دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس، المجتمع الدولي إلى الانخراط القوي لتسوية كافة الخلافات الظاهرة منها والخفية . وقال جلالة الملك، في خطاب إلى الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، تلاه أمس الاثنين، الوزير الأول، عباس الفاسي، “لقد شكل حفظ السلام، الغاية المثلى من إحداث الأممالمتحدة، التي تقوم بدور مهم بالنسبة للبشرية جمعاء. ومن أعلى هذا المنبر، فإن المغرب يدعو المجتمع الدولي، للانخراط القوي لتسوية كافة الخلافات، الظاهرة منها والخفية، التي تعكر صفو العلاقات بين دول الجوار، وتعيق اندماجها الاقتصادي الضروري، خاصة في قارتنا الإفريقية”. وأضاف جلالة الملك أن الدورة الحالية للجمعية العامة، التي تلتئم بعد مضي عقد كامل على انعقاد قمة الألفية، تشكل “مناسبة سانحة لاعتماد رؤية توافقية، لتوجيه عملنا الجماعي، للسنوات القادمة، ولتأكيد التزامنا بالمحاور الثلاثة الأساسية لهذه الرؤية، والمتمثلة في الأمن والاستقرار، والتنمية والازدهار، والنهوض بحقوق الإنسان وصيانة كرامته. وهي أولويات تشكل، في الوقت الراهن، حجر الزاوية في الأجندة الدولية”. وأكد صاحب الجلالة أن هذا اللقاء المهم “يشكل فرصة مواتية للإعراب مجددا عن وفائنا لتعهدات هذه الأسبقيات، وتأكيد عزمنا على النهوض بالتعاون الدولي، ووضع الأسس المتينة لبناء عالم آمن ومتضامن”. “ومن منطلق إيمان المغرب الراسخ، يقول جلالة الملك، بأهمية ومكانة الأممالمتحدة، باعتبارها إطارا مرجعيا للقيم الكونية، والشرعية الدولية، فإنه ما فتئ يعمل جاهدا على الدعم الملموس للمنظمة، وإشاعة مبادئها، والإسهام في بلوغ أهدافها. بل حرصت بلادنا، فضلا عن ذلك، على المواءمة الكاملة بين أسبقياتها الوطنية، والقضايا المطروحة في الأجندة الدولية”. ودعا صاحب الجلالة الملك الأطراف الأخرى إلى اغتنام الفرصة التاريخية التي يشكلها مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، “للانخراط في مفاوضات جادة، برعاية الأمين العام، ومبعوثه الشخصي، اللذين نؤكد لهما صادق تعاوننا”. وأوضح صاحب الجلالة في خطاب إلى الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن تقديم المغرب لمبادرة الحكم الذاتي لمنظمة الأممالمتحدة، خلال سنة 2007، قصد إيجاد حل نهائي، للنزاع المفتعل حول استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، جاء “من منطلق رغبتنا الصادقة في تنقية الأجواء في منطقتنا المغاربية”. وذكر جلالته بأن هذه المبادرة “المقدامة والخلاقة، حظيت بدعم المجتمع الدولي ومجلس الأمن، حيث وصفا مرارا الجهود التي تستند عليها بالجدية والمصداقية . كما أشادا بإسهام المغرب الفعال، في تسهيل التوصل إلى حل لهذا الخلاف، الذي يرهن الاندماج المغاربي، ويعيق ازدهار الشعوب المغاربية الخمسة”. “لذا، يشدد جلالة الملك، أصبح لزاما علينا تجاوز هذا الخلاف، لاسيما في ظل التحديات المتعددة والملحة التي تواجهنا، خاصة في المجال الأمني، سواء في ما يتعلق بمنطقة الساحل والصحراء، أو في بعده الأطلسي”. وأكد صاحب الجلالة الملك أن التفاوض في إطار المفاوضات المباشرة الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يمر حتما عبر تفادي الأعمال الأحادية الجانب، ووقف العمليات الاستيطانية، خاصة بالقدس. وقال جلالة الملك و”باعتبار المغرب فاعلا في عملية السلام، فإننا واعون بأن التفاوض لا يطرح فقط مسألة إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف، وما يرتبط بها من مسائل شائكة، وإنما يمر حتما عبر تفادي الأعمال الأحادية الجانب، ووقف العمليات الاستيطانية، خاصة بالقدس الشريف”. وأضاف صاحب الجلالة “وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا ما فتئنا نثير انتباه المنتظم الأممي، والمجتمع الدولي، إلى حساسية قضية القدس الشريف، ومحاولات التهويد وطمس معالم هذه المدينة المقدسة”، مشددا جلالته على ضرورة أن تظل القدس “رمزا للتعايش والوئام بين الديانات السماوية، ومدينة للسلام والتساكن بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي”. وأكد جلالته أن تحقيق السلام بالشرق الأوسط “ليس هدفا مستحيلا، كما أن استمرار النزاع ليس قدرا محتوما، ويبقى السبيل الوحيد للتسوية، هو حل دولتين تعيشان جنبا إلى جنب، في أمن وسلام”. ومن هنا، يقول جلالة الملك، فإن المجموعة الدولية مطالبة بدعم مسار المفاوضات المباشرة الجارية، برعاية مشكورة للإدارة الأمريكية، باعتبارها فرصة سانحة للعمل الجاد على إيجاد تسوية نهائية، طبقا للشرعية الدولية، وللقرارات الأممية ذات الصلة، انطلاقا من مرجعية واضحة، ووفق أجندة شاملة، وجدولة مضبوطة، وأفق زمني محدد. أكد صاحب الجلالة أن المغرب يقترح أن تنظم الجمعية العامة للأمم المتحدة، حوارا على أعلى مستوى، حول الاستثمار في إفريقيا . وأوضح جلالة الملك أن الحصيلة، التي جرى تقديمها قبل يومين، حول ما جرى إنجازه من أهداف الألفية أكدت أن تعاقب الأزمات، وتأثير التغيرات المناخية، أخر بشكل ملحوظ، إنجاز معظم هذه الأهداف، في العديد من الدول النامية، خاصة في قارتنا الإفريقية. فبسكانها الذين يفوقون 900 مليون نسمة، يقول جلالة الملك، وبمواردها الطبيعية التي تمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي، فإن إفريقيا قادرة على أن تصبح قارة للتنمية . بيد أنه رغم هذه الإمكانات، فإنها تظل مهمشة، في مجال تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وهو الوضع الذي تفاقم بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية. وشدد صاحب الجلالة على أن حجم التحديات، التي أفرزتها العولمة، “يستوجب من المجموعة الدولية إصلاحات ملموسة وملحة، لنمط الحكامة الاقتصادية العالمية الراهنة، ومزيدا من التعبئة، من أجل وضع لبنات نظام بيئي عالمي جديد، عادل ومتوازن وفعال، وقادر على الحفاظ على كوكبنا للأجيال الحالية والصاعدة”. في السياق ذاته أكد صاحب الجلالة أن المغرب لن يدخر أي جهد من أجل إعادة النظر في مجلس حقوق الإنسان بشكل يجعله يضع هذه الحقوق في صلب التنمية البشرية والمستدامة. وقال جلالة الملك إن انخراط المملكة القوي، على الصعيد الدولي، منذ إحداث مجلس حقوق الإنسان، ووضع آليات عمله، يتأكد اليوم، من خلال اختيار المغرب ليتولى، في مارس 2010، على مستوى الجمعية العامة، التسيير المشترك لأشغال مسار إعادة النظر في هذه الهيئة المهمة، ضمن منظور متجدد، يضع حقوق الإنسان في صلب التنمية البشرية والمستدامة. وأضاف جلالته أن المغرب “لن يدخر أي جهد، من أجل تحقيق هذا الهدف، وانبثاق رؤية متطابقة ومسؤولة، حول القيم الأصيلة لحقوق الإنسان، بعيدا عن اختزالها في شعارات رنانة، أو التوظيف المغرض لغاياتها النبيلة”. وأكد صاحب الجلالة أن المملكة المغربية جعلت من حماية حقوق الإنسان “خيارا لا رجعة فيه، في إطار استراتيجية شاملة، تقوم على مقاربة تشاركية، تتوخى النهوض بالعنصر البشري، وصيانة كرامته، ضمن نموذج مجتمعي ديمقراطي تنموي”. وذكر بأن المغرب أطلق، وفق هذا المنظور، أوراشا وإصلاحات كبرى، وحقق مكاسب متقدمة ومشهودة في مجالات توسيع فضاء الحريات الفردية والجماعية، والحفاظ على الكرامة الإنسانية، وتعزيز حقوق مواطنيه وحمايتها، خاصة النساء والأطفال والفئات الاجتماعية ذات الاحتياجات الخاصة. وشدد جلالة الملك، من جهة أخرى، على أن الطريق ما يزال شاقا وطويلا أمام دول وشعوب العالم للعيش في إطار من التنوع، يشكل مصدرا حقيقيا لثروة روحية وثقافية وحضارية، مبرزا جلالته أن الحوار بين الحضارات لم يعد ضروريا فحسب، وإنما أضحى أولوية ملحة. كما أكد صاحب الجلالة على ضرورة أن تصبح الأممالمتحدة رافعة متميزة لإشاعة ثقافة السلام والتسامح والتفاهم المتبادل، ومحفزا على اعتماد شكل جديد من التعاون التضامني والملتزم، من أجل رفاهية وتقدم المجموعة البشرية، وطمأنينة وكرامة بني الإنسان، في كل الأوطان.