تعيش الساحة الإسبانية على وقع زلزال سياسي، بعد نتائج الاستطلاع الذي قامت به صحيفة "إلباييس" حول شعبية الأحزاب السياسية، والذي منح لحزب "بوديموس" الذي لم يمضِ على تأسيسه سوى 8 أشهر، صدارة الأحزاب القادرة على الفوز بالانتخابات التشريعية القادمة في إسبانيا. وتعتبر هذه المرة هي الأولى منذ السبعينات التي يستطيع فيها حزب جديد أن ينهي هيمنة الحزب الشعبي المحافظ، والحزب الاشتراكي على صدارة المشهد السياسي الإسباني، غير أن التغيير الذي تعرفه الخريطة السياسية الإسبانية لا يسير لفائدة مصالح المغرب. ويتبنى حزب "بوديموس" اليساري الراديكالي أفكارا مساندة للطرح الانفصالي، ويعلن عن ذلك صراحة، حيث يصف المغرب بأنه "قوة محتلة"، وهو ما يؤشر أن صعود هذا الحزب الإسباني سيخلق الكثير من المتاعب للمغرب في ملف الصحراء. خطاب مُعادٍ للصحراء وأورد استطلاع الرأي، الذي أنجزته صحيفة "إلباييس"، أن الإسبانيين عبروا عن ثقتهم في هذا الحزب الجديد، بنسبة 27 في المائة من المستجوبين، في حين حل الحزب الاشتراكي في المرتبة الثانية بنسبة 26 في المائة. وتبعا لذات الاستطلاع، تراجع الحزب الشعبي الحاكم إلى المرتبة الثالثة، ولم يحصل سوى على 20,7 في المائة، وذلك بسبب السياسيات الاقتصادية التي اتخذها حكومة ماريانو راخوي منذ سنة 2011. ويعادي الحزب الإسباني الجديد المغرب في قضية الصحراء، حيث إنه لا يعترف باتفاقية مدريد لسنة 1976 بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا والتي بموجبها تم تسليم الجنوب للمغرب، ويرى أن هذه الاتفاقية لم "يتم نشرها في الجريدة الرسمية الإسبانية كما أن الأممالمتحدة لم تعترف بها"، وبالتالي فإسبانيا يجب أن تتحمل مسؤوليتها في هذه المنطقة". ولم يتوقف الحزب عند هذا الحد، بل إنه يعتبر أن المغرب لا يحق له استغلال الثروات الطبيعية في الجنوب، ولا يتوانى في المطالبة بضرورة فصل الصحراء عن المغرب، كما أن أعلام جبهة البوليساريو كثيرا ما تحضر خلال اللقاءات السياسية لهذه الحزب الإسباني. ويرى مراقبون أن هذه المعطيات تؤشر على أن العلاقات بين الحزب الإسباني الجديد والجبهة الانفصالية توجد على أحسن ما يرام، خصوصا أن الشهر الماضي عرف لقاء بين عدد من المسؤولي الحزب وممثلين للجبهة في إسبانيا. كسب التعاطف الانتخابي وقلل الإعلامي والمتابع للشأن الإسباني، نبيل دريوش، من قدرة خطاب حزب "بوديموس" على التأثير على الموقف الإسباني من قضية الصحراء، والسبب أنه خلال فترة السبعينات ظهر فيليبي كونزاليس، الأمين العام لحزب العمال الاشتراكي الإسباني، في الوقت الذي كان فيه الجميع يقول إن الساحة السياسية الإسبانية منقسمة بين الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي. وكان فيليبي كونزاليس هو الآخر يساند جبهة البوليساريو، وزار مخيمات تندوف سنة 1981، "غير أنه فور وصوله إلى الحكم سنة 1982 عاشت العلاقات المغربية الإسبانية عصرها الذهبي" يورد دريوش. واسترسل المحلل ذاته بأن بابلو إكليسياس، الأمين العام لحزب "بوديموس"، هو الآخر في حال وصوله إلى الحكم سيغير من خطابه "لأنه لا يمكن أن يختلق المشاكل مع الجار الجنوبي خصوصا في الوقت الذي تمر بها إسبانيا بأزمة". وفسر الباحث في الشأن الإسباني هذا الصعود المفاجئ لحزب "بوديموس" الذي ينهل من المدرسة الاشتراكية، بكونه جاء في مرحلة "الكفر بالأحزاب الإسبانية التاريخية خصوصا أنهم لم يلمسوا أي تطور اقتصادي مع حكومة راخوي، الذي يعتبرونه يطبق أوامر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل". وتوقع نبيل دريوش بأن يستمر الحزب في نفس الخطاب، على اعتبار أن الطبقة المتوسطة الاشتراكية الإسبانية التي منحت الثقة لهذا الحزب تساند جبهة البوليساريو، "لذلك لا يمكن أن يقول ما يمكن أن يغضبها، فضلا عن كون علاقة الحزب بالمغرب هي صفر لحد الآن". ووصف نفس المتحدث خطاب حزب باديموس حول قضية الصحراء بأنه "خطاب يتماشى مع المدرسة الاشتراكية الإسبانية، لكن سرعان ما يتم تغييره فور الوصول إلى الحكم"، قبل أن يقدم مثالا آخر يتعلق بالحزب الشعبي في اسبانيا. وأوضح أن هذا الحزب كان من أشد المناصرين لجبهة البوليساريو، غير أنه فور وصوله إلى الحكم كان من الذين اشتغلوا في الخفاء حتى لا يمر المقترح الأمريكي بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، ليخلص دريوش إلى أن "قضية الصحراء ورقة انتخابية داخلية في إسبانيا".