من المفيد في المستهل هذا البحث حول مناهج المستشرقين في دراسة تاريخ القرآن الكريم، وعلومه،أن نتوقف عند مسألة المنهج لأهميتها في فهم و إدراك ما نحن بصدده من دراسات تتقيد بزعم أصحابها بالمنهج العلمي و قواعده و أصوله في دراسة النص القرآني. فالمنهج كمصطلح يعني طريق البحث في علم من العلوم أو مجموع القواعد والنظم العقلية من أجل اكتشاف الحقيقة والبرهنة عليها. وأهمية المنهج في الدراسات الإنسانية تتجلى في أنه يضمن للباحث أن يصل إلى الحق الذي يبتغيه، ولا يضل في السعي إليه بين السبل المتشعبة. و يعرف البحث بأنه التقصي بعناية، أي استقصاء منهجي في سبيل زيادة المعرفة، والعلم تبعا لذلك ليس كتلة من الحقائق المتراكمة، بل هو طريق للوصل إلى الحقائق التي ستشكل المعرفة. وإذا كانت غاية المنهج هي إدراك الشيء على حقيقته انطلاقا من رؤية حضارية محددة، تأسيسا على أن لكل حضارة منهج يعبر عن روحها. ومن ثم فإن مفكري الإسلام أدركوا تمام الإدراك كما يرى الدكتور علي سامي النشار أنه لابد من وضع منهج في البحث، يخالف المنهج اليوناني حيث أن هذا المنهج الأخير إنما هو تعبير عن حضارة مخالفة وتصور حضاري مخالف، مما تطلب بناء منهج كامل هو المنهج التجريبي الإسلامي وأهم خصائصه أنه منهج إدراكي أو تأملي و هو المنهج المعبر عن روح الحضارة الإسلامية و ثقافتها . لقد قام الباحثون في (علم المناهج العامة) بتقسيم المناهج إلى عدة أنواع: المنهج الاستدلائي المنهج الاستقرائي المنهج التكوني المنهج الجدلي و التفاعل إنما يكون في المنهجين الأول و الثاني حيث تتنازعهما الحضارات المختلفة و تأخذ بواحد منها و تترك الأخر و قد كان المنهج الثاني هو الذي أخذت به الحضارة الأوربية الحديثة وسار عليه علماؤها و مفكروها. وقد تتبع (اندري لالندandre Lalande ) تاريخ هذا المنهج ( منشأه وتطوره وجزئياته و كلياته) وفي القرن التاسع عشر بلغت دراسات المنهج التجريبي أوجها لدى جون استورت ميل في كتابه (A. systme of Logic) و كان هذا بداية التحول في تاريخ أوربا العلمي،فقد انتقلت كليا الى التجريب العلمي وسيطر المنهج الاستقرائي سيطرة كاملة على مناهج العلماء وطبق المنهج في العلوم الإنسانية و خاصة في علمي التاريخ والإجتماعي و غيرهما. وقد تطور المنهج بعد جون استيورت ميل وعدلت بعض عناصره كما حلل المنهج التجريبي من طرف عدد كبير من العلماء المحدثين و المعاصرين . إلا أنه لابد من تأكيد أن التاريخ الحضاري يقرر أن لكل حضارة خصائصها وروحها المتميزة، وتأسيسا على ذلك فقد ساهم علماء الإسلام في حقل مناهج العلوم بوضع مناهج طبقا لتوجيهات القرآن الكريم وهديه، تصوغ حياتهم طبقا لقواعده و ترسم للناس قواعد الفكر و النظر إلى جانب قواعد الحياة العملية والسلوك الإنساني (الأخلاقي)، وان لا يترك جانبا من جوانب الفكر أو العمل أو الدين و الشريعة، إلا وضع له الصورة الكاملة فالقرآن كتاب"ميتافيزيقي" وفيزيقي و إنساني وعملي وضع الخطوط للوجود كله فهو كتاب الكون منذ نشأته إلى فنائه. فلابد لمؤمنين به أن يتلمسوا فيه أصول تفكيرهم و أن يطمئنوا إلى أحكامه الكلية و أن يجتهدوا ما شاء لهم الاجتهاد في محيطه الواسع. وقبل أن ندخل في عرض طرائق ومناهج المستشرقين في دراسة القرآن الكريم، لابد من الإشارة إلى انه لا يوجد منهج كامل فكل منهج له ميزته و عيوبه ويرى الدكتور حسن حنفي بهذا الصدد ان منهج تحليل المضمون له ميزته في انه قادر على إعطاء حكم دقيق على النص و مكوناته و مقاصده و بواعثه و تجنب الأحكام المطلقة و تكرار الأخطاء الشائعة، و له عيوبه مثل الوقوع في الصورية واعتبار النص عاملا مغلقا بذاته فوق الواقع و ليس داخلا فيه او خارجا منه، و المنهج التاريخي ميزته انه يبين أ ن ا لنص جزء من مكونات الواقع و متكونا فيه و هو لسان حال الواقع ومرآة تعكسه، وعيبه في فقد المكونات الداخلية للنص و بنيته المستقلة. والمنهج البنيوي ميزته في انه يكتشف المنطق الداخل للنص و بنيته المتحكمة في تكوينه، دون ردها على جزئيتها ،فالكل سابق على الجزء وعيبه أنه يجعل النص صوريا، سواء في الذهن او في عالم المثل، وأيضا إغفال التجارب التاريخية. والمنهج الظاهراتي يصف الماهيات ويتجه إلى المعاني و يحلل لغة الخطاب.ويخلص الدكتور حسن حنفي إلى أن منهج تحليل المضمون هو الأقدر على تحليل نصوص علوم الحكمة، بعد استعمال منهج القراءة وهو منهج تأويلي وتحديثي ينقل الماضي إلى الحاضر مع تغير اللغة ومستوى التحليل وإعادة توجيه القصد،من اجل فهم النص باعتباره تجربة حية في الشعور وهو منهج يعتمد عل تحليل النصوص و ليس الأفكار، و تحليل اللغة وليس المعاني والدخول إلى الفكر عن طريق اللغة و الاتجاه إلى المضمون ابتداء من الشكل. و اللغة عالم بأكمله: عالم الكلام و عالم العقل و عالم الوجود.و طرائق ادراكية لدقائق المعاني، و قدرة على التجديد والتطور على سنة اللغات الشائعة بين لغات الحضارات .. ما نريد التأكيد عليه من خلال هذه التوطئة هو أن لكل منهج بحث ،،منطقه وحمولته الفكرية التي تؤثر في مقاربته الباحث و آليات تحليله مما ينعكس على مواقفه المسبقة، الأمر الذي يؤدي به حتما إلى إصدار أحكام خاطئة حول موضوع الدراسة. لا مراء بأن المنهج الإستشراقي العام في دراسة تاريخ القرآن الكريم وعلومه اتسم بمواقف واستنتاجات تخرج عن سياق الموضوعية العلمية لكونها مطبوعة بعدم الدقة ومحاطة بالتعصب الأعمى. وفي هذا الصدد يذكر عبد الرحمان بدوي في كتابه " الدفاع عن القرآن ضد منتقديه" بأن القرآن كان هدفا منذ منتصف القرن السابع لهجوم بعض الكتاب، وقد وجه هذا الهجوم منذ البداية يوحنا الدمشقي ( 650-750م تقريبا) في كتاب بعنوان "الطوائف" لكن أول هجوم مفصل على القرآن ورد في كتاب نيكتاس البيزنطي تحت عنوان: "نقد الأكاذيب الموجودة في كتاب العرب المحمديين"، وكان هذا الكتاب متداولا في النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي. ورغم أن أول ترجمة للقرآن إلى اللغة اللاتينية تعود الى القرن الثاني عشر الميلادي على يد روبير كيتون(Robert de Kettan) بتوصية من رئيس دير كلوني (Cluny) في طليطلة بطرس الموقر، فإن علماء اللاهوت المسيحي قبل القرن السابع عشر الميلادي كانوا لا يرون أ ن القرآن جدير بالدراسة. لقد أطلقوا على القرآن جميع الأوصاف والنعوت الشائنة و القدحية وحاولوا النيل من جوهر القرآن وتاريخه وذلك، قبل ترجمته ترجمة كاملة، وكل ما كان بين أيديهم بعض الأجزاء المبتورة و الشهادات المغرضة. ومنذ القرن الرابع عشر تأسست عدة كراسي في الجامعات الأوروبية لتدريس اللغة العربية،و التراث الإسلامي ونتيجة لهذا الزخم في التركيز على الإسلام وحضارته وعلومه فقد شهد القرن التاسع عشر تطورا ملفتا وكبيرا شمل مختلف مناحي الدراسات الإسلامية وخاصة مجال الدراسات القرآنية وكتبت في هذا المجال كتب كثيرة من مؤلفين ذوي خلفيات مختلفة تمحورت حول ترجمة القرآن من ناحية،كما تطرقت إلى القضايا الأساسية في الدراسات القرآنية حيث، تناولت الدراسات جمع القرآن و تدوينه و ترتيب آيات القرآن، وسوره و كل ما يتعلق بالقراءات، وأسلوب القرآن البياني ورسم المصحف، وغيرها من الموضوعات الهامة التي تندرج ضمن مجال الدراسات القرآنية. كيف إذن تناول المستشرقون القرآن الكريم، وبأي منهجية بحث درسوا بيانه، وفهموا أحكامه، وأحاطوا بمضامينه وترجموا آياته؟ والحقيقة أن القرآن الكريم يمكن دراسته من زوايا مختلفة ولكنها جميعها كما يرى الدكتور عبد الله دراز يمكن أن تنتهي إلى قطبين (اللغة و الفكر) فالقرآن كتاب أدبي وعقدي في نفس الوقت وبنفس الدرجة. فاعتباره كتاب لغوي وبلاغي تتطلب دراسته دراية واسعة وعميقة باللغة العربية الذي انزل بها النص الأصلي أما الجانب الثاني فيتطلب العلم بأصول الدين و التفقه في أحكامه. في حين ان المذهب الذي أخذت به الدراسات الاستشراقية يبدأ بتعريف القرآن، فقاموس أكسفورد (Oxford dictionnary). يعرف القرآن على انه الكتاب المقدس للمحمديين ( أي أتباع محمد) وجاء في الموسوعة البريطانية (the new encyclopediabritanica) بأن القرآن هو الكتاب المقدس للإسلام ذلك الدين الذي يعتنقه أكثر من ألف مليون من المحمديين و هم يعتبرونه كلام الله، و بما أنه أكثر الكتب قراءة وهذه حقيقة وحدها كافية لإعطائه مزيدا من اهتمامنا وتقديسنا سواء كان ذلك يلائم ميولنا ووجهات نظرنا الدينية أوالفلسفية أم لا.ويقول (Kritzeckكريتزيك) بأنه لا تستطيع أية ترجمة أن تنقل أقل القليل مما يحرك قلوب الرجال و يجعلهم يذرفون الدمع عند إنصاتهم للقرآن. وغير الناطقين بالعربية يصفون القرآن بأنه القرآن المقدس HolyQuran وهو (نور وكتاب مبين) وقد ترجمها محمد علي (Light and clear book) أي النور و الكتاب الواضح وترجمها Arberry) ب(Light and manifest book) أي النور و الكتاب الجلي أما (الفرقان) فقد ترجمها ب (The Salvation) اي لخلاص و ترجمها بكتالPickthall( The criterion for right and wrong) اي المعيار والميزان الحق و الباطل. وترجمها جورج سل G. sale(The districtionbetween good and evil) اي التفرقة بين الخير الشر و ترجمها رودويلRodwell( المنير المضيء illuminator) وقد أنكر العديد من المستشرقين إن القرآن منزل من عند الله وادعواأنه من تأليف محمد، ومن ضمن هؤلاء كبار المستشرقين ممن قاموا بترجمة القرآن الكريم أمثال كلود سفاري Claude savary الذي عنون ترجمته للقرآن بقران محمد Le coran de Mohamet ويقول:" بأن النبي عليه السلام تعمد أن يكون القرآن منجما حتى يتمكن من أن يضيف إليه ما يحلو له حسب الأحوال التي تعرض له، وهو رأي يقول به معظم المستشرقين كما أن ترجمته فيها الكثير من الاضطراب وعدم الدقة مما يجور على المعني فيترجم (الظلمة و المنافقين ألاثمين و المسرفين بكلمة واحدة ) (Les impies) ويترجم الأعراب Les arabes وسفيها أو ضعيفا (malade et ignorant) و المقربين (le confident du très haut) و المسلمين (Les mohametans). ومن بين المستشرقين الذين وصفوا القرآن الكريم بأنه من تأليف محمد عليه السلام، المستشرق الانجليزي(جورج سيل G.sale) الذي قام بترجمة القرآن سنة 1734 اعتمد فيها على الترجمة اللاتينية التي أنجزها لدوفيك مراسي (Ludovic marracci) وقد احتوت ترجمته على الكثير من الأخطاء والمغالطات وهناك أيضا (ادوار مونى E.Monet) الذي كان أستاذا للدراسات الشرقية في جامعة جنيف وقد صدرت ترجمته للقرآن سنة 1929 ويقول مونى في مقدمة ترجمته بأن المعارف الدينية القرآنية ترجع إلى ثلاث مصادر: مصدر يهودي و مصدر نصراني أفاد منه محمد عن طريق الروايات الشفوية إذ من المؤكد انه لم تكن بين يديه كتب اليهود و النصارى ثم هناك المصدر الجاهلي أما المصدر الرئيسي للعقيدة الإسلامية هو الدين اليهودي. ويقول أيضا بأن التأثير اليهودي أكبر من التأثير النصراني ويرى أن ما اقتبسه محمد أخذه عن طريق المرويات الشفوية الدينية ذات الأصل التلمودي أو الحاخامي ومع ذلك فإن النص القرآني لا ينقل الكلام حرفيا بل يكتفي بأداء المعنى. وبخصوص المصدر الإنجيلي يقول موني بأن كثيرا من النصوص القرآنية تتعرض للقصص الإنجيلية المعتمدة أو حسب الروايات الواردة في الأناجيل غير المعتمدة، أما المصدر الجاهلي فيرجعه إلى الاعتقاد بالجن و تقديس الكعبة و القصص المتعلقة بعاد وثمود..الخ. ويقول بأن محمدا احتفظ بالوثنية العربية القديمة، بالحج الى مكة وبكل ما كان يتصل به من شعائر وذلك بعد ان خلع عليه طابعا روحيا وأعطاه صبغة توحيدية. ثم يأتي المصدر الإسلامي الصرف، الذي يتجلى في الأفكار الجديدة التي أضافتها عبقرية محمد الدينية. ويخلص ادوار مونيه إلى اتهام القرآن بالتناقض و يرى بأن نظرية النسخ من صنع خيال العلماء المسلمين ويقول بأن هناك آيات متعارضة وأن هذا التعارض يلخص الكيفية التي مرت بها، العقيدة الإسلامية، حيث مرت بادوار من التطور قبل ان تصل على صياغتها النهائية. ولابد من الإشارة إلى جزئية هامة لفتت نظرنا خلال الإعداد لهذا البحث وهو ان اسم محمد الذي وضع في غلاف الطبعة الأولى لترجمة مونيه باعتباره مؤلف القرآن قد تم استبداله باسم الجلالة (بالخط العربي) في طبعة الجيب الصادرة عن دار النشر بايوتPayot الفرنسية سنة 2001. ونفس الشيء بالنسبة لترجمة دنس ماسون D. Masson الصادرة في كتاب الجيب فوليو كلاسيك Folio Classique سنة 2002، ويبدو ان هذا التوجيه بدا يفرض نفسه على العديد من دور النشر الغربية الأمر الذي يمكن اعتباره تطورا ملفتا في النظرة الغربية الى القران الكريم. رغم التعصب الذي ران ولا زال على عقول الكثير من الكتاب والمفكرين في الغرب اتجاه الإسلام ونبيه و كتابه فان ذلك لا يمنع من وجود شهادة منصفة و صادقة في حق النبي والقرآن الكريم تصدر منكاتب أمين يقدر أمانة العلم وأمانة القلم و أمانة الضمير الإنساني. وخير دليل يقدم في هذا المقام، ما أكده لوبلوا Leblois في كتابه القرآن والتوراة Le Coran et la bible hébraïque بأن القرآن هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد الذي ليس فيه تغيير يذكر. وكان ويليام موير W.Muir في كتابه حياة محمد(The life of Mohamet) قد أعلن أن المصحف الذي جمعه عثمان (رض) قد تواتر انتقاله ووصل إلينا بدون تحريف،لقد حفظ بعناية شديدة بحيث، لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق، في النسخ التي لا حصر لها والمتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة، فلم يوجد إلا قرآن لجميع الفرق الإسلامية. وهذا الاستعمال الإجتماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم يعد أكبر دليل على صحة النص المنزل. أما المستشرق الفرنسي برتليمي"سانت هلير"(J.Barthelemy st Hilaire) صاحب كتاب محمد والقرآن (Mohametet le coran) الصادر سنة 1865. فيقول:" إن عنفوان الفكرة وحيوية الصورة وقوة العبارة، وحدة المعتقدات ، كانت من ناحية أخرى، شفيعا لهذا النثر الأسر الذي كان يهيمن على القلوب حتى قبل أن تقتنع العقول، وأننا لنؤمن بان مثل هذا السحر لا يقدر عليه قط، شخص أخر إذ هذه ميزة خاصة بمحمد وحده، من بين مؤسسي الأديان كلهم، وإنها لمنقبة عظيمة أن يبقى القرآن أجمل اثر أدبي في لغته، ولست استطيع أن أجد لذلك نظيرا في التاريخ الديني للبشرية ، وعلينا أن نضع نصب أعيننا هذه الحقيقة إذا كان لنا أن نقدر التأثير الخارق للقرآن، الذي كان من السهل الإيمان بأنه صنعة إلهية، إذ لم يسمع بأن أحدا من العرب قد أتى بمثله. أما غير المسلمين فيمكن أن يحسوا بهذا التأثير، ولكن بدرجة اقل كثيرا، من خلال الترجمات وهي على الرغم ما تشيعه من برودة،لا تستطيع أن تقضي على حرارة لهيبة الذي لا يزال يحتفظ بقدر كبير من التألق مما يمكن أن نخمن معه،ما كان عليه من عنفوان وتوهج في نصه الأصلي. ونحن إذن لا نملك إلا أن نأخذ القرار كما هو في وضعه الحالي، وان نستخلص منه بعض الأفكار الأساسية التي تعطينا صورة صادقة ودقيقة إلى حد كاف. وطبعا لابد من الإشارة في هذا المقام إلى أن لكل من وليام موير و بريتليمي سانت هلير أراء ومواقف و شروحات وتصورات لا تتفق إطلاقا مع جوهر الإسلام وتعاليمه ورسالته الخالدة، لقد اثار المستشرقون في القرآن شبهات بقصد التشكيك و التضليل، سواء من حيث مصدره أو صحة نصه أو من حيث تعداد القراءات فيه أو سلامة تفسيره. وقد ورد في كتاب تاريخ الديانات (manuel de l'histoire des religions) بأن أسلوب النبي في القرآن، أول عهده بالدعوة كان مفعما بالعواطف، قصير العبارات، فخم الصورة يقدم أوصاف العقاب و الثواب في ألوان صارخة ثم لما تقدم الزمن بالنبي فقد الأسلوب منهجه الأول و في أخر عهده فقد الأسلوب كل الحرارة، وكل فن واغرم بالجدل الديني مع اليهود و النصارى. هذا الحكم المبتسر يؤكد بلا شك المواقف الموروثة ضد الإسلام في الغرب وربما صارت مزاجا، وطبيعة متأصلة لدى القوم ولكن هذا، يجب أن لا يمنع الباحث من إبراز نقط القوة حيثما وجدها في الدراسات التي أنجزها كبار المستشرقين والكتاب الغربيين، وذلك طبقا للقواعد منهج البحث العلمي الرصين ومن حقنا ان نتناول أعمالهم بالتحليل والنقد وأن نرد مطاعنهم على الإسلام ورسوله و كتابه، وأن نقوم بالكشف عن أغراضهم الدفينة و الخفية التي تخفي نزعاتهم الاستعمارية المتأصلة وأسطع حجة على ذلك ما جاء عل لسنان المستشرق الفرنسي (كرا دي فو Carra de vaux) بان محمدا ظل زمنا طويلا معروفا في الغرب معرفة سيئة، فلا تكاد توجد خرافة و لا فظاعة إلا نسبوها إليه. ولا مراء أن أصداء الحملات المغرضة على الإسلام ونبيه من طرف بعض علماء الاستشراق، سوف تؤثر على عقول الغربيين، ويقول ( در منجامE. Dermenghem) بأنه يجب الاعتراف بأن إساءة الفهم كانت من جانب الغربيين أ كبر ، فقد شنوا معارك فكرية شرسةضد الإسلام ورموه فيها بشتى المساوئ ووجهوا إليه اتهامات باطلة ومتناقضة. فلابد إذن من توضيح ما وقعوا فيه من أخطاء لغوية وعلمية وتاريخية سواء عن جهل، أو عن خطا في الفهم،أو شطط في الافتراضات أو ضيق في النظر وخير دليل على ذلك ما وقع فيه اغلب المترجمين للقرآن الكريم في الغرب من خلط ومغالطات مشوشة وعدم دقة في المعاني وسوف نتطرق في القسم الثاني من بحثنا –إن شاء الله- إلى مواطن القصور في الترجمات الغربية للقران الكريم، كما سنتناول المسائل التي أثارها المستشرقون المتخصصون في دراسة القرآن و علومه أمثال (نولديكهوبلاشير وجيفري وجولدزيهر) وغيرهم،بخصوص جمع المصحف و القراءات و ترتيب السور، والأسلوب البياني و الفني في القرآن الكريم. والخلاصة أن الدارس للكتابات الغربية عن الإسلام والرسول والقرآنسيجد أنها في مجملها مليئة بالأباطيل والظنون وموسومة بالأخطاء الفادحة والحجج الضعيفةوالاختلاقات الفجة، وقد ترتب عن ذلك الترويج لمعرفة تفتقر للدقة العلمية والحقائق الصادقة، القويمة، التي تهدي إلى الحق. فضلوا وأضلوا كثيرا من الناس في أوربا وغيرها.. والشيء الذي تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد أن معرفة غالبية المستشرقين باللغة العربية، يشوبها الضعف كما أن المعلومات المستقاة من المصادر العربية جزئية وناقصة وضحلة وغير كافية.. وبالتالي فإنما يطرحونه من فرضيات خاطئة يعتقدون أنهم أول من توصل إليها دون عناء التقصي لدى تلك المصادر عن نفس المعضلات التي يثيرونها.. لقد ذهب بعضهم إلى الإعلان لأن القرآن انتحال، وتقليد، وسرقة، معتمدين على تشابه لا أساس له من الصحة .. ولا ريب أن دوافع الضغينة والحقد التي تحركهم ضد الإسلام تعمي بصيرتهم وتفقدهم التحليل الموضوعي والرأي السديد..، فلا بد ا ذن من كشف أ خطائهم و دحض أ كاذبهم التي ضمنوها في أ بحاثهم ودراساتهم ومؤلفاتهم ، لتشويه صورة الاسلام والمسلمين .. ومن هنا يتبين صدق ما قاله الدكتور عبد الله دراز رحمه الله بأن العقول الثاقبة، و النفوس المهيئة، لا تحتاج سوى إلى بصيرة نافذة لكي تعتنق دعوة جديدة حالما توفر فيها شرطان: تعليم الحقيقة و الدعوة إلى الفضيلة"، ذلك أن القراءة المتأنية و الدراسة المتعمقة إنما هي وسيلة للفهم السليم و العلم الصحيح ،الذي يرقى بصاحبه إلى مراتب الاجتهاد أي الرؤية المتبصرة التي تقود إلى الحق، وتجنب الوقوع في براثين الفهم السقيم و النظر القاصر الذي يؤدي الى تشويش الفكر و خلل في المقال. المصادر: د. علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام دار المعارف الطبعة التاسعة. د. حسن حنفي، من النص إلى الواقع ج1 /2004 / ط 1/ مركز الكتاب للنشر. د. عبد الله دراز، مدخل إلى القرآن ترجمة محمد عبد العظيم علي / دار القلم /ط 5/ 2003 . د.محمد خليفة، الاستشراق و القرآن العظيم، ترجمته مروان عبد الصبور شاهين. د. إبراهيم عوض، المستشرقون و القرآن. د. مصطفى نصر المسلاتي ، الاستشراق السياسي في النصف الأول من القرن العشرين./ دار اقرأ / ط 1 / 1986 . د. التهامي نقرة، مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية د . حسن عزوزي / ا ليات الاستشراق في الدراسات الاسلامية .سلسلة تصحيح صورة الاسلام رقم 4 / 2007 . د. احمد نصري / بحوث في الاستشراق .قراءة في التاريخ والمجال والمال. /ط 2 / 2013 .