ما يميز سنة 2014 هو الحضور الملحوظ للقضية الوطنية داخل أجندة النقاش العمومي، ومرد ذلك إلى التراكمات الأخيرة المتعلقة بملف الصحراء على مستوى الأممالمتحدة التي لا شك أن لها دورا كبيرا في الدفع بنا نحو الرفع من منسوب اهتمامنا بهذه القضية بعدا أن كانت ظاهرة أبريلية بامتياز، خصوصا وأن خصوم الوحدة الترابية بلعبهم على الورقة الحقوقية لتوسيع مهام بعثة المينورسو باتوا يشكلون تهديدا لما حققه المغرب من مكتسبات أهمها إشادة المنتظم الدولي بمقترح الحكم الذاتي كأرضية جادة وذات مصداقية للتفاوض، وهو ما يفسر المسار الذي أصبحت تتخذه الخطب الملكية الأخيرة التي يبدو أنها جاءت لتقطع مع فكرة "العام زين" التي طالما استهلكناها في فضاءنا العمومي. الشيء الذي يدفعنا للتساؤل اليوم عما قمنا به أفرادا وجماعات، مؤسسات وهيئات مدنية وسياسية ونخب محلية من أجل التأسيس لنقاش يعزز فهمنا لواقع الحال بعد أربعين سنة من اللاحل؟ يبدو أن هناك إجماعا ضمنيا على واقع الأزمة التي نعيشها في تدبيرنا لملف الصحراء على كل المستويات، غير أن مختلف الفاعلين لا يبدون نوعا من الجرأة في الإقرار بجزء من المسؤولية يتحملونه علاقة بواقع الأزمة هذا، ألم يحن الوقت لنرى أحزابا تقوم بنقد ذاتي لما راكمته من أخطاء في إفراز بعض من نخبها من نافذة الريع السياسي؟ ألم يحن الوقت لنرى نخبا صحراوية تنقل لنا خبر الصحراء بدون مساحيق تجميل؟ ألم يحن الوقت لتتجرأ الهيئات المدنية على تكليم الصامت ممن اختاروا الانزواء بعيدا عن هرج السياسة؟ ألم يحن الوقت للقطع مع منطق الوساطة الذي تبنته الدولة بينها والناس فحسبت الصحراء جنة ينعم فيها أهلها؟ ألم يحن الوقت لتكون فيه القبيلة آلية لتحقيق العدالة الاجتماعية لا أن تكون أداة في أيدي اللاهثين وراء الامتيازات والترضيات؟ يبدو أن بعض القراءات التي تداولتها الصحف حول الخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء نحت نحو اعتباره خطاب "اللاءات" والخطوط الحمراء فقط، وهو ما قد يجعلنا لا ننتبه لمجموعة من النقاط الهامة التي تجعل منه خطابا إستشرافيا نسرد بعضها فيما يلي: - الدعوة إلى بذل مزيد من الجهد لتنمية أقاليم الصحراء انطلاق من مبدأ التضامن بين الجهات. - استنهاض الفاعلين الخواص للاضطلاع بدورهم في تعزيز وتقوية النسيج الاقتصادي بالأقاليم الصحراوية التي لازالت الاستثمارات العمومية فيها تفوق بشكل كبير مستويات تدخل الخواص. -التأكيد على مبدأ الحكامة في بلورة البرامج التنموية التي تستهدف هذه الأقاليم. - الطابع التعبوي الذي اتخذه الخطاب من خلال الدعوة إلى فتح حوار وطني تشارك فيه كل مكونات الأمة وهو ما يعكس ملحاحية التعبئة الداخلية لتحصين المكتسبات. ولقطع الطريق على الأفهام التي من شأنها أن تسمم نقاشاتنا اليوم، ولكي لا يكون الخطاب ذريعة لمن ينتعشون على إذكاء النعرات القبلية والجهوية، تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن كلفة التنمية بالصحراء لا يعني بتاتا أي نوع من المزايدة على ساكنة هاته الأقاليم، وما ذلك إلا للتصدي لمن يحاول استخدام موضوع ثروات الصحراء لإضعاف موقف المغرب في المحافل الدولية. من هنا تنبع ضرورة الانتباه إلى من نسوقه من تأويلات وتفسيرات مغلوطة في منابرنا الإعلامية بشتى أشكالها، وهو ما قد لا يخدم ما نصبو إليه من تعايش وتدبير سلمي للإختلاف داخل هذا الوطن. لسنا بحاجة لمن يروج فكرة أن الصحراويين هم ناهبوا خيرات هذا البلد كما أننا لسنا بحاجة لمن يقول بأن ساكنة الصحراء عبئ على هذا البلد. ما نحن بحاجة إليه اليوم هو الجرأة في إعلان لحظة الفطام لمن اعتادوا مراكمة الامتيازات على حساب هموم المواطن البسيط. *أستاذ بجامعة ابن طفيل/ القنيطرة