مع كل سنة، تأتي الحكومة بمشروع القانون المالي، والذي يعد حسب الرواية الحكومية موعداً تشريعياً هاما، يتيح للحكومة و البرلمان فرصة تمحيص الوضع المالي و الاقتصادي لما لهم من أهمية قصوى، هذه السنة جاء مشروع قانون المالية بتوجهات أربعة، فرضيات لمؤشرات اقتصادية، و إجراءات جديدة، في سياق عام، نلاحظ أنه ومنذ تعيين الحكومة الجديدة، تأتي هذه الأخيرة بمشروع قانون مالي مبني على ركيزتين الأولى تتمثل في الخطب الملكية، و الثانية في البرنامج الحكومي، في معتقدي الشخصي ربما الحكومة نسيت إملاءات الخارج وتحديداً ما يصدر عن صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، حيث أن هذه المؤسسات تأتي بإملاءات و تصدر تقارير و تنشر فرضيات يعتبرها أهل العمل الحكومي مهمة، ويتم نسيانها في مرجعيات القانون المالي، وفي معتقدي أيضا أن هذه الإملاءات لا يجب أن تحظى بالعناية اللازمة، لأن المغرب له سيادته و ليس محتاج لدروس في المالية العمومية أو توجهاته الاقتصادية. المسألة الثانية التي سأتطرق لها هي الفرضيات، هذه الأخيرة هي توقعات مبنية على أساس تقارير وهي تهم معدل النمو و العجز الميزانية و سعر صرف الدولار و سعر النفط، مع نسيان معدل التضخم دائما في هذه الفرضيات، اليوم عندما نتحدث عن الفرضيات و حسب التجارب السابقة مع الحكومة فإن عامل الثقة يبقى مهماً، العام الماضي جاءت الحكومة بفرضية تفيد أن معدل النمو سيصل الى 4.5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، واليوم على بعد أشهر من نهاية السنة، معدل النمو لا يكاد يصل الى 3 بالمئة، إذن هناك مشكل شفافية و الحكومة تأتي بفرضيات لا علاقة لها بالواقع، خصوصا وأننا في المغرب و لسوء الحظ فإن معدل النمو مرتبط بعامل أساسي وهو عامل التساقطات المطرية، تاريخيا فإن هذا العامل هو المؤثر الرئيسي على معدل النمو، وهو عامل خارجي Facteur Exogène لا يمكن التحكم فيه. وفي سياق متصل، وعندما نتحدث عن الشفافية و الثقة، الحكومة وحسب المشروع تقول بأنها ستقوم بإصلاحات كبرى، هذه الإصلاحات التي من البديهي أن تكلف أمولاً مهمة من الميزانية العامة والتي تعرف عجزاً كبيرا، إذن الحكومة ليست قادرة على القيام بالإصلاحات الكبرى في ظل العجز المالي الذي نعانيه، اللهم إذا كان هناك أمولاً أخرى و هنا يباع الوهم للمغاربة. أظن بأن المشكل اليوم، بالإضافة الى مشكل الثقة، أن الحكومة ليست قادرة على إعطاء سيناريوهات لإصلاح المالية العمومية لا تضرب القدرة الشرائية للمواطن من خلال مشروع قانون المالية، مع الأسف و ما يبعث عن القلق، هو أن الإصلاح الجبائي و الذي من الممكن أن يساهم في تقليص عجز الميزانية، بالنسبة للحكومة هذا الإصلاح هو الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة لعض المواد و الخدمات التي ترتبط بشكل أساسي مع المواطن البسيط، المواطن البسيط هو من يشتري الشاي بكثرة، هو من يؤدي في الطرق السيارة، هل تعرف الحكومة أن عدد من المؤسسات العمومية و الخاصة تمنح كبار موظفيها بطائق مجانية خاصة بالطرق السيارة، لماذا الحكومة لم توسع الوعاء الضريبي بالنسبة لمستغلي مقالع الرمال ؟ أو مثلاً لمستغلي الصيد في أعالي البحار ؟ السنة الماضي وزير المالية قدم رقما ماليا مهما، يخص العائدات الضريبية من مستغلي مقالع الرمال، لكن هذه السنة لم يتم الوصول الى الرقم الذي جاءت به الحكومة، ومرة أخرى نتحدث عن الشفافية و مؤشر الثقة المفقودة، سؤال هام يطرح أيضاً لماذا لا يزال القانون التنظيمي لقانون المالية حبيس الرفوف البرلمانية، في الوقت الذي نحتاج فيه هذا الإصلاح الاستراتيجي و الهام، علماً أن المحاسبة الوطنية لا زالت تعاني من مشاكل كبيرة وهي الأخرى تحتاج لهيكلة لأنه مع الأسف المغرب ليس له Comptabilité bilancielle و مازال يعمل بدليل الإحصاء و المالية العمومية لسنة 1997 مع التأكيد على أن دليل 2001 له عدد من الإضافات في مجال المحاسبة الوطنية. خلاصة القول، فإن مشروع القانون المالية 2015 مطابق لمشروع قانون السنة الماضية، ولا يرقى لطموح المواطن بل جاء ضده بالزيادة في عدد من المواد الأساسية تحت ستار "الإصلاح الضريبي" علما أن "الإصلاح الضريبي" ليس فقط الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة للشاي و المعجنات الرز أو معلبات السمك (إجراء تم حذفه في السنة الماضية)، "الإصلاح الضريبي" هو التحصيل الضريبي و الحد من بعض الممارسات التي تضرب الاقتصاد الوطني ومع الأسف الحكومة تدافع عن هذا رغم شعاراتها ضد الفساد.