يحل العاهل الاسباني الجديد، الملك فيليبي السادس، اليوم ضيفا على الملك محمد السادس، في زيارة تدوم يومين اثنين، وهي مدة أطول من الزيارة التي خصصها قبل المغرب إلى كل من البرتغال والفاتكيان، حيث دامت يوما واحدا لكل بلد، لتكون زيارته الأولى كملك لاسبانيا خارج الاتحاد الأوربي. مكانة المغرب عند اسبانيا وبخصوص دلالات زيارة العاهل الاسباني للرباط، قال الدكتور سمير بنيس، الخبير في العلاقات المغربية الاسبانية، إنها زيارة تتماشى مع تقليد في العلاقات بين البلدين تم تدشينه منذ عام 1982 حينما وصل رئيس الوزراء السابق فيليبي غونزالس للحكم، حيث كان المغرب هو أول بلد يقوم بزيارته، وتم الحفاظ على نفس التقليد حتى اليوم، إذ أن أول بلد أجنبي يقوم أي رئيس جديد للحكومة الإسبانية بزيارته هو المغرب. واعتبر بنيس، في حديث لهسبريس، أن هذا المعطى وحده يدل على الأهمية المركزية للمغرب في السياسية الخارجية الإسبانية"، مفندا بذلك ما ذكره بعض المحللين الإسبان كون "المغرب لا يعتبر مسألة خارجية بالنسبة لإسبانيا، بل مسألة سياسية داخلية". وأوضح بنيس أن العلاقة المتينة التي تجمع بين قادة المغرب واسبانيا تعتبر بمثابة صمام الأمان للعلاقات بين البلدين، إذ أنه في كثير من الأحيان، إبان حكم الملك خوان كارلوس، ساهمت الاتصالات التي كان يجريها سواء مع الملك الراحل الحسن الثاني أو الملك محمد السادس في تلطيف الأجواء بين حكومتي البلدين وإعادة نوع من الدفء لعلاقاتهما الثنائية. وأفاد المحلل أن هذه الزيارة تأتي بعد سنة من الزيارة التي قام بها الملك السابق خوان كارلوس في شهر يوليوز العام الماضي، وفي فترة تمر فيها العلاقات بين البلدين بأبهى أيامها، إذ على الصعيد الاقتصادي، أصبحت إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب، متجاوزة بذلك فرنسا التي ظلت لعدة عقود الشريك الاقتصادي الأول للمغرب. وعلى الصعيد السياسي، يكمل بنيس، هناك تفاهم وتعاون كبير بين البلدين على مستوى محاربة الهجرة السرية القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء، والتي تستعمل الحدود بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية المحتلتين كمعبر للوصول إلى التراب الإسباني. سبتة ومليلية والصحراء وأكد بنيس، وهو رئيس تحرير موقع Morocco World News، أن المغرب عمد إلى تجميد المطالبة باسترجاع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، سعيا منه إلى الحفاظ على الطفرة المتميزة التي شهدتها العلاقات بين البلدين خلال العشر سنوات الماضية". ولتوضيح هذه الفكرة أبرز بنيس أنه في ثمانينيات وتسعينيات القرن القرن الماضي، وخلال السنوات الأولى من الألفية الثالثة، دأب المغرب على تجديد المطالبة بالمدينتين بشكل علني سواء في الخطابات المكلية أو في مختلف المحافل الدولية، على رأسها الأممالمتحدة". وسجل المحلل أنه "حاليا بات هناك حرص من المغرب على عدم استعمال هذا الورقة في علاقاته مع الجارة الشمالية"، مشيرا إلى أن "المغرب عمل على عدم طرح هذا الملف الشائك، على الأقل بشكل علني، خلال اللقاءات الثنائية التي تجمع مسؤولي البلدين". واستدل المتحدث بما جرى في صيف العام الماضي إبان الأزمة الدبلوماسية التي شهدتها العلاقات بين إسبانيا والمملكة المتحدة بخصوص مضيق جبل طارق، فبينما كانت الأزمة بين البلدين في أشدها وصعدت الحكومة ووسائل الإعلام الإسبانية من مطالبها بفتح مفاوضات مع بريطانيا بشأن مستقبل جبل طارق، التزم المغرب الصمت حيال سبتة ومليلية. وتبعا لتحليل بنيس، فإن دلالة الموقف الذي اتخذه المغرب تكمن في كونه لا يتماشى مع الموقف التقليدي الذي اتخذه حيال مسألتي سبتة ومليلية وجبل طارق منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حينما ربط المغرب مصير جبل طارق بسبتة ومليلية. ولفت بنيس إلى أن المغرب كان يستعمل حجة التوازي (parallélisme) بين المسألتين لحمل الحكومة الإسبانية على القبول بفتح مفاوضات معه حول مستقبل المدينتين المغربيتين، والتأكيد على أنه لا يمكن لإسبانيا المطالبة باسترجاع مضيق جبل طارق، في الوقت الذي ترفضه فيه التوصل إلى حل مع المغرب حول الوضع القانوني النهائي للمدينتين". وبالمقابل، يسجل المتحدث، عملت إسبانيا على تبني موقف الحياد الإيجابي بخصوص قضية الصحراء، من خلال دعمها لمشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في شهر أبريل 2007، كما تشجع إسبانيا أطراف النزاع إلى التوصل إلى حل سياسي ومتوافق عليه لهذا النزاع. وزاد بنيس بأنه بحكم انتمائها إلى ما يسمى مجموعة أصدقاء الصحراء، كانت إسبانيا من بين الدول التي لعبت دوراً هاماً في إقناع الولاياتالمتحدةالأمريكية بالعدول عن تقديم مقترحها لمجلس الأمن في شهر أبريل 2013، والذي كان يهدف إلى توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. وتوقع الخبير المغربي أن يكون لإسبانيا دور كبير في قضية الصحراء خلال الثلاث سنوات القادمة، خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن اسبانيا مرشحة للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن للفترة ما بين 2015-2016 ، وتمتلك حظوظا كبيرة للفوز بهذا المقعد. وفي هذه الحالة، يتابع بنيس تحليله، سيكون المغرب في حاجة إلى الدعم الإسباني في مجلس الأمن، لتفادي أي خطوة للمجلس من شأنها أن تضر بالمصالح المغربية، وأن تعرقل العملية السياسية والتوصل إلى حل سياسي ومقبول للطرفين حول نزاع الصحراء. وأفاد بنيس بأنه عدا ما سبق، فإنه ليس من المتوقع أن يتم التطرق إلى المواضيع والملفات الشائكة بين البلدين خلال الزيارة الأولى التي سيقوم بها الملك فيليبي للمغرب، إذ سيكون لهذه الزيارة طابع بروتوكولي لإجراء أول مقابلة رسمية بين قادة البلدين بعد تربع فيليبي على عرش بلاده.