنهم رغم وجود دلائل دامغة تؤكد أن هناك تجاوزات في الملف، ويجب على الأجهزة المختصة فتح تحقيق في الموضوع وإنصاف هذه الأسر اليهودية الفقيرة، وإنصاف المظلومين" يورد المتحدث. إنصاف ينتظره عبد الحق شالوم، الذي يتوق إلى العودة إلى قريته في نواحي آيت أوريرجنوبمراكش، ليستعيد ذكريات طفولته هناك التي مازال يحن إليها، لأنها تُذكره بحقيقة الانتماء إلى المغرب، الذي يقول عنه إنه يحبه من أعماق أعماقه، ولا يطلب سوى إنصافه ليقضي فيه بقية عمره.