هذا المقال هو مسائلة في المبدأ لهؤلاء الذين رفضوا اللجنة المستقلة للإشراف على الانتخابات، وليس في دستورية المقترح أو عدم دستوريته، لأن المبدأ هو من يوجه بوصلة ونموذج الدولة المنشود، وتنزيله يكون خاضعا لتوجيهه ووفيا للمبتغى والمنشود، على اعتبار أن للبرلمان وللفرق البرلمانية الحق في التقدم بتعديل دستوري يعكس مبادئها وتصوراتها، لذلك فنحن نسائل من هذا المقال من رفضوا اللجنة المستقلة للإشراف على الانتخابات، هل هم مبدئيا مع هذا المقترح بصرف النظر عن تفصيلاته وسؤال دستوريته أم هم ضده مبدئيا؟ المبررات التي تقدم بها بعض قياديي العدالة والتنمية في رفض مقترح الإشراف المستقل على الانتخابات، تركزت على اعتبارين اثنين: اعتبار أن هذا الأمر حسم في المجلس الوزاري الذي حسب هذه التصريحات أكد على أحقية رئيس الحكومة في الإشراف على هذه الانتخابات؛ وبالتالي رفض أي مجادلة أو رفض لدور الملك التحكيمي؛ اعتبار أن هذا المقترح هو مقترح غير دستوري وأن الأصل هو ضرورة الثقة بالمؤسسات المنبثقة بعد دستور 2011 وعلى رأسها مؤسسة رئاسة الحكومة. (انظر تصريح السيد رضى بن خلدون المنشور في موقع الحزب والذي صرح به في برنامج قضايا وآراء ومداخلة السيد عبد الله بوانو بالبرلمان)؛ تساؤلات وهذه الاعتبارات تملي علينا التساؤلات التالية: هل نحن إزاء انتقال نحو الديمقراطية أم نحن إزاء مرحلة عادية بمؤسساتها الدستورية القائمة؟؛ إذا كنا إزاء انتقال فالمفترض أن اللجنة المستقلة للإشراف على الانتخابات تكون من الأركان الأساسية لهذا الانتقال، وإذا كنا إزاء مرحلة عادية حيث المؤسسات الدستورية قائمة، فأين هي كل هذه المؤسسات الدستورية في الوقت الذي ظل دستور 2011 موقوف التنفيذ ومرهون تنفيذ مقتضياته بالمصادقة على القوانين التنظيمية المكملة لبنيانه وبنيان المؤسسات الدستورية المنبثقة عنه؟؛ وإذا سلمنا بأطروحة التحكيم الملكي، هل هذا التحكيم يأتي بعد أو قبل استنفاذ كل الوسائل الديمقراطية في الحسم في أي نقاش عمومي ومؤسساتي؟؛ وإذا كان الاستدلال بالتحكيم الملكي لتبرير التصويت ضد مقترح اللجنة المستقلة فلماذا أصلا التصويت مادام التحكيم الملكي قد حسم في الأمر حسب مبررات التصويت بالرفض؟ وهل رفض مقترح إحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات مرده فعلا إلى أنهم مع المبدأ بصرف النظر عن نقاش عدم دستوريته حسب ادعاء من رفضوه؟ على اعتبار أن للبرلمان الحق في التقدم بتعديل دستوري يفتح له باب الاستدراك بإحداث مؤسسات دستورية أخرى حسب ضروريتها في المرحلة؟ في الخلفيات السياسية للتصويت ضد مقترح الإشراف المستقل على الانتخابات لسنا هنا في محاسبة قبلية للمواقف التي تغيرت جدريا للعدالة والتنمية، ولكن نخلص من هذه الأسئلة، ومن تحليلنا لهذا التحول النوعي والجدري في الأداء السياسي والمقصد منه، لدى طرف سياسي بنى أطروحته حول الإصلاح الديمقراطي، على مطلب نزاهة الانتخابات واستقلالية الإشراف على الانتخابات، إلى أن هذا القرار الصادم في التصويت ضد هذا المقترح له خلفيات سياسية يمكن إجمالها في نقطتين: أن الإشراف المستقل على الانتخابات وكل مقتضياته العملية، من تجديد للوائح الانتخابية والتسجيل الأوتوماتيكي بالبطاقة الوطنية وتقطيع انتخابي، من شأنه أن يجعل من الانتخابات القادمة مرآة شفافة تعكس النسبة الحقيقية للمشاركة في الانتخابات، ونسبة العزوف عنها، وبالتالي ستضع الدولة برمتها والحزب المترأس للحكومة جزء منها، أمام حرج كبير في مصداقية نتائج هذه الانتخابات، ولهذا لا نستغرب أن نسمع أصواتا من الحكومة ومن الحزب المترأس للحكومة بضرورة إجبارية التصويت، ذلك أن انتخابات 2007 وانتخابات 2011 بينت بالملموس وبالأرقام الرسمية، أن نسبة المشاركة لازالت ضعيفة وأن السند الانتخابي للفائزين في هذه الانتخابات هو سند هش وضعيف جدا؛ أن هذا العزوف الانتخابي وبدون آلية مستقلة تجعله مقياسا أساسيا في نجاح العملية الانتخابية ومصداقيتها، هو في صالح تقوية التوقع بالفوز الانتخابي للحزب المترئس للحكومة، ذلك أن أغلب المصوتين -وهو قلة بمقارنته بعدد العازفين عن الانتخابات- سيمنحون أصواتهم لهذا الحزب، الذي يرتكز على قواعده الحزبية المنخرطة للتكثير من السواد الميكروسكوبي للأصوات المدلى بها، فالعزوف الانتخابي هو عزوف عن العملية السياسية والانتخابية برمتها، ولن تكون هناك إمكانية لفرز سياسي سليم، في غياب أدنى الشروط القبلية للنزاهة وللحرية وللديمقراطية وهم أركان العملية الانتخابية الناجحة، فالنزاهة تعني أن تعكس صناديق الاقتراع إرادة المواطنين ومقدمتها لوائح انتخابية جديدة بتقطيع ونظام انتخابيين عادلين، والديمقراطية تعني أن يكفل حق المشاركة والترشيح لكل القوى الفاعلة بدون قيد مانع لهذا الحق، ومقدمة ذلك دمقرطة قانون الأحزاب السياسية، ونزع عملية الإشراف على تأسيس الأحزاب من يد الداخلية، والحرية تعني كفالة الحق في التعبير في كل وسائل الإعلام العمومي لكل القوى في الانتخابات، بما في ذلك القوى المقاطعة لها، دون إعمال معايير مجحفة تتأسس على نتائج انتخابات سابقة من حيث التمثيلية الانتخابية... خلاصات مركزة مادام الحق في التأسيس والتنظيم غير مكفول قانونا، بوجود قانون يضع قيودا شكلية وجوهرية لعملية التأسيس الحزبي وبإشراف غير مستقل في هذا التأسيس؛ مادامت اللوائح الانتخابية والتقطيع الانتخابي، وكل مجريات الإعداد للانتخابات بيد وزارة الداخلية، فلن يكون هناك إفراز تلقائي للتمثيلية الانتخابية التي تعكس القوى الحقيقية في المجتمع والإرادة الشعبية العامة، بل سنعود إلى البلقنة الانتخابية، وإلى التحكم القبلي، وإلى حكومة عرجاء، تتوسل أغلبية بتحالفات هجينة تقضي على مصداقية كل الوعود الانتخابية المصرح بها في الحملات الانتخابية؛ مادامت النخبة المقبولة رسميا مرفوضة في أغلبها شعبيا، بدليل نسبة العزوف المرتفعة، ومادامت قوى سياسية أخرى محرومة من حقها في التنظيم، وفي المشاركة بشكل حر ودون قيود، فسيكون هناك فوز ميكروسكوبي للقوى التي لازالت تحتفظ بقواعدها الحزبية الوفية لها. أما أغلبية الشعب فلا صوت لها في هذه الانتخابات، وبالتالي لا إرادة عامة لها تعكسها هذه الانتخابات، وتدور دائرة بنية الاستبداد من جديد... [email protected]