رغم أن وحل فضيحة كارثة فيضانات طانطان لم يجف بعد، فضلت الحكومة من جديد الهروب إلى الأمام للتخلص من الانتقادات التي حاصرتها من كل جهة بعد التقصير الواضح في التعاطي مع الزلزال الذي ضرب الحسيمة، ووصلت هزاته الارتدادية إلى عدة مدن، لتجد في كلمة المزايدة التي رمت بها منتقديها بابا واسعا يرفع عنها الحرج. الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة ذهب أبعد من ذلك بعد أن حصر المسؤولية في غياب تغطية الإعلام العمومي ليستعين برصيد لا منتهٍ من لغة الخشب، ويقول: «فعلا كان هناك تقصير من قبل القناة الثانية في الفترة الصباحية تم تداركه ليلا، أما الإذاعة الوطنية فقد كان هناك فريقان في الميدان منذ الساعات الأولى». أما حديث وزير الاتصال بأن القطاعات المعنية والواجب تدخلها ميدانيا، خاصة قطاعي الصحة والسكنى، قامت ب»عمل دؤوب» ، و»تم تشكيل لجان لمتابعة وتقصي الأضرار الناجمة عن الزلزال»، فهو كلام للاستهلاك تبخر مفعوله بعد أن صدرت التعليمات الملكية بالوقوف عن قرب على حقيقة الوضع ومواكبة المتضررين، والنظر في الحاجيات المستعجلة، ليتضح أن جميع المبادرات تأتي من الملك، وأن دور الحكومة أن تبقى في وضع المتفرج أو المتردد، أو أن تسلك مسلك الإنكار من خلال كلمة «ما فراسيش»، التي تحولت إلى لازمة لدى عدد من الوزراء للتنصل من المسؤولية. الزلزال الذي حدث، رغم أن خسائره كانت محدودة، فقد أعاد إلى الأذهان سلسلة من الفواجع التي تجرعها المغاربة، وتعاملت معها الحكومة بتقصير واضح، ومنها كارثة فيضانات طانطان التي أودت بحياة 36 مغربيا طواهم النسيان تماما مثلما جرفتهم السيول، وحينها أيضا لم تترد الحكومة في استعمال كلمة «المزايدة» بعد أن وجدت نفسها محاصرة بغضب شعبي لم تتردد المعارضة في الركوب عليه لتطالبها بتقديم استقالتها. ومثلما حصل في كارثة الفيضانات، التي جرفت مواطنين مغلوبين على أمرهم ودمرت أملاكهم وبيوتهم، قبل أن تستيقظ الحكومة بشكل متأخر لإرسال الوحدة الوطنية المتنقلة للتدخل، التابعة للمديرية العامة للوقاية المدنية، صوب المناطق التي حاصرتها الفيضانات، فقد كشفت الزلازل هذه المرة أن الحكومة ظلت دائما خارج التغطية، بعد أن تعاملت مع الزلزال كحدث عابر في رقعة جغرافية معزولة، وتخلت عن المواطنين في مواجهة الإشاعات الخطيرة التي كانت تتحدث عن قدوم زلزال آخر مدمر، وهي الإشاعات التي انتشرت بسرعة لتجبر مئات الأسر على قضاء ليلة بيضاء خوفا من حدوث الأسوأ. ورغم أن الشرح البسيط لمصطلح «الكارثة» يجعلها حدثا فجائيا أو اضطرابا في مجتمع معين، وهو المفهوم الذي تغير مع التقلبات المناخية الكثيرة التي شهدها العالم، فإن الثابت لدى الدول التي تحترم مواطنيها أن مواجهة الكوارث تتم من خلال كافة أجهزة الدولة، ومن خلال لجن يعهد إليها بإدارة الكارثة بإجراءات استعجالية وأخرى وقائية، وهي مفاهيم مغيبة بشكل مطلق من القاموس لدى المسوؤلين في الحكومة والدولة، علما أن هؤلاء لم يستوعبوا الدروس السابقة من خلال المسارعة بإدماج مخطط لإدارة الكوارث ضمن السياسات العمومية.هذا القصور في الفهم وفي إدراك المسؤوليات السياسية يجعل الحكومة تنساق بشكل أعمى وراء المبدأ القانوني للقوة القاهرة للتنصل من مهامها إزاء الكوارث التي راكمها المغاربة، علما أن هذا المبدأ محصور في التعويض، ورغم ذلك فإن هذا لم يمنع العديد من الدول من تخصيص تعويضات للمواطنين، الذين يذهبون ضحايا لكوارث طبيعية مفاجئة تحصد ممتلكاتهم ومنازلهم وتحولهم إلى مشردين في لحظة. ويبدو أن هذا التماهي مع القوة القاهرة هو ما يفسر تعامي الحكومة حتى عن الكوارث التي تظهر تباشيرها وملامحها جلية أمامها، مثل الجفاف الحاصل حاليا، والذي سيدفع ثمنه مئات الآلاف من الفلاحين ممن صدموا أمام شح التساقطات بتضاعف أسعار العلف، وفضلوا التخلص من مواشيهم بأبخس الأثمان، في حين وجد آخرون أنفسهم عاجزين ومهزومين أمام أرض لم يخرج منها شيء، رغم لجوء جزء مهم منهم إلى الاقتراض لتدبير مصاريف البذور والسماد والمبيدات. هذا العجز أو التعامي الحكومي اتضح بشكل جلي من خلال طريقة التفاعل مع الظروف المناخية لهذه السنة بعد أن فضل رئيس الحكومة الرهان على الوقت، وتأخير الإعلان عن الجفاف رغم التحذيرات المتتالية من تداعيات ذلك، والتي كانت آخرها الرسائل الصريحة التي بعث بها المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي، الذي قال: «نتوقع أن تكون 2016 سنة صعبة»، و»لا بد من إعادة النظر في السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية التي تتبناها الحكومة»، ودعا إلى إنقاذ الشغل بالبادية من خلال إعلان توجه جديد لبرامج استعجالية، ومعالجة إشكالية إنقاذ الماشية، قبل أن تجبر الحكومة على إشهار برنامجها لمواجهة الجفاف. كما أن التعاطي الحكومي مع ما يحدث للمغاربة والمغرب من كوارث يعيد التساؤل بخصوص مآل صندوق تعويض ضحايا الكوارث الطبيعية التي صدرت تعليمات ملكية بإحداثه بعد تقديم هبة من السعودية للمغرب ب100 مليون دولار إثر الفيضانات التي عرفها المغرب سنة 2008، وهو الصندوق الذي حددت مصادر تمويله في الهبة السعودية، وفي صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ب300 مليون درهم، إضافة إلى اعتمادات من ميزانية الدولة، على أساس أن يخصص لتمويل عمليات الإنقاذ العاجلة، ومساعدة السكان المتضررين، وكذا تعزيز الموارد التي تم تخصيصها لتطوير وسائل التدخل التابعة لمختلف المصالح المتخصصة، لا سيما مصالح الوقاية المدنية وبناء منشآت للوقاية من الفيضانات وإحداث أنظمة للإنذار واليقظة. قدادرة: الحكومة وجدت صعوبة في تفعيل الصناديق ونخشى الاتجار في الدعم أعادت الهزات الارتدادية التي عرفتها مدن الشمال إلى الواجهة النقاش حول مدى الإعداد الجيد من الناحية المالية للكوارث الطبيعية المرتقبة ومنها الجفاف، إذ أن الملك محمد السادس أعطى توجيهاته لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، للتهييء لعملية تفعيل صندوق مكافحة آثار الجفاف، التي حلت بالمغرب هذه السنة، حيث خصصت الحكومة ما يفوق 5 مليارت درهم بهذا الخصوص، موزعة على محاور حماية الثروة الحيوانية بتقديم مساعدات لمربي المواشي من مادة الشعير بثمن درهمين للكيلوغرام، مع التكفل بنقله إلى نقط القرب، وبرنامج إضافي للتلقيح، وإقامة نقط الماء، وتأمين بذور الحبوب للموسم المقبل. الحكومة الحالية لوحت منذ توليها التسيير باعتماد صناديق عديدة، فوجدت صعوبة في تفعيلها، مما أفقد المواطنين الثقة في قراراتها، يقول الخليفي قدادرة، النائب البرلماني عن الفريق الدستوري، في تصريح ل»المساء»، «وما نخشاه اليوم هو تكرار العشوائية في تحديد المستفيدين، وعدم الحرص على وصول المساعدات لمستحقيها بصورة شفافة ونزيهة، ومافتئنا نذكر الحكومة عبر البرلمان بأن هناك تقصيرا تجاه العالم القروي بصفة عامة والفلاح الصغير والمتوسط بصفة خاصة، كما أن نسبة استفادة الفلاح الصغير من هذا الدعم لن تمثل أكثر من 20% . على الحكومة أن تعبئ كل إمكانياتها اللوجيستيكية والبشرية المختصة في تحديد اللوائح ونشرها لقطع الطريق على المضاربين الذين يستغلون مثل هذه المناسبات للقفز على دعم الدولة والاتجار فيه، كما هو الحال في قطاع الصحة مثلا»، يؤكد قدادرة. وعبر النائب البرلماني ذاته عن تخوفه من تحويل هذا الدعم والاتجار فيه من طرف بعض المسؤولين والمتسلطين على المجال الفلاحي، مطالبا بربط المسؤولية بالمحاسبة إذا ما ثبت أن هناك تجاوزات واختلالات، خاصة أن «الفلاح الصغير المرابط في الجبال والسهول، يقتات من عرق جبينه، ويؤدي للدولة مستحقاتها الضريبية أثناء بيع منتوجه، ولا تدعمه الدولة بشيء، فهو المسؤول عن تعليم أبنائه ورعايتهم الصحية، وعن قوتهم اليومي، ولا نريد أن تخطئ الحكومة في حقه أكثر من هذا، وأملنا أن تنجح في التخفيف عنه من آثار هذا الجفاف وحماية ماشيته وصيانة كرامته والحفاظ على توازنه الاقتصادي حتى يظل مستقرا في أرضه مساهما في خدمة بلده»، يقول قدادرة. في مقابل قرار الحكومة تخصيص غلاف مالي بقيمة 4.5 مليارات درهم لمخطط مكافحة «آثار قلة التساقطات»، فإنها لن تنفق الكثير من الموارد المالية المعبأة من طرف صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية خلال السنة الجارية، على إصلاح الأضرار الناجمة عن الفيضانات، وذلك بالنظر إلى العجز المسجل حتى اليوم في التساقطات المطرية، وهو ما ينذر بسنة جفاف تطل بظلالها على المغرب. وكان المغرب قد عبأ لمكافحة آثار الكوارث الطبيعية، برسم سنة 2014 ما قدره 42،625 مليون درهم مقابل 42،575 مليون درهم و42،405 مليون درهم على التوالي سنتي 2013و2012، بينما وصلت النفقات المنجزة من طرف الصندوق المذكور، إلى 70 مليون درهم سنة 2014 مقابل 170 مليون درهم سنة 2013 و30 مليون درهم سنة 2012. أما بالنسبة إلى الفترة 2009-2014، فقد ساهمت موارد الصندوق في تمويل عمليات وبرامج تتمثل في الطرق والمسالك والمنشآت الفنية، وهذه الأخيرة، تطلبت تعبئة غلاف مالي يصل إلى 250 مليون درهم، في حين بلغت اعتمادات إصلاح البنيات الأساسية للري وتشمل إصلاح منشآت الري المتضررة جراء الفيضانات ما قدره 150 ميلون درهم، أما صندوق السكن، فقد مكن من تمويل البرنامج الاستعجالي لفائدة المتضررين من الفيضانات بتكلفة تقدر ب100 مليون درهم. وفي ما يخص دعم المقاولات المتضررة، فقد تم إحداث صندوق للضمان لدى صندوق الضمان المركزي بمبلغ 200 مليون درهم، منها 50 مليون درهم لفائدة الوكالة الوطنية لإنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتهم العمليات المنجزة بالخصوص ودعم المقاولات المتضررة بالمناطق الصناعية لمغوغة بطنجة في شكل تحمل للرسوم الجمركية المفروضة على استيراد قطع الغيار والمواد الأولية اللازمة لاستئناف نشاطها بمبلغ يتعدى 25 مليون درهم. ولتسريع وتيرة إنجاز المنشآت المتعلقة بالحماية من الفيضانات، والتي تهم 50 نقطة سوداء الأكثر أولوية، تم برسم الفترة 2009-2014 وضع برنامج يشمل 7 عمليات تهم 6 أقاليم وهي طنجة والفنيدق والناظور والحسيمة وبولمان ووجدة بمبلغ يصل إلى 590 مليون درهم، وقد تطلبت العمليات التي تم الشروع في إنجازها سنة 2009، وتواصل إنجازها سنة 2014 تعبئة غلاف مالي إجمالي وصل إلى 280 مليون درهم منها 138 مليون درهم لإنجاز مشروع مغوغة. جطو: تدبير المخاطر في بلادنا يتجه نحو إدارة الأزمات بدل الوقاية للحد من آثارها هل المغرب جاهز لمواجهة كارثة طبيعية في حجم زلزال أو فيضان؟ يطرح تدبير الكوارث الطبيعية في المغرب سؤال نجاعة والتقائية الإجراءات الحكومية في هذا المجال، ومدى وجود خطط واسراتيجيات مسبقة تمكن من مواجهة «غضب الطبيعة»، عوض التعامل الاستثنائي والاستعجالي الذي يتسم بكثير من «الارتجالية»، بشكل قد يجعل تدخل السلطات العمومية لحماية المواطنين يتسم بنوع من البطء. هذه الإشكاليات ينتظر أن يتم الكشف عنها ضمن تقرير موضوعاتي أعده المجلس الأعلى للحسابات حول الكوارث الطبيعية، يقيم من خلاله التدابير المتخذة للوقاية من هذه الكوارث، ومدى جاهزية بلادنا لمواجهتها في حالة وقوعها. وخلص المجلس، من خلال هذا التقييم، إلى أن تدبير المخاطر في بلادنا يبقى ذا طابع قطاعي يتجه أساسا نحو إدارة الأزمات بدل الوقاية للحد من آثارها. كما أن تعدد المتدخلين يطرح مشكل التنسيق بين الإدارات والهيئات المعنية. واستنادا إلى كل هذه المعطيات التي خلص إليها المجلس الأعلى للحسابات، دعت المؤسسة إلى ضرورة وضع استراتيجية وطنية مندمجة ومتعددة الأبعاد لتدبير المخاطر، تأخذ بعين الاعتبار جميع مراحل هذا التدبير، من الوقاية والتخفيف من أثر الكوارث وإعادة التأهيل. بيد أن هذه الاختلالات المرتبطة بتدبير الكوارث الطبيعية، يوازيها تقدم كبير في مجال الرصد والتنبؤ والاستشعار، سواء على مستوى المعهد الوطني للجيوفيزياء، الذي يتوفر على معدات وتقنيات متطورة لا تقل تطورا عن نظيراتها المعتمدة في دول آسيوية، وعلى رأسها اليابان، أو على مستوى المديرية الوطنية للأرصاد الجوية. فقبيل الفيضانات التي شهدتها مدن الجنوب السنة الماضية، إثر التساقطات المطرية التي وصلت إلى 200 ملم في ظرف 24 ساعة، أبانت المديرية الوطنية للأرصاد الجوية عن دقة توقعاتها في رصد قوة الأمطار المرتقبة، وأصدرت سلسلة من النشرات الإنذارية، التي استنفرت السلطات ودفعتها للاستعداد بالنظر إلى جدية النشرات ومصداقيتها. المعدات التقنية المتطورة جعلت نسبة دقة التوقعات اليومية تصل إلى حوالي 95 في المائة. المديرية تتوفر اليوم على 44 محطة رصد جوية و156 محطة رصد آلية، حيث تعد من أكثر المؤسسات تطورا في المنطقة العربية والقارة الإفريقية، بشكل جعل المغرب يصبح محطة رصد إقليمية معتمدة من طرف المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. ويشير تقرير لمجموعة البنك الدولي إلى أن 1.8 مليون مغربي مهدد بمخاطر الفيضانات. وتكشف المعطيات المرتبطة بالمناطق المهددة بخطر الفيضانات إلى وجود 99 موقعا بجهة سوس ماسة درعة، منها ثمانية ذات أولوية. وبمنطقة مولوية تم رصد 62 موقعا مهددا (4 ذات أولوية)، و52 بمنطقة سبو (11 ذات أولوية)، و50 بتانسيفت (7 ذات أولوية)، و40 باللوكوس (6 ذات أولوية)، و16 موقعا بمنطقة زيز كير غريس (3 ذات أولوية)، و13 بحوض بورقراق (6 ذات أولوية). ترتيب هذه المواقع المهدد بخطر الفيضانات، حسب كثافتها السكانية يكشف وجود 14 موقعا بالمدن الكبرى، و11 بالمدن المتوسطة، و13 موقعا بالمدن الصغرى. كما تم جرد 5 مواقع ذات أولوية على مستوى الوقاية والحماية بالدواوير الكبرى، و3 بالأودية السياحية، إضافة إلى سهل فلاحي واحد وأربع واحات. ويعمل صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية على تمويل عمليات إصلاح وإعادة بناء التجهيزات المتضررة المتعلقة بالطرق والمسالك والمنشآت الفنية، والبنيات الأساسية للري، والسكن. وكمثال على نوعية تدخلاته، قام الصندوق بتمويل البرنامج الاستعجالي لفائدة ضحايا الفيضانات بين 2009 و2012 بتكلفة تقدر ب100 مليون درهم، إلى جانب تقديم الدعم للمقاولات المتضررة. وتشمل تدخلات هذا الصندوق الخاص بناء تجهيزات الوقاية وتعزيز وسائل الإنذار واليقظة، حيث تم تشييد مجموعة من المنشئات المائية لمعالجة النقط السوداء ذات الأولوية. كما تم وضع برنامج عمل يهم مديرية الأرصاد الجوية، يشمل توسيع تغطية الرادارات وأنظمة الإعلان والإنذار بالتساقطات، وتعزيز شبكة التتبع الأوتوماتيكي وأنظمة تجميع المعطيات وتوزيع النشرات الجوية والإنذارات، وهو البرنامج الذي تقدر تكلفته بحوالي 210 ملايين درهم. قدرات الرصد والاستشعار المتطورة التي تتوفر عليها المديرية الوطنية للأرصاد الجوية والمركز الوطني للجيوفيزياء، يوازيها خلل في تنسيق عمل السلطات العمومية في مجال الوقاية والحد من آثار الكوارث الطبيعية، والذي يعتمد منطق إدارة الأزمات، الذي تحدث عنه المجلس الأعلى للحسابات، بشكل يجعل التدخلات في هذا المجال تتسم بغياب الالتقائية والنجاعة. عباس بوغالم*: غياب التغطية الإعلامية أثناء الكوارث يؤدي إلى عواقب وخيمة قال إن الحكومة تعاملت بشكل سيء مع زلزال الحسيمة – كيف ترى تعامل الحكومة مع الزلزال الذي ضرب المناطق الشمالية؟ الواقع أن الكيفية التي تفاعلت بها الحكومة مع الزلزال الأخير، الذي عرفته المناطق الشمالية من المغرب، خلف استياء عارما ليس فقط من قبل ساكنة هذه المنطقة الشمالية، ولكنه استياء عم أغلب المواطنين في كافة ربوع المملكة، عكسته بشكل جلي مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، بل أثار نوعا من الاستياء والاستغراب لدى العديد من المتتبعين، إذ كيف يعقل أن يقع زلزال في جزء من الوطن، وفي المقابل رد فعل الحكومة والجهات المعنية كان مشوبا بنوع من الفتور، مع ما قد ينطوي عليه هكذا رد فعل، من إحساس من قبل الساكنة بنوع من اللامبالاة مع معاناتها، جراء حالة الرعب والهلع التي أعقبت أولى الهزات الأرضية، وأقل ما يمكن القيام به في مثل هذه الحالات هو التدخل الآني والفوري والحضور الميداني لمعاينة ومصاحبة ساكنة هذه المناطق المتضررة، لكن ما لاحظناه هو التأخر غير المبرر على هذا المستوى، بل أكثر من ذلك كان هناك تقصير واضح على المستوى الإعلامي، بحيث أصبح الزلزال في رأي القطب الإعلامي العمومي المرئي شيئا عاديا وبسيطا لا يستدعي الأولوبة والمتابعة والإخبار. بل أكثر من ذلك ومع توالي الهزات الأرضية لاحظنا حضورا إعلاميا باهتا وبشكل جد مقتضب دون تغطية مباشرة للأحداث تعطي الانطباع لهذه الساكنة بأنها مصاحبة من قبل وسائل الإعلام الوطنية، الأمر الذي عكس بشكل جلي عجز الحكومة عن مجرد المواكبة الإعلامية للهزات الأرضية المتوالية، التي خلفت حالة من الذعر لدى الساكنة، ناهيك عن القيام بما يستوجبه الأمر في مثل هذه الكوارث. لذلك أعتقد أن ما وقع هذا الأسبوع يذكرنا بزلزال 2004، حيث ظل المواطنون ينتظرون مدة غير قليلة، حتى تتدخل الجهات المعنية. والواقع أن هذا الأمر ينبئ بإشكال عميق في المغرب، يرتبط بطبيعة الجهة المخولة لمثل هذه التدخلات، وهذا إشكال بنيوي لازال يعاني منه المغرب، ألا وهو من يملك صلاحية التدخل في مثل هذه الأزمات والكوارث الطبيعية والتي لا تحتمل الكثير من الارجاء، لاسيما أن أي زيادة في التأخير هي زيادة في حالة الرعب والاستياء لدى السكان، مع العلم أنه ليس هناك هامش كبير للحد من بأس الزلزال، لكن على الأقل من الناحية المعنوية والرمزية، تسجيل الحضور الرسمي للجهات المعنية بجانب المتضررين لتقديم المساعدة لهم ومصاحبتهم في مختلف أطوار هذه المحنة. ومما زاد السكان تضمرا هو متابعتهم الأخبار ذات المصدر الإسباني، حيث لاحظ المواطنون طبيعة التدخل الاسباني في مدينة مليلية المحتلة من معاينة ومصاحبة للمواطنين، في مقابل ذلك لم يلحظ المواطنون المغاربة أي استجابة أو معاينة من قبل الجهات المعنية، وفي غياب شبه تام للحكومة. وأقل ما يمكن قوله عن طبيعة تفاعل الحكومة المغربية مع زلزال المناطق الشمالية من المملكة، أنه أمر لا يليق بأي حكومة منتخبة من قبل الشعب لإدارة شؤونه العامة والحرص على سلامته وأرواح مواطنيه. – تأخر الحكومة عن التدخل فسح المجال لانتشار الإشاعات، هل ترى أن تقصير الحكومة على المستوى الإعلامي ساهم في نشر الرعب في صفوف السكان؟ طبعا تأخر الحكومة على المستوى الإعلامي كان له أثر على نفسية المواطنين، فحين تغيب المعلومات الصحيحة والأخبار الرسمية، يسود نوع من الفراغ الإعلامي، وفي مثل هذه البيئة تنتشر الإشاعات والأخبار المزيفة وتتغذى بحالة الرعب التي تهيمن على السكان المتضررين، والحال أن الحكومات في مثل هكذا حالات لا ينبغي لها فقط مواكبة الأحداث إعلاميا من حيث الحضور المباشر والتغطية الإعلامية لجزء مما يقع في هذه المناطق، بل على الحكومة أن تكون لها سياسة تواصلية مع هؤلاء السكان لوضعهم في الصورة الحقيقية ولمصاحبتهم على مستوى تزويدهم بكافة المعطيات والمحاذير والاحتياطات التي ينبغي الاحتكام إليها في مثل هذه الظروف، لاسيما أنه كان هناك تواتر مجموعة من الأنباء عن وقوع هزات أرضية أخرى أكثر قوة. لذلك كان لتأخر الحكومة انعكاسات سلبية مضاعفة بالنسبة للسكان.. كل هذه الاعتبارات خلقت حالة من الذعر مما عمق جراح واستياء السكان، فيما يخص تأخر هذا التدخل، وهو تأخر، في جميع الأحوال، غير مستساغ وغير مقبول في مثل هكذا أزمات، فنحن نتحدث عن كارثة طبيعية من حجم الزلزال، أي أننا أمام كارثة وطنية تستوجب كل الاهتمام والأولوية، لكن للأسف رد فعل الحكومة وتفاعلها مع ما وقع لم يتم بالشكل الذي ينبغي، وبالتالي تم فتح الباب مواربا أمام مجموعة الانعكاسات والآثار السلبية التي طالت السكان المتضررين، الذين يرزحون تحت رحمة هذه الهزات الأرضية المتتالية إلى يومنا هذا. – عرف المغرب الكثير من الكوارث الطبيعية، في نظرك ماهي الوسائل الناجعة للتخفيف من آثارها؟ حينما نتحدث عن مفهوم الدولة نتحدث عن منطق دولتي باعتباره مجموعة من السياسات العمومية والاستراتيجيات، التي تتوسل بها هذه الدولة في معالجة مجموع القضايا والأمور ذات الصلة بإدارة الشأن العام، وعلى رأس هذه القضايا ما يرتبط ببعض الأزمات الكبرى أو بعض الكوارث الكبرى، فهذه ينبغي أن تأخذ حيزا كبيرا من مجمل السياسات العامة للدولة، وهنا يجدر بنا الحديث عن ثلاثة مستويات: مستوى ما قبل حدوث الكوارث أو الأزمات، والمستوى المرتبط بمرحلة حدوث الأزمة، وأخيرا المستوى المرتبط بمرحلة ما بعد حدوث الأزمة. مختلف السياسات المرتبطة بهذه المستويات الثلاثة ينبغي أن تتضافر لامتصاص انعكاسات وأثر هذه الكوارث والأزمات، أي أن الدولة ينبغي أن تكون مهيأة ومستعدة ولديها استراتيجية ورؤية وسيناريوهات معدة سلفا للتعامل مع هذه الكوارث الطبيعية حتى يتسنى لها على الأقل استقبال مثل هذه الكوارث بأقل الخسائر والأضرار المترتبة عنها، وبالتالي فإن غياب مثل هكذا رؤية واستراتيجية، وسيناريوهات محتملة، لربما يصعب أن نتحدث عن منطق دولتي فيما يتعلق بالتعامل مع مثل هذه الكوارث والأزمات الطبيعية، وبالتالي فالمطلوب في مثل هذه الحالات، كما أسلفت، هو توفر الدولة على رؤية واستراتيجية لمعالجة مثل هذه الكوارث، كما هو موجود في معظم بلدان العالم، وفي حال انتفاء هذه المقومات فلا شك أننا سننتظر الأسوأ من الاحتمالات. – ينتقد البعض الحكومة لكونها لا تتخذ إجراءات استباقية قبل حدوث الكوارث الطبيعية، على المستوى السياسي هل يمكن أن يؤثر الأمر على شعبية الحكومة.؟ جزء من الجواب على سؤالك متضمن في الجواب السابق، أكيد أنه في مثل هذه الأزمات، وفي مثل هذه المراحل، تظهر مدى نجاعة أي حكومة من الحكومات التي تم انتخابها بشكل ديمقراطي، عاكسة لإرادة المواطنين لتدبير وتولي مختلف قضايا الشأن العام، بما في ذلك بطبيعة الحال حماية مصالح وممتلكات وأرواح الساكنة، وبالتالي حين حدوث أزمة من هذا القبيل أو كارثة من الكوارث، وتجد الساكنة نفسها في غياب أي تدخل، أو عدم اتخاذ أي إجراءات استباقية معينة للحد من هول هذه الكوارث الطبيعية، لا شك أن هذا الأمر ستكون له تبعات وانعكاسات سلبية على مستوى الرأي العام الوطني، وبالتالي انعكاسات سياسية سلبية على الحكومة، لأننا إزاء حالة من الاستياء العارم، وحالة من التذمر العريضة تسود شرائح واسعة من المجتمع، وهنا نكون إزاء تشكل رأي عام جديد ضد الحكومة وضد مختلف سياساتها، وهذا سيؤثر ولا شك على هذه الحكومة، وسينال من شعبيتها ومن رصيدها لدى الرأي العام بطبيعة الحال.