تخرّجت المصرية سوسن حسني محمود من جامعة الأزهر حيث كانت ضمن الدفعة الأولى من الفتيات اللاتي درسن في هذه الجامعة الدينيّة العريقة. ثم حصلت على الماجستير في اللغة العربية وآدابها ثم الدكتوراه في علم اللّغة التطبيقي. وقد عملت في حقل تعليم اللغة العربية على مدى أربعة عقود من الزمان، وذلك في مصر، والإمارات العربية، والسودان، والصين، ونيوزيلندا، وأخيرا في بريطانيا. وعملت خبيرة لغوية في الجامعات الصينية لأكثر من عقد من الزمان، ورئيسة لقسم اللغة العربية في كليات اللغات الأجنبية بجامعة كانتربري في نيوزيلندا. كتبت سوسن عن البهائية ونشرت عدداً من الدراسات حولها، وقد اقترح البهائيون المغاربة الذين التقينا معهم، إجراء حوار معها، لمعرفتها الدقيق بهذا المجال. يؤكد الإسلام أن الرسول محمد هو آخر الرسل، ولا يمكن أن يأتي رسول بعده، وبالتالي كيف يمكن مخالفة هذا التأكيد الذي ورد في الديانة الإسلامية؟ في الحقيقة فإن هذا الموضوع مثار للجدال ليس لأصحاب الدين الإسلامي فحسب، بل أيضا لأصحاب الديانات الأخرى فكل يدعي بأن رسوله هو آخر الرسل ودينه هو الخاتم علما بأن الآية الوحيدة في القرآن الكريم التي جاءت فيها كلمة "خاتَم" وهي بفتح التاء كانت هي الآية 40 من سورة الأحزاب:"مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا". وهذه الآية جاءت في سياق الحديث عن مكانة الرسول (ص) وردا على اليهود الذين أشاعوا بأن زيد سيرث النبوة من محمد (ص) كما كان يحدث في الديانة اليهودية بأن يتوارث الأبناء النبوة، وبالإضافة إلى ذلك إبطال عادة جاهلية وهي أن الابن المتبنّى يرث مثله في ذلك مثل الابن المولود. في الآية التالية من سورة غافر على سبيل المثال ما يؤكد أن ادعاء الختم هذا موجود في كل أمة:"وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ". فدائما وأبدا يقابل المبعوث الإلهيّ التالي بالتكذيب والتشكيك ففي هذه الآية كانت الرسالة الجديدة تتمثّل في ظهور موسى عليه السلام، وهنا ادعى قوم يوسف بأنّه هو خاتم المرسلين وذلك إمعانا في تكذيب الرسول الآتي من الله. لذا فعلينا أن نتأمّل في الرّدّ الإلهيّ ببطلان هذا الادّعاء الجائر بإغلاق أبواب الرحمة الإلهية، مؤكدا على أنّ هذا هو طريق الضلال الذي يهيم فيه كلّ مسرف في الأوهام ومغال في الظنون التي ليس لها أساس من الصحّة. لذا فهناك حقيقة أساسيّة هي أنّ كلّ رسول كان شاهدا على من جاء من قبله، وكان مبشرا بمن سيأتي من بعده، وكان نذيرا لأمّته من عاقبة التكذيب بمن يظهره الله في حينه ووقته. هذه التحذيرات التي لم يبخل بها رسول من الرسل على قومه حماية لهم، وحتّى لا يجادلوا في آيات الله بغير سلطان أتاهم. يعاب عليكم أنكم لا تشاركون في المسائل السياسية وتبتعدون عن كل ما يمكن أن يحقق تغييراً سياسيا، وهناك من يقول إنكم لم يساندوا الثورات العربية بحيث تحرصون بشكل كبير على الاستقرار حتى ولو كان بدون حرية، كيف ترّدين؟ إن المشاركة في الأمور السياسية بشكلها الحالي لن يجلب للعالم السلام والاستقرار، بل كما ترى فإن شقة الخلاف تزداد يوما بعد يوم، وشبح الحروب يقترب شيئا فشيئا، لذا فإن من أبرز مبادئ الدين البهائي الوحدة الكامنة وراء جميع الأديان، والتحري عن الحقيقة تحريًا مستقلا دون تقيد بالخرافات أو التقاليد، والتبرّؤ من كل ألوان التعصب الجنسي والديني والطبقي والقومي. ويسعى البهائيون لتطبيق هذه المبادئ على مستوى القاعدة فقاموا بإعداد برامج للتقوية الروحانية والأخلاقية موجّهة نحو فئات عمريّة مختلفة، فيقدّمون للأطفال دروسًا تنمّي مواهبهم وقدراتهم الروحانية وتغرس في نفوسهم الأخلاق الحميدة النبيلة التي سيشبّون عليها، ويوفرون برامج لصغار الشباب لمساعدتهم على تشكيل هوية خلقية قوية، ويسعدون كذلك لتأسيس روابط صداقة لا تقيم وزنا للحواجز الاجتماعية السائدة. كما تنهمك الجامعات البهائيّة في سائر أرجاء العالم في نشاطات تساعد في تحقيق الأهداف الإنسانيّة والاجتماعية والاقتصادية. ولكن، ماذا عن خذلانكم للثورات التي عرفتها المنطقة؟ بالعكس، لقد شاركنا في الثورات، ففي مصر فمثلاً في البهائيون رسالة مفتوحة وورقة عمل لأقرانهم تشتمل على الكثير من المبادئ التي يجب عليهم التشاور فيها من أجل بناء وطنهم، وأرسلت إلى معظم النشطاء والكتاب والمفكرين وصانعي القرار. وفي شتى بلدان الربيع العربي شارك البهائيون في الحوارات السائدة في المجتمع عن التحولات الجذرية في مجتمعاتهم و مستقبل بلادهم وهويتها و يقدمون تلك الأفكار والمساهمات كمواطنين مخلصين لبلادهم . لكن مع كل هذا العمل، تبقى "الديانة" البهائية محصورة بشكل واضح؟ أبداً، فالدين البهائي دين عالمي يؤمن به اليوم ملايين من الناس يمثلون مختلف الأجناس والأعراق والثقافات والطبقات والخلفيّات الدّينيّة، يقطنون في أكثر من 100.000 قرية ومدينة حول العالم مما يجعله على المستوى الجغرافي أكثر الأديان انتشارًا في العالم وهذا ما ذكرته دائرة المعارف البريطانية فلا يوجد مكان ليس فيه بهائيون. بمقاييس الإسلام، هل أنتم مرتدون عنه؟ إن معنى الارتداد في اللغة هو الرجوع إلى الخلف، والبهائيون يتقدمون لا يؤمنون بكل الأديان فحسب بل يقدسون كتبهم ويحترمونها وهم يؤمنون بالدين الإسلامي وبالرسول محمد (ص) ويحترمون جميع الديانات. لذا فمثل هذا التصنيف لا ينطبق عليهم وخاصة أن الإسلام السمح منح الحق في حرية الاعتقاد والآيات القرآنية شاهدة على ذلك. ألا ترون أن العلمانية قد تشكل حلاً لكم في البلدان ذات الأغلبية الإسلامية؟ العلمانية لها تعريفات مختلفة، لذا لن أخوض في ذلك الآن، ولكن البهائيين يعتقدون بضرورة فصل الدين عن السياسة وهذا موجود في جميع الديانات، فقد ذكر السيد المسيح على سبيل المثال: أعط ما لقيصر حقه، وما لله حقه. فالدين له دوره المهم في بناء الإنسان وتطور، والتاريخ غنيّ بالدلالات فيما يظهر ويبطن على أنّ الأديان السماويّة كانت ولا زالت هي العنصر الرئيس في عملية الارتقاء الروحيّ للبشريّة، والإكسير الذي يبدّل الصفات الترابيّة بالكمالات الإلهيّة، ولم يكن سوى الكتب المقدّسة مصدر للعلم والمعرفة المحيطة بالوعي إحاطة كاملة، ولا أحد ينكر أنّ هناك تراثا أدبيّا واسعا أسهمت في إبداعه كلّ الثقافات الدينيّة فسجّلت على صفحاته ما مرّت به أجيال متعاقبة من سالكي سبل العرفان من تجارب. لماذا تمّ تشريع الحج في البهائية فقط للذكور دون الإناث، أليس في الأمر إقصاءً للمرأة؟ إن الحج في الدين البهائي له مناسك كثيرة، وهو فريضة على الرجال لما فيه من المشقة، وقد أعفيت المرآة من هذا التكليف، ولكنها لم تحرم منه فإن أرادت أن تؤدي المناسك فهي مرحب بها وإن لم تستطع فهي غير مكلفة بذلك وفي هذا تخفيف على المرآة وتكريم لها وليس إقصاء. فهناك فرق بين عدم التكليف والحرمان من الشيئ. ينتقد الكثير من الناس البهائية على أساس غياب مفهوم الجزاء فيها، ونتحدث هنا عن غياب الجنة والنار، بمعنى أن دينكم لا يتوفر على عدالة سماوية؟ من يقرأ الكتاب الأقدس وهو كتاب التشريع في الدين البهائي يدرك أن هذا الانتقاد ليس في محله، لأن التشريع البهائي يقوم على عمودين اساسيين وهما المكافأة والمجازاة او العقاب، وهناك حدود في الدنيا يجب أن تطبق وكذلك هناك عقاب في الآخرة، فالثواب والعقاب في مجود في الدين البهائي، ولكن مفهوم الجنة والنار اختلف عن التصوير المادي الذي يصوره بعض المفسرين لآيات الكتب المقدسة. فالعقاب رووحاني بحت هو أقسى من العقاب المادي، إن الآيات التي تحدثت عن الجنة والنار في القرآن الكريم هي من الآيات المتشابهات، والتي نهى الله تعالى عن تأويلها، والتي اختلف فيها المفسرون. فانظر إلى الآيات التالية من سورة آل عمران عن النهي عن تأويل المتشابهات: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" ولقد أكد الرسول على أن وصف الجنة ما هو إلا تبسيط وتقريب للأذهان فقال:'فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". فالبهائيون يؤمنون بالثواب والعقاب كما ذكرت وبالجنة والنار ولكن بمفهوم يختلف عما جاء به المفسرون. لكن هناك من يقول إن البهائية حرّمت قتال بني إسرائيل في حين لم تحرم قتال الفلسطينيين، خاصة مع وجود أماكن مقدسة للبهائية في إسرائيل، وهو ما يعد تشجيعاً منكم للمغتصِب والظالم؟ هذا قول باطل يراد به التشويه، البهائي لا يحمل السلاح بالمرة، ولا يقاتل أحد حتى ألّذ أعدائه، وخير للبهائي أن يُقتل من أن يَقتل، وإلا كيف سيتحقق السلام؟ أنتم ذكرتم في مقالكم بأن الضابط المغربي فصل من عمله لأنه رفض أن يحمل السلاح، وهذا حكم من أحكام الدين البهائي بأن لا يقاتل ولا يحمل السلاح إلا إذا أجبر على ذلك من حكومته لأنه مأمور بأن يطيع الحكومة في البلد التي يعيش فيها مهما كلفه الأمر وذلك حرصا على توطيد السلام والأمان. بالنسبة لما ذكرتم عن وجود أماكن مقدسة للبهائية في إسرائيل، فالتاريخ يشهد بأن حضرة بهاء الله نفي إلى سجن عكاء في فلسطين والذي كان معروفا بأعتى السجون وأسوأها في العالم بأمر من السلطان العثماني في عام 1868 أي قبل قيام دولة إسرائيل بأكثر من سبعين عاما، وقد أجبر على ذلك هو وعائلته ولم يذهب برغبته، ولم يكن في مقدوره التغيير حتى صعد إلى الرفيق الأعلى في عام 1892، وكما تعرفون بأن هناك مقدسات إسلامية ومسيحية أيضا. هل تعترف بكم الأممالمتحدة؟ للجامعة البهائية العالمية مكتب دائم في الأممالمتحدة وهي تحظى باحترام وافر في المجالس الدّوليّة، وتضمّ في عضويتها البهائيّين في جميع أنحاء العالم وتمثلهم في آن معًا، ولها تاريخ حافل بالعمل مع منظمة الأممالمتحدة يتجاوز الستين عاما، وهي مسجلة مع الأممالمتحدة كمنظمة عالمية غير حكوميّة ولها فروع في أكثر من 200 دولة، وتتمتع بمركز استشاري خاص مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومع منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونسيف)، ومع صندوق الأممالمتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفيم). كما تعمل عن قرب مع منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأممالمتحدة للبيئة، ومفوضية حقوق الإنسان، ومنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي. هنالك أكثر من 1600 مشروع يُدار من قبل الجامعات البهائيّة في شتى أرجاء العالم، من بينها حوالي 300 مدرسة يملكها أو يديرها بهائيون، بالإضافة إلى 400 مدرسة قروية تقريبًا.