يريد رئيس الحكومة أن يرى ما يريد. وهو يريد أن يرى في المغرب نظاما ساقطا، مثل ما حدث في مصر مخلفا وراءه يتامى ممن يسمون بالفلول.! هذا ما أصر بنكيران على أن يقوله في لقاء الدارالبيضاء، لقافلة المصباح بدعم حكومته. تعودنا من بنكيران قاموس الحيوانات الأليفة والمرضى بالطاعون، وحيوان ابن المقفع، واليوم جاء الدور على قاموس مصري بامتياز، ينعت فيه أنصار حسني مبارك، الذي سقط وشبع سوقوا، بالفلول. ليس الاستعمال هنا لغويا، إنه استعمال سياسي اصطلاحي، يعني بقايا نظام بائد مازالت تقاوم. إذا طرحنا السؤال على بنكيران، لا شك أن جوابه، هو لا محالة رجل ذكي، سيكون «انتوما قانيين ليا مع الملك». وإذا سألنا هل قلتها، سيقول نعم أو ربما، أو أن الصحافة تزور كلامي. ولكن الواقع قائم. فالرجل يعرف، بداهة الأشياء، أنه لن تقوم ثورة (وإذا كانت قد قامت، فقد قام بها الملك نفسه في 9 مارس)، ولم يسقط النظام، وأن الفلول سياسة واصطلاحا لا وجود لها في المغرب. إذن ماذا؟ لماذا يصر على استيراد كلمات مشحونة بسياق آخر، وبمضمون آخر، وبإيحاءات أخرى في بلاد الكنانة إلى المغرب؟ الفلول، الذين يراهم في التلفزيون وفي الأحزاب ( ومنها العتيقة) وفي كل معارض..، لا وجود لهم إلا في ما تشابه عليه من لقطات بين ما يعيشه إخوانه في الكنانة وما لا نعيشه نحن في المغرب!. تماهي يضعه في منطقة خطرة وحذرة للغاية. كان يمكن أن نعتبر الكلمات من باب التسلية التي اعتاد عليها ( ألم يقل إنه منذ وجد بنكيران وهو كايهدر؟) لولا أن السيد الرئيس قال إنه مستعد للموت في سبيل الله؟ هنا نخرج من منطق الإخوان المسلمين في مصر إلى منطق المسلمين الإخوان في بداية الدعوة. هل سيموت وهو يقاتل الفقر، وقد قال علي كرم الله وجهه: كاد الفقر أن يكون كفرا. هل سيموت وهو يحارب من أجل حق المعطلين في العمل؟ العمل عبادة إذن. أم سيموت وهو يحارب الفلول؟ إن الفلول التي يموت الإنسان وهو يحاربها في سبيل الله، هي فلول قريش. يفترض ذلك أن الفلول كافرة، وأنها ستجر عبد الإله بنكيران، كما فعلت مع بلال بن رباح، إلى الرمضاء وتعذيبه . أو أنها ستفعل به كما فعلت قريش مع آل ياسر، وأن بنكيران يقاتل من أجل الإيمان، وأن من يعارضه من فسطاط الشيطان والكفر. الحكومة إذن دار إسلام، والمعارضة دار كفر. وهنا يتضح ما لا يخطر على البال. وما يتجاوز التفكير السياسي المبني على فلسفة التغيير، وينتقل إلى «المنكر» والمعروف وكل القاموس المرتبط بالتكفير. هل نبالغ؟ كنا نود ذلك، حتى نكون ممنونين للسيد الرئيس بأنه كلما تحدث، أعطانا ما نكتبه أعمدة ويغذي السجال السياسي والإعلامي، لكن مبالغتنا يعتريها الكثير من التوجس. وإلا كيف نسمي حديثه عن الفلول وعن الموت في سبيل الله، وليست أمامنا لا موقعة أُحد ولا بدر، ولا موقعة حطين.. بعد قرون!!!! سنختم الكلام بما كتبه أحد المحسوبين على التيار الإسلامي، ومن الذين يقرأون اليوم قضية التغيير، وهو يقول في كتابه سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة ما يلي:«لم تخرج الشعوب لأجل المطالبة بتطبيق الشريعة، مع شرف هذا المطلب وأحقيَّته للمجتمعات المسلمة بلا شك، ولكن الشعوب لم ترفع هذا الشعار خلال مظاهراتها واحتجاجاتها.. لم تخرج لأجل إحياء منهج أهل السنة والجماعة كما يظن بعضهم، أو لأجل نصرة مذهب السلف.. لم تخرج لأجل محاربة المنكرات السلوكية أو البدعيّة، أو لكي تحطّم المزارات والأضرحة.. لم تخرج لأجل المصارف الإسلامية، أو السماح بتعدد الزوجات، أو لفرض النقاب والحجاب، أو لمنع الخمور والمراقص الليلية.» حتى إذا آمنا بالفلول، فلن يجد المسلمين حول مسجد قباء، متحلقين حول الرسول الأعظم ينتظرونه بعد نهاية الولاية لكي يشكوا إليه «إنهم الفلول يا رسول الله»!