عندما أعلن أوباما قبل أكثر من سنتين أن بلاده تتجه إلى الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط ، كان متفائلا جدا بما يمكن أن تقدمه ثورة النفط والغاز الصخريين بالولاياتالمتحدة الأميركية من إمكانات لأكبر اقتصاد عالمي للانفكاك عن واردات النفط من السعودية كثاني مزود للذهب الأسود للسوق الأميركية، بل ومتطلعا لأن تصبح بلد العام سام أكبر مصدر لهذا الثروة الاستراتيجية. في العام 2012 قال أوباما : إن الطفرة المفاجئة في إنتاج بلاده من النفط والغاز الطبيعي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تحول في العلاقة مع الشرق الأوسط، إذ ستصبح الولاياتالمتحدة مصدراً صافياً للطاقة اعتبارا من العام 2016، مضيفا "هذا يتيح لنا حرية حركة أكبر للتحدث مع الشرق الأوسط الذي نريد أن نراه والعالم الذي نود أن نراه". وفي خطاب النصر غداة انتخابه رئيسا لولاية ثانية تحدث عن نيته مجددا بحث طرق للاستغناء عن النفط المستورد من الخارج في قطاع الطاقة، وبالموازاة تحدث عن انتهاء عقد الحرب وبدأ حقبة جديدة ستعقبها فيما بعد انسحابات من العراق وأفغانستان. وفي خطاب الاتحاد من ذات السنة قال أوباما أيضا : "لدينا إمدادات من الغاز الطبيعي تغطي احتياجاتنا لمئة سنة قادمة، والحكومة عازمة على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتطوير هذه الطاقة بأمان". كان واضحا إذن أن أوباما يراهن على طفرة النفط والغاز الصخريين لتغيير استراتيجية أميركا في العلاقة مع الشرق الأوسط وتقليل الاهتمام بهذه المنطقة والتعامل مع قضاياه بمعزل عن تأثيرات التزود بالنفط، بالمقابل توجيه البوصلة نحو مناطق أخرى لعل أبرزها تصحيح العلاقات مع الصين كثاني أكبر اقتصادي عالمي، ومنطقة آسيا لما تحويه من اقتصادات واعدة يمكن معها تحسين مستويات الصادرات. ولعل هذا أيضا ما برر الموقف الحذر والمتحفظ جدا لأوباما في تعاطيه مع ثورات الربيع العربي، وبدأ أميركا في تغيير استراتيجياتها في التعاطي مع قضايا الأمن بمنطقة الشرق الأوسط من تدخل عسكري مباشر، كما حصل في العراق وأفغانستان إلى تدخلات محدودة بالشراكة مع أطراف دولية متعددة، دون أي تغيير في اعتبار أمن إسرائيل خطا أحمر بغض النظر عن الحاجة أو عدم الحاجة إلى نفط منطقة الشرق الأوسط. اليوم وقد عادت أميركا بعد انسحابها من العراق مجددا إلى قيادة حرب دولية على تنظيم " داعش" الذي بات يسيطر على آبار نفط عديدة ويبيع نحو 60 إلى70 ألف برميل يوميا في السوق السوداء لأطراف غير معلومة، فإن هذا العود تسنده مبررات عديدة بعضها سياسي وآخر أمني وأبرزها في تقديري اقتصادي. فقتل المواطنين أميركيين يرفع من حدة الاحتجاجات في الداخل الأميركي، والأوضاع بسوريا تهدد أمن إسرائيل، وتوسع النفوذ الإيراني بالمنطقة وآخرها باليمن يوشك أن يقوض من جهود أميركا في ممارسة مزيد من الضغط على طهران ، وما قد يشكله هذا النفوذ من ورقة رابحة لإيران لكسب نقاط في المفاوضات الدولية حول ملفها النووي. لكن يبدو أن بسط داعش يدها على ثورات نفطية كبيرة ربما كان العامل الحاسم، لماذا ؟ فعلى غير ما تشتهيه أميركا أكدت بعض المعلومات أن طفرة النفط والغاز الصخريين التي راهنت عليها واشنطن قد تنتهي بحلول العام 2030 في أحسن الأحوال، بينما قد تنضب في العام 2018 في أسوأ الأحوال ، بما يعني أن أميركا وفي إطار صراعها للحفاظ على نفسها كأقوى اقتصاد في العالم في مواجهة الاقتصاد الصيني ستعود مرة أخرى للاعتماد على النفط الخارجي ، وبخاصة نفط الشرق الأوسط. ذات الدراسات تشير إلى أنه في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة نضوب النفط والغاز المستخرج من الصخور سنويا ب60% فإن نسبة النضوب في ثورات النفط التقليدية تقدر سنويا ب6 إلى 7% ، أي ثمة فجوة ب53% إلى 54% لفائدة نفط الشرق الأوسط. مثل هذه المعلومات وغيرها قد تكون بمثابة الخلفية التي حكمت العودة الأميركية بقوة إلى المنطقة إلى جانب عوامل سياسية و أمنية ذكرت آنفا، علاوة على دعم مبيعات شركات الأسلحة. - صحافي مقيم بالدوحة