محمد السادس يؤكد أن المغرب يتطلع إلى انبثاق عولمة عادلة ومنصفة ومشاركة تضمن تنمية متوازنة دعا الملك محمد السادس ، إلى تشجيع قيام ما يمكن تسميته "التنوع البيولوجي للعولمة" مبرزا أن من شأن تقاسم رؤية خلاقة للعلاقات عبر الأطلسية جنوب-جنوب، تُقرِّب التجمعات الإقليمية الإفريقية من مثيلاتها في أمريكا اللاتينية أن تفتح آفاقا جديدة لنقل الكفاءات . وقال الملك محمد السادس في خطاب وجهه إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الثالث للسياسة العالمية، الذي انطلقت أشغاله اليوم السبت بمدينة مراكش " إن من شأن تقاسم رؤية خلاقة للعلاقات عبر الأطلسية جنوب-جنوب، تُقرِّب التجمعات الإقليمية الإفريقية من مثيلاتها في أمريكا اللاتينية، أن تفتح آفاقا جديدة لنقل الكفاءات ؛ معلنة بذلك عن تحول عميق في ميزان القوى السياسية، وقواعد المبادلات الاقتصادية، وحركية الأفكار". ولتحقيق ذلك، يقول الملك ، يتعين القيام بتحديد أدق للأدوار التي يجب أن تضطلع بها الفضاءات الجهوية الرئيسية واعتماد وسائل مبتكرة في مجال الحكامة ؛ هدفها مساهمة تشاركية في تحديد معالم حكامة عالمية فعالة. وأوضح أن أهمية اعتماد هذه المقاربة، التي لا محيد عنها، تكمن في كونها " خيارنا الذي يتيح الوصول إلى الكوني انطلاقا من الجهوي والمتفرد. وبعبارة أخرى، يتعين تشجيع قيام ما يمكن تسميته "التنوع البيولوجي للعولمة". وقال الملك ، في هذا الصدد ، "لذا، يحدونا أمل كبير، في أن ينكب مؤتمركم على تدارس إصلاح جذري للآليات العامة للحكامة الكونية، وذلك قصد إعطاء مكانة أكبر للمجموعات الجهوية، خاصة الإفريقية منها، والتي هي محط آمالنا في هذا المجال. ودعا الملك محمد السادس، بهذا الخصوص ، إلى اعتبار الجهات بصفة عامة، والإفريقية منها بصفة خاصة، كشريك قائم الذات في العولمة ، موضحا أنه ، لبلوغ هذا الهدف، يجب العمل على وضع الآليات اللازمة، التي من شأنها ضمان الاستقرار السياسي ومبادلات اقتصادية منصفة، فضلا عن احترام الثقافات والهويات الإقليمية. وأوضح الملك أن "مشروعا من هذا القبيل، لا يجب أن ينفذ كتعليمات تُفرَض مجددا من فوق، من قبل مراكز نفوذ وقوى ظاهرة أو باطنة، وأحيانا لوبيات مصالح ومضاربات ؛ بل يتعين تفعيل هذا المشروع المصيري، كمسار عضوي سياسي وحضاري، من شأنه ضمان سلام دائم، قوامه إرادة سياسية حقيقية والحق في مبادلات متوازنة واحترام التنوع الثقافي والعقائدي" وفي الخطاب ذاته أكد الملك محمد السادس أن المغرب يتطلع إلى انبثاق عولمة عادلة ومنصفة ومشاركة تضمن تنمية متوازنة. وقال الملك "إن بلدنا، كما هو الشأن بالنسبة لدول الجنوب، لاسيما في القارة الإفريقية، ليتطلع إلى انبثاق عولمة عادلة ومنصفة ومشاركة ؛ عولمة تضمن تنمية متوازنة ومتناسقة ومستدامة وبشرية ؛ وتضع الإنسان في صلبها، وتحفظ له كرامته، وتنبذ كل أشكال المهانة والتبخيس والميز، وتقضي على أسباب الفقر والإقصاء والتهميش". وشدد الملك محمد السادس على أن من شأن التغاضي عن البعد المحلي وعن التعقيدات التي تحاصر الحياة الحقيقية للملايير من بني الإنسان المتميزين ، أن يحمل في طياته بذور الاختلالات العالمية ، مشيرا إلى أن هذا التجاهل يعدّ مرادفا للعولمة المتوحشة والعمياء، والضالة عن سبيلها القويم ومقاصدها المثلى. إن المحلّي، الذي منه ينطلق كل شيء وإليه ينتهي كل شيء، يضيف الملك محمد السادس، ليس نقيضا لما هو كوني ؛ بل على العكس من ذلك، فإن الكوني لن يكون جديرا بهذه الصفة إلا بمراعاته للبعد المحلي، واستلهامه لغنى وحدته من تعدد روافده المحلية ،كما أنه لن يكون عمليا وملموسا، إلا إذا كانت التنمية المحلية مستدامة ومفتوحة على العالم. وأكد الملك محمد السادس، في هذا الصدد ، أن المغرب، وبفضل تقاليده الراسخة في تيسير الحوار بين الأديان، وممارسةٍ للدين الإسلامي، يطبعها الانفتاح والتسامح، فإنه ما فتئ يعمل بمبدأ الاقتراب من الآخر بحكمة، تجمع بين الإيمان والعقل. "وهو ما جسده بلدنا، في زمن القرون الوسطى الغربية بعطاءات فلاسفة كبار، بعضهم عاش في كنف المغرب خلال أخصب فترات حياته وعطائه الخالد، كمؤسس علم الاجتماع، ومؤرخ العمران البشري ابن خلدون ؛ وبعضهم سليل هذه المنطقة، كالفيلسوف الفذ ابن رشد، الذي عاش النزر الخصب من حياته بمدينة مراكش الحمراء وتوفي بها، والذي مهدت أفكاره الرائدة الطريق لعصر الأنوار". وخلص الملك إلى القول "ومن هنا، فإننا كمؤتمنين على هذا الإرث المشرق، وعاملين على استمرار المغرب في دوره الحضاري لترسيخ فضائله، نولي اهتماما بالغا لما سيتمخض عنه مؤتمركم الهام هذا، من أفكار ومقترحات وتوصيات وجيهة، بما هو مشهود لكم به من خصال رجال الدولة الكبار، وعلماء السياسة الأخيار، والخبراء والمختصين الذين لا يشق لهم غبار".