كلما اقترب شهر ابريل، يضج الفضاء العام بنقاشات تأخذ في معظمها شكل تساؤلات عما يمكن أن يخرج من رحم اجتماعات الأممالمتحدة حول قضية الصحراء. كلها نقاشات لحظية لا تتجاوز مستوى رد الفعل الذي طبع سلوك الفاعلين السياسيين على مدى سنين، ولا أراهم يحتاجون في كل مرة إلى ضوء أخضر من جهة ما للخوض في مسألة نحسبها من أولى الأولويات في أجندتنا الوطنية. صحيح أن ملف الصحراء بقي لزمن طويل رهين دواليب الدولة، يعالج دونما إشراك حقيقي للفاعلين بمختلف مشاربهم، وهو وضع وجده الكثير من هؤلاء مريحا، فكان منطق الإعفائية ذريعتهم كلما سئلوا عما قدموه لقضيتهم الأولى، وكأن لسان حالهم يقول كما قال قوم موسى لموسى: "فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ". فهؤلاء موجودون فقط ليباركوا سياسات الدولة دونما إسهام في بلورة مقاربات حقيقية تخرج بنا من عنق الزجاجة. ألم يكن الملك محمد السادس حاسما في خطابه الافتتاحي للبرلمان في دورته التشريعية لأكتوبر 2013، حيث أكد على صعوبة الوضع الذي نمر منه في ظل تقاعس المؤسسات الحزبية والهيئات المدنية والمجالس المنتخبة عن الاضطلاع بدورها فغلب عليها منطق الإتكالية في قضية هي بالأساس مسؤولية الجميع. لا شك أن للتطورات التي تعرفها الساحة الدولية والإقليمية بالغ التأثير على ملف الصحراء، إلا أن الخلل في تدبير هذا الملف يكمن في اللحظية التي صبغت تعاملنا مع الصحراء داخليا، فأصبح شهر أبريل شهر الصحراء عندنا دون منازع. إن التدبير الناجع للشأن الصحراوي إنما يتحقق من خلال تجاوز المعوقات التي يمكن بسط بعضها فيما يلي: يعكس واقع الفعل المدني بالصحراء قصورا واضحا في مدى استيعاب الفاعلين المدنيين لأدوارهم، وهو ما رسخ فهما منمطا تسطيحيا يقوم على استنساخ مستمر لجمعيات تحت الطلب تنتج الفعل ورد الفعل بشكل مُنَمْذَج لا ينم عن فهم لمجال اشتغالها. دون أن ننسى التقاعس الذي نشهده من طرف بعض النخب التي اختارت الانزواء بعيدا عن الانخراط في الحياة العامة، وكان من نتائج ذلك بروز نخب تقليدية استغنت من دور الوساطة الذي لعبته لسنين بين المواطن والدولة، وظهور أشباه جمعيات تحتكم لمنطق الولاءات القرابية والمصلحية، وتعيد إنتاج آليات التحكم في المشهد الجمعوي من خلال تكييف خطاباتها مع كل ما يستجد داخل النقاش العمومي. من هنا تنبع ضرورة التفكير في آليات بناء مجتمع مدني حقيقي يضطلع بدوره في توجيه السياسات العمومية وتقييمها والمساهمة في بلورتها. من الحقائق التي وجب الإقرار بها أيضا هو انعدام الثقة الذي يتعمق بشكل مستمر بين الدولة والمواطن، فغلب بذلك منطق التشكيك المطلق في كل البرامج التي تنتجها الدولة، وهذا يجد تفسيرا في التخوف الحاصل من التسويق السياسوي اللحظي الذي قد يحصل في أحايين كثيرة. لكن هذا لا ينفي نسبيا وجود نفس من العدمية يحرك بعض ردود الأفعال الرافضة بشكل غير مبرر لأي مبادرة من أي جهة كانت. هذا كله يرفع تحديا كبيرا على مستوى بناء جدار الثقة بين الإنسان الصحراوي والمؤسسة الرسمية دون ترسيخ لثقافة الريع التي قتلت روح الإنتاجية لدى بعض الصحراويين. إن هناك عقلية لا زالت تحكم الكثير من المشتغلين بحقل الإعلام، والذين لم يستطيعوا تجاوز الحاجز النفسي الذي يفرضه المعطى السياسي في التعامل مع الصحراء، صحراء لا نجدها حاضرة في الإعلام العمومي والخاص إلا مرتبطة بالنزاع السياسي الواقع منذ أكثر من 39 سنة. هل هذه الصحراء غير ذات معنى إلا فيما ارتبط بتطورات القضية الوطنية الأولى في أروقة الأممالمتحدة؟ صورة نمطية لطالما رُسخت في الوعي الجمعي عند المغاربة تتلخص في أن الصحراويين هم ناهبوا ثروات الدولة. مكمن الخلل أيضا في شكل الخطابات التي ننتجها كل يوم والتي تؤسس لفكر القطيعة مع أناس نراهم مناوئين لوحدتنا الترابية. كيف بنا أن نمد جسور التواصل مع هؤلاء الذين نصفهم بشتى الأوصاف القدحية ونتناسى امتداداتهم الاجتماعية والقرابية داخل مجال لا زالت القبيلة معطى انثروبولوجي طاغ فيه، ومع ذلك نسعى إلى بناء مستقبل مشترك معهم.