تتجه أنظار صناع القرار بالمملكة، يوم الأحد المقبل، إلى إسبانيا التي ستشهد إعادة الانتخابات التشريعية من جديد بعد فشل الأحزاب السياسية في تشكيل حكومة ائتلافية، خاصة في ظل صعود نجم تحالف "معا نستطيع"، الذي يتزعمه المعارض والمعادي الأول لمصالح المملكة ووحدتنا الترابية، بابلو إغلاسياس، بعد تحالفه مع حزب "اليسار الموحد"، بقيادة البيرتو غارثون، مما قد يجعل من هذا التحالف ثاني قوى سياسية في البلد في ظل تقهقر الحزب الاشتراكي، الذي يتزعمه بيدرو سانتشيز، حسب آخر استطلاعات الرأي بإسبانيا. وتشير كل الاستطلاعات التي أجرتها أكثر من 10 منابر إعلامية قيمة بإسبانيا إلى أن الخريطة السياسية التي ستفرزها انتخابات الأحد لن تختلف كثيرا عن سابقتها في 20 دجنبر الماضي، باستثناء تقدم تحالف "معا نستطيع"، الذي يضم الحزبين اليساريين الراديكاليين "بوديموس" و"اليسار الموحد"، المرجح (التحالف) أن يحصل على 86 مقعدا (24.6 في المائة) مقابل 80 مقعدا (21.1 في المائة) للحزب الاشتراكي الإسباني، الذي قد يتراجع بذلك إلى المرتبة الثالثة، فيما من المنتظر أن يحافظ الحزب الشعبي على المرتبة الأولى ب122 مقعدا (29.2 في المائة)، في حين ستستقر حصيلة الحزب الصاعد "مواطنون" في 38 مقعد (15.3 في المائة)؛ فيما ستعود المقاعد الأخرى إلى بعض التشكيلات الجهوية ذات الميولات الانفصالية. وفي حالة فرزت صناديق الاقتراع نفس هذه النتائج فإن إسبانيا قد تعيش مرة أخرى "بولوكاجاسياسي"، لأن الأغلبية المطلقة تتطلب الحصول على 176 مقعدا، وحتى في حالة تحالف الحزب الشعبي اليمني مع حزب "مواطنون"، وسط اليمين، فإنه يحتاج إلى امتناع الاشتراكيون عن التصويت ضدهما لتشكيل الحكومة، وهو الأمر المستبعد، في المقابل فإن أصوات حزب اليسار بشكل عام في حالة تحالف "معنا بوديموس" و"الحزب الاشتراكي" وبعض التشكيلات الجهوية ذات التوجهات الانفصالية قد تصل إلى الأغلبية المطلقة، لكن رفض بارونات الحزب الاشتراكي التحالف مع "بوديموس" المؤيد لانفصال كتالونيا يجعل من المستحيل تشكيل "حكومة التغيير" كما سماها بابلو إغلايسياس الذي يحلم برئاسة الحكومة المقبلة. وتعليقا على مدى تأثير الانتخابات المقبلة على العلاقات المغربية الإسبانية، أكد نبيل دريوش، الإعلامي المتخصص في الشأن المغربي الإسباني، أنه في حالة تصاعد نفوذ تحالف "معا نستطيع"، الذي يتزعمه بابلو إغليسياس، المناوئ والمعادي للمغرب، خاصة وحدته الترابية قد يكون له تأثير سلبي على العلاقات المغربية الإسبانية، مضيفا "المناضلين في هذا التحالف قادوا في مناسبات عدة في إسبانيا مظاهرات واحتجاجات ضد المغرب"، وبذلك فالمغرب ليس من مصلحته صعود نجم هذا التحالف سواء في حالة الوصول إلى رئاسة الحكومة وذلك مستبعد وتقريبا مستحيل، أو الهيمنة على المعارضة وهذا هو الطرح الأقرب. دريوش تأسف لكون المغرب لم يستطع في السنوات الماضية التقرب من الأحزاب اليسارية الرديكالية الإسبانية. وبخصوص اهتمام المغرب بالانتخابات الإسبانية يوضح نبيل دريوش قائلا:" على الرغم من غياب الانتخابات الإسبانية عن النقاش السياسي والعام، فإنها حاضرة في مراكز صنع القرار بالمملكة، نظرا للأهمية التي تمثلها إسبانيا بالنسبة للمغرب". أما الصحافي الإسباني، إيغناسيو سيبريرو، فأوضح للجريدة من المستحيل ان يفوز تحالف "معنا نستطيع" بالانتخابات المقبلة، مرجحا إمكانيات أن يتقدم التحالف إلى المرتبة الثانية فقط، وتراجع الحزب الاشتراكي إلى المرتبة الثالثة، فيما سيحتفظ الحزب الشعبي بالمركز الأول. وبخصوص عداء "بوديموس" للمغرب، أكد سيمبريو على أن الحديث في المعارضة يختلف بشكل كبير عن الحديث من داخل الأغلبية الحكومية، مشير إلى أن الاشتراكيون في البداية كانوا يختلفون مع المغرب، لكن عندما وصلوا إلى المعارضة غيروا من مواقفهم. الصحافي الإسباني أشار إلى أن بابلو إيغليسياس الذي يتوعد الآن بالاعتراف بجبهة البوليساريو لن يلتزم بذلك في حالة الوصول إلى السلطة، مضيفا أن أكثر ما يمكنه القيام به هو التراجع عن دعم المغرب في قضية الصحراء. من جهته، أكد محمد برادة، أستاذ متخصص في العلاقة المغربية الإسبانية بجامعة محمد بن عبد الله فاس، ل"أخبار اليوم" أن تحالف "معنا نستطيع"، سواء في المعارضة آو في الأغلبية يشكل خطر كبير على العلاقات المغربية الإسبانية وكذلك وحدتنا الترابية، إذ أن قيادات هذا التحالف، خاصة المثير للجدل بابلو إغليسياس تصدح بعدائها للمغرب. إلا أن محمد برادة يستبعد إمكانية وصول "معنا نستطيع" إلى رئاسة الحكومة الإسبانية، أو التواجد في الحكومة المقبلة، نظرا إلى أن كل الأحزاب الكبيرة ترفض التحالف معه. المصدر ذاته أوضح أن أقرب سيناريو والذي يتمناه، في الحقيقة، المغرب هو تشكيل "حكومة ائتلافية يتواجد فيها الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي وحزب "مواطنون"، معزيا ذلك إلى أن ما يجمع بين هذه الأحزاب هو أكبر بكثير مما يفرقها، في إشارة إلى واضحة إلى الحفاظ على وحدة إسبانية، في المقابل، كشف أن "بوديموس" في الوقت الراهن يشكل جزء من المشكل الإسباني وليس الحل". السيناريوهات الممكنة ووفقا للإعلامي نبيل دريوش فإن أقرب سيناريو في المرحلة المقبلة هو تشكيل حكومة يمينية تجمع ما بين الحزب الشعبي بزعامة ماريانو راخوي وحزب "مواطنون"، بقيادة البيرتو ريبيرا، مقابل ضمان امتناع الحزب الاشتراكي عن التصويت ضدهما من اجل الخروج من هذا المأزق الذي يهدد استقرار البلاد. دريوش استبعد فكرة تشكيل حكومة يسارية مابين تحالف "معنا نستطيع" والحزب الاشتراكي"، لا لشيء إلى لأن الاشتراكيين وحدويين، بينما "بوديموس" يجهر بدعمه للانفصاليين. أما محمد برادة فيرى أن السيناريو الأقرب هو تشكيل حكومة ائتلاف وطنية تجمع الحزب الشعبي وحزب "مواطنون" و"الحزب الاشتراكي"، وذلك من اجل ضمان الخروج من هذا البلوكاج السياسي الذي تعيش إسبانيا وكذلك إنجاح المرحلة الثانية من الانتقال الديمقراطي الإسباني وإيصالها إلى بر الأمان بسلام كما حد مع الانتقال الديمقراطي الأول سنة 1978.