منع مدرسي وزارة التربية من متابعة دراساتهم الجامعية ،في رأيي،وبكل موضوعية،هو قرار قاصر(إلم نقل قرار غبي معرفيا) تدبيريا واستراتيجيا،وخرق حقوقي وعداء معرفي...غباء تدبيري،مبني على مبررات غبية:المدرسون المتابعون لدراستهم الجامعية يتغيبون(هناك كذلك غياب شبه دائم لمسؤولين وموظفين في قطاعات وزارية وخدماتية عمومية ولا أحد يسائلهم أو يتحدث عنهم؟!) ألا توجد مراقبة و قوانين ردعية(مدير،مفتش،نيابة...مجالس تأديبية)،وكأنه لا توجد حلول لتوفير الظروف والمساطر الملائمة لمساعدة الأساتذة على تكوينهم الجامعي؛مثلا،تسهيل شروط التسجيل(إلغاء ترخيص الجامعات) وإلغاء إلزامية حضورالدروس(مثلا، الحضور فقط في التقييمات الإشهادية)،التعليم عن بعد(توفير المقررات والدروس عبر الأنترنيت).ولما لا تخفف الوزارة من ساعات عمل المدرسين(وخصوصا بالابتدائي:30ساعة) بالتخلي عن الساعات التضامنية التي انعدمت شروط فرضها منذ سنوات،ليجد المدرسين وقتا كافيا للدراسة وللتهييء والتصحيح المنزليين(هذا عمل إضافي لا يتلقون عليه أي تعويض) ولأسرهم.الغريب أن هناك بعض الدول(خصوصا الغربية) التي يحلو لمسؤولينا تقليدها ونقل وانتقاء بعض تجاربها(طبعا حين تلائم بعض مصالحهم وقراراتهم الآنية) تشجع خاصة المدرسين على الدراسات الجامعية وتوفر لهم بعض التسهيلات بل وتمكنهم من منح دراسية.كما يمكن إبداع صيغ أخرى للتوفيق بين حق التلاميذ في تعليم جيد(والذي لا نقبل المساس به من طرف أي كان) وحق المدرسين في الرقي المعرفي والترقية المهنية. من الناحية الاستراتيجية،فإن مدرس/ة له/ها تكوين معرفي جامعي متين سيكون قيمة مضافة لجودة التعليم،سواء بالنسبة للتلاميذ او عند تغيير الإطار للتدريس في أسلاك أخرى،وهذا سينعكس إيجابا على المدى القريب والمتوسط على فعالية ومردودية التعليم الداخلية والخارجية.القرار هو كذلك خرق للحق في التعليم مدى الحياة الذي تقره المواثيق الدولية والدستور المغربي(وليتذكر ابن كيران ذو المرجعية الإسلامية :"اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد"،"اطلبوا العلم ولو في الصين" حنا راه كاين غي قدمنا).كما انه لا توجد هناك مساواة بين الموظفين المغاربة حيث يسمح لموظفي قطاعات أخرى بمتابعة الدراسات الجامعية.والمفارقة الغريبة، إن المدرسين مطالبين بشهادات جامعية في بعض المباريات ولأجل تغيير الإطار ...أليس من حق المدرسين الإرتقاء مهنيا وتغيير إطاراتهم المهنية كغيرهم من موظفي الدولة؟القرار يعكس كذلك طبيعة وتمثلات وتوجهات شخصية بعض المسؤولين الذين يحتقرون أهمية المعرفة والعلم(أو لا وعي لديهم بذلك)في حياة الأفراد والمجتمعات،نظرا لتاريخهم الشخصي وضعف تكوينهم الثقافي وتوجهاتهم التقنية المحدودة الرؤيا والتفكير،أو موقعهم الطبقي...حيث قد تتصف بعض قراراتهم بالغباء،نظرا لارتجالية وانفعالية قراراتهم وأحكامهم العامية غير المبنية على أسس معرفية علمية وقيمية وحقوقية واستراتيجية متينة وناضجة(أو قد تكون قرارات ذكية-دهاء- لحسابات مالية وأمنية أو سياسية ضيقة،ولا تهتم بتداعياتها السلبية). صدق من حرم ومنع ممارسة المسؤولية السياسية والسلطة على من ليس فيلوسوفا او عالما...فلننتظر الكوارث حين تُناط المسؤوليات السياسية والمؤسساتية(أتحدث بصفة عامة) إلى بعض العاميين أو أشباه المثقفين أوالتقنوقراطيين والمحاسباتيين والأمنيين أو "المستثمرين" السياسيين لتدبيرقطاعات ومؤسسات استراتيجية ،تستلزم بالضرورة كفاءات معرفية و تدبيرية وسياسية وثقافية وحقوقية عالية ومتينة،والإيمان بقيم المواطنة والعلم والمساواة والإنصاف والديمقراطية... ويترجمونها في سلوكاتهم وأقوالهم وأفعالهم وقراراتهم. نرجو ان تعمل الدولة والحكومة على القيام بالإصلاحات الحقيقية،وأن تعتمد على العلم والتخطيط في تدبير وأجرأة السياسات العمومية(حتى لا تفاجأ بالمشاكل والاختلالات كأي فرد عادي)،وأن تكون لها خلفية اجتماعية وقيمية وحقوقية (الإنصاف،المساواة،الكرامة،حقوق المواطنة والإنسان...)تستحضرها دائما في هذه القرارات السياسية العامة او القطاعية؛أما أن تلجأ الحكومة والدولة إلى قرارات إصلاحية ارتجالية وانفعالية وآنية وغير منصفة أو محض محسباتية وأمنية،وتحميل فاتورة الفساد وسوء التدبير والتخطيط العموميين(في التعليم وغيره) للطبقة الكادحة والمتوسطة فقط ،وعلى حساب حقوق وكرامة بعض المواطنين دون غيرهم،وعلى حساب قطاعات دون أخرى،فهذه أمور غير مقبولة لا دستوريا ولا سياسيا ولا حقوقيا ولا موطناتيا. هناك الكثير من أشكال الضياع والعبث(ليس فقط في التعليم) تمارس في حق المال العام وخيرات الوطن والسياسات العمومية وفي حق المواطنين،كبارا وصغارا،فمن يضع لها حدا؟