أثار مقطع فيديو، يظهر تلميذة صغيرة في أحد الأقسام الابتدائية عجزت عن كتابة العدد 5 بشكل صحيح، وهو ما استغله معلمها لينهال عليها بعبارات مِلْؤُها الاستهزاء بالطفلة الصغيرة، جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي وصل إلى حد مناقشته تحت قبة البرلمان. ويأتي رواج هذا الفيديو في الوقت الذي يعيش فيه التعليم المغربي وضعية متأزمة تستوجب حلولا عاجلة لإنقاذه، وأيضا في خضم تأكيد دراسة حديثة أن 50 في المائة من المُدرّسين يروْن أن التلاميذ ليست لديهم قابلية القراءة والتعلم، وفق ما أورده وزير التربية الوطنية. خمسة وخنشة وسلك معوج وتظهر في مقطع الفيديو المُتداول، والذي لا يحملُ تاريخ تصويره، تلميذة صغيرة واقفة أمام سبّورة وتحمل طبشورة، ويتمّ تصويرها من طرف "مُدرسها"؛ هذا الأخير طلب من نادية أنْ تكتَب رقم 5 على السبورة، وقال لها "نادية، اكتب أبْنتي خمسةٌ"، لتشرع الصغيرة في رسم خطّ متدلّ نحو الأسفل. ترفع التلميذة عيْنيها نحو "المدرّس" الذي صوّرها بواسطة الهاتف المحمول على ما يبْدو، وترمقه بنظراتٍ خائفة، وعوض أن يُريها المعلم طريقة كتابة الرقم 5، قال لها "زيدي أبنتي"، لترسم التلميذة الصغيرة خطّا أفقيا آخر في اتجاه اليسار، ثمّ خطا آخر نحو الأسفل، على شكل أدراج. وما كان من "المدرّس" حينها إلا أن استمرّ في تشجيع الطفلة نادية، بعبارة "زيدي أبنتي، الرّضا"، قبل أن يتوجّه بالكلام إلى التلاميذ قائلا "شوفو خمسةٌ كي كاتّكتب ". ويعود "المُدرّس" إلى الحديث إلى التلميذة نادية، قائلا "زيدي أبنتي، ما زال ما ساليتيش خمْسةٌ"، وسط ضحكات التلاميذ داخل قاعة الدرس، ووسط قهقهات التلاميذ يستمرّ "المدرّس" في إهانة التلميذة الصغيرة، والسخرية منها. وتابع المعلم طلبه من التلميذة نادية أن تستمرّ في الكتابة، قائلا "زيدي أبنتي، طلعي شوية، هادو الدروج"، وتابع موجها كلامه بنبرة ساخرة إلى لتلاميذ قائلا "هادي خمسة ولا خنشة"، ويضيف "خنشة ديال فاخرٌ". واستمر المعلم في الاستهزاء "كاتضحكي، ويلي ويلي على الزين"، بينما الطفلة ظلّت تنظر بنظرات تائهة بين الأستاذ والتلاميذ، ليعود "المدرس" إلى الاستهزاء منها من جديد بقوله "آللا، هاداك اللي كتبتي راه سلك معوج"، ليردّ التلاميذ نفس العبارة، ويسألهم الأستاذ "السلك معوج شانو بْغا؟" ليردّ التلاميذ "السلك معوّج بغا يتزوّج". وخلف مقطع الفيديو غضبا كبيرا وسط الناشطين الفيسبوكيين، إذ وصف بعضهم "المدرّس" الذي استهزأ من التلميذة ب"المجنون والمريض"، فيما قال فوزي الذي نشر الفيديو على صفحته "غادي يعقدها مسكينة، ليته لم يأخذ لها فيديو"، داعيا من تعرّف على التلميذة أن يُعلم المسؤولين بالمعلم المعنيّ". وقال معلق آخر إنّ تصوير وتشويه تلميذة يعتبر جناية يعاقب عليها القانون، وأضاف "أقول لهذا البليد وليس بمعلم أن هناك ميثاقا وطنيا وضعته الوزارة الوصية يمنع هذه التصرفات اللا أخلاقية كالضرب والسب والاستهزاء، فما بالك بتصويره لاستعماله في التشهير بنيّة مسبقة". البرلمان يدخل على الخط ودخل مجلس النواب على خط هذا الفيديو الذي يستهزئ فيه معلم بتلميذته، حيث أبرز رشيد روكبان، رئيس الفريق الديمقراطي، أن الشريط "يخل بشكل فظيع بالمبادئ السامية والمكتسبات الإيجابية التي كرستها بلادنا في مجال تكريس حقوق الإنسان والذود عن كرامة المواطنات والمواطنين". وطالب روكبان، في سؤاله الذي تتوفر عليه هسبريس، الوزير بلمختار، بالكشف عن "الإجراءات والتدابير التي تعتزمون القيام بها في هذه النازلة الخطيرة"، مشددا على ضرورة "فتح تحقيق عاجل ونزيه لتحديد مكانها وكل الأطراف المتسببة فيها، مع اتخاذ كل الإجراءات الزجرية والعقابية في حق المسؤول". وسجل روكبان أن الواقف وراء تصوير التلميذة استغل تعثرها الدراسي والصعوبات التي تعاني منها ليهين كرامتها بشكل فظيع، مقررا توجيه سؤال كتابي مستعجل لوزير التربية الوطنية حول الإجراءات والتدابير المتخذة في حق من أساء وشهر بالتلميذة نادية. وأشار برلماني حزب "الكتاب" إلى أن الأستاذ "لم يستحضر وهو يقوم بهذا الفعل الشنيع أنه أمام طفلة بريئة، وكان من الضروري أن يتم التعامل معها بحس تربوي راق لمساعدتها على التحصيل والتلقين الدراسي في إطار المسؤولية التربوية والأخلاقية المنوطة به". واستنكر البرلماني "اللجوء إلى تصوير التلميذة الصغيرة، جاعلا منها مادة إعلامية نشاز، مخلة بكل الأعراف الإنسانية والكرامة والمواطنة وفي تعارض مع القوانين المعمول بها في بلادنا". روكبان أفاد أن "هذا الفعل الشنيع يحمل في طياته كل الدلالات الواضحة المتنافية والمتعارضة مع العمل التربوي القويم، وكل العنف المعنوي، والإهانة المخلة بكرامة طفلة بريئة والاستهزاء بها، واستغلال براءتها بشكل فظيع أمام زميلاتها وزملائها في القسم". وأوضح أن الفيديو "سيتسبب في آثار وتبعات وإعاقة وجروح نفسية وخيمة لهذه الطفلة التي كان من اللائق الأخذ بيدها، ومساعدتها من خلال استحضار رسالة الأستاذ والإطار التربوي المعول عليه لتربية الأجيال".