كانت السفينة متهادية في سيرها ؛ تشق عباب البحر فلا يرى ويسمع إلا زبد الأمواج وهي تتكسر على جنباتها . فتح الفقيه العربي عينيه ... وحانت منه التفاتة إلى السماء ومن ثم إلى البحر ليشاهد الأفق يكاد ينغمس في المياه في شكل شطحات رتيبة فزفر قائلا : سبحانك ياجليل ..! .. ياالله... ما أعظم شأنك .. ! (( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا )) ما كاد ليتمها ... حتى سمع من الخلف ، ومن أنحاء السفينة ، صياح .. وعويل ., وأنين حاد أشبه بصوت مارد مصاب ... وخرق كبير في أحد جنباتها .. !! ؛ على إثره اهتزت السفينة وأخذت تترنح في سيرها حتى ليكاد سطحها أن يقترب من المياه ..!! استدار الفقيه العربي .. ليجد اختفاء ميلود ودوليم .. ولم يعد لهما أثر...!! . عاد الهدوء إلى المسافرين ، واستعادت السفينة استواءها .. * * * تجنحت دوليم ؛ وعانقت ميلود وطارت في اتجاه قعر البحر... لتستقبلهم هناك قهقهات لصبايا عرائس البحر موشحة بالبياض وهن يحففن بهما.. أشبه ما يكون بموكب عرائسي ...! استفاق ميلود .. من سباته الذي غشيه طوال مدة مكوثه في الأعماق ... ليجد نفسه شبه عاري منبطحا على رمال بحيرة عذراء في تلك الأصقاع .. وعلى مقربة منه اضطجعت دوليم في غلالة ما زالت مبتلة وخصلات شعرهاعالقة بوجهها وصدرها حتى ردفيها ... أخذ ميلود ؛ وفي حضنه دوليم ؛ يتأمل مياه البحيرة ... يجيل ببصره ذات اليمين وذات الشمال وعلى القمم المطلة عليها ، ليلمح ؛ من بين صخورها ؛ شجرتين متعانقتين متطابقتين لما اعتاد رؤيته في قريته البعيدة ..!! وبينما هو يخطو على جنباتها حافي القدمين ، استوقفه مشهد قارورة تلمع في غور البحيرة ... بالقرب منه ... التفت إلى دوليم .. لتسارعه بإيماءة نحو القارورة .. دخل مياه البحيرة الدافئة ..! وأخذ في الغوص تجاه القارورة... دنا منها ومر يده على ذلك النقش الناتئ الذي وجده مثبتا عليها ... وهو عبارة عن مفتاح مشدود إليها .. فكه وأداره في عين القارورة ، متلهفا على فتحها ... ما كاد يفعل حتى ضجت البحيرة والأصقاع المحيطة بها بأهازيج وزغاريد لصبايا تعتلي مراكب مذهبة وموشحة بالقناديل المتلألئة يتوسطه هودج تتربع عليه دوليم بلباس وتاج يشعان بياضا ؛ إلى جوار ميلود في جلباب وعمامة بيضاوين ... كرنفال كبير... أخذت أعالي تلك البحيرة تردد ترانيمه وأناشيده التي تخلب العقول .. على نغماتها .. دبت في الشجرتين المتعانقتين هبة نسائم ، فأخذت فروعها تتمايل حينا وترتطم أخرى ..! وفجأة لف المكان سكون رهيب... وغشيت البحيرة ظلمة بهيمة ؛ خلالها ارتفع منسوب مياهها حتى غمر ثنايا الصخور الجبلية وعادت تموجاتها تغازل الشطآن في رقرقة رتيبة وخافتة ... لا أثر لحياة آدمية هناك ولا أصوات إلا من خشخشة هنا وهناك .. تحملها أنسام خفيفة حتى إذا ارتفعت إلى أعالي الصخور.. تحولت إلى صيحات وعواء من خلال الأحراش وأوراق الشجرتين المتعانقتين... * * * أثناءها كان الفقيه العربي يزمع على مغادرة السفينة ، فحانت منه نظرة إلى خضم الميناء الشاسع الذي بدا أشبه بمدينة تسكنها المراكب والبواخر والسفن ... كلها تحمل ملصقات البحث عن ثلاثة أشخاص كانوا على متن السفينة الهندية هامياليكو ... كانت هناك عناصر من شرطة خفر ميناء مومباي يحققون في جوازات السفر ، وإذا بعريفهم ؛ المديد القامة ذي اللحية المجعدة يصيح في الحضور : هاهو أحدهم... تأكدوا جيدا صاحب الجلباب .. وما أخاله الا أفغانستانيا ..! ناولني جوازك ( قالها بالهندية ثم حولها إلى انجليزية ..) بينما الفقيه العربي وقف سادرا لا يلوي على شيء ... كانت نظراته تتناوم وتشي بخطب كبير يسكن فرائصه . إنه مغربي... ( وأية ريح ساقتك إلينا.! ) واسطرد العريف في عنجهية : أين هما الآخران ... مي ل ود ودول يم ( كان يتلفظ إسميهما بصعوبة ) أيها الضابط .. حاول أن تجد لنا على الخط مترجما يجيد العربية ...وفجأة ظهر على الشاشة المحمولة ، وجعل يسأله : كنتم رفقة.. أليس كذلك ..؟ رد الفقيه العربي على الفور ؛ وقد استعاد هدوءه : أنا بوْحدي... : أنا بوْحدي... مْنينْ رْكبْت البابورْ سرقوني .! أدخلوه المقصورة ! ما رأيك السيد الضابط ؛ يبدو أن غريمينا سلكا طريقا آخر . أبلغ مركز المراقبة بذلك ، في كل من اسطنبول ومومباي . السيد العريف ... مكالمة من اسطنبول.. نعم هنا العريف ( بلاهنو .. ميناء مومباي الهند ) تفضل معكم رئيس مركز خفر السواحل شلوبار وبصحبته رئيس قسم المخابرات بماليزيا السيد براكدوس ... بعد التحريات التي أجراها جهازنا وبتنسيق مع المخابرات الماليزية ، تبين أن إسم دوليم كان موجودا على متن الطائرة التركية القادمة من المغرب باتجاه اسطنبول ، وبعد أن اكتشف أمرها لدى طاقم الطائرة أنها كانت من جملة الهالكين على متن الطائرة الماليزية بوينغ 777 في رحلتها رقم 370 اختفت بسرعة صحبة شخصين يدعيان ميلود الهنداوي والعربي لطرش ... نعم حوِّل . نعم... عثرنا هنا فقط على الشخص الأخير ، وقد ضاعت منه أمتعته ووثائقه في السفينة الهندية هامياليكو حول............................................ هل يحمل وثيقة ما تساعدنا ؟ حول . يحمل فقط بطاقة هوية . حول . المترجم : اسأله إن كان على علاقة بدوليم . ( يظهر على شاشة الاتصال المتنقل الفقيه العربي ) أين رأيت دوليم أول مرة ...؟ فْزرهونْ . مقاطعا : ( ماذا تعني زرهو ن ) ويتلكأ في تلفظها ... مولاي ادريس زرهون قدّام مْدينة مكناس.... في المغرب..؟ في المغرب.................... السيد العريف .. ! سينضم إلينا من كوالالمبور.. رئيس الوزراء الماليزي.. حول... مرحبا .. السيد العريف .. السيد رئيس المخابرات .. ماليزيا تضع رهن إشارتكم طائرة خاصة إستأجرناها من السلطات الهندية... ستقلكم إلى المغرب مرورا بإسطنبول حيث سيلتحق بكم فريق من الباحثين ..شكرا . * * * كان الفقيه العربي ؛ على الدوام ؛ عاكفا على تلاوة القرآن.. بين فينة وأخرى تحين منه نظرة إلى من حوله فلا يألف إلا وجوها منكبة على تقليب صفحات الجرائد والمجلات ... أو وجوها ذهب أصحابها في نوم عميق فترتد إليه نظراته وهو يردد في أعماقه : أيهْ يادِّنيا .. : أيهْ يادِّنيا شْحالْ نْتي زوينا ولكن شحال انتي قْبيحا ...! أخرج من جيب سرواله... ورقات نقدية مغربية وتفل في يده وجعل يتأملها ولسانه لا ينفك يتمتم ويدندن : أيهْ يادِّنيا شْحالْ نْتي زوينا ولكن شحال ...!! وفجأة اشتعلت أضواء جنبات الطائرة ودوى من خلالها صوت رقيق حاد : سيداتي سادتي .. ! إننا على أرضية إسطنبول .. هناك طائرة في انتظاركم .. الزمن الفاصل بينكم وبينها 30 دقيقة شكرا.. * * * صافح رئيس المخابرات العريف الهندي ... تقدم رئيس فريق البحث والمبعوث الشخصي لرئيس الوزراء الماليزي إلى السلطات المغربية ... وكان نحيفا تملأ سطيحة وجهه عينان جاحظتان لا تستقران على شيء ، يضع غليومه ... وكلما صافح أحدهم نفث بدخنة خفيفة من شفتين متمططتين إلى اليمين ...! مرحبا ...! سعداء بالتعاون معكم هيا اصعدوا..الطائرة ( قالها الكابتن عثمان آغا قائد الطائرة الذي بدا وكأنه خرج لتوه من الحمام... قطرات العرق تتصبب من جبينه .. وعيناه خضراوين هادئتين داخل جفون محمرة... ) وبمطار محمد الخامس الدارالبيضاء ؛ وقبل بزوغ الفجر بقليل كان هناك ثلاثة أشخاص بزي رسمي يقفون ببهو الاستقبال وخلفهم شخص رابع براديو يدوي يزمجر بين لحظة وأخرى : آش غايكونْ... خير إن شاء الله ... ( صدر كلامه من فم متثائب ويده تفرك عينيه...) واستطرد قائلا وكفه تحاول إخفاء فمه المتثائب : آحميدْ... آرا منتمِّا شي وينسطونْ ... لا بلاشْ .. هاهوما داخْلينْ : كبير المسؤولين يرحب بالضيوف ، ويتقدمهم نحو صالة الضيافة : نحن جئناكم بمغربي من أصقاع الدنيا.. ! ولكن مهمتنا هنا تنحصر في تقديمكم يد العون لنا للعثور على مزيد من المعلومات حول آنسة تدعى دوليم .. والمستر العربي مواطنكم أخبرنا بأنها تسكن مدينة زرهون... كبير المسؤولين ؛ متوجها إلى الفقيه العربي : آجي نْتا... آشْ دّاك لْهندْ... وانتا متعلمْ حتى قشابا صحيحا على ضهراكْ...!... آدوي ..؟! ... زفر الفقيه العربي بهذه الكلمات وبصره إلى الأرض: ميلودْ... تلاقا بدوليم فزرهون أوقالي يالله تمشي معانا... صافي .. ( رد كبير المسؤولين ) رئيس المخابرات الماليزي يشعل غليونه وينفث نفسا عميقا في اتجاه السقف : أقترح أن نمضي إلى زرهون لمعاينة المكان علّنا نعثر لها على أثر... أوك..؟ كبير المسؤولين المغاربة للمترجم : قولو اتسنّا حتى نتصل بالرباط ... ! مضت ساعة من الإنتظار وأعضاء الفريق يمططون شفاههم ويتبادلون نظرات الحيرة والتذمر. فجأة توجه إليهم أحد المسؤولين : غاديينْ نمشيوْ دابا .. فْيدِّنا2 كاط كاطْ . انطلقت السيارتان ، تتقدمهما سيارة ثالثة رباعية بترقيم دبلوماسي .. في اتجاه مكناس ومن ثم إلى زرهون . أخرج كبير المسؤولين المغاربة هاتفه النقال وصاح : واشْ كتتتتسمعني ... دابا نجبْروكْ معنا فْزرهون ألا ... الا ماشي فمكناسْ قتلاكْ فزرهون كتسمعْ,,, يالله . أحد أعضاء الفريق متوجها إلى صديقه بجواره : المغرب جميل .. أنظر لهذه المناظر الخلابة ..! ( يرد عليه رفيقه ) حكى لي احد الأصدقاء كان معتادا على زيارة المغرب أن المغرب بلد السحر..! ودون أن يتم ؛ لاحظ دراجتين لدركيين يشيران بتخفيض السرعة والسير خلفهما... في الطريق المؤدي إلى زرهون... وقد ازداد فضول الزوار وأعينهم ترمق عبر الزجاج أناسا يمشون زرافات ووحدانا .. ومنهم من يصطحب ماعزا أو شاة !!! توقفت السيارات ؛ عند مدخل المدينة .. حيث وجدوا في استقبالهم قائد المنطقة والشيخ والمقدمين ... ترجل الجميع إلى داخل المدينة ، في حين كانت أهازيج مدوية آتية من بعيد تصدح في الأفق متقطعة .. وبعد حين انتقلوا إلى ردهة مرتفعة هناك كمعبر إلى دار الضيافة ... لكن أرجلهم لم تطاوعهم على الخطو ؛ وهم يشاهدون أسفل منهم حشودا بشرية تعلو وتنخفض صيحاتهم مختلطة بأصوات دقات الطبول .. وعلى حافة الطريق تجمهرت نساء وبنات بنظرات كئيبة وكأنهن أمام مأتم ..! التفت رئيس المخابرات الماليزي إلى صديقه والدهشة على محياه : هل هي مناظر لتصوير فيلم حول سكان قبيلة الأغوري الهندية آكلي لحم البشر...!!؟ يبدو لي كذلك ... ولكن .. قاطعه كبير المسؤولين المغاربة : تفضلو... تفضلو... تستارحو شويّا . دخلوا قاعة فسيحة مؤثثة بزرابي مغربية أصيلة تتوسط القاعة موائد وأطباق وصواني تعكس أشعة مصابيح زاهية كانت مدلاة من السقف أشبه بالثريات .. بمجرد أن رمى بجسده النحيل على " السداري " أخرج من محفظته صورا ناولها إلى كبيرالمسؤولين وهو يعلن : this is a real photo of Miss Dolin واستطرد مترجمه : هذه الصورة الحقيقية لدوليم فهلا عثرتم لها على اثر في مدينتكم وشكرا..؟ تمعن فيها كبير المسؤولين قبل أن يمررها إلى القائد ومن حضر معه ثم خاطب الشيخ والمقدمين : سْيادنا ... يالله وريونا خدامتكم... قلعو... دوليم من السما والاّ من الارض ..!! غمغم قائد المنطقة محدقا في الشيخ والمقدمين : راه الموسمْ هدا ...كلْشي السكان راهم هْنا... مال أحد المقدمين على أذن الشيخ والصورة ما زالت بيده ؛ فتكلم هذا الأخير : نْعام آسِّ هذا البنت باينا نصرانيا جميلا بزافْ .. وهدا النوع قْليل فاشْ ايجي للموسم ... غير أن القائد قاطعه في لهجة حادة : واشْ انتما فزرهون والاّ ساكنينْ فْشي قهرا اخرى .. ماساكن عندكم حتى شي واحدْ بهدا السميّا... دوليم ؟؟ رد عليه المقدم وهو يرفع سبابة مخالبية الظفر صفراء : لا نْعام آسِّ..دوليم ماكايانشْ ولكنْ... قاطعه كبير المسؤولين : ولكنْ آشنو..؟ ادوي أوطلقنا دغْيا .. المقدم : نْعام آسِّ كاينْ عندنا غيرْ حميد ولد المدلوم اوهو راجلْ خدام فلكرنا ترّيكتو كلها عارفينْها المترجم ؛ مستوضحا : من فضلكم .. الكرنا...تريكتو..؟ الشيخ ؛ موضحا : قولوا لمكان الدبيحْ والسليخ وتريكتو هي كل ما عندو علاقا به .. كبير المسؤولين مطرقا برأسه إلى الأرض... ينقر على الطاولة : هي ماكايانش عندكم دوليم .. ولا سبق ليكم شفتو مولاة هدا الصورة..وانتا ( موجها كلامه إلى الفقيه العربي ) متأكْد شفتي مولاة هدا الصورة هنايا فْز.. الفقيه العربي مقاطعا : آلله ياودّي آشاف .. هي نيتْ أوكانت لابسا كلشي كحلْ. المقدم : فايانْ شفْتيها ؟ الفقيه العربي : لْفوقْ فايانْ كايان اجّرْفْ . المقدم الثاني : هديك لبلاصا عنْدنا مسكونا..ما كايقرِّبها حدْ..! رئيس الفريق يتململ في مكانه : شكرا لكم .. سنرفع تقريرنا ونكون على اتصال بكم .. كبير المسؤولين : حْنايا رهن الإشارة .. أولانكيط ْديالنا غايبقا مفتوح .. يالله آسيادنا نمْشيو ..انتا مْنينْ نصيفطو مراكْ آجي ... * * * انطلقت السيارات عائدة من حيث أتت ..؛ بينما وقف الفقيه العربي وحيدا يتأمل السماء وهو يدندن كعادته : أيهْ يادِّنيا شْحالْ نْتي زوينا ولكن شحال انتي قبيحا . وما زال كذلك إذا بصوت يناديه من بعيد : آسى لفقيه .. يالله باقيا بلاصا ... دخل المصفحة مرسديس 240 رمى بجسمه المتهالك وسط الركاب ، وأخذ يحصي الدقائق تلو الدقائق ليصل سوق الدوار الذي خلا من أية خيمة... ولم يعد يرتاده سوى أكياس بلاستيكية تترنح في الهواء ... وبقايا قشور البصل وريش الدجاج وخشاش الأرض ..! قصد الفقيه العربي الطاحونة ، وشاهد بوجمعا مسندا رأسه إلى كتفه الأيمن... يتأمل ساحة السوق فبادره من بعيد : آواحدْ السلامْ عليكم ... آسي بوجمعا ... مالي كانشوفْ السوقْ معمّارشْ ليوما... أوجس منه خيفة.... وذكريات طرية تتزاحم في رأسه حتى لتكاد تعصف به : ياكْ لاباسْ آسي بوجمعا ( قالها ونظراته تتردد بينه وبين دراجة ميلود هناك ) . بوجمعة أخذ يهذي بصوت خافت : ياربي السلاما ... ياربي السلاما ... عادْ كانْ هْنا ميلودْ معا ديكْ لمرا لابسا لكّحل اودابا ... لم يكد يتمها حتى دخل الطوحونة مسرعا وأقفل خلفه الباب .. وجعل ينظر من ثغرة إلى الفقيه العربي ؛ ويكاد لا يصدق أنه يرى الفقيه أو يخيل إليه ...!! يمم الفقيه جهة الشمال غير بعيد عن السوق .. جموع غفيرة في ذهاب وجيئة من وإلى الدوار... أطلق ساقيه للريح وسط شجر العليق حتى اختلط بالركب ... وغير بعيد من هناك ؛ رفع بصره إلى الأفق البعيد ؛ فلاحت له أشجار العرعار في أعالي القمم التي تحدق بدواره فخفق قلبه وتنهد في أعماقه وأسرع في خطاه . تتعاقب أمام ناظريه تباعا وجوه كالحة يسكن أعينها الأسى والألم ..! أخذ يهرول و يهرول... وما هي إلا لحظات حتى وجد نفسه أمام أسلاك شائكة ضربت على مدار الغور الذي تعلوه الجنادب والصخور .. وفي السفح ؛ بدل الدوار كانت هناك بركة مياه عميقة القرار حديثة العهد ..! وجوه تشرئب أعناقها إلى الأسفل لاستكناه هذه الفاجعة ... في حين كانت أخرى تتبادل نظرات الأسى والمواساة ... وبين هذه وتلك ؛ أشخاص آخرون يدلون بمشاهداتهم وبما سمعوا ... وهم في طريقهم إلى الدوار في تلك الليلة المشؤومة ؛ منذ أربعة أيام : ماجييتْ نقربْ نهودْ للدوار حتى سْمعتْ الرعد والبرق كيضربْ ... واحادْ لغماما كحلا ... آخر : كانت قريبا المغرب ... مراها جاتْ واحدْ الشتا ..كاطِّيحْ بالتبروري... تخبعتْ فواحد الشجرا بعدْ شي ساعا بدات الحملا جايا من فوق الجبلْ أوكاتكب لتحت ... ياسلام ...!! رْجعت للدوار ... أوبديت نشهدْ آشْ غادي نقولكْ ... طوفانْ ماشي حملا ..!!! آخر ينضم إلى الفتيان أومن بعدْ ؟؟ فالصباحْ بكري شفنا واحد المنظر.. مايتصورشْ ابنادام أولبهايم ،، أولحواياج ... كلشي ميت فوق الما ... عادْ أوبنادام قليل ؟ آشمان قليل ... يوماينْ أو لمخزن كينقلْ ويعمرْ فالكاميونات ... وقف الفقيه العربي .. شاخصا بناظريه ولسانه لا ينفك عن التكبير والحوقلة ...! : أين هي الديار أين هو المتاع أين هم الأقارب والجيران ...؟؟ الكل راح الله اكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله .. كانت السماء حالكة ؛ تخفي وراء بقايا السحاب خيوطا باهتة لضياء الشمس يتردد في الأفق بين الفينة والأخرى نعيق الغربان وهي تحوم حول البحيرة من فوق .. في حين ظل بصر الفقيه العربي مسمرا على الشجرتين المتعانقتين ... وفي صدره شيء من ميلود ودوليم . [email protected]