قد يعتقد المرء أنه بعد مرور ما يزيد عن ستة عقود منذ استقلال المغرب، وبعد إقرار اللغة العربية الفصحى المعاصرة لغة أولى للتدريس، سيتم التركيز بجدية على قضايا عملية كتقييم ومعالجة مسببات فشل النظام التعليمي بشكل شمولي لضمان نجاعته واستدامته بدلاً من التردد والخوض في نقاشات ذات اهداف سياسية وأيديولوجية غامضة وبعيدة عن المنطق العلمي البيداغوجي السليم، واعتبار المدرسة والتلاميذ حقل (و"فئران") تجارب دائم. وهكذا كان الجدل غالبا ما ينحصر في العراقيل التي تنتج عن استعمال اللغة العربية الفصحى كلغة للتدريس وضرورة استبدالها باللغة العامية أو الأجنبية. وفي هذا السياق صادق البرلمان مؤخرا على قانون استخدام الفرنسية بدل العربية في تدريس الموا د العلمية بالمدارس المغربية. مما لا شك فيه يعتبر تعدد اللغات والانفتاح على الثقافات الأخرى في الألفية الثالثة من العناصر اللازمة للتقدم وتوفير الفرص للتواصل المعرفي والاقتصادي والسياسي مع الآخرين. ولكن الغريب في الأمر أن المؤسسة التشريعية تجاهلت مناقشة الأسباب الحقيقية لأزمة التعليم في المغرب. فعلى سبيل المثال، تخصص المدرسة العمومية ما يناهز 2000 ساعة لتلقين التلاميذ اللغة الفرنسية في كل المستويات من الابتدائي إلى البكالوريا، زيادة على انفتاح المحيط المغربي على هذه اللغة من خلال العلاقة التاريخية مع فرنسا ولتداولها في الكثير من الأوساط، وعبر وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية والأفلام والعروض. فالمفروض من الناحية البيداغوجية إذن أن يكون هذا كافيا لتمكين الطلبة من استعمالها بطلاقة ومتابعة دراستهم بالفرنسية في المستوى الجامعي. ولكن تلك الأهداف لم تتحقق وأبان جل الطلبة عن عجزهم لاستيعاب دروسهم أو للتعبير عن أفكارهم وحاجياتهم باللغة الفرنسية. فالسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا فشل تعليم اللغة الفرنسية وهل "الإصلاح" المعلن عنه سيسمح للمدرسة المغربية كسب الرهان أم سيدفع بها إلى الهاوية؟ بعبارة أخرى، هل تغيير لغة التعليم وحده كاف لضمان نجاحه؟ هل اللغة العربية هي التي تسببت في فشل المنظومة التعليمية في المغرب أم العشوائية واللا مسؤولية التي طبق به التعريب والمفاهيم المغلوطة عن وظائف اللغة والمقاربة لتلقينها والبحث العلمي المرتبط بها؟ وما هي الشروط الأساسية والبيداغوجية اللازم توفيرها لضمان نجاح المنظومة التعليمية الوطنية؟ هل خصائص اللغة العربية هي سبب فشل المنظومة التعليمية؟ اللغة العربية واحدة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة، وتصنف في المرتبة الرابعة في قائمة اللغات العشرة الأولى المستخدمة في الويب، ويستعملها أكثر من400 مليون شخص كلغة أولى، وأكثر من مليار شخص عبر العالم كلغة القرآن. وعبر التاريخ، استعملت اللغة العربية وساهمت في تطورها أعداد هائلة من الناطقين باللغات الأخرى من بلاد فارس إلى إسبانيا. ففي عهد الفتوحات مثلا وبهدف تجنب سوء قراءة وفهم القرآن من مختلف مستعملي اللغة الجدد، دونت اللغة العربية ووضعت علامات التشكيل، وبعد ذلك أُلفت الكتب لتفسير قواعد النحو وتبسيطها، واستطاعت اللغة العربية التعبير عن ثقافة غنية وحيوية، فكانت لغة السياسة والعلوم والرياضيات والأدب لعدة قرون. وفي منتصف القرن التاسع عشر، خلال حركة النهضة، كان على الدول العربية أن تواجه التحدي المتمثل في التعبير عن المفاهيم والتطورات في العالم الحديث، والثقافة والعلوم الأوروبية. فلجأت إلى اللغة العربية لا لسبب صلتها بالإسلام فقط (فأغلبية المسلمين كالأتراك والإيرانيين والأندنوسيين والماليزيين لا يستعملون اللغة العربية)، بل لكونها اللغة الأولى أو لغة الأم لجل مستعمليها لعدة قرون ولدورها في توحيد وتأكيد هويتهم وفي دعم الكفاح ضد المستعمرين الأوروبيين وهيمنتهم اللغوية والحضارية. نتيجةً لذلك، خضع المعجم العربي لتغيير هائل ولكن المعالم البنيوية والمورفولوجية للغة العربية لم تتغير. على الرغم من هذا التاريخ العريق في الثقافة والعلوم وقدرة اللغة على التكيف مع المتطلبات الجديدة، هناك من يزعم أن اللغة العربية تجسد إحدى العوائق الرئيسية لاكتساب المعرفة. يستند هذا الادعاء إلى تبريرين: -- تعقيد اللغة العربية -- الاختلاف الموجود بين اللهجات العامية والعربية الفصحى. التعقيد المزعوم للغة العربية يعتقد أن الإملاء والخط العربي ونظام الحروف المتحركة وقواعد النحو والشكل (أو عدم التشكيل)، وبناء الجملة والصرف هم من الأسباب الرئيسية لتدني مستوى القراءة عند التلاميذ العرب مقارنة مع نظرائهم في باقي الدول. لكن اول ما يتبادر إلى الذهن هو كون اللغة العربية تصنف مع اللغات الأبجدية وتقارن بها مع أنها لغة سامية وتختلف عن اللغات الأخرى في مفاهيمها التركيبية (المصادر والتفعيلات والوظائف النحوية) وفي ارتكازها على السياق ومكان الكلمات للفهم. فتدريس القراءة باللغة العربية وتقويمها يتم من خلال الاعتماد على طرق بيداغوجية (كالطريقة الجزئية التركيبية التي تبدأ بتعليم الجزئيات كالحرف أو الصوت لتنتقل إلى المقاطع، ثم الكلمات والجمل، إلخ) تخص اللغات الأبجدية كالإنجليزية أو الفرنسية. فلا أحد قد يفكر فعل ذلك بالنسبة للغة الصينية أو اليابانية مثلا. فإذا أردنا التعرف على تجارب الآخرين كان الأحرى بنا البحث في تاريخ تلقين اللغة العربية وفي البيداغوجية المتبعة عند مثيلاتها من اللغات السامية كالأمحارك، اللغة الأثيوبية، والعبرية التي تم إحياؤها بعد عدة قرون من الاندثار واستطاعت فرض نفسها كلغة علم وحداثة. أما بالنسبة للغة العربية، لسوء الحظ، فأغلبية الدراسات التي تستند إليها تقارير المنظمات الدولية الوازنة مثل البنك الدولي، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، واليونسكو، تستعمل أساليب تخص اللغات الغربية وخاصة منها الإنجليزية والفرنسية للقيام بأبحاث علمية حول اللغة العربية وتقويم النتائج. فهي تعتمد على سبيل المثال على العلاقة بين وجود حركات الشكل ودقة القراءة، وبين التعرف على الأصوات والحروف والطلاقة في الإلقاء، أو تستخدم كلمات معزولة عن السياق في التجارب وما إلى ذلك. وهنا يطرح أكثر من سؤال حول نجاعة المناهج المتبعة وصحة النتائج المحصل عليها، إذ أن بنية وخصوصية العربية قد تستلزمان أدوات بحث وطرق تدريس أخرى (ن. عبدلاوي معن، في منشور قادم). وفي هذا الموضوع، يشير د. فاغنرD. Wagner (2014) إلى أن "اللغات وأنواع الخطوط تتباين بشكل كبير في مختلف أنحاء العالم. وقد تكون التدخلات التجريبية أو التحليلات الإحصائية التي نقوم بها مشكوك فيها عندما يكون اختلاف السياق هائلا"(ص 7). ويجدر بالذكر أن د. فاغنر، الذي يعد من الباحثين المؤثرين في محو الأمية والذي تتبع لعدة سنوات دور اللغة في تلقين التعليم في المغرب، لم يراعي هذا العنصر عندما تعلق الأمر باللغة العربية. ومن جهة أخرى، توصف اللغة العربية بأنها معقدة وصعبة التعلم، وبالتالي ينبغي تبسيط بنيتها وتعديل منظومة كتابتها وقواعد نحوها وما إلى ذلك. ولكن المطالبين بذلك يتجاهلون، أو يجهلون بعض البديهيات لعلم اللسانيات، أي أن لا لغة أحسن أو أسهل من لغة أخرى. فاللغة تعبر عن حاجيات مستخدميها وتؤدي الوظائف المطلوبة منها، وصعوبة اللغة أو النص أو بنياتهما مرتبطة بالمتعلمين وإلمامهم باللغة المراد اكتسابها أو قربهم منها. فسيجد الشخص الذي نشأ في وسط يتكلم الصينية أو اليابانية سهولة في تعلمها بخلاف مثلا شخص أوروبي أو إفريقي عاش بعيدا كل البعد عن الوسط الذي تستعمل فيه الصينية أو اليابانية، والعكس صحيح. ثانياً، إذا تم تبسيط هياكل اللغة وتعديل أجزاء من قواعدها، فقد تتعطل وحدة هذه اللغة ومنطقها. بالطبع تتطور اللغات وتتغير مع مرور الوقت، لكن تغيراتها تأتي من الداخل وحسب احتياجات متكلميها واستخدامها في مختلف ميادين انشغالهم وكتاباتهم. فهكذا قد تتسع دلالات المصطلحات وتظهر أخرى جديدة مثلا أو تتغير أساليب الكتابة موازاة مع متطلبات العصر والمنطق العلمي، وليس من خلال طريقة مفروضة ناتجة عن منظومة لغة أخرى من غير فصيلتها. وأحيانا قد تحصل مثل هذه المناقشات بالنسبة للغات الغربية الرئيسية مثل الفرنسية. وفي هذا النطاق نذكر رد اللغوي الفرنسي ألان بنطوليلة Alain Bentolila على سؤال حول تغيير قاعدة فرنسية قديمة: "يدخل هذا الاقتراح لتعديل القاعدة في إطار أوسع من السؤال. فحين يكون التعلم صعبا هل يجب أن تزال الصعوبات أم يجب بذل جهد خاص في هذا التعلم؟ إذا كان بعض الطلاب يواجهون صعوبة أكبر في تعلم قاعدة ما، فإنني أفضل تحسين التدريس والطموح لجميع الطلاب بدلاً من إزالة هذه القاعدة. لأن الصعوبة تمثل جزءًا لا يتجزأ من اللغة الفرنسية، وهذا ليس بثانوي". (بنطوليلة، 2018). وكما سأتكلم عنه لاحقا، ان موقف ألان بنطوليلة مختلف تماما ويتسم بالتناقض بالنسبة للعربية. فهو من المؤيدين لاستعمال اللغة العامية بدل الفصحى في النظام التعليمي المغربي بحجة الصعوبة التي يواجهها الأطفال عندما يلجون المدرسة (بنطوليلة، 2013). الاختلاف الموجود بين اللهجات العامية والعربية الفصحى: يعتقد البعض أن هذه الفوارق شاسعة جدا إلى درجة تجعل أداء المتعلمين متدنيا، وبالتالي سيكون استخدام "لغة الأم" (أي اللغة العربية العامية) للتدريس أفضل للحصول على نتائج مرضية. وهذا راجع إلى لاعتقاد بأن التدريس بلغة مختلفة عن لغة الأم يسبب معيقات نفسية وتربوية. لا يستطيع التلاميذ عندئذ الحصول على الأدوات اللازمة للتعبير عن أنفسهم وبالتالي يفقدون الثقة والاعتزاز بالنفس. ثم يصبح اكتساب معرفة القراءة والكتابة أمرًا عسيرا نظرًا لأن الطفل لا يحتاج فقط إلى إتقان مفاهيم جديدة ومعرفة الكتابة والقراءة ولكن أن يتعلم أيضا قاموسًا وهياكل جديدة، وبالتالي يقضي وقتًا أطول في التكيف مع الوضعية الجديدة بدلاً من تعلم المحتويات. ولكن هذا التبرير يشوبه على الأقل خللين: افتراضية فكرة امتياز التدريس بالعامية وتصنيف اللهجة العامية والعربية الفصحى كلغتين منفصلتين. أولا، فكرة امتياز استخدام اللهجات العربية في التعليم للحصول على النتائج المتوخاة ما هي إلا نظرية افتراضية فقط بحيث لا تستند على بحث علمي أو دراسة ميدانية واقعية. وكما أشار تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (والتي تحث المغاربة على استعمال العامية في التدريس): "تجدر الإشارة إلى أن الانتاجات الاكاديمية المختلفة عن الموضوع لم تقترح أن تلقين القراءة أو الكتابة للأطفال باللغة العامية سيكون أو يمكن أن يكون حلاً لمعالجة بعض التحديات الناتجة عن ازدواجية اللغة في العالم العربي. فالموضوع يستحق البحث استنادا إلى المؤلفات التي تسجل فعالية (واستحسان) تدريس القراءة بلغة الأم. ولكن لا يوجد بين تلك الكتابات أي بحث ميداني يهتم مباشرة بإمكانية استخدام العامية بفعالية بالمقارنة مع التدريس بالعربية الفصحى في المستويات المبكرة من المدرسة" (تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، 2014، ص24). ثانيا، تصنيف اللهجة العامية والعربية الفصحى كلغتين منفصلتين يثير أكثر من جدل وكان السبب في العديد من المغالطات. صحيح قد تبدو الفكرة مواكبة لقرار الأممالمتحدة الذي يدعو جميع الدول الأعضاء إلى "تعزيز الحفاظ على جميع اللغات التي تستخدمها شعوب العالم وحمايتها"، ومع توصيات اليونسكو والبنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وغيرها من المنظمات التي تفضل استخدام لغة الأم كلغة التدريس. ومع ذلك، يجب وضع هذه التوصيات تحت المجهر لتفادي الخلط بين المفاهيم. فهناك ثنائية اللغة، أي حين تتواجد لغتين منفصلتين في مجتمع واحد (كالأمازيغية والعربية)، وهناك ازدواجية اللغة التي تعبر عن استعمال اللغة الأصلية جنبا إلى جنب للهجاتها المختلفة. وبالتالي لا يمكن تعميم مفهوم لغة الأم بشكل أعمى على واحدة من لهجات لغة شاسعة الاستعمال والامتداد الجيوغرافي والتاريخي مثل اللغة العربية. فالسؤال المطروح هو متى أو كيف يقرر البعض أن الفرق بين اللهجة العامية المغربية واللغة الرسمية/ المعيارية كاف لتصنيفهما لغتين منفصلتين تماما؟ ثم كيف يفسر أصحاب هذا الادعاء استطاعة المغاربة من الفئات التي لم تتح لها إمكانية التمدرس فهم لهجات الكثير من دول الشرق الأوسط كلبنان ومصر ومؤخرا دول الخليج؟ وتشير ميلر Miller (2016) إلى وجود تناقض في الالتزام الأعمى بالمبدأ التوجيهي "لغة الأم" في المغرب. بينما يحاول الباحثون تحديد لغة معيارية لمختلف أنواع اللهجات الأمازيغية لاستخدامها في التعليم، يتم تفكيك اللغة العربية الفصحى، اللغة المعيارية لكل الناطقين بها، على أن تحل محلها لغة قياسية أخرى وهي ليست "لغة الأم" لأي أحد. ثم نجد الآن أولئك الذين تكلموا عن مزايا التعليم "بلغة الأم"، أي العامية، هم نفس الأشخاص الذين يؤيدون استعمال اللغة الفرنسية لتدريس المواد العلمية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وضعية ازدواجية اللغة غير منحصرة على متكلمي اللغة العربية. فنذكر مثلا أن بعض اللهجات الإقليمية والوطنية للغة الإنجليزية كلهجة الكوكني (المستعملة في شرق لندن)، والإيبونكس (لهجة الأمريكيين من أصول إفريقية) وبنسلفانيا الإنجليزية الهولندية، إلخ، التي تختلف عن اللغة الأصلية / المعيارية إلى حد قد يعسُر فهمها على العديد من الأفراد لغتهم الأم هي اللغة الإنجليزية. ومع ذلك، تم رفض هذه اللهجات كوسيلة للتدريس أو اقتصر استعمالها شفويا على المستوى ما قبل المدرسة أو السنوات الأولى للتعليم الابتدائي لتسهيل اكتساب اللغة الإنجليزية الأصلية/المعيارية. ومثالا على ذلك ما حدث بكاليفورنيا حول الموضوع في التسعينات. فنتيجة الأداء المتدني للمتعلمين من أصل أفريقي، أراد مجلس مدرسة أوكلا ندا في كاليفورنيا استخدام الايبونكس كلغة التدريس لتسهيل القراءة والكتابة. لكن الجدل الذي ترتب عن ذلك كان محتدما لدرجة أن مجلس الشيوخ الأمريكي وجد نفسه ملزما للتدخل والحسم في الأمر. فاتفقوا على قضية واحدة: أن يتعلم جميع الطلاب الأمريكيين من أصل أفريقي اللغة الإنجليزية الرسمية/ المعيارية. ولتجنب أي سوء فهم محتمل، أصدرت مقاطعة أوكلاندا الموحدة للمدرسة البيان التالي: إن مدرسة مقاطعة أوكلاندا لا تستعمل أية لغة أخرى للتدريس غير الإنجليزية المعيارية /الرسمية. المقاطعة لا تدَرس لهجة الإيبونيكس. تؤكد المقاطعة على تدريس اللغة الإنجليزية الأمريكية المعيارية وقد حددت مستوى عالي من التميز لجميع طلابها. (ج. ريكفورد J. Rickford، 2000، ص.3) وفي هذا الإطار، نشير إلى الموقف المتناقض لآلان بنطوليلة، بصفته من الخبراء المؤثرين في المغرب حول السياسة اللغوية، وبصفته أيضا المدير "العلمي" لمشروع "medersat.com" الذي أنشأ حوالي 60 مدرسة قروية في أكثر من منطقة في المغرب. فهو يحث على التدريس بلغة الأم وبالعامية عوض اللغة العربية الفصحى بينما يرفض استخدام لغة الأم في المدارس الفرنسية، إذ يقول: " ما هي التغييرات الملموسة التي يمكن أن نتوقعها من التدريس باللغة البروتونية، أو الباسكية أو الكورسيكية؟ هل سيتم تغيير مستقبل الطلاب؟ لا بالطبع …. بالنسبة للتلاميذ الذين يتحدثون الفرنسية، فإن استخدام اللغات الإقليمية كلغة تدريس ليس له ما يبرره من وجهة نظر سياسية أو معرفية. فباسم التنوع اللغوي المتسامي، يتم خلط الضرورة التعليمية بالاحترام المشروع للهويات الثقافية." (17 ماي، 2011). وهذا يجعل المرء يتساءل عما إذا كانت توصياته المتعلقة بالمغرب تنبثق من موقف "علمي" أم من دواعي أيديولوجية وسياسية غير معلنة. ومما لا ريب فيه أن السياسات والتخطيط اللغوي كانت منذ فترة طويلة ولاتزال مسألة إيديولوجيًة وسياسيًة بالدرجة الأولى. ومع ذلك يبقى احترام مبدأ الدمقراطية وإشراك من يهمهم الأمر مباشرة في اتخاذ القرارات اللغوية هو السبيل العملي والبناء للوصول إلى حلول ناجعة. فعلى سبيل المثال، رغم انتشار اللهجة العربية العامية على نطاق واسع وقربها من الناس، أبان رد الفعل الغير المسبوق الذي عرفه المغرب في سبتمبر2018، عندما استُعملت بعض المفردات العامية في كتب المدارس الابتدائية، أن الناس يعتبرون اللغة العربية الفصحى لغتهم ولا يريدون فقدانها. فأي نظام تعليمي يستعمل لغة مرفوضة سيصطدم بالعراقيل وغالبا ما يكون مآله الفشل. فالتحدث بلغة ما يتعدى استخدام بناء جملة أو نص أو مورفولوجيا، أو حتى تمكين التواصل مع الاخرين. فاللغة تعبر عن هوية الشخص ومعتقداته وثقافته وحضارته وتاريخه. زيادة على ذلك، "يمكن اعتبار تهديد اللغة تهديدًا للحرية السياسية، وعلى العكس من ذلك، قد يتم خوض محاربة تهديد الحرية السياسية من خلال معركة لغوية،" (وولوورك Wallwork، 1978، ص 90). ولكن المواجهة مع المواطنين تم تفاديها، وشرع في استبدال الفصحى بالعامية في السياق الرسمي بطريقة أخرى: استخدام اللغة العامية في البرامج التلفزيونية الرسمية، وفي دبلجة الأفلام الأجنبية وبرامج الأطفال، وفي الروايات والصحف والمجلات المكتوبة، والخطب السياسية، ووسائل التواصل الاجتماعي الرسمية. إن الانفتاح على الفصحى من خلال الإعلام آخذ في التراجع بشكل كبير رغم أنه كان وسيلة فعالة في تقليص الفجوة بين الفصحى والعامية وأداة مفيدة في محو أمية الكبار وفي التعليم العمومي. والخطير في الأمر أن وسائل الإعلام تلك، وخصوصا الصحافة المكتوبة باللهجة العامية وقنوات التلفزة الرسمية، لا تتوقف عند ذلك الحد، بل تساهم بشكل كبير في إفقار البيئة الثقافية المغربية من خلال تشجيع برامج وانتاجات غالبا ما تتسم بالبذاءة والعنف اللغوي، بذريعة ما يسمى "حفظ الموروث الثقافي" و"التقرب من المواطن". وهكذا فإن اللغة العربية الفصحى الحديثة، وإن كانت لغة رئيسية يتكلمها ويدعمها ملايين الناس، تتعرض للخطر على أساس افتراضات واهية. فمن المؤكد أن اللغة العربية الفصحى المعاصرة ليست سبب فشل المنظومة التعليمية، بل الفشل يرجع أولا إلى اللامسوؤلية والارتجال في تطبيق التعريب والتردد وغياب المحاسبة، وثانيا إلى المقاربة الخاطئة لفهم خصائصها ووضع المناهج المناسبة لتلقينها. وعلى أي، فالاختيارات اللغوية في التدريس ما هي إلا واحدة من بين العوامل التي تؤثر في نوعية نتائجه. واستخدام الفرنسية عوض العربية في تدريس المواد العلمية سيكون غير مجدي في غياب الشروط الضرورية لإنجاح أي برنامج تعليمي. التذكير ببعض الشروط الضروري توفيرها لإنجاح المنظومة التعليمية فقد أصبح من المسَلم به أن نجاعة المنظومة التعليمة تستلزم المقاربة الشمولية والمتكاملة لكل جوانب الموضوع والربط بينها. وبدون الدخول في تفاصيل كل الأبعاد الاقتصادية والسياسية والتربوية، والمحيط الثقافي والمجتمعي، والمحتويات والمناهج التربوية، وما إلى ذلك من العوامل التي تتحكم في نجاح أو فشل هذه المنظومة، سنكتفي بالوقوف عند بعض العناصر: توفر الإرادة السياسية القوية لضمان تكافئ الفرص وإرساء قواعد مدرسة موحدة لكل شرائح المجتمع: بات جليا أن الإرادة السياسية الحقيقية هي المؤشر الأساسي لأي إصلاح فعال ودائم. وفي هذا الصدد، سأذكر شهادة وزير سابق للتعليم حيث قال: "لقد لاقت متطلبات المجتمع بشأن توفر مدرسة جيدة للجميع صعوبات في البروز، كما لم تتمكن المؤسسات من التأقلم مع هذا المسعى، وذلك لعدم وضوح الاقتناعات السياسية وبفعل الاختيارات البيداغوجية الخاطئة أحيانا، وبطء الإدارة إن لم نقل صلابتها. إن تردد من عملوا على امتداد عقود، وأحيانا عن وعي، على تأخير تحقق هدف مدرسة جيدة للجميع، مؤدين بذلك إلى الإقصاء العملي لأغلبية الأطفال من النظام المدرسي، تحت مبرر واه مفاده استحالة الجمع بين تعميم العرض المدرسي وضمان جودة خدماته، من نتائجه، أن انتظرنا ،لما يزيد عن نصف قرن حتى نحقق تعميما شبه مكتمل لتمدرس الأطفال....علما أنها إنجازات تعتريها العديد من المشاكل ...في حين أن تجارب ناجحة لدول ذات دخل قومي مماثل لبلادنا، في العالم العربي وافريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، برهنت على صواب ونجاعة التوجه الذي سارت عليه، والذي اعتمد توفر الإرادة السياسية المقرونة بمنهجية صارمة والتزام كامل" (إسماعيل العلوي، 2009، ص.216) (تم إبراز الكلمات من طرف كاتبة المقال الحالي). أما تكافؤ الفرص فيعني بالأساس مجانية حقيقية للتعليم، إذ تعمل الدولة على ضمان التمدرس وتحمل التكاليف المتعلقة به للأطفال المنحدرين من أوساط معوزة، ويعدون في المغرب بمئات الآلاف. وقد يقتضي ذلك تقديم منح دراسية أو تغطية مصاريف اللوازم المدرسية أو وجبات غذائية، أو وسائل النقل المدرسي. وتكافؤ الفرص يعني كذلك ضمان مبدأ المساواة بين التلاميذ بغض النظر عن كونهم إناثا أو ذكورا، بصحة جيدة أو ذوي إعاقة، وعن انتمائهم الاجتماعي وموقعهم الجيوغرافي. والمساواة تتحقق عبر جودة التعليم وظروف التمدرس، سواء تعلق الأمر بتوظيف أساتذة مؤهلين وبالعدد الكافي، أو ببناء وترميم مدارس تستجيب لمعايير السلامة والجودة، أو بتوفير بيئة تعليمية آمنة تحفز الآباء على إرسال بناتهم إلى المدرسة. وتبعا لذلك سيتم إرساء قواعد مدرسة عمومية موحدة وفعالة تلعب دور رافعة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتنصف كل التلاميذ وتؤهلهم لتحسين ظروف عيشهم وتحقيق ذواتهم، وتنمية معارفهم ومهاراتهم وتساعدهم على مسايرة ركب العلم والحضارة الراهنة وعلى الاندماج في النسيج المجتمعي وتحمل مسؤولياتهم. وفي غياب مدرسة تستجيب لهذه المعايير، يتضاعف الطلب على القطاع الخاص والبعثات الأجنبية لضمان تكوين جيد تعجز الدولة عن توفيره. وهذا ما حصل في المغرب إذ بلغت نسبة التعليم الخصوصي في التعليم الابتدائي إلى ما يناهز 17 بالمائة، وهذه النسب في تزايد سريع. ومما يجدر ذكره أن هذه النسبة تقل عن 11 بالمائة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، 2018). يستنتج من هذه المقارنة أن إملاءات المنظمات الدولية التي تفرض على المغرب تشجيع القطاع الخاص في التعليم للتخفيف من "العبء المالي" على الدولة غير صالحة لبلد يكثر فيه الفقر والفوارق الاجتماعية والتجاوزات غير القانونية. وكما أبانت التجارب بالملموس وعدة أبحاث أكاديمية، فالنتيجة الأولى لذلك هو إهمال المدرسة العمومية وتدهور مستمر لجودة تعليمها، ثانيا تكاثر مدارس يصعب مراقبة جودتها ونوعية محتوياتها وتكوين أساتذتها، ونمو سوق تجارية متوحشة لا تراعي معايير المنافسة النزيهة أو الأهداف التربوية المتوخاة، بل هاجسها الأساسي هو تحقيق أرباح طائلة زيادة على امتيازات جبائية متعددة، وقوانين تحمي مصالحها. وما يشد الانتباه هو تمركز هذه المدارس وارتفاع تسعيراتها حسب الجهات والأحياء التي توجد فيها وكأن التعليم سلعة متنوعة، يرتفع أو ينخفض ثمنها حسب جودتها. وهكذا تجد الأسر نفسها، وخصوصا المتوسطة الدخل منها، مجبرة على أداء تكلفة باهظة، على حساب قدراتها الشرائية، أملا في الحصول على أحسن النتائج. وهنا يجب الإشارة إلى أن انعدام الثقة المتزايد في المدرسة العمومية لا يترك للعديد من الأسر خيارا سوى البحث عن بديل لأبنائها مهما كانت التكاليف والتضحيات. والملفت للنظر هو أن جل المسؤولين الإداريين والسياسيين والمنتخبين الذين لهم ضلع في أزمة التعليم العمومي هم أول من يلجأ إلى تكوين أبنائهم في مدارس القطاع الخاص "الراقية" والبعثات الأجنبية (الفرنسية، الإسبانية، الأمريكية، الإنجليزية، البلجيكية). وهكذا تصبح المدرسة مكان إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية واتساعها (م. الأشهب، 2014). إقرار مبادئ النزاهة والكفاءة والمحاسبة بالنسبة لمختلف العاملين في المجال وعلى جميع المستويات، من المسؤولين، إلى الإداريين والأساتذة والطلبة. فبدون العمل على مكافحة الفساد بصرامة، سيصعب التطبيق الفعال لأي مخطط أو أي منهج مهما كانت مميزاته. وأنواع الفساد متعددة كالتي تتعلق مثلا بالصفقات العمومية وقبول الهدايا والسلع، والتلاعب بالأنظمة والقوانين، والتلاعب بالمعلومات العامة، ومباريات الولوج للوظائف والمدارس العليا، والساعات الإضافية اللاقانونية، والغش في الامتحانات، وانتحال الملكية الفكرية (للمزيد من التفاصيل، انظرHallak & Poisson, 2005 ). فهذه الآفات تسبب مباشرة في تعطل سير المنظومة، وتنعكس سلبيا على المجتمع والأفراد. وعلى هذا الأساس يستلزم إصلاح المنظومة التعليمية وتطوير سياسات تشاركية بين صناع القرار وممثلي المجتمع المدني الذين يدركون حقيقة ما يجري على أرض الواقع وخصوصا منهم الأساتذة والتلاميذ وجمعيات أولياء التلاميذ والإداريين. التكوين الأساسي والتكوين المستمر للأستاذ: العمل على إتاحة فرص التكوين الأساسي والتكوين المستمر المتين وتنمية الكفاءات المهنية والمعرفية والثقافية والسلوكية للأساتذة، وتوفير وسائل تحفيزهم ومرافقتهم واستشارتهم وجذب ذوي الكفاءات المميزة لتمكينهم تطبيق مخطط الإصلاح بنجاعة واستعادة مكانتهم كفئة جديرة بالاحترام والمصداقية. فليس هناك اختلاف بين الباحثين والفاعلين التربويين على الأهمية المحورية لتكوين الأستاذ ودوره في المنظومة التعليمية، ومع ذلك تم التعامل مع هذا الموضوع بكثير من الارتجالية وللامسوؤلية. فمثالا على ذلك، نجد النقص في عدد الأساتذة كبيرو في تزايد منذ حقبة من الزمن، ومع ذلك لم تتخذ الإجراءات الكافية لسد الخصاص. أما عشرات الآلاف التي تم إدماجها في السنوات الأخيرة فجلهم أساتذة متعاقدين بدون أي تكوين ومستقبل مهني ومادي مضمون. فالسؤال هو من سيقوم بتطبيق مخطط الإصلاح الجديد ويلقن الدروس بالفرنسية؟ هل يتوفر الأساتذة الذين سيقومون بهذا التدريس على المهارات اللغوية والمنهجية والمعرفية اللازمة للقيام بمهامهم على أحسن وجه؟ ألسنا بصدد إعادة نفس السيناريوهات التي أدت إلى فشل خطة تعريب التعليم قبل أكثر من ثلاثين سنة؟ تنمية التفكير الناقد: نظرا للتحولات المرتبطة بالعولمة وبالانتشار الغير المسبوق للمعلومات ومصادرها المتنوعة، ولتقدم التقنيات الجديدة، أصبح لزاما وضع توجهات بيداغوجية تقوم على أسس علمية وموضوعية وتمكن من تلقين قدرات التفكير الناقد ومهاراته. فهذه المهارات ليست عناصر يتم اكتسابها تلقائيًا ولكنها طريقة تفكير ووجود تتجاوز نطاق المادة الواحدة من التدريس أو الحقل المعرفي. فهي تعتمد على الصفات المطلوبة من المثقف (مثل السلوك الأخلاقي، الاستقلالية، النزاهة، الشجاعة، المثابرة، وما إلى ذلك)، وعلى المعايير الفكرية الكونية (صحة المعلومة، والدقة والوضوح والعمق في معالجة الموضوع، والربط بين كل جوانب المشكلة من أسئلة وإيضاحات أو تحليلات) وعلى عناصر التفكير المنطقي (تحديد الهدف، التحقيق من مصداقية المعلومات والمفاهيم، التحليل، الاستدلال، التفسير، الاستخلاص، والتقويم وتنظيم الذات). فتنمية التفكير الناقد وتنمية الكفاءات تمكن التلميذ أو الطالب من مسايرة التطور المعرفي والحضاري والاعتماد على المنطق بدل العاطفة لحل المشاكل والبحث والابتكار (عبدلاوي معن، 2012). العناية بالطفل قبل ولوجه المرحلة الاولية للتعليم والانفتاح على الثقافة المعرفية واللغوية من خلال وسائل الإعلام والمكتبات العمومية والأنشطة المختلفة داخل البيئة الأسرية وخارجها. وفي هذا الخصوص، يشير البنك الدولي في تقريره لعام 2017 إلى الغياب الصارخ لأدوات التعليم المبكرة في الأسر المغربية وهي الكتب واللعب على الرغم من أن هاذان عنصران مهمان لتنمية الطفل في السنوات الأولى. فحسب نفس التقرير، فإن 21 في المائة فقط من الأطفال المغاربة يعيشون في أسر تتوفر على ثلاثة كتب فأكثرو34 في المائة لا يملكون لعبا (ِ(Chauffour, 2017 . وهذه المسببات وحدها قد تفسر إلى حد كبير الصعوبات التي يواجهها الأطفال المغاربة في اكتساب قدرات القراءة والكتابة بالعربية الفصحى أو أي لغة أخرى. وهنا سأفتح قوسا للإشارة إلى شكل آخر من التجاوزات اتجاه الطفل المغربي بإخضاعه للمنافسة وضغوط نفسية قاسية في سن مبكر، قد لا تتجاوز الرابعة أو الخامسة. وأقصد بهذا الانعكاسات الضارة وأحيانا المدمرة التي تنجم عن اختبارات الانتقاء المفروضة من طرف مدارس البعثات الاجنبية وبعض المدارس الخصوصية على الأطفال المغاربة، والدولة تقف موقف المتفرج بينما الآباء يفضلون الصمت، آملين توفير مقعد لأبنائهم في مدرسة تبعث على الثقة. وفي الختام، يمكننا تلخيص ما سبق في النقط التالية: استعمال اللغة العربية لم يكن سبب فشل التعليم بالمغرب. فاللغة العربية من اللغات الهامة في العالم، لها بعد تاريخي وحضاري كبيرو تقوم بأداء دورها لتلبية حاجيات مستعمليها كأي لغة حية. وبالإضافة إلى ذلك فإن تجاهل خصائصها كلغة سامية مختلفة عن اللغات الأبجدية في المناهج التعليمية والأبحاث العلمية يشكل حاجزا للحصول على نتائج بحث غير مشكوك في صحتها ووضع مناهج ناجعة لتدريسها. أما وصفها باللغة الصعبة فهو ناتج عن جهل ببديهيات علم اللسانيات بأن لا لغة أجمل أو أسهل من لغة أخرى، فذلك يرتبط بقرب وعلاقة مستعمليها بها. العربية الفصحى والعامية هما نوعان للغة واحدة هي العربية، يتعايشان جنبا إلى جنب ولكل وظائفه ومكانه. هذا لا يقتصر على اللغة العربية بل هو حال كل اللغات وخصوصا المنتشرة الاستعمال كالإنجليزية. أما فكرة مزايا التدريس بالعامية فهي لا ترتكز على أبحاث علمية تجريبية بل على تخمينات افتراضية ودواعي سياسية وإيديولوجية. فشل المنظومة التربوية هو بالأساس ناتج عن غياب الإرادة السياسة الحقيقية واللامسوؤلة والتردد والارتجال، دون مراعات الشروط اللازمة لإصلاح المنظومة التعليمية وإنشاء مدرسة عمومية جيدة. ويمكن إجمال الشروط الضرورية لضمان نجاعة الإصلاح في النقط التالية: أولا توفرالإرادة السياسية الحقيقية لإرساء قواعد مدرسة عمومية تضمن تكافئ الفرص وجودة التعليم؛ ثانيا، إقرار مبدأ النزاهة والكفاءة والمحاسبة والعمل على احترامه من طرف جميع كل الفاعلين في القطاع؛ ثالثا، إتاحة فرص التكوين الأساسي والتكوين المستمر للأساتذة وتنمية كفاءاتهم المهنية والمعرفية والثقافية، وتوفير وسائل تحفيزهم؛ رابعا، وضع توجهات بيداغوجية تقوم على أسس علمية وموضوعية وتنمي التفكير الناقد، معتمدة في ذلك على السلوكيات المطلوبة في الشخص المثقف، والمعايير الكونية للتفكير الناقد، و المنطق العلمي؛ وخامسا، العناية بالطفل قبل ولوجه المرحلة الاولية للتعليم وانفتاحه على الثقافة المعرفية واللغوية داخل أسرته وخارجها. وفي الأخير يمكن القول بأن "المخطط" الجديد لإرجاع تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية قد يعرف مآل المخططات التي سبقته إذا استمر التعامل مع المدرسة العمومية كحقل تجارب، واكتفينا بتطبيق إملاءات خبراء المنظمات الدولية دون التأكد من مصداقيتها ونجاعتها ودون مقاربة شمولية لإصلاح قادر على تلبية حاجيات المواطن المغربي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. *أستاذة التعليم العالي