استأنفت أمس الإثنين لجنة الداخلية و التجهيزات الأساسية بمجلس النواب أشغالها في المناقشة التفصيلية للمواد الثلاثين التي يتضمنها مشروع القانون المتعلق بتجديد اللوائح الانتخابية العامة و ضبطها بعد معالجتها بواسطة الحاسوب، هذا المشروع الذي يشكل النواة الصلبة لمنظومة القوانين الانتخابية يأتي في إطار تفعيل مضامين الإصلاح الدستوري الجديد الذي صادق عليه الشعب المغربي في استفتاء فاتح يوليوز الماضي عندما نص في الفصل 2 على أن « السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء و بصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها» ، و أن « الأمة تختار ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر و النزيه و المنتظم» ، عندما نص أيضا في الفصل 11 على أن الانتخابات الحرة و النزيهة و الشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي « ، عندما نص في الفصل 30 على أن « لكل مواطن ومواطنة الحق في التصويت و في الترشح للانتخابات ... و أن التصويت حق شخصي و واجب وطني « . يأتي هذا المشروع إذن لتجسيد هذا التوجه الدستوري و إعطاء الاختيار الديمقراطي كإحدى الثوابت التي تستند عليها الأمة في حياتها العامة _ مدلوله الحقيقي باعتبار أن مقتضيات هذا النص التشريعي تتمحور في روحها و جوهرها حول ضمان حق المواطنين في التصويت في الانتخابات و التعبير عن إرادتهم بكامل الحرية في اختيار ممثليهم في المؤسسات المنتخبة على الصعيد الوطني والجهوي والإقليمي و المحلي و المهني . غير أن ممارسة هذا الحق الدستوري تم تقييده من طرف المشرع المغربي بضرورة التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة عندما نصت المادة 1 من مدونة الانتخابات على أن اللوائح الانتخابية تعتمد وحدها لإجراء جميع الانتخابات الجماعية والتشريعية العامة والتكميلية، عندما نصت المادة 3 من نفس القانون على أن الناخب الذي يحق له التصويت في الانتخابات يجب أن يكون مغربيا بالغا من العمر 18 سنة شمسية كاملة على الأقل و يتمتع بحقوقه المدنية و السياسية وغير موجود في إحدى حالات فقدان الأهلية الانتخابية و أن يطلب قيده في اللائحة الانتخابية للجماعة التي يقيم فيها، حيث يتم تقييد المعني بالأمر في لائحة الدائرة الانتخابية الواقع في نفوذها محل إقامته . و هذا ما نصت عليه مقتضيات الباب الثالث من مشروع القانون السالف الذكر، سواء فيما يتعلق بطلبات القيد الجديدة في اللوائح الانتخابية أو الطلبات الهادفة إلى نقل القيد من لائحة انتخابية لأخرى أو طلبات القيد بالنسة للمغاربة المقيمين خارج تراب المملكة، أو فيما يخص وضع لائحة انتخابية مؤقتة أو حصر قائمة التشطيبات أو الطلبات المرفوضة أو فيما يتعلق بحصر اللائحة الانتخابية النهائية وعرضها للمعالجة المعلوماتية لضبطها بصفة نهائية. و لإعطاء هذا الحق في التصويت كواجب وطني أيضا بعده القانوني، نصت المادة 2 من مدونة الانتخابات على إجبارية التقييد في اللوائح الانتخابية العامة . غير أن هذا المقتضى القانوني رغم طابعه الإلزامي لم يتم تفعيله منذ صدور الظهير القاضي بتنفيذ القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات بتاريخ 2 أبريل 1997 في غياب أي جزاء، اللهم الجزاء المعنوي الذي يحرم المواطن الذي لم يسجل في اللوائح الانتخابية حسب الشروط و الإجراءات القانونية الجاري بها العمل من التصويت و الترشح في الانتخابات، و المساهمة في تدبير الشأن العام. إن هذه الوضعية القانونية الجاري بها العمل منذ أول قانون انتخابي في ظل المغرب المستقل في 1959 تطرح إشكالية مدى مطابقتها للإصلاح الدستوري الجديد عندما نص الفصل 30 من الدستور المراجع على أنه « لكل مواطن ومواطنة الحق في التصويت و في الترشح للانتخابات شرط بلوغ سن الرشد القانونية والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية ...» و أن « التصويت حق شخصي و واجب وطني « ، بحيث أن مقتضيات هذا الفصل الدستوري نصت صراحة على أن ممارسة الحق في التصويت و الترشيح للانتخابات مقيد بشرط بلوغ سن الرشد القانونية والتمتع بالحقوق المدنية دون التنصيص على قانون ينظم كيفية الاستفادة من هذا الحق وبالتالي فإن هذا النص الصريح لا يقبل أي تأويل من شأنه وضع قيود أخرى غير المنصوص عليها في الدستور لممارسة الحق في التصويت باعتباره من الحقوق الأساسية المتعارف عليها دوليا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالدستور الذي يسمو على القوانين الأخرى التي تحد من هذا الحق و التي ترجع إلى العهد السابق، عهد ما قبل الإصلاح الدستوري الجديد الذي جاء لأول مرة بمقتضى دستور و يخول لجميع المواطنين و المواطنات الحق في التصويت كحق شخصي وواجب وطني لإعطاء الحق في المواطنة مدلولها الحقيقي بما يضمن التفعيل لروح و مضامين الدستور المراجع .