في الخطاب الإعلامي المصري الرسمي مصر 2012: ثورة أم انقلاب؟ تتصدر المحاججة بوصفها وظيفة لسانية قائمة الوظائف اللغوية ،فالقول اللغوي ينجز في ظروف معينة قصد التأثير في المتلقي مستعملا وسائل لغوية موجهة للخطاب نحو غاية معينة ، وبالتالي سيكون من الوجيه أن نميز بين الحجاج(argumentation)،والبرهان (démonstration) فالحجاج ليس خطابا برهانيا منطقيا وعقليا بالأساس، يقتضي البرهنة على صدق قضية ما مثلما هو الأمر في الاستدلال المنطقي (syllogisme).إنما هو خطاب لغوي احتمالي في نتيجته و التي يتوصل إلى معناها بالتأمل في البنية اللغوية ،و وسائل الربط المقيدة للحجج والمنسقة بينها. إن ما يفرق بين الحجاج والبرهنة، كون الحجاج مؤسسا على بنية قولية لغوية متسلسلة داخل نص ما لا على مقتضى الأقوال المنطقية التي ينشغل بها النص الفلسفي الاستدلالي. من هذا التحديد الإجرائي سنتبنى تحليلا حجاجيا لنص الخطاب الصحفي الذي بثته القناة الأولى بشان الوضع في مصر ليلة الخميس 01-01-2014، وذلك اعتمادا على المقارنة بين ما جاء في التقرير والواقع على الأرض ، للكشف عن الحجاج الخاطئ أو الصحيح في نص الخطاب الصحفي المدروس . الحجاج الخاطئ : يبنى هذا النوع على المغالطة في تقديم الحجة، ويعبر عنه باللغة الفرنسية بمصطلح (paralogisme) المتكون من جزئين هما para ونعني به خاطئ و logisme بمعنى الحجة ، وربما أضاف بعضهم صفة النية الحسنة لهذا النوع؛ ليتميز في التفكير الفلسفي عن مصطلح sophisme1 .سنركز في هذا السياق على مفهوم الانقلاب العسكري: الانقلاب العسكري : وردت لفظة انقلاب 5 مرات في التقرير.و( الانقلاب من الناحية السياسية،هو إزاحة مفاجئة للحكومة بفعل مجموعة تنتمي إلى مؤسسة الدولة - عادة ما تكون الجيش - و تنصيب سلطة غيرها مدنية أو عسكرية. يعدّ الانقلاب ناجحا إذا تمكّن الانقلابيون من فرض هيمنتهم، فإذا لم يتمكنوا فإن الحرب الأهلية تكون وارد.).هذا التوصيف يطابق الواقع على الأرض، والتقرير لم يورد سوى وصفا لما جرى بالضبط من إزاحة لرئيس شرعي منتخب وتنصيب آخر موال للجيش. مؤخرا ظهر في الخطاب الصحفي مفهوم "الانقلاب الديمقراطي" الذي يأتي استجابة لحراك شعبي ضد نظام سلطوي أو شمولي فيسقط ذلك النظام بغرض محدّد هو إجراء انتخابات نزيهة لقيادة مدنية، مثل ما جرى في تونس خلال ثورة 2011 . وفي مقابل الانقلاب وظف الجهاز الإعلامي المصري مفهوم للثورة ، والذي يعني التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل ويوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع. وهو ما يعود بنا إلى أول ثورة شعبية معاصرة (الثورة الفرنسية) عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989.إن الحجاج الخاطئ ضلل الرأي العام الساذج والتابع وجعل الانقلاب العسكري (وهو قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم، بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية )، مرادفا للثورة التي تعني التغيير للأفضل . نتيجة لما سبق يتبين أن الحجاج الخاطئ الذي روجه الإعلام الموالي للجيش المصري ،كان يقوم على المقايسة الواهمة ،و تأسست محاججته على مصادرة الرأي الآخر، وتمثل ذلك في حظر بث قناة الجزيرة وقنوات جماعة الإخوان المسلمين، ما ألغى النصف الثاني من صورة الوضع المصري،زيادة على تأليب القنوات الخاصة و الرسمية للشعب ضد نظام محمد مرسي، وتصوير حكومته على أنها جماعة إرهابية. هذا الخطاب يصدر عن تمويه في صورة مقدمات وهمية كاذبة،إما شبيهة بالحقيقة لكنها غير ذلك ،أو شبيهة بالمشهور ، لكنها حجج لا تنطلي إلا على العقول الساذجة، وقد جرى تداولها منذ 2013 إلى الآن، مع ممانعة خطابات إعلامية دولية عدة (تركيا على رأسها). تصحيح المغالطة الحجاجية: المفهوم الثاني الذي سنحلله هو تصحيح المغالطة الحجاجية: و نمثل لها في التقرير بجملة (عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي)، إذ أن الوصف يوافق ما جرى واقعيا.وقد تم التصحيح بالقول (عاشت مصر منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه المشير عبد الفتاح السيسي عام 2013 على وقع الفوضى والانفلات الأمني...). و قد تصدر هذا التصحيح تقرير القناة الأولى ليوضح للرأي العام ما جرى، دون كثير من اللف.فالجيش المصري استخدم الحجاج بالسلطة ليفرض ( السيسي) رئيسا،باعتباره مشيرا (وهي أسمى وأعلى رتبة عسكرية في القوات المسلحة المصرية ولا يصل إليها إلا القائد العام للقوات المسلحة، ولا يسمح أن يكون هناك أكثر من مشير واحد في الخدمة في نفس الجيش). وتستعمل أمريكا هذا النوع من الحجاج في دعمها ل(إسرائيل). كما قد تعارض الحجة المنطق فنسميها المغالطة المنطقية؛حيث جاء في التقرير (فقد فاز قائد الانقلاب المشير عبد الفتاح السيسي برئاسة الجمهورية بنسبة 96 بالمائة في انتخابات شهدت عزوفا للناخبين عن التصويت)، وهذا بالرغم من أن اللجنة العليا للانتخابات قدرت نسبة المشاركة الإجمالية بنسبة 47 بالمائة ما يعني أن أكثر من 25 مليونا لم يشاركوا في هذا الاختيار )، فمن غير المنطقي فوز كاسح بنسبة 96 بالمائة بمعدل 23,780,104صوتا ، في ظل عزوف أكثر من 25 مليون مصري، هذا مع العلم أن المنافس الوحيد حمدين عبد العاطي عبد المقصود صباحي مؤسس التيار الشعبي المصري،لم يحض سوى بنسبة 3.9% بمعدل 757,511صوتا من مجموع الأصوات. وهو ما يبدو غير مقنع منطقيا. غير أن الحكبة التي تم بها بناء الخطاب الإعلامي المصري خلال الانتخابات التي جرت بعد إعلان لجنة الانتخابات الرئاسية (الفترة من 15إلى 24 مايو 2014)، وذلك إثر عزل الجيش لمحمد مرسي الذي انتخب في أول انتخابات رئاسية بعد ثورة 25 يناير2011، أقيمت الجولة الأولى من الانتخابات يومي 23 و24 مايو من عام 2012، وأقيمت الجولة الثانية يومي 16 و17 يونيو.وشهد العالم أجمع فصول عزل محمد مرسي و نشر الجيش قواته في أنحاء البلاد لإضفاء حالة غياب الأمن التي تضمن صعود نجم قائد الجيش الذين لن يكون إلا السيسي ففي يوم السبت الأول من فبراير 2014 ارتدى عبد الفتاح السيسي زيه العسكري، برتبة "مشير" تنفيذاً للقرار الصادر من رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور الاثنين الماضي. والمستغرب أو غير المعقول أن من أصدر قرار التعيين هو عدلي منصور، الذي عينه المجلس العسكري (مع بعض القوى الوطنية المعارضة لحكم محمد مرسي بالتعاون مع شيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وبحضور ممثل لحزب النور) .أصبح إذن السيسي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي إلى رتبة " مشير " ، وبالتالي يتم تنفيذه القرار اعتباراً من 1 فبراير 2014 بعد نشره في الجريدة الرسمية. هذا مع العلم أن رتبة المشير لا تمنح إلا للأبطال الذين خاضوا معارك بطولية حسب القانون العسكري الدولي، وهو الشرط الذي لا يتوفر في السيسي. نخلص مما سبق أن تقرير القناة المغربية الأولى لم يأت بجديد، فهو يقر الواقع و يبين الحجاج الخاطئ الرائج في الخطاب الإعلامي المصري بعد الانقلاب، كما يصحح مغالطات حجاجية بينا بعضها، و يبين المغالطات العلمية و الحجاج المبني على التناقض الإثباتي، دون أن ننسى استعمال الإعلام الرسمي المصري أدوات الحجاج اعتمادا على التهديد والترهيب كأسلوب للإقناع الخطابي في النصوص السياسية خلال فترة الأزمة بعد عزل محمد مرسي، وذلك لفرض الأمر الواقع بإعدام كل رأي معارض . نص تقرير القناة الأولى المغربية ،نشرة المساء 01/01/2015(مدة التقرير04 دقائق وثانيتين) عاشت مصر منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه المشير عبد الفتاح السيسي عام 2013 على وقع الفوضى والانفلات الأمني ،حيث اعتمد على عدد من القوى والمؤسسات لفرضه على ارض الواقع وتتبيث أركانه . التقرير التالي لسكينة عليتو يرصد الآثار السياسية للانقلاب العسكري في مصر: نص التقرير:الثالث من يوليو من العام 2013 يوم غير مسبوق في ذاكرة الشعب المصري، فقي ذلك اليوم قام الجيش بانقلاب عسكري تحت قيادة عبد الفتاح السيسي وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي وعطل العمل بالدستور وكلف رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور برئاسة البلاد وصدرت أوامر باعتقال المئات من المعارضين ومنذ إعلان بيان الانقلاب خرجت العديد من المظاهرات في أنحاء مختلفة من مصر وأصيب العشرات في اشتباكات بمحافظة الشرقية مسقط رأس مرسي وشنت هجمات في شبه جزيرة سيناء وأعلنت حالة الطوارئ ف السويس وجنوب سيناء تصريح:محمد بن حمو مدير المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية( أجهض الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي ،مسلسل الانتقال الديمقراطي الذي دخلت فيه مصر فهذا الانقلاب وضع حدا لمطامح الشعب المصري حيث انه أنهى عهدة الرئيس المنتخب مرسي كما عطل العمل بالدستور الذي وضعه المصريون هي عملية اعتبرت ردة على خيارات الشعب المصري الذي اختار آن يكون من خلال الحراك الثورة التي قام بها الشباب والنساء والطبقات الوسطى المصرية ومختلف شرائح الشعب المصري من اجل إقامة نظام ديمقراطي ووضع حد للنظام الشمولي الذي كانت تعرفه مصر. نص التقرير:14 من غشت 2013 كان يوما دمويا عندما قامت قوات الشرطة والجيش بالتحرك لفض اعتصامات المعارضين للانقلاب في ميداني رابعة العدوية في القاهرة والنهضة بالجيزة وفاق عدد الضحايا 500 قتيل وآلاف الجرحى وتصاعدت أعمال العنف في العديد من المحافظات المصرية. وجاءت ردود الفعل الدولية على ما يحدث آنذاك في مصر منددة معتبرة أن التدخل العسكري في شؤون أي دولة هو مبعث قلق داعية إلى تعزيز الحكم المدني وفقا للمبادئ الديمقراطية . تصريح محمد بن حمو مدير المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية: رغم كل ما يقوم به النظام المصري القائم حاليا و ما يقوم به الرئيس السيسي بعد سيطرته على السلطة ومروره عبر عملية انتخابية فان الأجوبة الحارقة ما زالت حارقة وكذلك حالة الاحتقان لا تؤشر بأن مصر ستدخل في مرحلة إعادة بناء الثقة أو مرحلة حوار أو مرحلة كذلك إعادة بناء استقرار شامل فهناك انفلات امني كبير وهناك كذلك معارضة اتخذت في جوانبها راديكالية كما أن هناك كذلك احتقان كبير في الشارع المصري وعدم فسح المجال لأي أفق ديمقراطي في هذه المرحلة ختم: كان للانقلاب العسكري إذن آثار وخيمة على الحياة السياسية في مصر حيث تم استئصال المعارضين وعسكرة مفاصل الدولة، فقد فاز قائد الانقلاب المشير عبد الفتاح السيسي برئاسة الجمهوية بنسبة 96 بالمائة في انتخابات شهدت عزوفا للناخبين عن التصويت رغم أن اللجنة العليا للانتخابات قدرت نسبة المشاركة الإجمالية بنسبة 47 بالمائة ما يعني أن أكثر من 25 مليونا لم يشاركوا في هذا الاختيار وما زالت مصر تعيش أطوار صراع سياسي لم تكتمل فصوله بعد -باحث في اللسانيات وتحليل الخطاب