أولا،نشكر السيد الوزير على مبادرته الرمزية والأخلاقية في توجيهه رسالة شكر واحترام على مجهودات وتضحيات أسرة التربية والتعليم،واعترافه بذلك،وذلك من خلال "مجهودات الأستاذات والأساتذة للارتقاء بالمدرسة المغربية وتحسين مردودية المتعلمين والمتعلمات" ،والمشاركة المكثفة في اللقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية التي أطلقتها الوزارة مابين 28 أبريل إلى منتصف شهر يوليوز ،حيث بلغت مساهمة الأستاذات والأساتذة 67% من مجموع المشاركين،مما يعكس رغبة المدرسين الملحة والمسؤولة في الإصلاح،لأنهم هم الذين يكتوون بنار اختلالاته وأزماته؛ ومن خلال "تضحيات"الأساتذة المحالين على التقاعد خلال السنة لإكمال السنة الدراسية(الواقع قد تم فرض هذه "التضحيات" من طرف واحد دون طلب رأي هؤلاء الأساتذة المتقاعدين)،وذلك ضمانا لحق التلاميذ والتلميذات في موسم دراسي مستقر... إن رسالة السيد الوزير(وباقي رسائله) تصلنا،ولكن هل تصله رسائل المدرسين ؟ إن رسالة السيد الوزير يطغى عليها فقط لازمة الواجب والخطاب الأخلاقي والمجمالاتي،ولم يذكر السيد الوزير(ومن خلاله الحكومة)أي إجراء واحد لصالح حقوق المدرسين(وغيرهم من الأطر التربوية) في عيدهم الأممي هذا،سواء تلك التي لازالوا يطالبون بها منذ سنوات(مثلا،بنود ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011،التقليص من ساعات العمل وإلغاء الساعات التضامنية،تحسين ظروفهم المهنية والإجتماعية المزرية والمتفاقمة...)،أو تلك المكتسبة التي يتم الإجهاز عليها(نذكر منها:متابعة الدراسة الجامعية،المشاركة في مباريات المراكز الجهوية لمهن التربية،الإستفادة من معاش التقاعد عند الإحالة المبكرة عليه لسبب من الأسباب حيث تم تأجيل الاستفادة إلى بلوغ سن التقاعد الرسمي،التقاعد،الترقية بالشهادات...)،ناهيك عن مهاجمة واتهام المدرسين وتحميلهم جزئيا او كليا لوحدهم اختلال وفشل المنظومة التعليمية في عدة مناسبات من طرف السيد الوزير(وذلك بمنطق تعميمي)،مما يُسيء لصورتهم مجتمعيا. السيد الوزير،إن خطاب الواجب والأخلاق،رغم ضرورته وأهميته،فإنه لا يكفي لإنقاذ المدرسة العمومية المغربية وإنصاف المدرسين وتوفير الظروف المهنية والاجتماعية لهم،بل يجب ان يوازي ذلك الاعتراف بحقوق المدرسين وتنفيذها على أرض الواقع،كما ان القيام بالواجب والتحلي بالأخلاق لا يجب أن يكون على حساب طرف واحد،وإعفاء الوزارة والدولة من القيام بواجباتها،حيث لها المسؤولية الأولى تجاه توفير الخدمات العمومية الجيدة(منها التعليم)،فمثلا،من المسؤول على الاختلالات المزمنة والبنيوية للمدرسة العمومية:غياب التخطيط الدقيق والجيد على المدى المتوسط والبعيد (مما يجعل الوزارة تتفاجأ بالمشاكل التدبيرية المادية والبشرية وتقوم بحل المشاكل بطريقة ارتجالية وآنية على حساب التلاميذ والأساتذة(تمديد التقاعد، تقليص البنيات ،إلغاء التفويج وتدريس بعض المواد،التكليفات ،الإكتظاظ،الأقسام متعددة المستويات في الإبتدائي...)سياسات ومناهج تربوية فاشلة(يذهب ضحيتها التلاميذ والمدرسين)،توفير العرض التربوي الكافي والجيد(مشاكل قلة واهتراء البنيات والتجهيزات والخدمات التربوية)توفيرالتمويل و المناصب المالية الملائمة(قلة الأطر التربوية بالمقارنة مع ارتفاع المتنامي لعدد التلاميذ في مختلف الأسلاك الدراسية)،توفير الظروف المهنية الجيدة والمريحة للاطر التربوية(ظروف العمل،أجرة،ترقية،تكوين،استقرار اجتماعي...)....فعلى الجميع،اطر تربوية ووزارة/دولة ان يقوم بواجبه تجاه المدرسة المغربية والتلاميذ. اما الخطاب الأخلاقي في حث الأطر التربوية على العطاء والتضحية (وروح المواطنة وخدمة المرفق العام...)فهو جيد وضروري،كما قلنا،لكن على الوزارة/الدولة ان تتحلى بهذه الاخلاقيات كذلك،وتترجمها إلى أفعال وقرارات في الواقع الملموس (لا ننكر وجود مجهودات رسمية لكنها غير كافية)، وذلك لما لا تضحي الدولة من اجل عدم إخضاع قطاع التربية والتكوين لسياسة التقشف والحسابات المالية الضيقة(في حين يتم تمتيع بعض موظفي الدولة وبعض القطاعات العمومية –وحتى الخاصة- الأخرى بالعديد من الامتيازات والمساعادات والتجهيزات والبنيات والخدمات الجيدة والفاخرة أحيانا،ويتم استنزاف الجزء الأكبر من ميزانية الدولة،وهدر الكثيرمن الملايير نتيجة المبالغة او الفساد او سوء التدبير والمردودية)؛وهذا ينتج سياسة الإجهاز على بعض حقوق المدرسين(والطبقة المتوسطة الغارق معظمها في القروض ،وهذا ما لا يعرفه رئيس الحكومة ووزيره في المالية حيث يتم الأخذ في الاعتبار المحساباتي الإجهازي الأجرة من المنبع فقط)،تلك المكتسبة أوالمطلوبة نتيجة تلك الحسابات المالية الضيقة وغير العادلة(لتحقيق التوازنات الماكرو اقتصادية للمالية العمومية)،والتي تكون متشددة فقط في قطاع التعليم،والتي لا تعي-عمليا- بأن قطاع التعليم،هو قطاع استراتيجي في التنمية والاستقرار الاجتماعي والسياسي،وأن المدرسين هم النواة الأساسية في نجاح او فشل منظومة التربية والتكوين. كما لا حظنا فيما سماه الوزير التدابير ذات الأولوية التي سيطلقها قريبا-على حد قوله- من خلال 23 مشروعا،أنه لم يخص أي مشروع للموارد البشرية(توفير المناصب الكافية،الظروف المهنية والاجتماعية...)فقط تم ذكر مسألة التكوين،وهذا يعكس عدم الوعي والاهتمام الجديين بأهمية الموارد البشرية في الإصلاح التعليمي(بما فيها المدرسون)،وإعطائها الاعتبار المادي والرمزي والمهني الذي تستحقه على مجهوداتها وتضحياتها ودورها الحاسم في الرقي بجودة وفعالية التعليم،وبالتالي في تنمية ونهضة الوطن. ياسادة، الخطاب الأخلاقي الرسمي وحده لا يكفي لرفع همة العباد والبلاد،فقيلا من الأفعال والقرارات الإيجابية الملموسة كذلك.