لن أذيع سرا إذا قلت إن الإعلام المغربي من صحافة مكتوبة وإلكترونية وتلفزة يستعملون اللغة العربية الفصيحة قصد إيصال الأخبار والمعلومات للقراء وللمشاهدين في وقتها، على اعتبار أن العربية يفهمها السواد الأعظم من المتتبعين ويستوعبونها قراءة واستماعا نظرا لبساطة أسلوبها وتقريرية خطابها ووضوح معجمها وسلاسة تعابيرها وكثرة تداولها بين الناس، لكن هذا لا يعني أن العربية هي اللغة الوحيدة المحتكِرة للإعلام المغربي كله، بل نجد كذلك اللغة الأمازيغية والفرنسية وحتى الإسبانية لكن بنسبة ضئيلة وقليلة مقارنة بنسبة استعمال لغة الضاد في الإعلام، والسبب في هذا يعزى إلى أن الأخبار الموظِفة للغتين الفرنسية والإسبانية نموذجا هي أخبار من نصيب النخبة أو الأَنتِلجِنسِية المثقفة التي لا تجد أدنى صعوبة في فهم ما جاءت به مختلف المنابر الإعلامية من أخبار وغيرها، ما عدا هذا النزر القليل من النخبة فإن البقية بينها وبين اللغات الأجنبية (الفرنسية و الإسبانية) سوى الخير والإحسان ولا يجيدونها جيدا. إن ما يهمني في هذه الورقة هي اللغة العربية دون غيرها من اللغات الأخرى المذكورة، نظرا لأنها اللغة السائدة في العديد من المواقع الإلكترونية والصحف الورقية وكذا على التلفزة المغربية في معظم قنواتها ما عدا الثامنة (ثامازيغث) رغم حضور العربية فيها كذلك، لهذا سجلت- إلى جانب جملة من المهتمين بالشأن اللغوي في الإعلام المغربي أمثال الدكتور واللساني الكبير عبد القادر الفاسي الفهري - عدة ملاحظات لا ينتطح فيها عنزان لعل أبرزها يتمثل في كثرة استعمال الصِّحافيين للدارجة أو العامية المغربية في صياغة موادهم الصحافية لاسيما في مجموعة من الأعمدة المملوءة بالكثير من مفردات العامية مع وجود المرادف أو المقابل العربي لمثل هذه الكلمات، ولكن مع ذلك يفضل البعض استخدام اللغة المحلية أو اللغة العربية المعاصرة قصد تبليغ الرسالة الإعلامية عوض العربية الفصيحة، كل هذا أدى إلى انحطاط مستوى اللغة العربية وتدنيها مما أحدث خدشا لغويا على لغة العرب الأقحاح دون معرفة علة هذا الأفول. هل هذا الضعف جاء نتيجة جهل بعض الصِّحافيين بقواعد اللغة العربية من نحو وصرف وتركيب وعلوم الآلة عامة أم جاء هذا القصور جراء إيمان بعض ممتهني مهنة المتاعب بالقولة الشهيرة التي مضمونها " خطأ شائع خير من صواب مهجور".؟ فكثيرا ما نقرأ على العديد من الجرائد الوطنية المكتوبة باللغة العربية ونحن جالسون في إحدى المقاهي بغية احتساء الشاي أخبارا وتقاريرا وتحقيقات وأعمدة... تعج كلها بأخطاء لغوية جسيمة لا نحسد عليها، رغم توفر الجريدة على المدقق اللغوي أو حارس اللغة كما يسميه الكثيرون الذي تكون مهمته مراجعة المادة الصحافية قبل طباعتها لاسيما تلك الصحف اليومية ذائعة الصيت والمعروفة وطنيا، و مع ذلك يظل اللحن حاضرا بها، ويكاد لا يفارقها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هذا بخصوص الجرائد التي تمتلك المدقق اللغوي، أما الجرائد التي لا يحتوي طاقمها على المصحح اللغوي فإن أقلام الانتقادات مرفوعة عنها إلى أن تعثر على حارس لغة متمكن من قواعد لغة الشعر الجاهلي يقيها شر القراء الذين خاب أملهم وأفق انتظارهم. وتجدر الإشارة إلى أن الخطأ في اللغة العربية غير مقتصر على الإعلام فقط، بل تعداه إلى الكتب المدرسية لمختلف المستويات الدراسية التي تكاد لا تخلو من مثل هذه الأخطاء الفادحة مضمونيا ولغويا، كما أن أمهات الكتب التي اطلعت عليها لكبار المفكرين والباحثين أمثال الراحل محمد عابد الجابري مكتظة بالكثير من الخروقات اللغوية. لهذا ينبغي إعادة الاعتبار للغة العربية وإعارتها كامل الاهتمام قصد الرقي بها والرفع من شأنها لاسيما تلك الموظَفة في الصحافة على اعتبار أن صاحبة الجلالة سلطة رابعة إلى جانب السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية المعروفة، أو هي سلطة السلط كما يسميها البعض لما لها من تأثير على عقول القراء بالنسبة للصحافة المكتوبة وعلى المشاهدين بالنسبة للتلفزة التي لعبت وتلعب دورا رياديا في عملية غسيل الدماغ للمتتبعين عن طريق الايديولوجيا اللغوية المسمومة التي يتنفسونها كل يوم معتبرين إياها صائبة وعاملين بها. وهذا لا يعني أن على الصحافيين التحرير بلغة قريش، لغة العصر الجاهلي الغامضة، - طالب باحث بماستر الصحافة المكتوبة مكناس