تعتبر الانتخابات آلية رئيسية في تحديد المسار الديمقراطي بالبلاد من خلال القوانين الانتخابية المعتمدة والطريقة التي يتم بها تقسيم الدوائر الانتخابية ونوع الجهاز المكلف بتدبير العمليات الانتخابية والاشراف على تسييرها وكيفية مراقيتها. وتختلف هذه المنظومة الانتخابية حسب الأنظمة السياسية وإرادتها الحقيقية في التعامل مع الانتخابات كدعامة أساسية لإقرار الديمقراطية الحقة أو وسيلة للتحكم في الخريطة السياسية. وباستثناء الانتخابات الجماعية التي عرفتها البلاد في ظل المغرب المستقل لسنة 1960 التي تميزت بالنزاهة والشفافية وحياد الجهاز الاداري، فإن المسلسل الانتخابي الذي انطلق مع أول انتخابات تشريعية في سنة 1963 شكل انتكاسة حقيقية للديمقراطية بالبلاد، سواء من حيث استغلال القوانين الانتخابية لسنة 1959 التي تم إعدادها من أجل تكريس الفساد الانتخابي وتسهيل مأمورية الأعيان في السيطرة على المقاعد، أو من حيث التقطيع الانتخابي، أو من حيث التدخل السافر والمكشوف للجهاز الاداري في تزوير إرادة الناخبين والتلاعب بصناديق الاقتراع وصنع خرائط سياسية تستجيب للتوجه السياسي المنشود. وهذا ما جعل حزب الاستقلال ومعه القوى الديمقراطية تطالب باعادة النظر كليا في المنظومة القانونية المتعلقة بالانتخابات وفك رقبة الاستحقاقات الانتخابية عن الجهاز الإداري بما يضمن حق المواطنين في اختيار ممثليهم في المؤسسات المنتخبة على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي بكل حرية بعيدا عن الضغوط والاغراءات كيفما كان نوعها ومن أي جهة كانت. ولم تظهر بوادر الإصلاح والتغيير الا مع مطلع العهد الجديد الذي دشنه جلالة الملك محمد السادس ليتم تكريس هذا التوجه الجديد في دستور 2011 عندما نص في الفصل الأول على اعتبار الاختيار الديمقراطي إحدى الثوابت الجامعة التي تستند عليها الأمة المغربية في حياتها العامة إلى جانب الدين الإسلامي السمح ، والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية، عندما نص في الفصل 2 على أن الأمة تختار ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم مادامت السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها في هذه المؤسسات المنتخبة البرلمانية منها و المجالس الجهوية ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجماعية القروية والحضرية وكذا الغرف المهنية، عندما نص في الفصل 11 على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس التمثيل الديمقراطي وأن السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين وعدم التمييز بينهم، عندما جعل الدستور من صناديق الاقتراع السند القانوني الوحيد الذي تتكون على أساسه الأغلبية والمعارضة داخل البرلمان، أغلبية نيابية تنبثق عنها الحكومة التي يعين جلالة الملك رئيسها من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب كما ينص على ذلك الفصل 47 من الدستور. إن هذا البعد الدستوري الجديد للانتخابات بما يحمله من إرساء دعائم نظام ملكية دستورية، ديمقراطية ، برلمانية واجتماعية باعتبارها مرتكزات نظام الحكم بالبلاد، يستوجب القطيعة مع ممارسات الماضي بما يضمن إعطاء المنظومة القانونية الانتخابية مدلولها الديمقراطي الحقيقي من خلال إعادة النظر جذريا في الإطار القانوني الانتخابي ابتداء من مدونة الانتخابات. كما أن مقومات التمثيل الديمقراطي يقتضي التعجيل بإخراج القانون الذي بموجبه تحدد القواعد التي تضمن الاستفادة على نحو منصف من وسائل الإعلام العمومية والممارسة الكاملة للحريات والحقوق الأساسية المرتبطة بالعمليات الانتخابية وبعمليات التصويت بدل أن تظل هذه القواعد "مقحمة" في مدونة الانتخابات، وذلك وفقا لأحكام الفصل 11 من الدستور. بالإضافة إلى ضرورة الإسراع بإخراج القانون الذي بمقتضاه يعاقب كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية، وذلك من أجل وضع حد لأي تلاعب بإرادة الناخبين، بما في ذلك استعمال المال للتأثير على الناخبين وغيره من وسائل الضغط والاغراء والترهيب والتخويف... وجاء مشروع القانون رقم 02.16 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية المعروض على أنظار مجلس النواب ، لتكريس الاختيار الحكومي القاضي بالاكتفاء بمراجعة عادية للوائح الانتخابية العامة التي تشوبها عدة شوائب قد تشكل أرضية قانونية غير صالحة لضمان انتخابات حرة ونزيهة وشفافة باعتبارها أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، وبالتالي قد لا تمكن الأمة المغربية من اختيار ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والشفاف كما ينص على ذلك الفصلان 2 و11 من الدستور، الأمر الذي يطرح بالفعل إشكالية دستورية حقيقية تتمثل في مدى استجابة هذه اللوائح الانتخابية العامة التي ستتم مراجعتها لتوجهات الإصلاح الدستوري الجديد، وبالتالي مدى دستورية هذا المشروع الحكومي الذي قد لا يضمن للمواطنين حقهم الدستوري في التعبير الحر والنزيه والشفاف لاختيار ممثليهم في المؤسسات المنتخبة على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والوطني، وبالتالي الإخلال بإحدى ثوابت الأمة التي تستند عليها في حياتها العامة، والمتمثل في الاختيار الديمقراطي إلى جانب الدين الإسلامي والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية كما ينص على ذلك الفصل الأول من الدستور. إن إعطاء الممارسة الديمقراطية مدلولها الحقيقي بما ينسجم مع أحكام الدستور روحا ومنطوقا ويستجيب لتطلعات وانتظارات المواطنين في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون يقتضي القطيعة مع ممارسات الماضي، بما فيها الأدوات القانونية الانتخابية التي شكلت على الدوام وسائل حقيقية لإفساد العمليات الانتخابية وتزوير إرادة الناخبين ووضع خرائط سياسية لا تمثل بالفعل المشهد السياسي الحقيقي ولا تفرز مؤسسات منتخبة قوية قادرة على إعطاء الديمقراطية السياسية منها والمحلية مدلولها الحقيقي لتظل مجرد واجهة غير قادرة على القيام بالمهام الدستورية الموكولة اليها على الوجه المطلوب. إن التفعيل السليم لأحكام الدستور وتوجهاته لا يمكن أن تتم عن طريق أدوات قانونية انتخابية متجاوزة باعتبارها المدخل الأساسي لضمان انتصار الديمقراطية عندما يجد كل مواطن ذاته في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي تعتبر بحق محطة حاسمة في الحياة السياسية المغربية وتكريس دعائم المسلسل الديمقراطي وإعطاء الإصلاح الدستوري قوته ومناعته في ظل أوضاع إقليمية تقتضي تحصين المكتسبات وتقويتها بما يضمن تعزيز مكانة المغرب بين الأمم، بما يضمن تعزيز النموذج الديمقراطي المغربي يقتضي تحصين المكتسبات الديمقراطية التي تحققت لحد الآن وتنقية الطريق لبناء صرح ديمقراطي حقيقي. فإلى أي مدى تم تجسيد التمثيل الديمقراطي في الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها البلاد في ظل الإصلاح الدستوري الجديد ؟ فهل الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة تبقى وحدها كافية لتحقيق التمثيل الديمقراطي انسجاما مع أحكام الفقرة الثانية من الفصل 2 من الدستور التي بمقتضاها تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم مادامت السيادة للأمة تمارسها مباشرة بواسطة الاستفتاء ، وبصفة غير مباشرة عبر ممثليها ؟ أم أن إعطاء البعد الدستوري للتمثيل الديمقراطي مدلوله الحقيقي في شموليته بما يضمن ترسيخ الاختيار الديمقراطي يقتضي النظر إلى التمثيل الديمقراطي كمبدأ دستوري كل لا يتجزأ يبتدئ من التسجيل في اللوائح الانتخابية إلى الإعلان النهائي عن النتائج الانتخابية بما ترسمه من خريطة سياسية يجب أن تعكس بحق المشهد السياسي وإرادة الناخبين انطلاقا من صناديق الاقتراع التي يجب أن تكون المحدد الوحيد في إفراز هذه الخريطة السياسية التي ينبغي أن تكون ذات مصداقية وتحظى بثقة الناخبين. إلى أي حد يمكن أن تشكل المداخل التشريعية دعامة سياسية لضمان التمثيل الديمقراطي، بما فيها القوانين المؤطرة للعمليات الانتخابية أو النصوص التشريعية المنظمة للمؤسسات المنتخبة ؟ أم أن المقاربة القانونية تبقى وحدها غير كافية إذا لم تتوفر إرادة سياسية حقيقية لتحقيق هذا الهدف الأسمى كما أراده المشرع الدستوري ؟ إلى أي مدى تشكل المنظومة القانونية الانتخابية الجاري بها العمل مدخلا حقيقيا للقطع مع ممارسات الماضي بما حملته من عيوب وشوائب ونقائص حالت دون احترام إرادة الناخبين في اختيار ممثليهم في المؤسسات المنتخبة بحرية، بما في ذلك استعمال المال للتأثير على الناجحين في ممارسة حقهم الدستوري على الوجه المطلوب أم أن الإشكالية الحقيقية تكمن في البعد السياسي للتمثيل الديمقراطي الذي يمر حتما عبر المشاركة السياسية الواسعة للمواطنين من خلال الانخراط في الأحزاب السياسية الوطنية الملتزمة، بما يضمن حقهم الدستوري في التأطير والتكوين والمساهمة في تدبير الشأن العام على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والوطني والمشاركة في ممارسة السلطة بالوسائل الديمقراطية. علينا أن نعترف بأن بوابة التمثيل الديمقراطي لازالت تحتاج إلى تنقيتها من الأشواك والشوائب لربح الرهان بما يحمله من تحديات حتى تكون على موعد مع الاستحقاقات التشريعية المقبلة باعتبارها محطة تاريخية في الحياة السياسية المغربية لكونها تأتي في ظل دستور علق عليه المغاربة آمالا كبيرة في الإصلاح والتغيير والقطيعة مع ممارسات الماضي التي ساهمت في تمييع الحياة السياسية وزرع ثقافة التيئيس ، دستور جعل من البعد الديمقراطي الرهان الحقيقي للعملية الانتخابية، بما يضمن بناء دولة المؤسسات الذي يمر حتما عبر التفعيل السليم لمضامين وتوجهات البعد الدستوري للانتخابات التي جاء بها الدستور الجديد.