كتب الشاعر نزار قباني قصيدة بعنوان "رسالة من تحت الماء" فاختار الفنان محمد الموجي نوتات الحزن لتلحينها قبل أن يقف المطرب المصري عبد الحليم حافظ أمام الجمهور ليغنيها بكثير من الشجن. "رسالة من تحت الماء" قد تليق عنوانا للفاجعة التي عاشتها أقاليم الجنوب في الأيام الأخيرة حيث خطفت السيول الأرواح على الطرقات وتحت أسقف بيوت البوادي الهشة التي لا تقي القرويين حر الصيف ولا صقيع الشتاء. إطلالة على الوعود التي قدمتها أحزاب الائتلاف الحكومي منذ ثلاث سنوات، بمناسبة إنتخابات 25 نونبر 2011، والتي تحدثت فيها عن إستراتجيتها لمواجهة الكوارث الطبيعية والنهوض بالبنيات التحتية في العالم القروي. سقط سهوا جلس خبراء حزب العدالة والتنمية لأيام وليال طوال يعدون برنامجا إنتخابيا، في سياق كانت فيه كل التخمينات تقول إن حزب عبد الاله بنكيران سيكون أول المستفيدين من جني الورود في بساتين الربيع المغربي. المفاجئة، وبالعودة إلى البرنامج الانتخابي، هي أن حزب المصباح، وخلافا لبعض حلفائه، لم يخصص أي رؤية للنهوض بالأرياف، هل سقط العالم القروي سهوا من برنامج الحزب؟ الجواب حسب مختصين في التواصل السياسي أن البرنامج الحزبي لقائد الائتلاف الحكومي كان من أقوى البرامج إذا ما قورن بباقي الأحزاب المتنافسة حيث أعد زملاء بنكيران رؤية شبه متكاملة في جل القضايا الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية غير أن خصوصية الحزب الحضرية جعلته يتجاهل القرية لأن لا قاعدة إنتخابية هناك. قبل انتخابات نونبر 2011 إستغل نبيل بنعبد الله، الحليف في الائتلاف، كل خبرته في المركوتينغ السياسي فأخرج دعامات تواصلية من كتيبات ووصلات إشهارية متفوقة على نظيراتها جماليا. داخل كتيب البرنامج الانتخابي لحزب التقدم والاشتراكية يجد القارئ تنصيصا واضحا على "إقامة نظام للتأمين لفائدة الفلاحين الصغار المتضررين من الكوارث الطبيعية ومن حالات الجفاف" و كذلك التنصيص على إقامة ربط تدريجي للأجر الأدنى للعمال الزراعيين بالأجر الأدنى في القطاع الصناعي والخدماتي. أما حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي شكل سترة نجاة من الغرق بالنسبة لعبد الاله بنكيران بعدما تسربت مياه الغضب الاستقلالي الى "فلوكة" التحالف الحكومي، فإن برنامجه الانتخابي كان نسخة طبق الأصل لبرنامج حزب الأصالة والمعاصرة، بعدما اختار الحزبان التكتل في "التحالف من أجل الديموقرطية" المعروف في أدبيات الصحافة المغربية ب G8، و الذي كان يقدم نفسه كبرنامج بديل للإسلاميين قبل أن تجري مياه كثيرة من تحت جسر التحالفات السياسية. حزب الحركة الشعبية، الذي حاول ربط هويته بالقرية كمجال و قافة جعل من الإقلاع بالعالم القروي عقيدة سياسية. وهذا عائد، حسب محللين، إلى أن البادية والأعيان يشكلان الخزان الانتخابي لحزب السنبلة. "دعم البنيات التحتية وفق مخططات التنمية المجالية" منصوص عليه صراحة في وثائق محند العنصر وأصدقائه الذين دعا برنامجهم الانتخابي، قبيل انتخابات 2011، الى تعزيز مشاركة ساكنة العالم القروي في "بلورة تلك المشاريع بدءا من التخطيط والإنجاز وانتهاء بالتقييم". رسالة من تحت الماء.. بعيدا الوعود التي صرحت بها الأحزاب الحكومية في أسابيع الحماس الانتخابي، والتي يتم امتحانها أمام بلوعات الأحياء الحضرية وفيضانات الوديان والشعاب في القرى البعيدة بمناسبة التقلبات المناخية التي يشهدها المغرب، فإن سنة 2011 عرفت إحصاء أزيد من 300 منطقة مهددة بالفيضانات بسبب غياب الاهتمام بمجاري المياه، وضعف ملاءمة جل المنشآت التقنية، وغياب المبادرات الحكومية لإنشاء بنيات للوقاية من الفيضانات، وتخلف أدوات الاستشعار والتنسيق في مجال الوقاية والإنقاذ. تشكيل خلية يقظة بعدية من طرف وزارة الداخلية وسقوط المنازل فوق رؤوس قاطنيها وجرف المياه لقناطر حديثة ونقل الأموات في شاحنات مخصصة لنقل الأزبال وقلة المروحيات للتدخل في الحالات الاستعجالية.. أظهر أن رئيس الحكومة لا يستطيع التحريك التلقائي لعناصر القوات المسلحة والقوات المساعدة وعناصر الدرك والامن والوقاية المدنية..، حسب عدد من الخبراء، وهي الأجهزة القادرة على الحد من هول الخسائر. كما بين أن الأحزاب المشكلة للحكومة لم تستطع تصريف برنامجها الانتخابي، على مدى ثلاث سنوات الى سياسة عمومية في المجال خاصة أن بعضها إلتزم برسم خارطة المخاطر وضبط أماكنها، ودعم إمكانيات المؤسسات والأجهزة المعنية بالتدخل في الأماكن المعرضة للخطر، ووقف تعمير المناطق التي تتهددها مخاطر الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى النهوض بآليات الإنذار المبكر وإحداث معهد وطني لدراسة والوقاية من المخاطر. كتب عدد كبير من المختصين في علم السياسة أن البرامج الانتخابية للأحزاب المغربية تكاد تكون بلا معنى وكذلك البرنامج الحكومي الذي يصرح به رئيس الحكومة عند بداية كل ولاية جديدة وذلك للعدد الكبير للأحزاب التي تتحالف من أجل تشكيل الحكومة والتي تحاول تجميع برنامج حكومي واحد من خليط البرامج التي كانت تشكل نقيضا لبعضها قبل التحالف. بينما يرى آخرون أن هناك "أوراشا كبرى" تسقط على رأس الحكومات و تحولها الى أداة تنفيذ رغم أنه لم يكن مخططا لها من طرف الفاعلين الحزبيين. هذا التحليل يصدقه مساءلة البرامج الحزبية لسنة 2011 في الوعود المتعلقة بالتعهد بإحداث صندوق للحماية من الكوارث الطبيعية وتعويض الضحايا، ووضع نظام التأمين لتعويض المتضررين من الكوارث، وكذا تعميم نظام التأمين الفلاحي ضد آفة الجفاف والكوارث الطبيعية لصالح جميع الزراعات والمناطق الفلاحية. تعهدت الأحزاب بإنشاء عشرات السدود الكبرى ومئات السدود الصغرى موزعة على ثلثي جهات المملكة ومئات المحطات لمعالجة المياه العادمة وعشرات المحطات لتحلية مياه البحر غير ان هذه الوعود تتبخر بمناسبة كل جفاف او تغرق بمناسبة كل سيل حسبما ما عبر عنه سكان المناطق المنكوبة أمام وزراء الحكومة الذين قادتهم صدف الالتزامات الحزبية للإنصات لرسالة غوث خرجت من تحت الماء.