يتغذى الصراع العربي الإسرائيلي من روافد شتى، و أهم هذه الروافد هو الخلاف حول النبوة، فكل الأنبياء لم يتجاوزوا هذين العرقين، وهما معا آرامين، جدهم واحد هو إبراهيم، لكن اليهود يعتبرون انتساب العرب لابراهيم ادنى درجة من انتسابهم، فالعرب أبناء جارية هي هاجر أم اسماعيل، أما العبرانيون فهم أبناء حرة هي سارة أم اسحاق. يؤمن العرب بكل الأنبياء العبرانيين، بينما اليهود لا يعترفون بنبوة العرب على قلتهم، إذ لا يعرف منهم غير خمسة أو ستة، وهم هود نبي قوم عاد الذين كفروا فدمرهم الله بريح صرصر عاتية ولم تذر لهم باقية. وصالح نبي قوم ثمود وهم من العرب البائدة، والثالث حنظلة بن صفهوان وهو رسول أهل الرس الذين ورد ذكرهم من في القرآن، يقول: "وعاد وثمود وأصحاب الرس"، وهؤلاء هم بقايا قوم ثمود الذين أهلكهم الله بالصيحة بعدما عقروا الناقة وكفروا بربهم وعصوا صالحا، والرس اسم بئر لهم، وروى أصحاب القصص أن حنظلة لما ألح عليهم في الدعوة قتلوه ورموه في تلك البئر فغارت وجفت مياهها فهلكوا عطشا في الصحراء. أما النبي الرابع فهو تبع اليماني الذي دعا قومه للإيمان بالله الواحد فعصوه وكان ملكهم وذكره القرآن، واختلف فيه العلماء، فمنهم من قال إنه نبي مرسل، ومنهم من قال مصلح على ملة إبراهيم، أما النبي العربي الخامس فهو شعيب نبي مدين الذي عصاه قومه فعذبهم وهو حمو موسى الذي زوجه ابنته مقابل الرعي عنده ثماني سنوات بعدما جاءه هاربا من فرعون إثر قتله قبطيا دفاعا عن إسرائيلي، وقصته واردة في القرآن، وسادس الانبياء هو النبي محمد، وكل هؤلاء لا يعترف اليهود بنبوتهم، وهذا الشنئان بين الآراميين (العرب والعبرانيون) واحد من أسباب الصراع الديني بين أبناء العرق الواحد وابناء العمومة، بل ابناء الوطن الواحد. ولقد ألف عالم اللسانيات الأستاذ بالجامعة الأمريكية ببيروت الدكتور كمال الصليبي كتابا سماه "التوراة جاءت من جزيرة العرب" وفيه يبين بالأدلة الأركيولوجية والوثائق المادية وأسماء الأماكن أن كل الانبياء كانوا في منطقة واحدة، وهي منطقة عسير في الجزيرة العربية بين جازان والطائف بمحاذاة البحر الأحمر بطول 600 كيلوتر وعرض 200 كيلومتر، وتسمى أيضا أرض السراة، وقال إن النبي ابراهيم لم يكن في فلسطين وإنما في قرية هناك وسط الجزيرة على بعد عشرات الأميال من مكة، والدليل أنه حينما أبعد جاريته هاجر ورضيعها اسماعيل ذهب بهما إلى مكة، وما كان هناك ضرورة تدفع شيخا بلغ من الكبر عتيا أن يقطع آلاف الأميال ليلقي بجارية ورضيع، أي أن ابراهيم لم يقطع كل تلك المسافة من الضفة الغربية اليوم إلى مكة مثلما تقول الروايات المشهورة، خصوصا أنه دأب على زيارة ولده وجاريته بعدما تركهما هناك بين جبلي الصفا والمروة في مكان غير ذي زرع ودعا الله أن يجعل أفئدة من الناي تهوي إليهم، فجاء الجراهمة واستقروا هناك بعدما كشف الرضيع إسماعيل عن بئر زمزم بقدميه الصغيرتين حينما كان يصرخ ويتلوى عطشا وأمه تهرول بين الجبل بحثا عن مياه تروي بها ظمأ طفلها. وذكر المؤلف أن الفراعنة هم ملوك من هذه المنطقة في الحجاز، وأن مصر المقصودة في القرآن هي مدينة عامرة هناك، إذ الذين يتحدث عنهم الناس اليوم باعتبارهم فراعنة هم ملوك وادي النيل، وهذا اسمهم، وليس ثمة دليل أركيولوجي واحد على أنهم تسموا فراعنة، وعليه فإن يوسف وموسى لم تطأ أقدامها قط مصر التي نعرفها اليوم، بل عاشوا وماتوا هناك في الحجاز، ومصر هذه التي كانت تسمى أرض النيل صارت فيما بعد تسمى بلاد القبط ومنها اشتق اسم Egypte، والنبي محمد نفسه حينما أرسل إلى المقوقس سيد مصر يدعوه إلى الإسلام قد خاطبه قائلا: " من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط" ولم يقل عظيم مصر، وأن تسمية مصر لم تبدأ إلا مع عمر بن الخطاب حينما فتحها المسلمون. إن أكبر ما يشد الانتباه ويطرح الأسئلة في كتاب الدكتور كمال الصليبي هو قوله إن القدس المذكورة في القرآن لا توجد في فلسطين ونما في الحجاز وإليها أسري بالنبي وفيها أم إخوانه الأنبياء في الصلاة ليلة الإسراء في المسجد الأقصى الحقيقي، وكانت تسمى القرية أيضا، وقد ورد لها ذكر في القرآن بهذا الإسم، حيث يقول متحدثا عن النبي عزير: "أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه..." وأن قدس اليوم سماها العبرانيون الذين هاجروا إلى فلسطين، إذ من طبائع الناس إن استوطنوا أماكن أخرى أن يطلقوا عليها اسماء المناطق من بلادهم الأصلية، فسموها القدس حنينا وارتباطا ببلدتهم التي هاجروا منها إما خوفا أو بحثا عن شروط أفضل للحياة. ويقول الصليبي إن هيكل سليمان الذي تبحث عنها إسرائيل تحت المسجد الأقصى يوجد في جبل عسير بالمملكة العربية السعودية، وهذا الجبل ممنوع على الأركيولوجيين حتى اليوم. لقد تم تزوير تاريخ النبوة و تم اختطاف جغرافيا الأنبياء حسب الصليبي، وتم تمويه الناس عن الحقيقة وقد أعمتهم المعتقدات وتراكم الأساطير والحكايات والروايات وأخطأ العلماء والمؤرخون. وتكمن قوة تصوه في كونه يورد كثيرا من أسماء الأماكن من التوراة التي مازالت نفسها حتى اليوم في الجزيرة العربية، وإنما تم تحويرها لتتناسب واللسان العربي. إن الصراع العربي الإسرائيلي اليوم مرتبط بكثير من هذه الحكايات، لكن الغريب هو أن يتصارعوا على أرض لم تكن يوما للعرب ولا للعبرانين إنما للكنعانيين والفلسطيين، وأن يكونوا تركوا الأماكن المقدسة هناك في الجزيرة العربية ويتحاربون على أماكن لا قداسة فيها، هؤلاء يبحثون عن الهيكل ويقدسون حائط المبكى وأولئك يؤمون الأقصى ويحفظون حائط البراق، وكلها في أرض السراة، حيث كان جميع الأنبياء، ولا يستثنى منهم غير زكرياء وابنه يحيى وعيسى بن مريم، فهم فقط من عاشوا في فلسطين، والدليل على ذلك الشبه الكبير بين العبرية والعربية، وبين تقاليد اليهود والعرب، والإهتمام القوي للقرآن بمخاطبة بني إسرائيل، ووجود اليهود الكبير في الحجاز قبل انتشار الإسلام وإجلائهم، فكانت لهم حاضرة خيبر وكانوا معظم أهل يثرب. وقد هاجم الكثرون دراسة الصليبي واعتبروها دعوة لاحتلال بلد عربي آخر، بل أصل العروبة ومهد الإسلام وقبلة المسلمين، الأمر الذي رد عليه صاحب الكتاب بقوله إن من يقول ذلك اعتراف ضمني بالرؤية الصهيونية التي تجيز عودة شعب لأرض هاجر منها أجداده منذ ألفي عام، خصوصا وأنه بين أن يهود اليوم في فلسطينالمحتلة لا علاقة لهم بيعقوب وأنهم ليسوا من نسل الأسباط، فهؤلاء بادوا واختلط نسلهم؛ وإن إسرائيلي اليوم هم ممن اعتنقوا اليهودية بعد انتشارها في مناطق أخرى من العالم خصوصا منطقة آسيا الوسطى. هذا تصور كمال الصليبي وله من الحجية العلمية قوة كبيرة، فهل اختطفت الأساطير التاريخ والجغرافيا؟ وهل تم تهريب المقدس؟ وماذا لو انكشفت الحقيقة يوما؟ [email protected]