“فوز الحزب الاشتراكي في سبتة، هو فوز للصوت المغربي والصوت المعادي لإسبانيا”، هكذا علّقت قيادة الحزب اليميني المتطرف “فوكس”، المعادي للمغرب والمغاربة والمسلمين، على الفوز الواضح للحزب الاشتراكي بقيادة زعيمه بيدرو سانشيز في إسبانيا، بشكل عام، وفي مدينة سبتةالمحتلة، على وجه الخصوص، على الانتخابات التشريعية التي انعقدت، أول أمس الأحد، والتي عرفت سقوطا مدويا للحزب الشعبي واليمين، رغم تمكن حزب “فوكس” من دخول البرلمان لأول مرة ب24 مقعدا. تعليق قيادة الحزب اليميني “فوكس” على نتائج سبتة يُظهرُ بما لا يدع أي مجال للشك أن فوز الحزب الاشتراكي هو فوز لأصدقاء المغرب، ويضمن استمرارية العلاقات الممتازة بين البلدين على مختلف الأصعدة منذ وصول الحزب الاشتراكي إلى الحكم في يونيو 2018 عبر ملتمس رقابة، كما أن هذا الفوز نزل بردا وسلاما على أكثر من 250 ألف مهاجر سري مغربي مهددين بالطرد من إسبانيا في حالة وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، كما كان الفوز “مفرِحا” لأكثر من مليون مغربي، من مهاجرين ومجنسين، بالجارة الشمالية. وبذلك، سيهيمن الحزب الاشتراكي على المشهد السياسي الإسباني في البرلمان، رغم حاجته إلى نسج تحالفات مع حزب “بوديموس” اليساري، وبعض الأحزاب القومية اليسارية الأخرى، لتكوين الحكومة المقبلة، في ظل رفض قواعد الحزب التحالف مع حزب “مواطنون”، يمين الوسط، الذي كان يؤكد زعيمه، ألبيرتو ريبيرا، خلال الحملة الانتخابية أنه سيضع “حاجزا وقائيا” لدحر الحزب الاشتراكي من الحكم ورفضه التحالف معه جملة وتفصيلا. فيما أكد بعض قياديي الحزب الاشتراكي، صباح أمس الاثنين، أن التصور الأول للحزب الاشتراكي هو تكوين حكومة أقلية لوحده، مع التنسيق والتعاون مع التشكيلات السياسية ذات التوجهات اليسارية الاجتماعية لضمان دعمها في “الكورتيس” (مجلس النواب)؛ علما أن الحزب الاشتراكي تجاوز مشكل التحالفات في مجلس الشيوخ بعد حصوله، أول أمس، على الأغلبية. وكانت النتائج النهائية، وفق المجلس الانتخابي، على المنوال التالي: 123 مقعدا برلمانيا للحزب الاشتراكي بقيادة بيدرو سانشيز بعدما كان حاز في انتخابات 2016 على 85 مقعدا؛ أما الحزب الشعبي، فتراجع من 137 مقعدا سنة 2016 إلى 66 مقعدا؛ كما تراجع تحالف “وحدة بوديموس” من 71 مقعدا سنة 2016 إلى 42 مقعدا؛ فيما ضاعف تقريبا حزب “مواطنون” عدد مقاعده من 32 مقعدا سنة 2016 إلى 71 مقعدا؛ في حين تمكن “فوكس” من دخول مجلس النواب لأول مرة ب24 مقعدا. أما الأحزاب الصغيرة الأخرى، والتي أصبح دورها حاسما في ظل عدم حصول أي من الأحزاب الكبيرة على الأغلبية، فقد حصل كل من الحزب اليساري الجمهوري الكتلاني، ذي النزعة الاستقلالية، على 15 مقعدا، وحزب “معا من أجل كتالونيا” ذي التوجه الاستقلالي سياسيا، والليبرالي اقتصاديا حصل على 7 مقاعد، أما الحزب القومي الباسكي ففاز ب6 مقاعد، فيما المقاعد ال10 الأخرى توزعت على تشكيلات صغيرة قومية وانفصالية، لكنها تبقى مهمة في أي تحالف حكومي يساري أو دعم حكومة أقلية اشتراكية. عودة اليسار الخبير المغربي في الشأن الإسباني، عبدالحميد البجوقي، أوضح ل”أخبار اليوم” من مدريد، أن الحزب الاشتراكي العمالي “حقق فوزا تاريخيا بحصوله على 123 مقعدا، مقابل 84 التي حصل عليها في انتخابات 2016؛ واضح أن الحزب الاشتراكي استرجع عددا مهما من ناخبيه الغاضبين، ومن المترددين، وأكدت هذه النتائج أن أقدم حزب في إسبانيا استطاع أن يحقق تحولا داخليا وانتقالا جيليا على مستوى قيادته جعل منه قوة سياسية جذابة تستقطب الشباب، وكان لافتا ولأول مرة غياب بارونات الحزب والقيادات التاريخية عن الحملة الانتخابية، ما أعطى الانطباع على نهاية عهد وصاية البارونات على الحزب واستقلال القيادة الشابة في قرارها السياسي”، في المقابل، يرى البجوقي أن “الخاسر الأول في هذه الانتخابات كان الحزب الشعبي الذي نزل إلى 66 مقعدا، أي خسر نصف المقاعد التي حصل عليها في انتخابات 2016، نتائج وصفتها قيادات من الحزب نفسه بالكارثية”. فيما الوافد حزب “فوكس” حصل على نتائج أقل مما كان يُنتظر، إذ كان يطمح إلى تحقيق غزوة انتخابية ب60 أو 70 مقعدا في حين حصل فقط، على 24 مقعدا”. من جهته، علق الصحافي الإسباني المتخصص في الشأن المغربي، لوكاس دي لا كال، في دردشة مع “أخبار اليوم” على فوز الحزب الاشتراكي قائلا: “قبل سنتين، أجبروا بيدرو سانشيز على الاستقالة؛ وصنفوه في عداد الموتى سياسيا؛ لكنه عاد وفاز بالانتخابات الأولية للحزب الاشتراكي. واستحق على ذلك لقب “بيدرو المنبعث”. واليوم، يحقق الرجل شيئا صعبا جدا؛ أي فوز الحزب الاشتراكي بأغلبية أصوات الناخبين، إلى درجة أن الحزب لامس النتيجة المنشودة: الحصول على أغلبية دون الجاحة إلى التحالف مع الاستقلاليين الكتالان، رغم أنه يحتاج إلى مقعد إضافي”. من جانبها، تؤكد الناشطة الحقوقية الإسبانية المقيمة بطنجة، هيلينا مالينو، ل”أخبار اليوم” قائلة: “إن الحزب الاشتراكي فاز حتى في سبتة، ومن المؤكد أنه فاز بفضل أصوات الناخبين المسلمين. وفوز الحزب الاشتراكي وحزب “تحالف من أجل مليلية” في سبتة ومليلية بغالبية الأصوات في المدينتين يعني أن المواطنين صوتوا ضد اليمين، وضد “فوكس” الذي يهاجم المغرب”. وأضافت قائلة: “إن الناخبين في سبتة ومليلية قاوموا خطاب اليمين المتطرف، رغم الحملة الانتخابية التي قامت بها أحزب اليمين من “فوكس” وحزب “مواطنون” في المدينتين والقائمة على زراعة الكراهية”. وأشارت إلى حزب “تحالف من أجل مليلية”، الذي يقوده مغربي مسلم كان قريبا من دخول البرلمان لأول مرة، لو لا عودة مرشح الحزب الشعبي في عملية فرز الأصوات الأخيرة. أما الباحث المغربي والمتخصص في الشأن الإسباني، مصطفى عدلة، فأوضح ل”أخبار اليوم” أن ما حدث في إسبانيا هو يوم تاريخي، إذ يمكن القول إن نتائج الانتخابات تقوي التغيير صوب اليسار، الذي بدأ مع وصول بيدرو سانشيز إلى السلطة قبل سنة. التحالفات المستقبلية ويضيف لوكاس دي لا كال أن تحالف الحزب الاشتراكي مع “بوديموس” والحزب القومي الباسكي لا يكفي للحصول على الأغلبية. لهذا سيحتاج الاشتراكيون إلى امتناع حزب “اليسار الجمهوري الكتالاني” عن التصويت في البرلمان من أجل تنصيب سانشيز رئيسا للحكومة. وتابع قائلا: “واضح أن اليسار فاز بالانتخابات وسيحكم خلال السنوات الأربع المقبلة، وهذا خبر جيد بالنسبة إلى البلد الجار، المغرب”. وأردف مؤكدا: “أن العلاقات الثنائية الحالية بين الحزب الاشتراكي والمغرب ممتازة. وستستمر، كذلك، دوما ودائما، كلما التزم الاتحاد الأوروبي بوعود دعم المغرب في محاربة الهجرة السرية والشبكات الإجرامية التي تتاجر في البشر”. وفيما يخص الهجرة والعلاقات مع المغرب، يعتقد عبدالحميد البجوقي “أن موضوع الهجرة لن يتأثر إيجابا في مجال تحسين وضعية المهاجرين وحقوقهم، لكن علاقات التعاون الأمني ومحاربة الهجرة السرية ستعرف تحسنا مع الحكومة الاشتراكية”، وفسر ذلك قائلا: “بالنسبة إلى العلاقات مع المغرب أعتقد أنها ستستمر بوتيرتها الحالية ولن يتأثر الموقف الإسباني في موضوع الصحراء بانخراط “بوديموس” في الحكومة المقبلة لسببين: أولا، لم تعد “بوديموس”، بما حصلت عليه من نتائج المشاركة في الحكومة، قوة ولا أن تفرض شروطها؛ ثانيا وأخيرا، خطاب “بوديموس” أثناء الحملة الانتخابية وقبلها مال نحو نوع من البراغماتية والاعتدال، في محاولة إعطاء إشارة إلى أنه حزب دولة جاهز لممارسة مهام الحكم”. أما الإعلامي المغربي المهتم بالشأن الإسباني، نبيل دريوش، فيرى أن “سانشيز قد يشكل حكومة من حزبه بدعم من “بوديموس”، ومن الحزب القومي الباسكي، دون الحاجة إلى الأحزاب القومية الكطلانية التي ستساومه حول الوحدة الترابية لإسبانيا، وقد يكون الحكومة بتحالف مع “سيودادنوس”، وهو ما سيرضي بارونات الحزب الاشتراكي وسيغضب جزءا من الكتلة الناخبة التي صوتت للحزب اليوم، ولا أظن أن سانشيز نفسه، يفضل هذا الاتجاه”. وتابع قائلا: “إن بيدرو سانشيز لم يعد رئيسا للحكومة غير منتخب، بل عاد اليوم، قويا ولن يحتاج إلى مراسيم القوانين خارج سقف “الكورتيس” لتمرير قوانينه، وهو السياسي الذي يعود دائما للحياة بعدما يعتقد الجميع أنه جثة تحتاج إلى قبر”. الصحافة الإسبانية فوز الحزب الاشتراكي وانهيار الحزب الشعبي أثار اهتمام كبريات الصحف الإسبانية، إذ عنونت صحيفة “إلباييس”، الواسعة الانتشار، قائلة: “إن الحزب الاشتراكي فاز بالانتخابات، لكنه يحتاج إلى نسج تحالفات.. والحزب الشعبي يعاني هزيمة تاريخية”؛ وفي عنوان آخر: “الحزب الاشتراكي يفوز، واليسار لديه النصاب الكافي لتكوين الحكومة”. فيما كتبت صحيفة “إلموندو” قائلة: “إن الحزب الاشتراكي قريب من تكوين الحكومة بدون الانفصاليين بعد انهيار الحزب الشعبي”. وأضافت أن الحزب الاشتراكي يريد تشكيل الحكومة لوحده رغم إصرار “بويدموس” على الدخول إليها. أما صحيفة “آ ب س”، فعلقت بالبنط العريض: “غرق الحزب الشعبي يسمح بتحالف الحزب الاشتراكي و”بوديموس” في مجلس النواب”، وأضافت: “الحزب الاشتراكي يستبعد وزراء “بوديموس” ودعم اليسار الجمهوري الكتالاني، ويقول: سنحاول الحكم لوحدنا”. فيما صحيفة “لاراثون” كتبت: “انقسام اليمين يغرق الحزب الشعبي ويمنح رئاسة الحكومة لسانشيز”.