تعتبر مرحلة البناء الدستوري فاصلة في حياة الأمم باعتبارها معيارا ومؤشرا على مدى قدرة الشعوب على الالتزام بالمواعيد التي حددتها خارطة الطريق المتوافق عليها، ليس فقط على الصعيد الوطني، بل وأساسا على المستوى الخارجي بعدما أصبحت الأمم قرية صغيرة في ظل العلاقات الدولية المعاصرة بأبعادها الاقتصادية والتكنولوجية والإنسانية. وهذا ما جعل المغرب يخرج منتصرا في «معركة الربيع العربي» بنموذجه الديمقراطي المتميز بفضل « الثورة الدستورية» التي أطلقها جلالة الملك في خطابه التاريخيي يوم 9 مارس 2011 التي انخرط فيها المغاربة كأفراد وأحزاب سياسية ومنظمات نقابية وهيئات المجتمع المدني من اجل إنجاح مرحلة «التأسيس الدستوري» بما يضمن خروج المغرب سليما وقويا من معركة التمرين الدستوري بإبعاده السياسية والديمقراطية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية. وقد انطلق هذا التمرين الدستوري بإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في 25 نونبر 2011 أفرزت أغلبية نيابية انبثقت عنها حكومة تم تنصيبها بعد تعيين جلالة الملك لرئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب في إطار الاحترام التام للمنهجية الديمقراطية وفقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور وحصولها على ثقة مجلس النواب بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس على البرنامج الحكومي الذي تقدم به رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان طبقا لأحكام الفصل 88 من الدستور. وعرف هذا التمرين الدستوري تعثرا ملحوظا بتأجيل الانتخابات الخاصة بالجماعات الترابية ومجلس المستشارين التي كان من المفروض ان تجرى قبل متم سنة 2012 كما دعا إلى ذلك جلالة الملك، بما يضمن للمسلسل الانتخابي انتظاميته كما ينص على ذلك الفصل 2 من الدستور، هذا المسلسل الانتخابي الذي استأنف أطواره بالانتخابات الخاصة بممثلي المأجورين في يوليوز 2015 والغرف المهنية في شهر غشت والجماعات الترابية في 4 شتنبر، شملت الجماعات القروية والحضرية والمجالس الجهوية ومجالس العمالات والأقاليم، ليتوج هذا المسلسل بالانتخابات المتعلقة بأعضاء مجلس المستشارين المائة والعشرين في 2 أكتوبر تلاها انتخاب رئيس مجلس المستشارين والأجهزة المسيرة لهذا المجلس. فإلي أي حد نجح المغرب في هذا التمرين الديمقراطي، خاصة فيما يتعلق بانتخاب الأجهزة المسيرة للغرف المهنية والجماعات الترابية ورئاسة مجلس المستشارين من حيث مدى احترام المنهجية الديمقراطية في هذه العمليات الانتخابية، هذا التمرين الديمقراطي الذي يشكل الركيزة الأساسية للبناء الدستوري عندما نص الفصل 2 من الدستور على أن الأمة تختار ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم، عندما جعل الفصل 11 من الدستور من الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة أساس التمثيل الديمقراطي، عندما جعل الفصل الأول من الدستور الاختيار الديمقراطي إحدى ثوابت الأمة التي تستند عليها في حياتها العامة؟ إلى أي مدى يعتبر هذا التمرين الديمقراطي مؤشرا على التخلص من ارث الماضي الأليم والممارسات المشينة التي تسيء إلى المسار الديمقراطي بالبلاد بأدوات انتخابية تسخر للتحكم في إرادة الناخبين لصنع خرائط سياسية تبقى بعيدة عن التمثيل الحقيقي للمشهد السياسي ؟ كيف ستتعامل الحكومة والبرلمان مع رهان استكمال البناء الدستوري ليس فقط على مستوى القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الفصل 186 من الدستور، ولكن أيضا وأساسا مع القوانين التأسيسية المتعلقة بإحداث المؤسسات الدستورية بما يضمن التفعيل السليم لأحكام الدستور قبل نهاية الولاية التشريعية الحالية في إطار شراكة حقيقية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لتحصين البناء الدستوري باعتباره كلا لا يتجزأ لما فيه ضمان بناء دولة قوية بمؤسساتها الديمقراطية الذي انخرط في مراحله الأولى المغاربة وكلهم آمال في الإصلاح والتغيير المنشودين.