فوزي لقجع نائب أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    توقيف شخص بتهمة الوشاية الكاذبة حول جريمة قتل وهمية    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بانتصار دراماتيكي على ريال مدريد    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    مراكش… توقيف شخص للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بإلحاق خسارة مادية بممتلكات خاصة وحيازة سلاح أبيض في ظروف تشكل خطرا على المواطنين.    بنكيران يتجنب التعليق على حرمان وفد "حماس" من "التأشيرة" لحضور مؤتمر حزبه    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    الرصاص يلعلع في مخيمات تندوف    قتلى في انفجار بميناء جنوب إيران    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    بنكيران: "العدالة والتنمية" يجمع مساهمات بقيمة مليون درهم في يومين    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    العثور على جثة بشاطئ العرائش يُرجح أنها للتلميذ المختفي    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    الجامعي: إننا أمام مفترق الطرق بل نسير إلى الوراء ومن الخطير أن يتضمن تغيير النصوص القانونية تراجعات    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    المغرب يرفع الرهان في "كان U20"    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة بالعيد الوطني لبلادها    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزولاي: اليهودية ليست قطيعة.. بل إنصات للآخر
نشر في هسبريس يوم 04 - 10 - 2010

يشكل مستشار العاهل المغربي اندريه ازولاي حالة استثنائية في العالم العربي والإسلامي، فهو المغربي اليهودي الوحيد، الذي ينتمي إلى المربع الذهبي للحكم في المغرب منذ عشرين سنة. هذا الاستثناء لم يكن من قبيل الصدفة، فإلى جانب دوره الأساسي كرجل اقتصاد، انخرط اندريه ازولاي باكرا في معركة حوار الحضارات والأديان، فأسس في مطلع السبعينيات الماضية جمعية "هوية وحوار" في باريس التي كانت أول جمعية تضم النخبة اليهودية المنادية بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل. كما يشغل ازولاي عدة مهام دولية وأممية في مجال الحوار والتقارب بين الحضارات ويرأس منذ 2008 مؤسسة آنا ليند الأورومتوسطية.
السيد اندريه ازولاي، ستشارك في لقاء عن حوار الحضارات والثقافات في إطار المؤتمر الدولي الذي سيعقده موقع قنطرة العالمي للحوار مع العالم الإسلامي الشهر القادم في برلين. أي رهان لديكم حول هذه المشاركة؟
ازولاي: إن المعركة من أجل الحوار بين الحضارات وتقارب الديانات هي معركة حياتي، التي بدأت منذ نصف قرن تقريبا، وربما لن يتأتى لي أن أحضر نهاية هذه المعركة لأرى الانتصار الذي سيتحقق فيها، لكن هذا الالتزام هو تحدي حياتي.أنا اليوم منخرط في هذه المعركة أكثر من السابق،إذ تراجع العالم للأسف و فقد بوصلة العقل. لم أتصور قطّ في حياتي أننا سنواجه نظريات صراع الحضارات وصدام الديانات.إن حضارتي كمغربي عربي ذي عقيدة يهودية لا تعبر عن الصدام و لا تعبر عن الرفض، بل بالعكس هي تعبر عن الانفتاح، وعن اللقاء. ليست ديانتي ديانة قطيعة، بل هي ديانة الإنصات للآخر، ديانة التشارك و التضامن مع الديانات السماوية الأخرى. يمكن أن نتضرع إلى الله بلغة مختلفة انطلاقا من كتاب سماوي مختلف، لكن في النهاية يبقى الإله إلها واحدا.
هكذا لقنني معلمي والحاخام ديانتي في مدينة "الصويرة". كانت التعاليم التي تلقيتها تقضي بأن ديانتي اليهودية لا يمكنها أن توجد إلا متعالقة مع نظرتي للآخر الذي هو جاري المسلم. كنا نقتسم مع بعضنا البعض تفكيرا روحيا يحمل نفس المبادئ. وهذا كنز أعطاه لنا المغرب وأتقاسمه مع مواطنيّ المغاربة. وبالتالي العالم يحتاج لمعرفة هذا النموذج المغربي.فالعالم أخذنا -نحن المؤمنين- كرهائن،واستُعملت الديانات والثقافات كذرائع في ملفات سياسية للتهرب من إيجاد حلول حقيقية، فتم إقحام الله في معارك لا دخل له بها في الواقع.إذا كانت هذه المأساة موجودة في فلسطين، فليس لأن هناك صراعا بين الإسلام واليهودية، وإنما لأن هناك مشكلا سياسيا ينبغي أن يتوفر له حل سياسي.إن هؤلاء الذين يريدون التغطية على هذا المشكل بالحديث عن صدام وصراع الحضارات والديانات هم المسئولون عن هذا الوضع.
المعروف أنك، السيد المستشار، من المدافعين عن فكرة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل. كيف تنظر اليوم إلى هذا الملف في ظل التوترات السياسية الحالية،هل أنت متفائل ؟
ازولاي: أولا، لا أريد أن أستسلم، حتى الآن لم ينصفني الواقع. أناضل منذ نحو خمسين سنة من أجل دولة فلسطينية مستقلة. كمناضل يهودي كان لقائي الأول مع منظمة التحرير الفلسطينية عندما أسستُ جمعية "هوية وحوار" في باريس سنة 1973.في تلك الفترة، بالنسبة ليهودي من داخل المؤسسة اليهودية، وأؤكد على هذه الصفة، كان هذا اللقاء نوعا من "الخيانة العظمى"، فقد كان ينبغي على المرء أن يتنكر خلف نظارات سوداء وشاربين اصطناعيين لكي لا يتم التعرف عليه. لكنني مع أصدقائي في جمعية "هوية وحوار" كنا قد اتحدنا وأجمعنا على فكرة الدولة الفلسطينية .أذكر أن أول لقاء لي مع مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية كان سريا في شمال المغرب سنة 1973 ، وكان جلالة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله هو من رتبه.وفي نفس السنة، في طليطلة، التقيت بأبي مازن ( محمود عباس) مع مسؤولين آخرين.
إذاً نحن معا من قدماء المحاربين في جبهة السلام، والآن أنا أعرفه منذ ست وثلاثين سنة. منذئذ أرسينا هذا المنطق، دولة فلسطينية كاملة السيادة ، ناضجة لا دولة قاصرة ، دولة تتمتع بكل مقومات السيادة الدولية.حينها أذكر أني قلت : كيهودي، مادامت فلسطين في هذا الوضع فإن ديانتي اليهودية ستكون في خطر. كيهودي في متخيلي لا يمكن أن أقبل أن الآخر، الذي هو الفلسطيني، لا يتمتع بنفس الكرامة التي أتمتع بها، وبنفس الحرية و العدل و الواقع الاجتماعي والإنساني والثقافي الدولي الذي أتمتع به. قلت أيضا في ذلك الوقت إننا عندما نتكلم عن العدالة وعن الهوية وعن الكرامة وعن الحرية، لا يمكن أن نحقق كل ذلك بإيقاع سرعة مزدوج، ليست هناك كرامة لليهودي إذا لم تكن للفلسطيني كرامة أيضا وبنفس القوة. ليست هناك حرية ببعدين مختلفين ،الحرية واحدة.هذه المعركة رغم أنها لم تنته ستبقى معركتي إلى حين مماتي. هذا ملف ليس له حلول أو احتمالات أخرى، كل الحلول جُرّبت من الجانبين وكل أشكال المواجهة من حرب أو إرهاب و كل أوجه القوة فشلت ، إذن ينبغي أن نجرب الحل الذي لم يُجرب بعد.دولة فلسطينية كاملة الحقوق إلى جانب دولة إسرائيل التي تقبل أن ترى مستقبل أطفالها مشتركا مع مستقبل أطفال فلسطين .ليس لي شك في أن الأمر سيتحقق يوما ما، ربما غدا وليس بعد خمسين سنة .
من المعروف، أن الإسرائيليين المنحدرين من أصل مغربي يشكلون أكبر جالية من أصول عربية في إسرائيل. هل تعتقد أن المغرب يمكن أن يكون مؤثرا في القرار السياسي الإسرائيلي من خلال قوتهم الانتخابية؟
ازولاي: هناك الآن نحو مليون يهودي في العالم الذين يعتبرون المغرب وطنا لهم وفضاء تعمقت جذورهم فيه. في إسرائيل هناك نحو 600 ألف يهودي يُقرون بمغربيتهم. في كندا وفرنسا عددهم كبير جدا وفي أمريكا اللاتينية كذلك، حيث يقيم الملايين من اليهود المغاربة الذين هاجروا إلى هناك منذ حوالي قرنين من الزمن، لكن إذا ذهبت إلى بوينوس ايرس أو إلى ليما أو إلى مكسيكو...ستجدين لدى اليهود المغاربة، الذين غادر أجدادهم وآباؤهم المغرب منذ أجيال عديدة، نفس الرابط الحضاري المغربي، ونفس المرجعية الروحية،فضلا عن اللغة والموسيقى والطبخ و تقاليد الممارسة الدينية في البيعة...وما إلى ذلك، كلها لم تتغير. صديقي محمد العربي المساري، عندما كان سفيرا للمغرب في البرازيل، وصف الأمر جيدا عندما زار الجالية اليهودية المغربية المقيمة في بيليم على نهر الأمازون، عندما لاحظ أن هؤلاء اليهود الذين غادروا المغرب أواخر القرن الثامن عشر بداية القرن التاسع عشر تزوجوا بالهنود، لكن ليس المغاربة الذين صاروا هنودا نتيجة التصاهر،بل أن الهنود أنفسهم هم الذين صاروا مغاربة وتأثروا بالجالية المغربية اليهودية.
هذا مثال لأقول لك كيف أن الجالية اليهودية المغربية في أي مكان في العالم هي جالية غنية وقوية بمغربيتها.هذا الأمر استثناء في تاريخ اليهودية في العالم وامتياز أيضا. هؤلاء اليهود المغاربة في البرازيل مثلا لا يقومون بتلك الأمور إرضاء لنا أو لأنهم سيتقدمون للانتخابات كمغاربة، لكنهم يقومون بذلك لأنهم يريدونه، ويقومون به عفويا دون أن يطلب منهم أحد ذلك. إذ أن توازنهم في تمسكهم بتراثهم وجذورهم جيلا بعد جيل.الأمر كذلك ينطبق على اليهود المغاربة في إسرائيل أو في أمريكا أو في فرنسا... ينبغي إذن أن ننظر إلى المسألة نظرة عامة وشاملة، وينبغي أن يخلق هذا الأمر اتحادا من اجل السلام، ومن اجل التسامح بين المسلمين واليهود. والمغرب هو الفضاء الأكثر شرعية والأكثر استعدادا لهذا الأمر.
السيد اندريه ازولاي، تتميز شخصيا بوضع استثنائي في العالم العربي والإسلامي، فأنت المغربي اليهودي الوحيد الموجود في المربع الذهبي للحكم في المغرب كمستشار للعاهل المغربي ، كيف تنظر إلى رمزية هذه المسألة؟
أزولاي: مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" مشروع لا ينبغي أن نحكم عليه بعد سنتين أو حتى عشر سنوات.هذا مشروع للتاريخ" ازولاي: أولا اشكر بلدي و وملكي و طائفتي على هذا الامتياز وهذه المسؤولية.هذه إشارة حداثة وإنسانية وسمو يبعث بها المغرب إلى الآخرين،لأنني، كما قلتِ عن حق، أنا الوحيد فعلا. أنتمي إلى نادٍ متميز وانتقائي جدا،لأني في النهاية أنا العضو الوحيد المنتمي لهذا النادي. وهذا هو المغرب الكبير والمغرب الحقيقي. و لا أنسى أنه على مقربة منا قبل نحو ستين سنة لا أكثر كانت هناك بربرية نازية أوروبية مسيحية. وكانت الرسالة الوحيدة المسموعة التي انتصرت للكرامة الإنسانية والتضامن في هذه المنطقة من العالم قد انطلقت من المغرب. أنا لست فاقدا للذاكرة، هذا تاريخي، وقبل أكثر من خمسة قرون كذلك تعرض اليهود والمسلمون معا لمحاكم التفتيش في اسبانيا وحتى فوق أراضينا. فأسسنا معا فضاءات للضوء وللحياة، لنخلق نهضة حقيقية علمية وفلسفية وأدبية وطبية... اتحد أسلافنا اليهود والمسلمون سويا لمقاومة محاكم التفتيش.هذا لا يعني أن جميع المسيحيين آنذاك كانوا إلى جانب تلك المحاكم أو إلى جانب النازية، لكني أعني ببساطة أن اليهودية و الإسلام استطاعا معا أن يخلقا تقاربا وتكاملا جعلهما معا يحققان أشياء استثنائية في تاريخنا.وأنا لا أريد أن أفقد شيئا من هذا التاريخ أو أقتطع أي صفحة منه.كما لا أريد أن تظل أي صفحة بيضاء فارغة. ينبغي أن ندون كل ذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى.
السيد اندريه ازولاي، تترأس مؤسسة "آنا ليند الأورومتوسطية " للحوار والتقريب بين الثقافات، ما هي الخطوات التي تتبعونها لإنجاح دور المؤسسة في التقريب بين الثقافات المختلفة؟
ازولاي: أولا ينبغي الإشارة إلى أني انتخبت رئيسا لمؤسسة "آنا ليند" كمشرح لجامعة الدول العربية، وكانت المرة الأولى في تاريخ الجامعة أن انتخب عربي يهودي لشغل منصب على رأس مؤسسة عالمية.وهذه كذلك إحدى الإشارات المغربية التي تحدثت عنها قبل قليل،أي دولة عربية يمكن أن تفعل الشيء نفسه؟ مؤسسة" آنا ليند" أسست حتى يتم تشارك مشاريع و برامج و مكتسبات الشراكة الأورومتوسطية مع مؤسسات المجتمع المدني التابعة لدول بلدان الاتحاد الأوروبي والبلدان الشريكة الأخرى، وحتى لا تبقى هذه الشراكة خاضعة فقط لبنية دبلوماسية أو اقتصادية و حتى يكون لها شرعية في بلداننا. زيادة على مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" المقدم من طرف فرنسا ومصر والذي لقي قبولا عند باقي الدول الأخرى واشتركوا جميعا في هذا المنظور الاتحادي، فكانت خطوة تاريخية واقعية.
مؤسسة "آنا ليند" أهدافها تتجلى في جعل 750 مليون شخص المنتمين لحوض البحر الأبيض المتوسط واعين بالتحديات المشتركة وبالصعوبات. ولكي لا يبقى هذا الاتحاد حبيس مكاتب الوزراء، كان الرهان على جمعيات المجتمع المدني.هذه مهمتنا في المؤسسة، و حوار الثقافات الذي نشتغل عليه يساهم في تحقيق هذا الهدف، فالثقافة ليست هي تشارك البعد الفني فقط ، فدورها لا يمكن تعويضه في إطار تغيير العقليات والتصورات.لا أجد شيئا أقوى من الثقافة لتحقيق هذه النهضة.
تحدثت السيد المستشار، عن مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" هل تعتقد أنه بعد سنتين من إطلاق هذا المشروع تحققت بعض من أهدافه المنشودة؟
ازولاي: هذا مشروع لا ينبغي أن نحكم عليه بعد سنتين أو حتى عشر سنوات.هذا مشروع للتاريخ. ما يهمني أن لا تتغير المكتسبات ،خطونا خطوة كبرى وسمينا الأشياء بأسمائها،فمن قبل لم يكن أحد يجرؤ على أن يقول كلمة " اتحاد" لكننا قلناها. كنت أعرف أن أهداف المشروع ستأخذ وقتا طويلا.هذا مشروع للتاريخ وللغد وينبغي فهمه والاشتغال عليه بمنظور المدة الزمنية الطويلة، إذا استغرق هذا المشروع عشرين سنة فهذا أمر لا يزعجني ، ما يهمني أكثر هو أن يستمر المشروع و أن لا نقول " إن المشروع لا يتقدم إذاً ينبغي أن نغير قواعد اللعبة و لنشتغل على مشاريع أسرع" .هذا ليس هو الاتحاد. الاتحاد هو رؤية الاجتماع حول مبادئ نتقاسمها وينبغي أن نعطيها وقتا أكثر لتنجح. أنا صبور و واثق من نجاح المشروع مع الوقت ولا ينبغي لنا أن نغير خارطة الطريق.
السيد اندريه ازولاي، تترأس جمعية " موكادور" الثقافية التي تشرف على مهرجانات موسيقية وثقافية في مدينة الصويرة. هل تراهن على الثقافة والإبداع في التقريب بين الديانات الثلاث وبين الحضارات المختلفة؟
ازولاي: لدي حب وغيرة صادقان على مدينة الصويرة التي أعطتني الكثير، وأعتبرها مكانا متميزا في تاريخها والقيم المحددة لهويتها منذ نشأتها.إنها مدينة مليئة برمزيات الحداثة وقبول الآخر.في الصويرة، هناك أحجار قديمة كل حجر صغير منها يمكن أن يحكي لكم قصة كبيرة.عاشت المدينة فترة من التهميش والإهمال، تقريبا كانت ممحوة، وقبل أعوام اجتمعنا لنعيد لهذه المدينة بريقها. المدينة غنية بتراثها وبكل تعبيراتها الموسيقية والأدبية والتشكيلية ،أستحضر على سبيل المثال الكاتب ادمون عمران المليح وآخرين كثر. كما أن الرسم التشكيلي حاضر بقوة في أروقة كثيرة للفن الحديث الرائع الجريء. فصارت للمدينة قيمة كبرى ومرجعية في معنى التشارك مع الآخر.ليس من قبيل الصدفة أن أول مهرجان أنشأناه كان مهرجان "كناوة "(موسيقى تقليدية مغربية روحانية ذات جذور افريقية). حينها اعتبر الكثيرون أننا مجانين .قد لا تتصورين كيف كان ينظر العديد من الناس نظرة احتقار لفن "كناوة" قبل وجود هذا المهرجان، واعتبروها مجرد موسيقى للعبيد !نحن أعدنا الاعتبار لهذا الفن ،لهذا الجزء من ثقافتنا بل لهذا الجزء من كياننا، فكل واحد منا فيه شيء من "كناوة"، أنا كذلك كناوي .
لقد أعطى هذا المهرجان منذ أول دورة جوابا لكل المشككين فيه. السنة الماضية وصلنا إلى الدورة 13 من المهرجان وحوالي 500 ألف من الحضور.صار المهرجان قويا إلى درجة أن الناس اعتقدوا أن مدينة "الصويرة" ليس فيها سوى " كناوة" .لذلك خلقنا مهرجانات أخرى كمهرجان الغناء والأوبرا وصار هذا المهرجان كذلك موعدا مطلوبا ومعروفا لدى كل المولعين بهذا النوع من الموسيقى ،إضافة إلى مهرجان الموسيقى الأندلسية الاطلنتيكية حيث تغنى فيه الأغاني التي اشترك في إنتاجها المسلمون واليهود معا وهو ما يسمى" المطروز".هذا أيضا جزء من ثقافتي وثرائها وتنوعها فانا أحب الموسيقار الكلاسيكي مالر والمعلم "الكناوي" محمود غينيا وأم كلثوم...لذلك خلقنا من هذه المدينة سفينة أميرالية تحتوي على كل رموز الحداثة وتلاقي كل الحساسيات الموسيقية والتعبيرات الثقافية.اليوم هناك سبع مهرجانات موسيقية في "الصويرة" وأنا فخور بذلك وسعيد جدا.
السيد المستشار، كيف تقيم دور الإعلام الذي يساهم في نشر ثقافة التسامح وخلق حوار بين الثقافات. يمكن أن أستحضر هنا على سبيل المثال موقع "قنطرة" ؟
ازولاي: أود أن أشكركم على عملكم وأشجعكم أيضا، فهذه المرة الثانية التي أشارك فيها معكم بحوار. وأشكر مؤسسة دويتشه فيله التي يصل صوتها إلى العالم كله نظرا لاعتمادها على الانتشار بلغات كثيرة ومتعددة سواء منها الألمانية أو العربية أو الفرنسية أو الانجليزية أو الروسية ولغات أخرى...وهذا أمر مهم جدا. و أنا أحلم أن يكون في بلدي المغرب يوما ما مؤسسة بهذا الخيار وبهذا البعد. أتمنى كذلك أن يجد انشغالي بالحوار بين الثقافات والتقريب بين الديانات والبحث عن سلام كريم في الشرق الأوسط صداه، فيكتمل ويصير مفهوما لدينا ومستوعبا كما تم استيعابه من طرف المنتظم الدولي.
* موقع قنطرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.