لا أحد يفهم بالتحديد ما الذي يقع في المشهد السياسي: في حكومة بنكيران الأولى خرج الحركي امحند العنصر، وزير الداخلية، بتصريح مثير للجدل قال فيه إن الحكومة التي ينتمي إليها جاهزة لتنظيم الانتخابات الجماعية، وبعد التعديل الذي جاء بمحمد حصاد وزيرا الداخلية تغيرت كل المعطيات من جديد، وقالت الحكومة إن الانتخابات الجماعية لن تكون إلا في سنة 2015 أي بعد أشهر قليلة من نهاية أول حكومة إسلامية في مغرب ما بعد الاستقلال. في زحمة هذا اللغط هاجمت أحزاب المعارضة الحكومة متهمة إياها بالتماطل وتحضير انتخابات على المقاس. استمر الجدل على هذا المنوال، وكان حضور عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة ووزير داخليته، محمد حصاد، إلى البرلمان بمثابة إعلان صريح بين الأغلبية والمعارضة حول الأجندة الانتخابية. وإذا كان هذا السجال يتخذ طابع البوليميك مادام أنه يتعلق في نهاية المطاف بتدافع سياسي محض، فإن جوهره انزاح لتصير العملية الانتخابية برمتها مجرد لعب بالتواريخ. في البدء استقر الرأي على أن تنظم في يونيو المقبل ثم أعلن حصاد والرميد، وهما المشرفان على اللجنة المركزية للانتخابات، أن أحزابا من داخل صف المعارضة طالبت بتأجيل الانتخابات إلى شهر شتنبر المقبل. من الناحية التقنية، قد يبدو التأجيل من عدمه أمرا عاديا جدا، لكن من الناحية السياسية قد يحتمل الخبر أكثر من تأويل. التأويل الأول يجد شرعيته في كون أحزاب المعارضة هي من اقترحت التأجيل رغم أنها دافعت قبل اشتعال النقاش عن تنظيمها سنة 2014 معناه أنها ما تزال متخوفة من القوة الحقيقية لحزب العدالة والتنمية حتى وإن كانت ماكينة التدبير الحكومي قد عجنته طيلة 4 سنوات. أحزاب المعارضة تحمل في ذهنها ذكريات الانتخابات التشريعية لسنة 2011 حينما اكتسح حزب العدالة والتنمية الجميع واستطاع أن يحصل على عدد مقاعد لم يتوقعه أحد، ولذلك يبدو الخوف مبررا. التأويل الثاني الذي يمكن أن يفسر تأجيل الانتخابات إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تصريحات مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، الذي قال إن أحزاب المعارضة هي التي طلبت التأجيل إلى شهر شتنبر يتمثل في كون أن هاته الأحزاب ليست مستعدة على المستوى التنظيمي للدخول في غمار الانتخابات، فحزب الاستقلال لم يبرأ من الجروح العميقة التي تمخضت عن مؤتمره الأخير وبات يعيش أكبر أزمة تنظيمية بعد صراع بوستة والدويري الشهير انتهت ببروز تيار بلا هوادة، أما حزب بوعبيد فقد أصبح قريبا أكثر من أي وقت مضى من الانشقاق بسبب صراع تنظيمي غير مسبوق بين تيار إدريس لشكر وتيار الديمقراطية والانفتاح. الحقيقة البارزة، الآن، أن أحزاب المعارضة تعيش على إيقاع تطاحن وصراع تنظيمي سيؤثر بشكل أو بآخر على حظوظها في ضمان مركز متقدم في سلم الأحزاب القوية في أفق الانتخابات المقبلة، وحزب ابن كيران يبدو واثقا بأنه مازال يحافظ على شعبيته التي حازها في الانتخابات التشريعية الأخيرة. بيد أن الحقيقة على مستوى النقاش بين الفاعلين السياسيين لا تعكس، حقيقة، ما يفكر فيه المواطن المغربي الذي أصبح أكثر ابتعادا من السياسة ومن السياسيين. لقد كان الرقم الذي أعلن عنه وزير الداخلية حول تسجيل 800 فقط في اللوائح الانتخابية مؤشرا دالا على تجاوب المغاربة مع العملية الانتخابية بل وتعطي مؤشرات أولية على مدى تفاعل المغاربة مع القائمين على تدبير الشأن العام. هذا هو النقاش الحقيقي الذي ينبغي إثارته بغير قليل من الجرأة، فعدا النقاش حول اللجنة المركزية للانتخابات والإعداد للقوانين الانتخابية لم يطرح أحد السؤال الحارق: لماذا لم تستطع الأحزاب السياسية المغربية، على اختلاف مشاربها، أن تقنع المواطن/ الناخب المغربي ببرامجها وقدرتها على التغيير؟ وكيف أصبحت النخب المغربية عازفة عن العمل السياسي وانزوت في ركن قصي؟ وهل أصبحت هذه الأحزاب غير قادرة على التأطير وأصابها داء الترهل؟ والحال أن الأحزاب بوضعيتها الحالية: فشل ذريع في بناء الأداة التنظيمية وصراع على المصالح والكراسي وبؤس في القدرة على الاقتراح وقاموس سياسي مصاب بالابتذال في أسفل مداركه وزعماء سياسيون لا يعرفون سوى السباب والكلام الساقط وضحالة في الأفكار وفقدان الاستقلالية في القرار وهمينة «دكتاتورية المركز» في التدبير. كلها أمراض جعلت العملية الانتخابية بالمغرب مرتبطة فقط بمعطيات رقمية وبتبادل الكراسي والمنافع أيضا، رغم أن الفعل السياسي لدى الذين أسسوا له لم تكن يوما غايته الوصول إلى الانتخابات بل إلى التأسيس لتوازنات سياسية قائمة على التنافس بالأفكار لا بالأحقاد وبالسباب. كان على الأحزاب السياسية أن تأخذ العبرة من الانتخابات التشريعية الأخيرة حينما اختارت «الأغلبية الصامتة» أن تقاطع صناديق الاقتراع وأن تمارس نقدا ذاتيا ولو كان قاسيا على مشاريعها السياسية لكن فضلت أن تكسر المرآة عوض أن تقوم وجهها «البشع». فلنعترف بعد كل ما سبق: إن تأجيل الانتخابات من غيره ليس «حكمة كبيرة» تهم المواطنين الذي ثقبت جيوبهم بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وإنما نقاش يهم نخبة سياسية مترهلة لم تفهم الدرس السياسي المغربي رغم بساطته. هل أبرمت الحكومة والمعارضة «صفقة سياسية» لتأجيل الانتخابات؟ بنشماش: بنكيران يمارس التضليل والتأجيل سببه عدم جاهزية الحكومة المهدي السجاري فتح قرار الحكومة تأجيل الانتخابات إلى شهر شتنبر المقبل باب التأويل على مصراعيه، بعدما تبرأت أحزاب المعارضة من تصريحات رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، التي كشف فيها أن القرار جاء بطلب من هذه الأحزاب خلال اجتماعها بوزير الداخلية. تأجيل الانتخابات أثار السؤال حول مدى استعداد الأحزاب السياسية والحكومة للاستحقاقات الجماعية المقبلة. فإذا كانت جميع الأطراف تؤكد جاهزيتها لإجراء الانتخابات في أي وقت، فإن حقيقة تقدم المشاورات والإعداد للترسانة التشريعية لا تدل على ذلك، خاصة وأن النقاش الذي سيدور داخل البرلمان ينتظر أن يأخذ حيزا مهما من الزمن التشريعي قبل المصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية. الأزمات الداخلية التي تعيشها بعض الأحزاب، المنتمية للمعارضة أو الأغلبية، تخيم بدورها على المرحلة التي تسبق يوم الاقتراع، وهو الشيء الذي قد يؤثر على تهييئ البرامج السياسية والنخب التي ستأخذ على عاتقها تحدي إنجاح أول انتخابات جماعية تجرى بعد اعتماد دستور 2011. سؤال التأجيل طرحناه على عزيز كرماط، النائب البرلماني ومنسق شعبة الداخلية بفريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، فكان الجواب هو أن «رئيس الحكومة صرح رسميا، وبصفته الدستورية، أنه استجاب لطلب المعارضة وبالتالي فلا يمكن إلا تصديق الأمر». وأشار إلى أنه «ربما لم يكن هناك طلب رسمي، لكن خلال النقاش مع وزير الداخلية تم التقدم بطلب التأجيل». وأضاف كرماط أن «حزب العدالة والتنمية لم يتقدم بأي طلب لتأجيل الانتخابات، لكن لا يمكن إلا تصديق ما صرح به رئيس الحكومة، علما أن التأجيل لا يهم ثلاثة أشهر فقط، بل تم منذ سنة 2012، على اعتبار أن هناك أطرافا تدخلت بكل قوة لتأجيل الانتخابات، لأنها رأت أن للحزب ورئيس الحكومة شعبية، وهو ما يجعل دخولها لغمار الاستحقاقات ليس في صالحها». وأكد عضو لجنة الداخلية بمجلس النواب أن «استطلاعات الرأي الأخيرة التي استرجعت فيها الحكومة الثقة أزعجت بعض الأطراف السياسية والأحزاب التي لا زالت تعيش على صراعات داخلية وانقسامات وتشرذما في صفوفها الداخلية، وهو الشيء الذي لا يمكنها من الدخول بقوة إلى هذه الاستحقاقات، مما يرجح أنها تقدمت فعلا بطلب التأجيل». وزاد البرلماني الإسلامي قائلا: «بالنسبة للعدالة والتنمية لم يتقدم بأي طلب كتابي أو شفهي، بل إن الحزب مستعد في أي لحظة لإجراء الانتخابات، لكن مادام أن قرار التأجيل قد اتخذ فهذا أمر محبذ، على اعتبار أن شهر يونيو يشهد تنظيم الامتحانات وأيضا حلول شهر رمضان، غير أن فترة التأجيل هذه هي أكثر ما يمكن أن يتم تمديده، على اعتبار أن الولاية الجماعية انتهت وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك تأجيل جديد». وفي رده على سؤال بشأن مدى ارتباط قرار التأجيل بضعف استعداد الحكومة، اعتبر كرماط أن «رئيس الحكومة صرح بشكل رسمي بأن وزارة الداخلية مستعدة لإجراء الانتخابات من الغد، لكن لو أن رئيس الحكومة أجاب برفض الطلب، لكان سينعت بالتسلط والديكتاتورية وعدم الاستجابة لطلب المعارضة». وأكد أن قرار التأجيل يدخل في إطار المقاربة التشاركية التي تحاول الحكومة نهجها في إطار علاقتها بمكونات المشهد السياسي في المغرب. لكن هذا الموقف الذي يدافع عن الدوافع التي تحجج بها رئيس الحكومة لتأجيل الانتخابات، يقابل بنفي المعارضة لتقدمها بأي طلب في الموضوع، بل وتفسيرها للتأجيل بضعف استعداد الحكومة لهذه الانتخابات، في ظل تباين المواقف حول عدد من القضايا الخلافية والتأخر الحاصل على مستوى القوانين. عبد الحكيم بنشماش، رئيس المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، صرح ل»المساء» أن رئيس الحكومة يمارس «التضليل». وقال في هذا السياق: «حضرت الاجتماع الذي انعقد بوزارة الداخلية بحضور وزير العدل والداخلية وأطر الوزارتين، وكانت أحزاب المعارضة حاضرة، ولا أحد منها طلب التأجيل». وتحدى بنشماش أن يكشف بنكيران عن وثيقة رسمية تدل على أن أحزاب المعارضة تقدمت بطلب التأجيل، «لكن ما شددنا عليه هو ضرورة توفير الشروط التي تضمن أقصى درجات النزاهة والشفافية للانتخابات المقبلة وضرورة تنقية المناخ السياسي من خلال الكف عن ازدواجية الخطاب التي عودنا عليها الحزب الذي يقود الحكومة». وسجل في هذا السياق، أن الحكومة تشرف على الانتخابات، لكن رئيسها وأعضاء حزبه يشككون في سلامتها، مشيرا إلى أنه «تم التأكيد في نفس الوقت على ضرورة احترام القواعد المؤطرة للتباري والتنافس السياسي، وقد عاينا أن سلوك رئيس الحكومة من خلال الخطاب الذي يستعمله هو خطاب منحط وسوقي ومعاكس تماما لما أكدنا عليه»، وفق تعبير بنشماش. وأكد رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين أن «هناك شعورا بالاشمئزاز للتضليل الذي يمارسه رئيس الحكومة». ودعا في هذا السياق، إلى الكشف عن الحزب الذي طلب التأجيل، وألا ينسب بنكيران للمعارضة شيئا لم تطلبه. ورجح بنشماش أن يكون القرار مرتبطا بعدم جاهزية الحكومة، «على اعتبار أنها تركت قضية الترسانة القانونية إلى الربع ساعة الأخيرة ليتم تمريرها بطريقتها، وبالتالي فما يفسر التأجيل هو عدم جاهزيتهم». وإذا كان تأجيل الانتخابات قد خلق نوعا من «التوافق» بين الحكومة والمعارضة، رغم الجدل المثار حول الجهة التي طلبت ذلك، فإن السؤال الجوهري يظل مرتبطا بتحدي النزاهة ومصداقية الاستحقاقات المقبلة، وهو التحدي الذي لا يرتبط فقط بحيادية الإدارة، بل أيضا بالنخب السياسية التي ستتقدم بها المكونات الحزبية. بعد تأجيل الانتخابات.. معركة القوانين التنظيمية تنفجر في وجه الحكومة على رأسها مشاريع القوانين التنظيمية الثلاثة المؤطرة للانتخابات خديجة عليموسى بعد إعلان رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، رسميا الأسبوع المنصرم تأجيل الانتخابات الجماعية إلى شهر شتنبر المقبل، سيكون البرلمان بغرفتيه أمام معركة تشريعية تتعلق بالقوانين التنظيمية الثلاث المؤطرة للانتخابات (الجماعات، الأقاليم والعمالات، والجهات). إذ سيشتد الخلاف بين فرق الأغلبية والمعارضة وكذا الحكومة، بالرغم من أن هذه الأخيرة استجابت لعدد من مقترحات الأحزاب السياسية أثناء إعدادها للمشاريع المذكورة، التي ينتظر إحالتها على البرلمان. ومما لا شك فيه أن لخطوة تأجيل الانتخابات تأثير على جودة النصوص القانونية المرتبطة بالانتخابات. لذلك يتعين الاستغلال الجيد للزمن المتبقي بهدف التحضير الجيد، وهو ما سيكون له انعكاس على القطع مع الممارسات السائدة لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، يقول محمد دعيدعة، رئيس الفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية بمجلس المستشارين، الذي اعتبر أن تأجيل الانتخابات إلى شهر شتنبر كان مرتقبا ومتوقعا ويفرض نفسه، وهو ما سيساهم في تجويد الترسانة القانونية. ورغم إعلان رئيس الحكومة عن أن الانتخابات الجماعية والجهوية سيتم تأجيلها إلى شهر شتنبر، غير أن الأجندة المتعلقة بباقي الاستحقاقات غير واضحة، إلى جانب أن هناك مقتضيات ما زالت تحتاج إلى مشاريع قوانين تؤطرها، من قبيل أن تشكيلة مجلس المستشارين ستتضمن تمثيلية للمقاولات «الباطرونا»، لكن السؤال المطروح هو: كيف سيتم انتخاب هذه الفئة؟ وبناء على أية معايير وعلى أية مقاييس؟. وهذا لا شك يتطلب إعادة النظر في القوانين الخاصة بممثلي المأجورين، يقول رئيس الفريق الفيدرالي بمجلس المستشارين . مشاريع القوانين التنظيمية الثلاثة للانتخابات، والمتعلقة بالجماعات والأقاليم والعمالات والجهات، «لا علاقة لها من حيث التدبير بالاستحقاقات المقبلة، لأنها خاصة بالصلاحيات المخولة للمجالس التي سيتم انتخابها»، يقول عبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية، الذي أكد أن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة سيتم إجراؤها طبقا للقانون التنظيمي رقم 59/11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، وليس طبقا للقوانين التنظيمية الثلاثة التي تأتي في مرحلة لاحقة بعد الانتخابات. وأضاف بوانو، في تصريح ل»المساء»، أن تأجيل الانتخابات سينعكس لا محالة على الإعداد القانوني واللوجستيكي والتدبيري حتى تكون في مستوى أعلى من درجة أعلى للشفافية والنزاهة، مؤكدا أن تأجيل الانتخابات لا صلة له بجودة الانتخابات، وإنما يأتي في «إطار عملية التشاور والإشراك الحقيقي للأحزاب السياسية من قبل الحكومة، التي استجابت لعدد من المقترحات التي ضمنتها مشاريع القوانين التنظيمية الثلاثة، وكذا تلبية لرغبة عدد من الأطراف السياسية في تأجيل الانتخابات»، مشيرا إلى أن حكومة بنكيران «حكومة مسؤولة وتتصرف بمرونة مع مطالب الهيئات السياسية». ولعل دراسة ومناقشة مشاريع القوانين التنظيمية الثلاثة داخل البرلمان بغرفتيه خلال هذه المرحلة، سيساهم، يقول دعيدعة، في الرفع من جودتها ويجنب المؤسسة التشريعية العمل تحت الضغط الذي عرفته التجربة السابقة لسنة 2011، والتي كان لها الأثر، يضيف دعيدعة، على مجموعة من القوانين المتعلقة بالانتخابات. لكن هذا لا يعني عدم وجود تخوفات مشروعة من عدم استغلال الزمن بشكل جيد من لدن الحكومة. وبالعودة إلى الحوار الذي قادته الحكومة مع الأحزاب السياسية بخصوص مشاريع القوانين التنظيمية، والذي أعلن بنكيران حصيلته، فقد توصلت الحكومة ب47 مذكرة تتضمن 721 اقتراحا، قبلت منها 275 مقترحا، وهو ما يمثل 38 في المائة، حيث قدم بنكيران مثالا على مشروع القانون التنظيمي للجهات، الذي توصلت وزارة الداخلية بشأنه ب26 مذكرة، بها 309 مقترحات قبلت منها الحكومة 107 مقترحات، بنسبة 43 في المائة بالنسبة لأحزاب الأغلبية الأربعة (العدالة والتنمية والحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية)، و41 في المائة بالنسبة لأحزاب المعارضة الأربعة (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري)، بينما كانت نسبة الأحزاب غير الممثلة في البرلمان 28 في المائة. لكن هذه التدابير والإجراءات التي سبقت إعداد مشاريع القوانين من لدن الحكومة لن تعفي المؤسسة التشريعية من الدخول في حرب تشريعية ستقودها المعارضة لا محالة، خصوصا إذا تم الإعلان عن دورة استثنائية. تأجيل الانتخابات الجماعية إلى شهر شتنبر المقبل لا يمنع من عقد دورة استثنائية تعتبر ملحة من أجل إجراء الانتخابات في وقتها. لذلك فإن رئيس الحكومة عليه أن يتخذ القرار في الإعلان عن دورة استثنائية وفق جدول أعمال محدد كما ينص على ذلك القانون، يقول دعيدعة، في تصريح ل»المساء». فيما يرى بوانو أن عقد دورة استثنائية لا علاقة له بالانتخابات المقبلة وجاهزيتها، مضيفا أن التنصيص على أن العمل بالقوانين التنظيمية المؤطرة للانتخابات لا يمكن أن يكون إلا بعد فاتح يناير من سنة 2016. خطر العزوف الانتخابي يهدد ثالث انتخابات محلية في «العهدالجديد» عادل نجدي تبدو انتخابات المجالس الترابية، التي تم إرجاء تاريخ تنظيمها إلى شتنبر القادم، حاسمة في رسم خريطة سياسية جديدة في المغرب، خاصة في ظل سياق سياسي دقيق وصعب. كما تشكل محطة لامتحان قدرة الدولة والأحزاب السياسية على مواجهة تحديات جسام مرتبطة أساسا بتنظيم نزال انتخابي لا يفسده تدني نسبة المشاركة والإقبال على صناديق الاقتراع. وتشكل نسبة المشاركة في ثالث انتخابات للمجالس الترابية في عهد الملك محمد السادس، أكبر لغز بالنسبة للمتتبعين وللدولة وللفاعلين السياسيين بمختلف تلويناتهم، بل أكبر تحد يواجههم منذ هبوب رياح الربيع العربي، بالنظر إلى الانعكاسات السلبية التي قد تنتج عنها وتجعل الجميع في وضع لا يحسد عليه داخليا وخارجيا. وتبدو نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة، في نظر العديد من المتتبعين، رقما صعبا في معادلة أول انتخابات للمجالس الترابية بعد إقرار دستور 2011، باعتبار أن أي عزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع سيعيد إلى الأذهان سيناريو ما وقع في انتخابات 2007، بل سيوجه ضربة موجعة إلى المسار الإصلاحي الذي نهجه المغرب في مواجهة رياح الربيع العربي وجعله استثناء في المنطقة، ويطرح علامات استفهام حول من يتحمل مسؤولية ما سيقع، وعن جدوى الإصلاح وقدرته على تجاوز أعطاب الحياة السياسية المغربية. صحيح أن لا أحد من مصلحته تكرار سيناريو 7 شتنبر 2007، في ظل التحديات التي تواجه البلد والدولة والأحزاب مجتمعين، بيد أن الواقع السياسي المعيش منذ اعتماد دستور المملكة الجديد وإجراء الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011، وتولي الإسلاميين، لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث، دفة الحكم، يشير إلى استمرار نفس السلوكيات والأسباب التي لا تغري الناخبين بالمشاركة، وتجعلنا أمام استمرار أزمة ثقة في العملية السياسية والانتخابية، كما في القوى السياسية المرتبطة بها. ورغم ما جاء به دستور المملكة الجديد، والمقتضيات القانونية المنظمة للحياة الحزبية، لم يتمكن الفاعل الحزبي من وضع قطيعة مع الماضي، إذ مازال فقدان الثقة من قبل المواطنين قائما في ظل واقع حزبي يتميز بالعبثية والفوضوية، وتدني الخطاب الحزبي إلى مستوى منحط لم يعهده التنافس السياسي من قبل، دون نسيان تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، وعدم القدرة على القيام بالأدوار الدستورية المتمثلة في تأطير المواطنين وتكوينهم سياسيا، مما يجعلنا، ونحن على مسافة ستة أشهر من تنظيم الانتخابات، أمام واقع سياسي لا يغري على الإقبال على صناديق الاقتراع، وقبله على التسجيل في اللوائح الانتخابية. ولعل ما كشفت عنه نتائج استطلاع للرأي، قامت به مؤخرا مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد ومعهد «آفيرتي» المتخصص في الدراسات الاستقصائية، من خلاصات كان عنوانها الأبرز أن فئات واسعة من المغاربة غير مهتمة بالمشاركة في الانتخابات الجماعية المقبلة، بعد أن عبرت نسبة 44.3 في المائة فقط من المستجوبين عن رغبتهم في الإدلاء بأصواتهم، يرخي بظلال التخوف في ما يخص ارتفاع نسبة المشاركة. وكان لافتا تخوف عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب الأسبوع الفائت، من حصول عزوف لدى المواطنين عن التسجيل في اللوائح الانتخابية، خاصة في ظل تسجيل 800 ألف طلب جديد فقط من أصل 8 ملايين مواطن ممن يحق لهم التصويت، بعد انصرام 40 يوما من أصل 60، وهو ما دفعه إلى دعوة المواطنين إلى التسجيل في اللوائح باعتباره في قلب الرهان على استعادة ثقة المواطن في السياسة. وبالنسبة إلى جواد النوحي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالرباط، فإن خطر العزوف يهدد الانتخابات القادمة، رغم أن نسبة المشاركة في الاستحقاقات المحلية تكون أقوى منها في الانتخابات التشريعية. ويرى أستاذ القانون العام أن الانتخابات المقررة في شتنبر المقبل مهمة لجهة أنها أول انتخابات محلية تجرى بعد دستور 2011، وحاسمة لكون تأسيس جهوية جديدة يتوقف على النخب التي ستفرزها صناديق الاقتراع، مرجعا مخاطر العزوف التي تهدد الانتخابات إلى عوامل تقليدية تتعلق بالأسباب التي حكمت مشاركة المواطنين خلال العقود الثلاثة الأولى للممارسة الانتخابية بالمغرب إلى حدود نهاية التسعينيات من القرن الماضي. وحسب النوحي، يمكن الحديث بهذا الصدد عن ثلاثة أسباب : أولها النظر إلى الانتخابات كلعبة يتحكم فيها المال والإدارة، وأن من يتحكم فيها هم هذه الأطراف .وثانيها:عدم الثقة في الانتخابات كآلية للإجابة عن المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتدبيرية للمواطنين، وما يجسد ذلك أداء الجماعات الترابية. أما العامل الثالث فيهم واقع المشاركة حتى على المستوى التجارب المقارنة، فتقدم تطور الممارسة الديمقراطية يشير إلى أن المشاركة الانتخابية لم تعد مغرية لتشابه البرامج وغياب الرهانات. ويرى أستاذ القانون العام أن حضور العوامل التقليدية تراجع في بعض جوانبه في الانتخابات الأخيرة مع تقوي العوامل المستجدة التي تتعلق بعاملين أساسيين: النظر الى النخب السياسية وخطاباتها وممارستها التي أصبحت موضوع انتقاد لدى المواطنين، مشيرا إلى ما تقدمه التعليقات في المواقع الاجتماعية، وعدم قدرة الأطراف السياسية على استثمار النقاش لتقديم برامج ورؤى والسعي إلى تطبيقها لتكون موضوع نقاش بين الناخبين. ويزيد من ذلك ضعف التعبئة السياسية المرتبطة بضعف البنيات التنظيمية وقربها من المواطنين لمعظم الأحزاب السياسية. وفي الوقت الذي يؤكد النوحي أن التحدي الذي يواجه الانتخابات المقبلة ليس النزاهة واختصاصات الجماعات الترابية فحسب، وإنما أيضا معدل المشاركة والبرامج المقدمة والنخبة التي ستفرزها، يرى عادل بن حمزة، الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، أن «هناك جانبا أساسيا مؤثرا في موضوع المشاركة لا يراد له أن يثار، وهو مدى رهان المواطن على المنتخبين المحليين ليس كأشخاص كما يراد التركيز عليه لإفراغ هذا النقاش من مضمونه، بل بالنظر إلى الاختصاصات الفعلية التي تملكها الجماعات المحلية، ومدى تأثيرها في الحياة اليومية للمواطنين». ويؤكد بنحمزة أن استمرار اقتصار اختصاصات الجماعات على الإنارة العمومية وجمع النفايات والحالة المدنية في مقابل هيمنة العامل والباشا والقياد على باقي مجالات الحياة اليومية للمواطنين، «يجعلنا بكل تأكيد أمام نسب متدنية للمشاركة، لهذا علينا أن نختار: هل نرغب في استعادة المواطنين للحياة العامة، بما فيها الحياة السياسية والانتخابات والأحزاب والنقابات، بما يوطد صلة المواطنين مع مؤسسات البلاد، وإما أننا سنكون أمام عزلة المؤسسات المنتخبة عن محيطها الشعبي، واستمرار رفض المواطنات والمواطنين الرهان على المؤسسات المنتخبة لأنها ببساطة لا تملك من الاختصاصات ما يجعل المواطنين يراهنون عليها، وبدلا نن ذلك يصبح الرهان على ممثلي الإدارة الترابية، وهذا الأمر ينطوي على مخاطر كبيرة في المستقبل، ويفرغ الديمقراطية المحلية من مضمونها». الأكيد أن الدولة والأحزاب تواجه ربح رهان تنظيم انتخابات لا يفسدها تدني نسبة المشاركة، بيد أن سؤال النزاهة يظل دائما مطروحا في النقاش السياسي، خاصة في ظل ارتباطه عضويا بمنظومة القوانين الانتخابية والمسلكيات التدبيرية للسلطات المشرفة على العملية الانتخابية. بلقاضي: شكل ومضمون مشاريع قوانين الانتخابات وسلوك الدولة والأحزاب تشير إلى أن الانتخابات لن تأتي بجديد بالنسبة إلى النزاهة قال إن المنافسة الحقيقية في الانتخابات ستكون بين «البيجيدي» و«البام» في هذا الحوار، يتحدث ميلود بلقاضي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، عن خلفيات قرار تأجيل الانتخابات وارتباطه بضعف استعداد الأحزاب والحكومة للاستحقاقات الجماعية. وأوضح المحلل السياسي أن أخطر تحديات الانتخابات المقبلة هو عدم توفر الأحزاب، ولو بدرجات مختلفة، على نساء وشباب ونخب في مستوى المهام والاختصاصات التي خولتها لهم مشاريع القوانين. حاوره - المهدي السجاري - كيف تفسر قرار الحكومة تأجيل الانتخابات إلى شهر شتنبر؟ الأكيد أن تأجيل الانتخابات إلى شهر شتنبر كان منتظرا، خصوصا بعد ظهور عدة مؤشرات على ذلك، أولها تأخير الحكومة تقديم مشاريع التقسيم الجهوي ومشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات وبالجهات وبالعمالات أمام المجلس الوزاري بداية شهر فبراير. هذا التأخير طبيعي أن تكون له تداعيات على باقي مساطر ومحطات تحويل هذه المشاريع إلى قوانين. والقارئ لمشاريع القوانين هاته سيقتنع بأنه من الصعب أن يتم التصويت عليها قبل شهر يونيو لأن المنطق يفترض أن مساطر المناقشة والتصويت على كل هذه المشاريع يتطلب مدة تفوق أشهر. ومن ثم يستحيل أن تكون مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات الجماعية والجهوية والأقاليم والعمالات جاهزة قبل شهر يونيو، لأنها لم تصل بعد للبرلمان، بمجلسيه، الذي سيختتم الدورة الخريفية هذا الأسبوع، ويجب انتظار الدورة الربيعية التي ستفتتح شهر أبريل المقبل. هذا دون أن نغفل الصراع القائم بين مجلسي المستشارين والنواب حول أولوية من يجب أن تحال عليه المشاريع السابقة الذكر، وإمكانية اللجوء للمجلس الدستوري من جهة، وإمكانية طلب التحكيم الملكي حول مسألة الإشراف في ظل تناقض مواقف رئيس الحكومة وأحزاب المعارضة. أي إن هناك إكراها زمنيا؟ المناقشة والتصويت على مشاريع القوانين المتعلقة بانتخابات الجماعات والجهات والعمالات والأقاليم محكومة بسقف زمني محدد انطلاقا من وضعها بمكتب المستشارين ثم باللجنة لمناقشتها وإدخال التعديلات والتصويت، ثم تقديمها والتصويت عليها في الجلسة العمومية. بعد ذلك يتم وضعها بمكتب مجلس النواب ثم باللجنة للمناقشة وإدخال التعديلات، وبعد ذلك تقديمها والتصويت عليها بالجلسة العمومية وإرسالها للمجلس الدستوري ليصادق عليها قبل توجيهها للطبع بالجريدة الرسمية، وانتظار مدة زمنية تتجاوز 6 أشهر لتصبح قابلة للتفعيل. المسألة الثانية تتمثل في عدم استعداد الدولة والحكومة والأحزاب لإجراء هذه الانتخابات المهمة في شهر يونيو لأنها لا تتوفر على الموارد اللوجستبكبة والتقنية والبشرية الكافية. فلا الدولة أقنعت الأحزاب بالتقطيع الجهوي ولا أحزاب الأغلبية متفقة فيما بينها حول عدد من مواد المشاريع، التي نذكر من بينها نسبة العتبة ونمط الاقتراع والتدبير الحر واختصاصات رئيس الجماعة ورئيس الجهة وغيرها من النقاط. - نزاهة ومصداقية الانتخابات من أبرز التحديات المرتبطة بالاستحقاقات المقبلة. من خلال قراءة السياق السياسي والترسانة التشريعية الانتخابية التي تم وضعها، هل يمكن الجزم بأن الانتخابات المقبلة ستكون، بشكل عام، نزيهة وذات مصداقية؟ نزاهة الانتخابات لا ترتبط بالترسانة التشريعية فقط، لأن الإطار القانوني هو آلية للضبط فقط، أما نزاهة ومصداقية الانتخابات فهي عملية معقدة ومركبة تتطلب تلاقي ثلاث إرادات على الأقل، وهي إرادة الدولة وإرادة الأحزاب وإرادة المواطن مع توفير المناخ السليم لتنظيم هاته الانتخابات. وبكل صراحة، فرغم مصادقة المجلس الوزاري على مشاريع القوانين المتعلقة بالانتخابات الجماعية وبالجهوية وبالأقاليم والعمالات، فإن شكل ومضمون هذه المشاريع وسلوك الدولة والأحزاب تشير إلى أن الانتخابات الجماعية المقبلة لن تأتي بجديد بالنسبة للنزاهة والمصداقية، بل يمكن أن تعرف انتكاسة دستورية وشعبية نتيجة تحكم اللوبيات الانتخابية والأعيان وأصحاب المال والنفوذ في شكل ومضمون مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات. لذلك نقترح أن توقع الأحزاب ميثاق شرف حول تحديد شروط اختيار المرشحين، خصوصا بعد حذف شرط المستوى الثقافي من شروط الترشح لرئاسة الجماعة أو الجهة. وهنا أستغرب ولا أفهم أنه في الوقت الذي وسعت فيه هذه المشاريع اختصاصات ومهام رؤساء الجماعات والجهات ليصبحوا آمرين بالصرف، يتم التراجع عن شرط المستوى الثقافي للمترشحين. - وكيف تقيم استعداد الأحزاب السياسية لهذه الانتخابات، سواء في الجانب المتعلق بالنخب أو البرامج السياسية؟ كتبت أكثر من مقال في الموضوع، وقلت إن جل الأحزاب لم تكن في مستوى الصلاحيات التي منحها لها الدستور ولم تكن في مستوى القانون التنظيمي للأحزاب. فجلها تعيش اليوم على تدبير أزماتها الداخلية ومواجهة تصدعاتها خارج أنظمتها الأساسية وقوانينها الداخلية، وهناك أكثر من مؤشر على أن أخطر تحديات الانتخابات المقبلة هي عدم توفر الأحزاب- ولو بدرجات مختلفة- على نساء وشباب ونخب في مستوى المهام والاختصاصات التي خولتها لهم مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات وبالجهات والأقاليم والعمالات بكل الجهات. لذلك نؤكد - بكل أسف- تخلي جل الأحزاب عن وظيفة التأطير والرهان على تداول النخب، دون أن ننسى تمركز النخب بالرباط والبيضاء، فجل الأحزاب لا تتوفر على نخب مؤهلة ب12 جهة. وهنا أدعو الأحزاب والدولة إلى نهج إعادة انتشار النخب وتوزيعها العادل بكل الجهات الإثني عشر وإلا سنكون أمام جماعات وجهات موجودة ترابيا وجغرافيا وقانونيا لكن بدون موارد بشرية مؤهلة. - ماذا عن السيناريوهات والنتائج المحتملة؟ هل ستسير لصالح حزب العدالة والتنمية أم أن الحسابات والرهانات المحلية ستؤدي إلى نتائج ليست في صالح الحزب الإسلامي؟ من وجهة نظري، فحزب «البيجيدي» يبقى الأوفر حظا لاحتلال المواقع الأولى في الانتخابات المقبلة لأن له قواعد انتخابية منضبطة وحاضرة في أكثر من مجال، إضافة إلى كونه حزب لا يعاني من تصدعات داخلية مثل أحزاب كبرى أخرى. لكن حزب العدالة والتنمية لن يعيد تحقيق نتائج انتخابات 2011، بل يمكن أن يعرف بعض التراجعات في بعض المدن لكنه سيخترق المجال القروي وسيبقى من أكثر الأحزاب حظا للفوز بالمراتب الأولى وإن كان سيعرف منافسة شرسة من أحزاب المعارضة. والأكيد أن المنافسة الحقيقية في أجندة انتخابات شهر شتتبر ستكون بالدرجة الأولى بين حزبي ال»بام» وال»بيحيدي». - أليست هناك مخاوف من العزوف في ظل النسب المتدنية للمسجلين في اللوائح الانتخابية؟ صحيح، نسبة العزوف ستكون الرقم الصعب للدولة وللأحزاب في المعادلة الانتخابية المقبلة في ظل النسب العادية للمسجلين في اللوائح الانتخابية. لكن لا أفهم هل سلوك الدولة وسلوك الحكومة وسلوك الأحزاب الحالي، أغلبية ومعارضة، يشجع المواطن على التسجيل والتصويت؟ هل ما جرى بالبرلمان بين رئيس الحكومة وأحزاب المعارضة يقنع المواطن بالذهاب للتسجيل وللتصويت؟ هل سلوك وخطابات الفاعل السياسي فيه جاذبية لإقناع المواطن بالفعل السياسي؟ هل ممارسة المؤسسات المنتخبة تستجيب لتطلعات المواطن؟ هل الدولة والمؤسسات ولأحزاب كانت في مستوى الدستور الجديد؟ وكيف يجب إقناع المواطن بعملية التصويت وعلاقاته بالتنمية المحلية والجهوية؟ طبعا، نحن لا نجلد الذات ولكن الغيرة الوطنية تدفعنا لننبه الدولة والأحزاب والحكومة إلى أن جوهر نجاح أي انتخابات هو توفر الإرادة عند الدولة والأحزاب والمواطن وتوفير المناخ السليم وإخراج قوانين تنظيمية إستراتيجية بلغة واضحة ودقيقة، وفرض هيبة الدولة وتحمل الأحزاب مسؤولياتها وتقديم مرشحين نزهاء وليس كائنات انتخابية، وإعادة القيم الأخلاقية للفعل السياسي حتى لا يتحول الزمن الانتخابي لمواجهات للقفز على السلطة. لذلك نؤكد أن الدولة ملزمة بتأطير العملية الانتخابية بترسانة قانونية متكاملة تعمل على استقلالية ونزاهة الفعل الانتخابي واحترام إرادة المواطن إلى جانب التأهيل الإداري والمالي واللوجيستيكي للمؤسسات التي تدبر الانتخابات. هذا إلى جانب توفير الإرادة الفعلية عند صناع القرار والمؤسسات والمواطنين عبر توفير المناخ السليم والشروط الذاتية والموضوعية لإجراء انتخابات نزيهة وذات مصداقية ملتزمة بالمبادئ الدستورية والقانونية وقيم الحياد والاستقلالية والابتعاد عن التحكم وإشراك المجتمع المدني والقضاء المستقل لجعل الانتخابات عملية عادية تجذب المواطن ليصوت بكثافة لأنه من حماة الفعل الديمقراطي خصوصا إذا كانت الانتخابات انتخابات جماعية وجهوية لأنها تمس المواطن في حياته اليومية.