صُنفت مجلة «لوجورنال» خلال العشر سنوات الأولى من نشأتها في خانة الصحافة المستقلة، المدافعة عن التوجه الديمقراطي المناهض لكل ما هو مخزني في المغرب. كما لعبت أدوارا مهمة إبان بداية العهد الجديد. ومع صدور كتاب «محمد السادس : سوء الفهم الكبير»، لأحد مؤسسي المجلة، الصحافي علي عمار، تم الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها مؤسسو المجلة مع رموز دار المخزن ورجالات العهد الجديد. «المساء» تكشف أسرارا تنشر لأول مرة، من خلال سلسلة من الحوارات مع فعاليات ساهمت في تأسيس التجربة، وتعيد تجميع عناصر القصة الكاملة لمجلة اسمها «لوجورنال». إليكم التفاصيل... - لماذا لم تكن أسبوعية «لوجورنال» تولي اهتماما لفن الكاريكاتور؟ > لكون «لوجورنال» كانت مؤسسة إعلامية «جدية»، ولم يكن بوبكر الجامعي كبقية مدراء الجرائد الآخرين الذين كانوا يخصصون حيزا في صفحات جرائدهم لفن الكاريكاتور. في اعتقادي، لم يكن يلقي بالا لهذا الفن. - لكننا نلاحظ أن أغلب الجرائد والأسبوعيات المغربية تفضل أن تتصدر واجهاتِها رسومٌ كاريكاتورية؟ > بالفعل. وهنا أحس بفخر لكون «دومان» و«دومان ماعازين» كانتا السباقتين إلى هذا المجال في الإعلام المغربي. - يقولون إن الفنان الساخر أحمد السنوسي «بزيز» كانت له علاقة حميمية بأسبوعية «لوجورنال» خلال الفترة التي كنت ترأس فيها تحرير الأسبوعية الفرنسية؟ > أعتقد جازما أن بزيز ربطته وما زالت تربطه علاقات متينة بعدد من وسائل الإعلام المغربية. إنه فنان فريد من نوعه وشخصية عمومية معروفة، إضافة إلى كونه فنانا ساخرا ممنوعا من ممارسة فنه وإيصاله إلى الجمهور المغربي. وأريد أن أذكر هنا بأن الشخصية التي كانت الأكثر نشاطا في أسبوعيتي «دومان» و«دومان ماغازين» هي شخصية أحمد السنوسي. - هل صحيح أن أغلب الرسوم الكاريكاتورية لخالد كدار وللمرحوم سعيد أمين كانت تتجسد انطلاقا من أفكاركما؟ > إذا كنت أنا هو المسير والمدير المشرف على الأسبوعيتن فمن المنطقي أن أفكاري كانت تنعكس في الرسوم الكاريكاتورية لأسبوعيتيّ. - بصيغة أخرى، يشير البعض إلى أن خالد كدار كان مجرد رسام، وبمثابة «اليد العاملة» التي كانت ترسم وتخط أفكاركم الكاريكاتورية؟ > (يضحك). بالفعل، وإن كنت أفضل القول إنه كان عملا مشتركا بيني وبين أحمد السنوسي وخالد كدار والمرحوم سعيد أمين، وأيضا محمد حفيظ الذي كان لا زال لم يلتحق بعد بأسبوعية «الصحيفة». - هل كنت ما تزال تعمل كرئيس تحرير لمجلة «لوجورنال» عندما شنت هذه الأخيرة، رفقة بعض وسائل الإعلام الأخرى، «هجمة عنيفة» على الفنان الساخر أحمد السنوسي بعد تقديمه عرضا فنيا ساخرا بمسرح محمد الخامس سنة 2000، حيث قدم فيه لوحات فنية ساخرة تنتقد أندريه أزولاي؟ > لا، بل كنت وقتذاك مديرا لأسبوعية «دومان». - لكن، هل تعرف ما الذي حدث بالضبط؟ > ما حدث ببساطة هو أن أندريه أزولاي أجرى اتصالات متعددة مع وسائل الإعلام يزعم فيها أن السنوسي شخص معاد للسامية. - وهل اتصل أزولاي بك أنت أيضا ليشكوَ إليك بزيز؟ > أندريه أزولاي لم يكن يشكو إلي أبدا، بل كان دائما يشكوني إلى الآخرين. وحسب ما حكاه فاضل العراقي، المساهم الأول في «لوجورنال»، فإن أزولاي اتصل به هاتفيا وقال له: «يجب على الأسبوعية التي تحمل اسمك ألا تبقى مكتوفة الأيدي بخصوص ما ذكره بزيز في مسرح محمد الخامس، ويجب عليكم أن تقوموا برد فعل حيال ذلك». - وهل خضعت «لوجورنال» لتعليمات أزولاي؟ > كل من كانوا يريدون مغازلة أزولاي والتقرب منه هاجموا أحمد السنوسي «بزيز». خالد الجامعي كتب أن «السنوسي يستحق السجن»، وصحافي آخر كنت أنا من استقطبه وكونه تكوينا إعلاميا، وهو يونس العلمي، المدير الحالي لقناة «الرياضية»، كتب حماقة قارن فيها بزيز بسيلين. - هل يتعلق الأمر بسيلين الكاتب الفرنسي؟ > بالفعل، لوي فرديناند سيلين، أحد كبار الكتاب والأدباء الفرنسيين في القرن العشرين. فهذا الأديب كتب عدة مؤلفات ضد اليهود. لكن لا علاقة لها بما قاله السنوسي في مسرح محمد الخامس بالرباط، وهذا ما واجهت به العلمي حينها، سائلا إياه عن وجه الشبه بين الاثنين. - وأنت.. كيف كان رد فعلك في «دومان»؟ > قمت بما لم يقم به أحد من الزملاء الصحافيين. أعدت مشاهدة شريط فيديو العرض الفني الساخر كاملا. وأِؤكد لكم أن العرض الفني الساخر لا يتضمن أية إساءة إلى اليهود. - فلماذا، إذن، شُنت كل تلك الحملة الإعلامية ضد السنوسي؟ > أول من كتب ضد السنوسي تنفيذا لتعليمات أزولاي كانت هي نرجس الرغاي. فقد كتبت في يومية «البيان» بالفرنسية مقالا مصحوبا بافتتاحية عنيفة لنبيل بنعبد الله الذي كان يدير حينها «بيان اليوم» باللغتين العربية والفرنسية.. كان مقالا يتضمن اتهامات خطيرة في حق «بزيز». الغريب في الأمر أنني لما اتصلت بممثل مكتب الاتصال الإسرائيلي حينها بالرباط، غادي غولان، قائلا له: «إن العديد من الصحافيين يقولون إنكم وراء هذه الحملة الإعلامية الفظيعة ضد أحمد السنوسي»، أجابني بالقول: «أؤكد لك أن لا دخل لنا في هذا الموضوع»، بل أكثر من ذلك أنه كشف لي أن «كاتب أول مقال ضد أحمد السنوسي لم يكن حاضرا في العرض الساخر» لأنه «عندما اتصل به ليلة العرض كان مريضا، طريح الفراش». - يبدو الأمر غريبا نوعا ما، أليس كذلك؟ > بالضبط، فأنا شخصيا قرأت مقالا في الصفحة الأولى ليومية «البيان»، حينما كانت تحت إدارة نبيل بنعبد الله، يكيل فيه روبير أسراف اتهامات خطيرة لأندريه أزولاي، ورغم ذاك لم تشن أية حملة إعلامية ضد روبير أسراف ولا ضد نبيل بنعبد الله ولا ضد يوميته. كما سبق لي أن حضرت، كصحافي، مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية، واندهشت لما رأيت أنصار نبيل بنعبد الله واسماعيل العلوي يهتفون ويصرخون في المؤتمر قائلين صوتوا على «الشريف»، أي اسماعيل العلوي، ولا تصوتوا على «اليهودي» سيمون ليفي. - هل «لوجورنال» و«البيان» هما الجريدتان الوحيدتان اللتان شنتا حملة إعلامية ضد «بزيز»؟ > بل أخطر من ذلك، فحتى يومية «الاتحاد الاشتراكي» دخلت بدورها في «المعمعة». فعبد الرحمان اليوسفي، الذي كان حينها وزيرا أول ومديرا لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، ومستشاره الأول أحمد الحليمي حرضا أحد الصحافيين على كتابة افتتاحية عنيفة بدون توقيع ضد «بزيز»، وهي الافتتاحية التي تم نشرها على صدر الصفحة الأولى، مما جعل أحمد السنوسي يتخوف على سلامته الجسدية وعلى حياته، كما ألغى عرضا فنيا ساخرا له كان من المرتقب أن يعرض في مسرح «لي بوف دي نور» بباريس، وذلك بعد توصله بمكالمات هاتفية تهدده بالقتل في حال سفره إلى فرنسا. - وكيف توصلت إلى أن عبد الرحمان اليوسفي هو من كان وراء ذلك؟ > عندما توجه محمد حفيط، ككاتب عام للشبيبة الاتحادية ومدير لأسبوعية «النشرة»، إلى عبد الرحمان اليوسفي يحتج على نشر الافتتاحية غير المنصفة في حق بزيز، أجابه (المناضل الأكبر) اليوسفي بالقول: «لقد جاءتني تعليمات من فوق». وعندما قرر حفيظ نشر مضامين شريط عرض السنوسي الساخر ليبين للرأي العام أن السنوسي لم يقل شيئا ضد اليهود، قام اليوسفي بمنع النشرة من الطبع.