آن الاوان لاسأل "بهجت" بطل مسرحية مدرسة المشاغبين..تعرف ايه عن المنطق؟؟ منطق ربما التهمته الميتافيزقا فصار لاماديا ، لا نراه ولا نحس به ، لا نستطيع ان نعتمد على حججه وبراهينه، ولانحلل به واقعنا المزيف.في بلداننا انقلبت كل الموازين التي تقبل العقل والمنطق ، كنا قد ملكنا مصيرنا وارادتنا الشعبية، فجأة انطبقت علينا نظرية العالم السيكولوجي "ابراهام ماسلاو"..الحاجيات البهيمية اولا ،ثم المبادئ والقيم ثانيا،وكأننا نسينا اننا نحتاج للاكل والشرب والنوم وممارسة الحياة الطبيعية ، من كان يظن اننا كنا نحتاج لقيمة القيم كما نادى بها المفكر المهدي المنجرة، لربما كان من الافضل ان نطالب بالخبزوالشعير؟؟ او لربما كان من الافضل ان نعيش ونأكل العيش؟؟ أكنا اَسوياء لما كنا نهتف بأعلى صوت يسقط يسقط النظام ؟؟ لماذا بهذه الغباوة صدقنا كذبا يغسل ادمغتنا صباح مساء؟ لماذا صرنا على نقيض ما ضحينا به..تجرأنا ، خرجنا من بيوتنا،غامرنا ببصيص حياتنا، انتحرنا باجسادنا امام الرصاص،طاردونا بابشع الاوصاف ، غرروا بنا باموال واحلام رخيصة، لكننا لم ننصع لهم ، خرجنا وقاومنا حتى اخرجناهم من جحورهم ، حينذاك سمونا شعوبا ثائرة امام الظلم والطغيان..لكن بعد اربع سنوات هل تغيرنا ؟ هل صار الحلم كابوسا مزعجا ، يحتاج الى خرطوش ينهي قصته عند اقرب اسفلت منسي. ماذا عن مصر الثورة ؟.. خرجنا من حاراتنا ، لملمنا اشلاء ارواحنا ، هناك..في ميدان الحرية ، ميدان التحرير ، صرخنا باعلى صوت "عيش، حرية، عدالة اجتماعية ، كرامة انسانية".قالوا لنا مطالبكم مشروعة ..لكن في حدود، قلنا لهم فليسقط الرئيس ، فليسقط النظام، وسقط الرئيس ، وبقي النظام ،واستجمع انفاساه ، ولملم شظاياه المتناثرة هنا وهناك ،ورجع الرئيس..ورجعنا لبيوتنا، واكلنا العيش مسموما. ماذا عن ليبيا الجديدة ؟.. خرجنا و الاخضر يحاصرنا في كل مكان، في المنزل ، في المكتب، عند البقال ، في الكتب المدرسية، في الحمام ، في الاسواق ، وفي عقولنا غلاف مسيج باسوار خضراء.. قاومنا الطاغية ،بكل ما أوتي لنا من عزيمة وقوة وسلاح ، وانهينا ثراهاته المجنونة.بعد الحرية..قلنا فلنبدأ صفحة جديدة ، عنوانها دولة الحق و القانون والحريات ، لا شرقية ولاغربية فيها ، بل فيها الوحدة الوطنية، لكن السلاح مازال بين ايدينا، نمارس به هواية القتال بيننا ، حتى يجد لكل واحد منا موطنا داخل الوطن، يعيش فيه لوحده بعيدا عن الآخر. ماذا عن سوريا الأبية ؟.. خرجنا و الدبابة تشتهي القتال، كنا ننادي فقط "الله، سورية، حرية وبس" ..حرية وكفانا قتالا، دكتور العيون اعمته السلطة ليرانا نحن المسالمين ، مجرد "ارهابيين"،قاتلناه..لكن نغمة "الارهاب" ظلت ترقص وترقص حتى استساغها العالم، فكان الارهاب ارهابا ، فجاؤوا الينا وخربوا احلامنا ،وقبلما كنا نقاتل اصحاب الدبابات والطائرات ، صرنا بعد ذلك نقاوم بالصاع صاعين ..اصحاب الدبابات و مريدوا البغذادي،امام هذا المشهد ، هناك من منا لجأ لما وراء البحار فأكمل مشواره السلمي ،وهناك من قاتل مع المتطرفين، وهناك من مات في صمت..تحت اَنقاض مملكته الصغيرة. ماذا عن اليمن السعيد ؟.. خرجنا والرئيس يقول لنا "فاتكم القطار" ، قلنا له لا ، انت من فاتتك الفرصة، ناضلنا لحياة افضل في بلد "سعيد" ينخر عظامه الجهل و الفقر و المرض وهلم مأساة، أليس من حقنا ان نطالب بالحرية؟ ونعيش عيشة سوية كريمة، لكن على مايبدو ان احلامنا اجهضت فلا مجال لتلك القيم وانت في بلد يتعرض ليل نهار لتدخلات و توجيهات وأجندات خارجة عن ارادتنا الشعبية. تونس الياسمين.. وسط هذا الدخان، مازالت بقعة ضوء شارد، تقاوم، تنازع شهوة الماضي. مازالت تونس تحاول بكل ماتملك من الغالي و النفيس ، ان تناضل لدولة مدنية ، علمانية ، ليبرالية تقبل الكل مهما كانت انتماءاته، تونس انصاعت للتوافق ،و تخلى ابناؤها عن كل اشكال الانانية والتفرد في المصير . تونس اختارت مصيرها ، أي نعم قد طال انتظارها ، اي نعم مهددة بالرجوع لبراثن عهد مخلوع ، اي نعم هناك حفرة من الشك ممكن ان تسقط فيها البلاد نحو غياهب الديكتاتورية، لكن التونسيون..ليسوا كما في السابق. بعد اربع سنوات من الربيع و الخريف، فصول عاشتها شعوبنا بلهفة ،بتعطش نحو قيم مشروعة لإرادتها الحرة ،لكنها انكسرت و من الوعود يأست ، فاستسلمت واجبرت على الركوع للماضي و التطرف ، والاكثر من ذلك استسلمت لسؤال الخبز و متاهة المعيشة الضنكة. وهنا يطرح السؤال، وكأنه قلق يحتاج لأسبرين ، لا لجواب بنعم ام لا،سؤال طرحه الكاتب الروائي الكبير الدكتور علاء الاسواني وعنونه في غلاف كتابه الشهير ..هل نستحق الديمقراطية؟ سؤال..قد تجيب عنه الاجيال القادمة..مادام المنطق منطقا، والعقل متنورا.