بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي، وزير الخارجية السابق لبيرو: الجمهورية الصحراوية المزعومة لا وجود لها في القانون الدولي    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا استخدمت مندوبية التخطيط الحرف العربي وتيفيناغ وتجاهلت الحرف اللاتيني؟
نشر في هسبريس يوم 11 - 09 - 2014

نشرت عدة منابر إعلامية مغربية العديد من الصور والفيديوهات لملصقات إشهارية وتوعوية حول الإحصاء، أنتجتها المندوبية السامية للتخطيط HCP وقامت بنشرها وإلصاقها على الجدران واللوحات الإشهارية وحتى على الطوبيسات. وتتضمن بعض تلك الملصقات عبارات أمازيغية مكتوبة بالحرف العربي بينما تتضمن ملصقات أخرى عبارات أمازيغية مكتوبة بحرف تيفيناغ، بينما تحاشت المندوبية طباعة أي ملصق أو لوحة بالأمازيغية مكتوبة بالحرف اللاتيني، رغم أنها طبعت ملصقات موجهة للشعب المغربي بالفرنسية وبالحرف اللاتيني!
واحتج الكثير من الناشطين المدافعين عن الأمازيغية على استخدام الحرف العربي في كتابة الأمازيغية كما لاحظنا، ولكنهم لم يقدموا للمندوبية مقترحات بديلة للتواصل الكتابي بالأمازيغية مع الجمهور المغربي الناطق بالأمازيغية والذي لا يقرأ تيفيناغ. فمن ينتقد ويشتكي يجب عليه أن يقدم فكرة بديلة أحسن من الفكرة الحالية أو أن يطالب بشيء بديل محدد يتفوق في مواصفاته ومنافعه على ما هو متوفر، وإلا فلا معنى للانتقاد والشكوى.
المندوبية السامية للتخطيط تعرف جيدا وتفهم جيدا أن 99% من المغاربة المراهقين والطلبة والشباب والبالغين المتعلمين لا يستطيعون قراءة جملة أمازيغية واحدة مكتوبة بحرف تيفيناغ. لهذا السبب تعمدت المندوبية كتابة العبارات الأمازيغية على جزء من تلك الملصقات بالحرف العربي بغرض إيصال فكرة ضرورة المشاركة في الإحصاء إلى الجمهور المغربي الناطق بالأمازيغية.
ومحاولة إيصال الفكرة إلى الجمهور المغربي باللغة الأمازيغية كتابيا وشفويا هو عمل محمود ومشكور بل إنه يدخل في واجبات المندوبية السامية للتخطيط التي ينفق الشعب المغربي عليها من أموال ضرائبه بالملايير. وبما أن 99% من هذا الجمهور لا يستطيع قراءة الأمازيغية بتيفيناغ فقد ارتأت المندوبية استخدام الحرف العربي في كتابة جزء من العبارات والكلمات الأمازيغية لكي تصل الفكرة فعلا إلى الجمهور ولا تبقى حبرا ملونا على الملصقات. ولكن المندوبية لم تكتب العبارات الأمازيغية بالحرف اللاتيني رغم أنه منتشر لدى كل المغاربة المتعلمين ورغم أنه يناسب الأمازيغية ويعبر عنها بشكل أفضل بكثير من الحرف العربي.
فلماذا تجاهلت أو رفضت المندوبية السامية للتخطيط كتابة العبارات الأمازيغية بالحرف اللاتيني؟
ولماذا ينتقد ناشطو الأمازيغية استخدام المندوبية للحرف العربي في كتابة الأمازيغية ويرفضون أن يقترحوا كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني لإيصال الرسالة التوعوية التحسيسية إلى الجمهور المغربي؟
1) ناشطو الأمازيغية يسقطون في تناقض جسيم:
ينتقد ناشطو الأمازيغية المندوبية السامية للتخطيط بشدة بسبب استخدامها للحرف العربي في كتابة الأمازيغية لمخاطبة المواطنين والمواطنات، ويريدون أن تكون كل العبارات والملصقات الأمازيغية مكتوبة بحرف تيفيناغ. ولكن هؤلاء النشطاء يعلمون علم اليقين أن 99% من المغاربة (الناطقين وغير الناطقين بالأمازيغية) لن يستطيعوا إطلاقا قراءة ملصق أو كتيب أو منشور مكتوب بحرف تيفيناغ ويعلمون أنه سيبقى حبرا على ورق، لا يضر ولا ينفع. ولا يجرؤ هؤلاء الناشطون على اقتراح حل معقول لهذا المشكل التواصلي، وإنما يستمرون فقط في المطالبة بتيفيناغ من أجل تيفيناغ رغم أن لا أحد تقريبا يستطيع قراءته. بعبارة أخرى: ما يهمهم هو أن يكون تيفيناغ ظاهرا للعيان رغم أنهم يعرفون أنه عاجز عن لعب أي دور اجتماعي تواصلي وتوعوي وتحسيسي في عملية الإحصاء وغيرها من أشكال الحياة العامة (كالتوعية الصحية حول الأمراض والتغذية والأطفال...إلخ).
حينما طالب نشطاء الأمازيغيةِ المندوبيةَ السامية للتخطيط بحذف سؤال تيفيناغ من الإحصاء واستجابت لهم فقد اعترفوا بأن 95% أو 99% من المغاربة المتعلمين لا يقرأون هذا الحرف وأنه سيحتاج إلى عشرات السنين من التعليم والرعاية. ولكن في قضية الملصقات يتنكر نشطاء الأمازيغية لهذه الحقيقة ويطالبون بكتابة العبارات الأمازيغية التحسيسية على الملصقات بحروف تيفيناغ وكأن المغاربة يقرأون هذا الحرف وسيفهمون فجأة ما يكتب به على تلك الملصقات. إنه تناقض واضح. وهذا الموقف ينم عن نمط تفكير فلكلوري موجود لدى الكثير من المدافعين عن الأمازيغية، حيث يريدون تيفيناغ فقط لمظهره وليس لمضمونه المستعصي على 99% من المغاربة.
2) لماذا كتبت المندوبيةُ الأمازيغيةَ بالحرف العربي وليس بالحرف اللاتيني؟
نشرت بعض المنابر الإعلامية صورا لملصقات، على طوبيسات، عليها جملة بالحرف العربي باللغتين العربية والأمازيغية هكذا:
"قيمة بلادنا سكانها"
أتيگ نْ تْمازيرت نّغ، إمْزداغن نّس
ومما لا شك فيه أن معظم المواطنين سيتمكنون من قراءة العبارة الأمازيغية بالحرف العربي. ولكن لاحِظوا أن استخدام علامات التشكيل الصغيرة ضروري دائما مع الأمازيغية. ولا تستطيع الأمازيغية المكتوبة بالحرف العربي أن تستغني عن علامات التشكيل كما تفعل العربية. وبالتالي تطرح علامات التشكيل الصغيرة مشكلة للأمازيغية هي في غنى عنها حينما نكتبها بالحرف اللاتيني أو بتيفيناغ.
لاحظوا نفس العبارة الأمازيغية بالحرفين اللاتيني والعربي واحكموا بأنفسكم:
Atig n tmazirt nneɣ, imezdaɣen nnes
أتيگ نْ تْمازيرت نّغ، إمْزداغن نّس
المندوبية السامية للتخطيط تعرف جيدا أن الحرف اللاتيني منتشر بشكل واسع لدى المغاربة. ولكن لا نعرف لماذا لم تستخدمه في ملصقاتها ومطبوعاتها للتوعية حول الإحصاء، بينما لم تجد المندوبية حرجا في مخاطبة الفرنكوفونيين المغاربة بملصقات بالفرنسية (بالحرف اللاتيني)! فضلا عن الفيديو التحسيسي بالفرنسية الذي رأيناه. إذن: "الفرنكوفونيين المغاربة مبرّعين بْلا تامّارا وحقهم ديما موجود".
هل تخاف المندوبية من ردة فعل الإسلاميين والعروبيين إذا كتبت بضع عبارات أمازيغية تحسيسية بالحرف اللاتيني على تلك الملصقات؟ علما أن الموقع الإلكتروني لل HCP بأكمله تقريبا مكتوب بالفرنسية.
أم أن كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني جزء من "اللامفكر فيه" لدى المندوبية أيضا؟ وبالتالي تعتبر الحرف اللاتيني مِلكا حصريا للفرنسية وماركة تجارية مسجلة باسمها لا يحق للأمازيغية المساس به.
أم أن الأمر متعلق فقط بهؤلاء الموظفين المترجمين الذين يشتغلون مع أو لدى المندوبية والذين اقترحوا عليها كتابة تلك العبارات الأمازيغية بالحرف العربي وليس بالحرف اللاتيني؟
3) رفض الحرف العربي من طرف نشطاء الأمازيغية بالإجماع
يُجمع كل محبي الأمازيغية ونشطائها والمدافعين عنها على رفض كتابتها رسميا بالحرف العربي. إنه مبدأ أساسي يُجمعون عليه إجماعا قاطعا رغم اختلافهم حول قضايا أخرى عديدة. وهناك سببان اثنان لرفضهم للحرف العربي:
- السبب الأول تقني وعلمي. ويتلخص في أن الحرف العربي لا يناسب اللغة الأمازيغية ويكتبها بشكل ناقص وسيء ويتطلب دائما علامات التشكيل (الشدة، السكون، الضمة). وتفتقر أبجدية الحرف العربي إلى حرف e (الصائت القصير schwa) المهم جدا في اللغة الأمازيغية.
- السبب الثاني أيديولوجي. ويتلخص في ارتباط الحرف العربي المباشر أو غير المباشر بأيديولوجيا التعريب والقومية العربية الأجنبية والمتناقضة مع هوية المغرب الأمازيغية، وارتباطه المباشر أو غير المباشر بأيديولوجيا الإسلام السياسي المتناقضة مع العلمانية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
4) ناشطو الأمازيغية: تواطؤ جماعي بِنِيّة حسنة
يحرص الناشطون المدافعون عن الأمازيغية كل الحرص على انتقاد المؤسسات التي تكتب الأمازيغية بالحرف العربي. ولكنهم يحرصون أيضا كل الحرص على عدم تقديم البديل العملي الفعال لمخاطبة المواطنين كتابيا بالأمازيغية. هم يعرفون أن تيفيناغ حرف أبكم لا يقرأه 99% من المغاربة ولكنهم يسكتون عن ذلك ولا يقولون شيئا. ويتجاهلون الحرف اللاتيني تماما وأصبحوا يضعونه منذ 2003 في خانة "اللامفكر فيه" The unthinkable (بالأمازيغية: Ayen wer yettuswingimen). إنهم ينتقدون بكل شراسة استخدام الحرف العربي في كتابة الأمازيغية ثم يسكتون. لماذا يسكتون؟
إنهم يسكتون لأسباب متعددة.
ربما يسكتون لأنهم لا يريدون الاعتراف جهرا بأن 99% من المغاربة لا يقرأون تيفيناغ، وأن استخدام تيفيناغ في هذه الظروف (بدل الحرف اللاتيني) يشل الأمازيغية ويعزلها عن المجتمع، حيث يعتقدون أن ذلك الاعتراف سيضعف موقفهم وسيضعف الأمازيغية. وهذا خطأ فادح لأن عدم الاعتراف بالعجز والضعف والخلل هو أسوء أشكال العجز والضعف والخلل. ثم إن الاعتراف بالعجز والضعف والخلل هو السبيل الوحيد لعلاج العجز وإزالة الضعف وتقويم الخلل وتصحيح المسار وحل المشكل.
وربما يسكتون لأنهم لا يكترثون كثيرا بالدور المنتظَر من الأمازيغية في المجتمع الآن (وليس بعد 60 سنة) كلغة تواصلية نافعة فعالة مقروءة مكتوبة وعملية، ويهتمون أكثر ب"الظهور البصري" لتيفيناغ على الشوارع وأبواب الإدارات والملصقات وجداريات الندوات والمؤتمرات.
وربما يسكتون لأنهم يئسوا من أن تلعب الأمازيغية أي دور كتابي تواصلي فعال حقيقي في مغرب اليوم (إلا في الرمزيات البصرية التي لا يقرأها أحد تقريبا)، حيث يراهنون فقط على جيل أطفال التعليم الابتدائي الذين سيتعلمون ويتقنون كتابة الأمازيغية في المستقبل ويصبحون مستخدمين لها بعد 40 أو 50 أو 70 سنة من الآن، بأعداد كافية (بضعة ملايين مغربي مثلا).
المهم أن الكثيرين من نشطاء الأمازيغية مستمرون في تجاهل الحرف اللاتيني وكأنه لا وجود له، رغم أن المغاربة المتعلمين يستخدمونه أكثر من أي حرف آخر.
إنهم قابضون على جمرة.
نيتهم حسنة. ونضالهم من أجل الأمازيغية ومن أجل المغرب صادق وعميق.
ولكنهم قابضون على جمرة تيفيناغ. يخافون من إثارة النقاش حول موضوع الحرف من جديد لأنهم خائفون من إمكانية نجاح حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال في فرض الحرف العربي رسميا على الأمازيغية (وطبعا فهذا لن يحدث حتى لو سقطت الأرض على السماء أو سقطت السماء على الأرض).
5) تيفيناغ يجبر الناس على اللجوء إلى النص العربي والفرنسي
الشيء اللامتوقع في كل هذا هو أن الدفاع الأعمى عن تيفيناغ، فقط من أجل تيفيناغ، يفرز نتائج عكسية تماما على اللغة الأمازيغية.
فكما نعلم جميعا، لا يستطيع حوالي 99% من المغاربة قراءة العبارات المكتوبة بتيفيناغ، سواء كانوا ناطقين بالأمازيغية أو بالدارجة كلغتهم الأم. إذن، ماذا تتوقعون أن يفعل المواطنون المغاربة العاديون حينما يجدون أنفسهم أمام ملصقات أو لافتات أو لوحات ثلاثية اللغة متكونة من عبارة بالعربية (بالحرف العربي) وعبارة بالفرنسية (بالحرف اللاتيني) وعبارة بالأمازيغية بحرف تيفيناغ؟ هل سيهرولون فورا إلى المكتبات لشراء الكتب لتعلم تيفيناغ؟ لا، لن يفعلوا. إنهم سيتجاهلون تماما تلك العبارات المكتوبة بتيفيناغ وسيقرأون النص العربي المكتوب بالحرف العربي أو النص الفرنسي المكتوب بالحرف اللاتيني. ثم ينصرفون إلى أشغالهم أو يستمتعون ببقية يومهم. إذن ما منفعة تيفيناغ هنا؟ صفر على صفر. إنه موجود ولكن كأنه غير موجود. إنه ديكور.
ولكن لو كتبنا تلك الملصقة أو اللوحة أو اللافتة الأمازيغية بالحرف اللاتيني فستقرأه نسبة كبيرة من الأطفال والمراهقين والشباب والبالغين المتعلمين لأنهم يتقنون الحرف اللاتيني مسبقا. فإذا لم يكونوا ناطقين بالأمازيغية فسيستفيدون من الترجمة العربية أو الفرنسية لفهم تلك العبارة الأمازيغية التي قرأوها للتو. وسيتذكرون تلك العبارة الأمازيغية لأنهم نجحوا في قراءتها. فيحصل لديهم "تراكم معرفي" حول الأمازيغية. أما إذا كان هؤلاء الناس ناطقين بالأمازيغية كلغة أم، فسيتمكنون من قراءة وفهم تلك العبارة الأمازيغية بسهولة دون الاضطرار إلى الاستنجاد بالترجمة العربية أو الفرنسية.
إذن فباستعمال الحرف اللاتيني تصبح الأمازيغية ذات معنى اجتماعي وذات "نفوذ" في المجتمع لأنها "تنفذ" فعلا إلى العقول عبر الحرف اللاتيني المعروف، أي عبر "العُملة المقبولة" لدى الجمهور.
6) فكروا في "مول الطاكسي" و"مول الحانوت" و"البنّاي" والطالب الجامعي
في إحدى ملصقات الإحصاء نقرأ عبارة عربية بالحرف العربي (بحجم كبير)، وتحته عبارة أمازيغية بتيفيناغ (بحروف أصغر) على الشكل التالي:
"قيمة بلادنا سكانها"
ⴰⵜⵉⴳ ⵏ ⵜⵎⴰⵣⵉⵔⵜ ⵏⵏⵖ, ⵉⵎⵣⴷⴰⵖⵏ ⵏⵏⵙ ⴰⴷ ⵜ ⵉⴳⴰⵏ
في رأيكم، كم هي نسبة المغاربة الذين سيتمكنون من قراءة تلك العبارة الأمازيغية المكتوبة بحرف تيفيناغ؟ هل هي 1% أم 5% من مجموع المغاربة؟
هل سيستطيع "مول الطاكسي" و"مول الحانوت" و"البنّاي" و"مول الخضرة" والطالب الجامعي والموظف والبوليسي والميكانيكي قراءة العبارة التيفيناغية؟ لا. لن تستطيع غالبيتهم الساحقة ذلك.
ولكن إذا كتبنا نفس ذلك الملصق على هذا الشكل:
Atig n tmazirt nneɣ, imezdaɣen nnes ad t igan
"قيمة بلادنا سكانها"
ألن ترتفع بشكل انفجاري نسبة المغاربة المتعلمين القادرين على قراءة العبارة الأمازيغية على ذلك الملصق من 5% إلى 90% مثلا؟! ويستوي في ذلك الناطقون بالأمازيغية والناطقون بالدارجة، لأن جميع المتعلمين المغاربة يقرأون الحرف اللاتيني.
ألن يستطيع 60% أو 70% من "موالين الطاكسيات" و"موالين الحوانت" و"البنّاية" و"موالين الخضرة" وطلبة الجامعات والموظفين والبوليسيين والميكانيكيين قراءة العبارة الأمازيغية بالحرف اللاتيني على ذلك الملصق أو تلك اللوحة الإشهارية؟ ألن يكون ذلك الملصق التوعوي التحسيسي أكثر نجاحا وفعالية في توعية وتحسيس الجمهور؟
إذا كانت الملصقات موجهة إلى عامة الشعب، مثل العمال والطلبة والموظفين وربات البيوت والتجار والمعطلين والمشتغلين، فيجدر بنا أن نخاطبهم بالأمازيغية المكتوبة بالحرف الذي يتوفر فيه شرطان:
- أن يكون حرفا مناسبا للغة الأمازيغية ويكتبها بدقة وأمانة وجودة.
- أن يكون حرفا معروفا مسبقا وبشكل جيد لدى كل المواطنين المخاطَبين.
هذان الشرطان متوفران مَعاً في الحرف اللاتيني وحده.
فالحرف العربي معروف جيدا لدى كل المتعلمين من الشعب المغربي ولكنه حرف لا يناسب الأمازيغية كثيرا ويكتبها بشكل ناقص وسيء. أما حرف تيفيناغ فهو يكتب الأمازيغية بدقة وأمانة وجودة مساوية للحرف اللاتيني، ولكن تيفيناغ مجهول من طرف 99% من المغاربة المتعلمين المراهقين والطلبة والشباب والبالغين.
إذن، إذا أرادت المندوبية السامية للتخطيط، وغيرها من مؤسسات الدولة والشركات التجارية، أن توصل رسائلها وأفكارها ومعلوماتها وملصقاتها الإشهارية والتوعوية إلى المواطنين المغاربة الناطقين بالأمازيغية فالحرف اللاتيني هو الأحسن والأفضل لبلوغ أحسن النتائج وأعلى المردوديات.
7) الحرف اللاتيني: الدواء الناجع الفعال والوحيد للمرض، ولكن لا أحد يريده!
كل هذه الحقائق المنطقية والبديهية معروفة جيدا لدى مناضلي الأمازيغية. ولكنهم يُحجمون عن الاعتراف العلني بها، ويفضل العديد منهم تضييع الوقت في لعبة الهروب إلى الأمام وشد الحبل ودفن الرأس في الرمال، وهي سلوكات لن تنفع الأمازيغية إطلاقا بل ستضرها أشد الضرر.
الحرف اللاتيني هو الدواء الناجع لهذا المشكل / المرض. ولكن ناشطي الأمازيغية لم يعودوا يريدونه. بل إن العديد منهم أصبحوا يرفضونه أو ينكرون وجوده كحل معقول ويستبعدونه تماما من مجال تفكيرهم ونضالهم.
وقد أصبح العديد من نشطاء الأمازيغية متفقين ضمنيا مع الإسلاميين والعروبيين في استبعاد كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني والتظاهر بأنه غير موجود، رغم أنه هو الحرف الأكثر نفوذا والأقوى وجودا بالمغرب، وهو الذي يطيل ويديم هيمنة الفرنسية على المغرب بسبب احتكارها له.
الأبجدية اللاتينية الأمازيغية هذه: ABCČDḌEƐFGǦƔHḤIJKLMNOQRŘṚSṢTṬUWXYZẒ
هي التي ستنفع الأمازيغية في الوقت الراهن وتنشرها على أوسع نطاق. وحينما يرفض ويحارب الإسلاميون والعروبيون الحرف اللاتيني (فقط حينما يتعلق الأمر بالأمازيغية، مع قبولهم به مع الفرنسية) فهذا شيء منطقي يتوافق مع أغراضهم الأيديولوجية المعلومة.
أما حينما يرفض نشطاء الأمازيغية كتابة وتدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني، فهذا يدخل في باب الانتحار البطيء والإرادي.
8) هواية دفن الرأس في الرمال ستقضي على الأمازيغية
لا نعرف إلى متى سيبقى المدافعون عن الأمازيغية يمارسون هواية دفن الرأس في الرمال كالنعامة، بتجاهلهم لأهمية تدريس وكتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني. ولكن الشيء المؤكد هو أن المشكل التواصلي العملي الذي يطرحه حرف تيفيناغ وعقمه الاجتماعي والاقتصادي والإعلامي سيستمر في الظهور بأشكال مختلفة. وستستمر معه المعارك الإعلامية الدونكيشوتية العبثية حول هذه الملصقة وتلك اللافتة وذلك الحائط بينما الأمازيغية تتآكل وتموت بصمت.
يجب على المناضلين المدافعين عن الأمازيغية الاختيار بين شيئين:
- مواصلة المعارك الدونكيشوتية العبثية الاستنزافية مع مندوبية الإحصاء وبقية مؤسسات الدولة حول الجزئيات والتفاصيل وأعراض المرض متجاهلين المرض الحقيقي والمشكل الجوهري.
أو:
- معالجة المرض الحقيقي والمشكل الجوهري عبر تبني مطلب تعميم وتدريس وكتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني من أجل وضع هذه اللغة على سكة التقدم والرقي والانتشار بين شباب اليوم، مع الاحتفاظ بتيفيناغ في مجاله الرمزي والفني الذي يناسبه في الظروف الحالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.