حسنا، لنفترض أن لا علاقة للجزائر بالنزاع المفتعل في الصحراء الغربية، ماذا يفعل اذا صحراويون يقيمون في تندوف، داخل الأراضي الجزائرية، منذ العام 1975 بحجة أنهم طردوا من الصحراء بعد عودتها إلي المغرب نتيجة "المسيرة الخضراء" التي شارك فيها عشرات الآلاف من المغاربة من بينهم صحراويون بغية عودة الأرض إلي أهلها إثر جلاء الاستعمار الإسباني؟ من يعيل هؤلاء الذين يقيمون في مخيمات تندوف منذ ما يزيد علي خمسة وثلاثين عاما ويمنعهم من العودة إلي ديارهم في الصحراء للعيش فيها كمواطنين مغاربة يتمتعون بحقوقهم جميعاً؟ من زودهم ولا يزال يزودهم بالسلاح ومن يشرف علي تدريبهم ومن خطط في الماضي لهجمات عسكرية علي القوات المغربية المرابطة في الصحراء واختبأ خلف قضية الصحراء لشن حرب استنزاف علي المغرب؟ ليس سرا أن قضية الصحراء مفتعلة من ألفها إلي يائها.. لو لم يكن الامر كذلك، لما قبلت الجزائر غير مرة التفاوض مع المغرب من أجل الحصول علي ممر إلي المحيط الأطلسي أو علي جزء من الصحراء، تلك هي المسألة، ما تبقي متاجرة بالصحراء والصحراويين وما يسميه الجزائريون حق تقرير المصير للشعوب، في حال كانت الجزائر حريصة إلي هذا الحد علي الصحراويين، لماذا لا تقيم لهم دولة مستقلة في أراضيها ما دام قسم لا بأس به من مواطنيها من الصحراويين المنتشرين علي طول الشريط الممتد من جنوب السودان وتشاد وصولا إلي جنوب موريتانيا مرورا بمالي والنيجر؟ لا بدّ من وضع الأمور في نصابها. قضية الصحراء لا علاقة لها بالصحراء والصحراويين، انها مرتبطة بالوهم القائم علي نظرية أن الجزائر قوة إقليمية مهيمنة وأن من الضروري أن تكون لها إطلالة علي المحيط الاطلسي، تماما مثلما أنها دولة متوسطية، لا تدرك الجزائر انها ليست سوي دولة من دول العالم الثالث لم تستطع أن تبني نفوذا في أي مكان من العالم إلا بفضل ما تملكه من نفط وغاز، لولا عائدات النفط والغاز الجزائرية، لكانت جبهة "بيوليساريو" انتهت في اليوم الذي انسحبت فيه إسبانيا من الصحراء، لم تكن الجبهة سوي وسيلة ورثتها الجزائر عن الاستعمار الإسباني من اجل منع المغرب من استعادة أراضيه، تفضل الجزائر حاليا بقاء صحراويين في تندوف يعيشون في حال من البؤس علي تمكين هؤلاء من العودة إلي الصحراء المغربية والعيش فيها بكرامة. قدم المغرب في الماضي تنازلا كبيرا وقبل التفاوض مع ممثلين ل"بوليساريو" من أجل وضع نهاية لمآسي الصحراويين المقيمين في تندوف، كان مفترضا أن تؤدي هذه المفاوضات إلي نتائج عملية، خصوصا أن هناك مشروعا مطروحا يحفظ ماء الوجه للجميع اسمه الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية المغربية، اين المشكلة في اعتماد هذا الخيار الذي يعتبر اللعبة الوحيدة المتاحة في المدينة ما دام ليس في الإمكان إجراء استفتاء في الصحراء، نظرا الي صعوبة التوصل الي تحديد من يحق له المشاركة فيه، من هو صحراوي من السكان الأصليين للصحراء الغربية ومن هو صحراوي من خارج تلك المنطقة ؟ من هم المقيمون في مخيمات تندوف التي هي اقرب الي معسكرات اعتقال يمارس فيها الجزائريون وبعض مسؤولي "بوليساريو" عملية غسل دماغ لأطفال ومراهقين لا يعرفون شيئا عن القضية التي يفترض بهم ان يموتوا من أجلها؟ انه ظلم ليس بعده ظلم يتعرَض له آلاف الاطفال والمراهقون في تندوف، إنها ممارسات علي طريقة نظام "الخمير الحمر" في كمبوديا بين العامين 1975 و1979 من القرن الماضي. من يريد دليلا علي ذلك، يستطيع العودة إلي ما حلّ بالسيد مصطفي سلمي ولد سيدي مولود المفتش العام لما يسمي "شرطة بوليساريو" الذي تجرأ وعاد في سبتمبر الماضي إلي مدينة السمارة في الصحراء وقال ما يجب قوله عن أن الحكم الذاتي الموسع يشكل الحل لقضية الصحراء، اعتقلت السلطات الجزائرية الرجل وسلمته إلي "بوليساريو" فور دخوله أراضيها مجددا، لا يزال مصير مولود مجهولا، قد يظهر غدا ويقول، تحت التهديد طبعا، كلاما مغايرا لما قاله في السمارة وهي من أهم المدن في الصحراء الغربية، النتيجة تبقي نفسها، هناك إرهاب يمارس في حق الصحراويين المقيمين في تندوف يحول دون ممارسة حق تقرير المصير الذي يعني أول ما يعني السماح لهم بالذهاب إلي حيث يشاءون. يبقي السؤال: هل هناك نية حقيقية لإيجاد حل في الصحراء؟ من حق مبعوث الاممالمتحدة كريستوفر روس الذي يعرف الجزائر جيدا نظرا إلي انه كان سفيرا للولايات المتحدة فيها بين العامين 1988 و1991، كما عمل فيها في وظيفتين مختلفتين بين العامين 1976 و1981 القول إن استمرار الوضع في الصحراء "لا يطاق"، ليس صدفة أن يطلق روس تحذيره من الجزائر نفسها بعد مقابلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فالحل موجود، وما لا يطاق فعلا هو "المخاطر الكبيرة" التي يمكن أن تنجم عن الإصرار علي متابعة الاستثمار في النزاع واستخدام بعض الصحراويين وقودا من أجل استنزاف المغرب بدل الانصراف إلي ما هو أهم من ذلك بكثير. الأهمّ من ذلك بكثير هو الحرب علي الإرهاب في المنطقة. هذه الحرب تتطلب تتضافر جهود كل الدول، بما في ذلك المغرب والجزائر، للقضاء علي "القاعدة" وما شابهها وما يتفرع عنها من حركات وتنظيمات إرهابية تعتاش وتزدهر في بيئة يعم فيها البؤس ولا شيء غير البؤس، هل من حاجة للعودة إلي ما مرت به الجزائر بين العام 1988 ومنتصف التسعينات وما تشهده اليوم من حوادث متفرقة ذات طابع إرهابي للتأكد من ذلك؟ *كاتب لبناني