عندما كتبت الصحافية الفرنسية «ماريا تيريز»، المعروفة أكثر باسم نادية صلاح، أن مدينة الصويرة نسيها الله إلى أن جاء إليها «أندريه أزولاي» وأنقذها من النسيان، فقد كانت تتحدث ضمنيا عن مشروع مجموعة «أكور» الكبير الذي سماه أصحابه «موغادور» أسوة بالاسم القديم للمدينة، وكان أزولاي وراء مجيء أصحابه إلى مدينة الرياح، والذي يعاني اليوم من مصاعب مالية كثيرة تؤخر تسليمه مفاتيح فنادقه وفيلاته وشققه الفاخرة المبنية فوق الهضبة الغابوية المطلة على المحيط. عندما جاءت الشركة الإسبانية GCP سنة 2007 بمشروع ضخم لتهيئة شاطئ «تافدنة» بنواحي الصويرة بغلاف استثماري قدره 700 مليون من العملة الصعبة التي تعهدت الشركة بجلبها كاملة إلى المغرب، عبر «أندريه أزولاي» عن تبنيه للمشروع الذي سيضمن خلق 20 ألف منصب شغل في منطقة تعاني من الفقر والبطالة. لكنه، وبعد ثلاث سنوات من التماطل، سينجح في خلق مسافة بينه وبين هذا المشروع الذي أتى لكي يزاحم مشروع أصدقائه الفرنسيين الذي شيد تصميمه المالي على القروض التي أخذها من البنوك المغربية. لكي نفهم سر العلاقة بين رجل الصويرة القوي، «أندريه أزولاي»، وبين مجموعة «أكور» الفرنسية، وتحكم هذا الأخير في الاستثمارات الأجنبية التي تأتي بها «الرياح» إلى الصويرة، يجب أن نعود سنوات إلى الخلف. وبالضبط قبل أن ينادي الراحل الحسن الثاني على البنكي «أزولاي» لكي يشتغل إلى جانبه كمستشار في الشؤون الاقتصادية، أي في الوقت الذي كان يشغل فيه «أزولاي» منصب موظف في بنك «باري با»، وهو البنك الذي اشتغل فيه منذ 1967 إلى حدود 1991. خلال هذه المدة، استطاع «أزولاي» أن ينسج علاقة قوية مع «جيل بيليسون»، المدير الحالي لمجموعة فنادق «أكور» الدولية. كان «أزولاي» داخل البنك الباريسي مكلفا بالشؤون العامة، وكان يغطي شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبمجر ما جلب «روبير أصراف» إلى الحسن الثاني من باريس مستشارا اسمه «أندريه أزولاي»، وهي الالتفاتة التي سيندم عليها «أصراف» كثيرا فيما بعد، تحركت الحرارة في خيوط الهاتف بين «أزولاي» وصديقه القديم «جيل بيليسون»، مدير مجموعة «أكور». وبفضل تدخل أزولاي» الشخصي، تم استقبال «جيل بيليسون» من طرف الحسن الثاني، وعبر «جاك شيراك» عن سعادته بكون الفاعل الفندقي الفرنسي الكبير سيفتح سلسلة فنادق في المغرب. فبدأت شركة «أكور» في اقتناء سلسلة فنادق «مسافر» من السكك الحديدية، واشترت «قصر الجامعي» بفاس، وكان هدفها المعلن هو الوصول إلى 7000 غرفة، مستفيدة من التسهيلات الضريبية والجمركية التي فاوض بشأنها «أزولاي» السلطات المغربية لصالح الشركة الفرنسية. طبعا، لم يكن هدف «أزولاي» هو الإبقاء على استثمارات «أكور» الفندقية محصورة في المدن المغربية الكبرى كفاس ومراكش والرباط والدار البيضاء، وإنما كان يهدف إلى جر المجموعة الفرنسية نحو مدينة الرياح، والتي لم تكن أبدا ضمن مخططات المجموعة. ومن هنا، نشأ مشروع «موغادور» الذي وصل غلافه المالي إلى 400 مليون دولار، والذي يتضمن مشاريع لبناء عشرين فندقا و600 فيلا ورياض تصل طاقتها الاستيعابية إلى 9000 سرير، وهو المشروع الذي تمتلك فيه شركة «ريسما» -الذراع المالية لمجموعة «أكور» بقيادة أمين العلمي، صاحب رؤية المخطط الأزرق صحبة عادل الدويري- حوالي 40 في المائة. قبل وصول المستثمر الفرنسي «جيل بيليسون» إلى الصويرة، لم تكن أي واحدة من شركات الطيران تفكر في استغلال هذه الوجهة. لكن «جيل بيليسون» وعد صديقه «أزولاي» بالتدخل لدى المسؤولين عن النقل الجوي الفرنسي من أجل إنشاء خط يربط باريس بالمدينة، فيما تكفل «أزولاي» ببحث الجانب التسويقي للعملية مع شركات الطيران الدولية الراغبة في استغلال هذه الوجهة. ومنذ افتتاح فندق «صوفيتيل» سنة 2001 من طرف شركة «ريسما»، الذراع المالية لمجموعة «أكور» الفرنسية، ظل هذا الفندق يشكل «ملجأ» لضيوف المهرجانات المتعددة التي خلقتها جمعية «أزولاي» على مدار السنة. قليلون هم الذين يعرفون أن «أندريه أزولاي» لديه أخ اسمه «مارسيل أزولاي» يدير فندقا في الصويرة. بعد فتح «صوفيتيل» من طرف «أكور»، وبدء النشاط السياحي المرتبط بالمهرجانات التي تنظمها جمعية «أزولاي»، سيعرف فندق «مارسيل» بعض الانتعاش، خصوصا بعدما مد إليه «مارك تيبون»، مدير «أكور المغرب»، يد المساعدة بمده ببعض الزبائن، و«علمه» فنون حرفة السياحة الفندقية التي جاء إليها «مارسيل» من البطالة الباريسية. المشكلة هي أن «مارسيل أزولاي» قرر أن يكبر وأن ينوع من نشاطاته الاستثمارية، فبدأ يقدم نفسه كمستشار متخصص في مرافقة المستثمرين الأجانب بالنصائح التي يحتاجونها لوضع استثماراتهم فوق السكة الصحيحة. وهكذا فجأة أصبح نطق اسم «مارسيل أزولاي» كافيا لإخافة المسؤولين في مدينة الرياح. فالجميع يعرف أن «مارسيل» ليس سوى «فزاعة» يختفي وراءها أخوه «أندريه أزولاي»، الذي يعتبر مدينة الصويرة مملكة خاصة به لا يستطيع أن يدخلها أي مستثمر بدون مباركته. الصويريون جميعهم يتندرون بحكاية ذلك المستثمر الفرنسي الذي استطاع الحصول، بمعجزة، على رخصة لتشييد مطعمه على شكل «كابانو» أمام البحر، في تحد صارخ للقانون. وعندما خاف المسؤولون عن التعمير بالصويرة على وظائفهم بسبب زيارة لجنة تفتيش مفاجئة من الرباط، قرروا، في البداية، طرد الأجنبي من الصويرة وتدمير مطعمه. لكن الجواب جاءهم على شكل تهديد مبطن يطلب منهم ترك الفرنسي «طرانكيل». فأحد الأرقام التي يتوفر عليها «مسيو سيباستيان» في مفكرة هاتفه هو رقم «أندريه أزولاي». وهكذا تراجع العامل عن قراره وترك شاطئ البحر مستباحا أمام هذا الأجنبي الذي انفتحت شهيته لفتح مطاعم أخرى على نفس الشاكلة. رجال السلطة في الصويرة يوجدون بين نارين، عندما يطبقون القانون فإنهم يضعون أنفسهم أمام مرمى نيران أصدقاء «أزولاي» وأخيه «مارسيل». وعندما يطبقون تعليمات الأخوين ونزوات أصدقائهما الأجانب فإنهم يضعون أنفسهم أمام نيران وزارة الداخلية. وعندما بدأ العامل السابق للصويرة، عبد السلام بيكرات، يعترض على بعض مشاريع وتراخيص مقربين من «أزولاي» خوفا من أن تجلب عليه شكايات المواطنين عقوبات إدارته المركزية، وجد نفسه فجأة في ورزازات بعد مكالمة قصيرة من «أزولاي» إلى صديقه شكيب بنموسى، والذي لم يتردد في وضع عامل الصويرة ضمن لائحة العمال الذين ستشملهم الحملة الانتقالية لسنة 2009. ومكان عبد السلام بيكرات، جلب «أزولاي» إلى الصويرة عاملا جديدا اسمه نبيل خروبي، اقترحه عليه صديقه وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى بعد أن «عثر» عليه هذا الأخير في أحد مكاتب المركز الجهوي للاستثمار في الرباط. بالنسبة إلى العامل الجديد القادم من عالم الاستثمار، فالأوامر التي يتلقاها من «مارسيل أزولاي» تفوق، من حيث الأهمية، الأوامر التي يتلقاها من وزير الداخلية، فهو يستطيع أن يتصل به على هاتفه الشخصي لكي يطلب منه تحديد موعد لصالح مستثمرين يشتغل معهم كمستشار مقابل عمولات تصل أحيانا إلى 40 ألف درهم في الشهر. وهذه العمولة بالضبط هي التي ظل يتقاضاها «مارسيل أزولاي» من فرع شركة GCP الإسبانية التي أرادت أن تستثمر 700 مليار سنتيم في الصويرة، وظل العامل نبيل خروبي والسيجلماسي، مدير الوكالة المغربية لإدارة الاستثمار، ومدام تيبة، مديرة الشباك الوحيد للاستثمار بمراكش، يماطلون في منحها تراخيص البناء. وقد وصل المبلغ الذي حصل عليه «مارسيل أزولاي» من الشركة الإسبانية إلى حوالي 100 مليون سنتيم في ظرف ثلاث سنوات قضاها كمستشار إلى جانبهم يضرب لهم المواعيد «الخاوية»، ويعدهم باستعمال كل ما في وسعه من «سلطات» للحصول على التوقيعات المرجوة لبدء الأشغال. والمصيبة الكبرى هي أن الشركة التي ظل يقدم عبرها «مارسيل أزولاي» خدماته إلى الإسبان غير موجودة على أرض الواقع. بمعنى أن الدولة لن تستطيع اقتطاع ضرائبها من أرباح «الأخ». السؤال المطروح الآن هو لصالح من تتم عرقلة مشروع سياحي ضخم سيخلق 20 ألف منصب شغل، وسيتكفل ب150 عائلة من عائلات الصيادين عبر بناء قرية لها. كما سيتكفل أصحاب المشروع ببناء 14 كلم من الطريق وسد وبركة لتصفية المياه ومحطة كهربائية ومحطة لتصفية المياه العادمة ومحطة لتصفية مياه البحر. كل هذا بغلاف مالي يتجاوز 6 ملايير سنتيم، علما بأن هذه البنيات التحتية كان يجب أن توفرها الدولة المغربية للمستثمر عوض العكس. قبل أسبوع، تحدثت كل الجرائد والمجلات المغربية عن خبر سحب جمهورية الدومينيكان لاعترافها بالبوليساريو. الخبر لا يمكن سوى أن يبعث على الفرح. لكن لا أحد تحدث عن جمهورية الدومينيكان التي أطلق فيها أمير موناكو ورئيس الشركة الإسبانية GCP منذ 2008 أشغال إنجاز مشروع مماثل لمشروعها السياحي المتوقف في الصويرة. لماذا انطلق المشروع السياحي لهؤلاء المستثمرين في جمهورية الدومينيكان، بينما غاص في كثبان الصويرة الرملية؟ لماذا دخلت خزينة الدومينيكان 450 مليون دولار في الشطر الأول من المشروع، وستدخل خزينتها 460 مليون دولار عند إنجاز الشطر الثاني، بينما خزينتنا تعاني من شح السيولة وتتعرض لنهب المستثمرين الجشعين الذين يأتون إلى المغرب بحقائبهم المليئة فقط بالسموكينغ وربطات العنق التي تسحر ألوانها عيون المسؤولين المغاربة؟ كلهم في الحكومة يعرفون الجواب، لكن لا أحد منهم يملك الجرأة لكي يتخذ القرار. «وبقاو حالين فامكم».