طالب باحث متخصص في علم مقارنة الأديان جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس/ المغرب
كان القرآن الكريم ولازال لحد الآن محط أنظار الكثيرين،يغريهم بالدراسة والبحث والتنقيب، لطريقته في تقديم العقيدة والشريعة ولأسلوبه المتفرد في صياغة الأفكار والمبادئ، من هؤلاء الكثيرين: المستشرقون الذين اهتموا بشكل ملفت للانتباه بالقرآن الكريم وبدراسته، فلماذا كل هذا الاهتمام وهذا الإصرار على البحث فيه والتهافت حول ترجمته ودراسة اللغة التي أنزل بها؟ وما السر في ذلك؟ لعل السر الأول كامن بين ثنايا هذا الكتاب الذي تكفل الله بحفظه: - إن القرآن خالف كتابهم بعهده الجديد والقديم في مواضع كثيرة. - أنكر القرآن الكريم عقيدة التثليت. - إتهم القرآن الرهبان بالتحريف. - كشف القرآن ما كان غامضا في دراسة الكتب المقدسة. تقول المستشرقة الإيطالية "لورفيشا فاغليري": "لقد أزال الإسلام السرية التي أضفاها الآخرون على دراسة الكتب المقدسة"*. وأسرار أخرى تتعلق بأهداف المستشرقين الكامنة وراء إقبالهم المهووس على دراسة القرآن سنعرضها من خلال هذا العمل المتواضع في الفصل الأول. وككل دراسة أو بحث، دراسة المستشرقين للقرآن لم تكن دراسة عشوائية، بل كانت دراسة مقننة وفق خطط مدروسة ومناهج واضحة بالنسبة إليهم حتى وإن لم يكشفوا عنها صراحة، مناهج وظفوها بالدرجة الأولى للطعن في مصداقية القرآن الكريم ومصداقية البني صلى الله عليه وسلم، فما هي أهم هذه المناهج التي ارتكزت عليها الدراسة الاستشراقية للقرآن الكريم؟ تعددت أهداف المستشرقين الكامنة وراء دراستهم للشرق وللإسلام وعلومه، نجملها في النقاط التالية: 1- الوقوف دون وصول الإسلام الحقيقي إلى الشعوب النصرانية معتمدين في ذلك على تشويه معالمه. 2- إضعاف الروح الإسلامية عند المسلمين، وبث التفرقة والعمل على تنصيرهم. 3- إخضاع الشعوب الإسلامية لأفكار الغرب واقتصاده وسياسته. 4- محاولة إثبات تفوق المبادئ والمثل الغريبة وإظهار الإسلام بمظهر الرجعية والتأخر. ولتحقيق هذه الأهداف لجأ المستشرقون لوسائل عديدة لا حصر لها وظفوها على كل الجبهات دون استثناء، بدءا من التأليف في موضوعات الإسلام وعلومه وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم دون أن ينسوا وضع سيف التزوير والتحريف والبتر على رقبة التأليف. ولم يغفلوا عن الحقل الحيوي أو بتعيين أصح القلب النابض لكل الأمم: جبهة التعليم والتربية. فد اتجه الاستشراق إلى هذه الجبهة، وعاث فيها فسادا، واستغلها استغلالا كاملا، ولعل المثل قائما فينا وفي برامجنا التعليمية، حيث عمد إلى تأسيس مؤسسات تعليمية في كثير من الدول الإسلامية، من جهة لتكون عيونا له بالأمة ترصد كل حركاتها وسكناتها ومن جهة أخرى لتكون منبرا له من خلاله يحاضر أبناء الإسلام عن الإسلام، وهاته سخرية من سخريات الزمن المر الذي انقلب رأسا على عقب بأمتنا. فأقيمت الجامعة الأمريكية بالقاهرة لتقف ندا للأزهر هناك والجامعة الأمريكية ببيروت، والجامعة الأمريكية بأسطانبول، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الطلبة بهاته الجامعات مجبرون على الدخول إلى الكنائس، ومجبرون على قراءة الإنجيل، ليتخرج الطالب في نهاية المطاف منها حاملا لشهادة مكتوبة عليها: "باسم الأب والابن والروح القدس إلها واحدا". بالإضافة إلى جامعات غربية أخرى كالكلية الفرنسية في "لاهور" وكلية "غوردون" في الخرطوم وجامعة القديس "بولس" في لبنان... . هذه بعض أسلحة الاستشراق التي يعملها فينا لتحقيق مراميه في ورع الشك حول العقيدة الإسلامية، وفرض الهيمنة على الأمة، ولأن الهدف الأوضح والأكبر كان هو محاربة الدين، فلم يبخل الاستشراق بجهوده الفكرية والمادية من أجل دراسة العلوم الإسلامية ومصادرها والتنقيب فيها، فكان القرآن بابا من الأبواب التي طرقوها، وهو ما سيتم الوقوف عنده في المبحث الموالي.. المبحث الثاني: الهدف من دراسة المستشرقين للقرآن الكريم سبقت الإشارة إلى أن هدف الاستشراق في عمومه تمثل في ضرب العقيدة الإسلامية دونا عن غيرها، فلجأ إلى إنشاء دراسات حولها وحول أهم مصدر لها: القرآن الكريم. وهذه الدراسات هي التي ارتكز عليها الغرب في بلورة وتشكيل نظرته عن الإسلام والمسلمين، دراسات كان ظاهرها الإطلاع على ثقافة الآخر وتبادل المعارف، لكن بين طياتها كان الهدف أكبر وأخبث مليء بكل معاني الحقد والكراهية تولدت مع النكسة التي مني بها النصارى بعد الحروب الصليبية حيث تحول الاستشراق من منهج دراسة إلى هدف لابد من تحقيقه، خاصة عندما بدأ الخوف يدب إلى أوصال الكنيسة من "اهتمام أبنائها بالعربية والعلوم الإسلامية، والإقبال عليها بشغف كبير، حيث أقبل بعض المسحيين على قراءة الشعر العربي، والقصص العربية، ودراسة فلسفة وفقههم لا لدحضها بل لإتقان العربية والتعبير بها ببلاغة... في الوقت الذي لم تجد الكنيسة من يقرأ باللغة اللاتينية الكتب المقدسة أو من يدرس الإنجيل والأنبياء والرسل... وصدمت بعضهم يقول بملء الصوت: إن هذه الآداب تستحق الإعجاب". فتولد عن هذا الخوف العداء المسيحي للإسلام، فأصبح الشعار المسيحي هو محاربة الإسلام وإضعافه، فكان الإسلام هو "قطب الرحى، بالنسبة للاستشراق، فكان هذا الأخير نتاجا "للثقافة التي أنتجته أكثر مما استجاب لموضوعه المزعوم"، والثقافة المنتجة ثقافة عدائية، وهذه النظر العدائية ليست سمة في الاستشراق القديم فقط بل شملت الاستشراق المعاصر أيضا، هذا الأخير الذي كان نسخة طبق الأصل للقديم فقط حاول تغيير ثوبه بعدما كشف الستار عن أهدافه الحقيقية، فحمل اسما جديدا بعد آخر مؤتمر عقده المستشرقون بباريس 1973، وبدل مؤتمر المستشرقين أصبح بقدرة قادر: "مؤتمرات العلوم الإسلامية الخاصة بمناطق العالم الإسلامي" وتغيرت مواضيع البحث لديهم، وسموها بدورها بأسماء ما عهدناها من قبل - في إشارة منهم إلى "الصحوة الإسلامية"- "أصولية إسلامية..." "إرهاب إسلامي". وغيرها من الأسماء التي برزت في الساحة لا عد لها ولا حصر. وعلى رأسهم: "برنارد لويس" من مواليد 31 مايو 1961 بلندن، أستاذ لدراسات الشرق الأوسط في جامعة "برنستون" تخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب وتشتهر أعماله حول تاريخ الإمبراطورية العثمانية، من أسر يهودية، درس العبرية، ثم توجه إلى دراسة الآرمية والعربية ثم اللاتينية واليونانية والفارسية والتركية، درس القانون وتاريخ الشرق الأوسط، حصل على "دبلوم الدراسات السامية" عام 1937 وعمل كمحاضر مساعد في التاريخ الإسلامي 1938م، أثناء الحرب العالمية الثانية خدم "لويس" في الجيش البريطاني في الهيئة الملكية المدرعة وهيئة الاستخبارات في 1940، ليعين بعد ذلك في 1949 أستاذا لكرسي جديد في الشرق الأدنى والأقصى في سنة 32 من العمر. أهم ما اتسمت به آراء "لويس" العداء والسلبية تجاه العرب والمسلمين، وعزى تأخرهم إلى الدين واعتبر العالم الإسلامي في صراع دائم مع المسيحيين. كتب العديد من المقالات، وكان منها مقاله الذي عكس مخططه الشنيع لتفتيت العالم الإسلامي: "جذور السعار الإسلامي" وأسس ما يعرف بنزعة "الإسلام وفوبيا الجديد، والدراس للتاريخ الاستعماري للغرب للعالم الإسلامي يفهم أن ما حدث في العراق وما يحدث في جنوب السودان إنما هو حلقة من حلقات سلسلة طويلة لم تنته بعد "ولويس" برزت شخصيته العدائية للإسلام والمسلمين، واعتبر الحروب الصليبية ردا مفهوما على الهجوم الإسلامي خلال القرون السابقة وأنه من السخف الاعتذار عنها، وكان أول من قد مصطلح "صدام الحضارات" وقد أورد "صموئيل في كتابه الصادر 1960 إلى فترة صرح بها "لويس" في مقاله السابق الذكر "جذور السعار أو الغضب الإسلامي" حيث قال: "هذا ليس أقل من صراع الحضارات، ربما تكون غير منطقية لكنها بالتأكيد رد فعل تاريخي منافس قديم لتراثنا اليهودي والمسيحي، وحاضرنا العلماني والتوسع العالمي لكليهما". وظل لويس خادما مطيعا لأجهزة السياسية والعسكرية البريطانية والأمريكية مستغلا دراساته العديدة التي أقامها حول الشرق والإسلام والمسلمين وقدم تقارير وافية للغرب ليتحرك بخطة استعمارية جديدة: حماية البؤر المتوترة من الإرهاب الإسلامي. لتكرمه الإدارة الأمريكية في شخص نائب "بوش" الابن "ديك تشيني" ولم يكتف لويس" باستنفار الإدارتين الأمريكية والأوربية، بل قام بدور العراب الصهيوني الذي صاغ المحافظين الجدد في إدارة الرئيس بوش الابن إستراتيجيتهم في العداء الشديد للإسلام والمسلمين. وغير "لويس" عددهم لا يحصى ساروا على نهجه أمثال "توماس فريدمان" و"مارتن كرامر" و"جوديت ميلر".. والقائمة طويلة، قائمة الاستشراق الجديد. وإن كان الحديث عن الثوب الجديد لا ينسينا الحديث عن القديم، ببساطة لأن الجديد فصل على مقاس القديم ومن نفس نوع الثوب، فقط بألوان مختلفة لتلقي بضوئها - بدورها- على الخيال الغربي ويوسع نطاقه لتأخذ الصورة القديمة المترسخة بالعقلية الغربية حقها من الألوان الجديدة، فتتعدد الآراء والدراسات حول الإسلام وبخاصة حول القرآن الكريم، مما يستدعي منا البحث في الدراسات الاستشراقية والوقوف عندها لكشف المزيد منها... والسؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح: لماذا البحث الاستشراقي في القرآن الكريم؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أمرر مهم، وهو الأساس الذي قام عليه البحث الاستشراقي أو الفكر المؤسسة له في القرآن الكريم والقائلة" باحتمالية أن يكون القرآن الكريم موضوعا من كل الجهات إلا ان يكون وحيا منزلا من عند الله عز وجل. - وهذا بشكل أو بآخر يجعلنا نسترجع موقف المعتزلة من القرآن الكريم وقولهم بأن القرآن مخلوق، وليت المقام هنا كان يسمح لوضع مقارنة بين علم الكلام القديم وعلم الكلام الحديث وأوجه التشابه والاختلاف بينهما، وقد يسأل سائل لماذا المقارنة، لأنها حتما ستقودنا إلى مصادر علم الكلام الحديث وبالتالي مصادر الاستشراق التي انطلق منها في أبحاثته ودراساته، باعتبار أن الاستشراق - قديمه وحديثه جزء من علم الكلام الحديث، حيث يشير بعض المستشرقين إلى مسألة القرآن الكريم هل هو كلام الله أم لا؟ أمثال "مونتغمري وات" من خلال كتابه: "محمدة في مكة" و"مكسيم رودنسون" من خلال كتابه "Mohamet" حيث رفض كل منهما أن يكون القرآن كلام الله، وكلاهما صرح بذبك حين قال "مونتغمري": "وبصدد معرفة إذا كان القرآن الكلام الله أو ليس كلامه امتنعت عن استعمال تعبير مثل "قال تعالى"... بل أقول بكل بساطة "يقول القرآن". موهمات القارئ لدراسته بموضوعيته؛ كما صرح "رودنسون" بقوله: "فأنا لا أعتقد طبعا أن القرآن كتاب الله إذا لو كان الأمر كذلك لأصبحت مسلما...". إذن فهذا الإصرار على البشرية القرآن الكريم وإنكار نزوله عن طريق الوحي شكل الأساس الخطأ الذي قامت عليه دراسة المستشرقين للقرآن الكريم وكذا علوم لنصل من خلال هذا الأمر للإجابة عن السؤال: لماذا دراسة القرآن الكريم واهتمامهم إذا كانوا بالفعل لا يؤمنون به وحيا منزلا من عند الله؟ الإجابة الكامنة خلف أهداف واضحة لكل من يقلب بين دفتي البحث الاستشراقي في القرآن الكريم ونجملها باختصار فيما يلي: أولا: دافع ديني والحديث عن هذا الدافع يحيلنا بداهة للحديث عن ترجمة القرآن الكريم، هذه العملية التي عكست لحد بعيد مدى اهتمام المستشرقين بالقرآن الكريم، وأدركوا أن السبيل للوصول إلى كنهه ومضامينه أمر من اثنين: إما ترجمته إلى لغاتهم، أو تعلم اللغة العربية وعلومها، والمستشرقون لم يبخلوا بجهد في الاثنين بل بذلوا من الجهد والمال ما يوصلهم لغاياتهم، وكان أول من أمر بترجمته "الراهب" بطرس المبجل "أو بير فينيرايبل" "Peter venerable" راهب لاهوتي فرنسي تولى رئاسة "دير كلوني" في الثلاثين من عمره عام 1122م، وفي رحلته الثانية إلى إسبانيا سنة 1141م، (اهتم كثيرا بأحوال المستعربين الكاثوليك القاطنين في إسبانيا والذين يتكلمون العربية واعتقد بأنه يستطيع أن يقدم خدماته للعالم المسيحي بوساطة ترجمته القرآن الكريم إلى اللاتينية. فاستعان بمجمع المترجمين في طليطلة وكلف بهذه المهمة شخصيات لها معارف وخبرة في مجال الترجمة مستعينا بأحد العرب ذكر اسمه دون كنيته أو لقبه "محمد"، اختصر دوره في مراجعة الترجمة النص الأصلي، فأنجزت أول ترجمة للقرآن الكريم سنة 1143م، وكانت حكرا على رجال الكنيسة الكاثوليكية خوفا من شيوعها، لأن الأمر سيسهل مسألة التعرف على الإسلام أكثر، فيبوء مشروع الكنيسة في محاربة الإسلام بالفشل. إذن من خلال الترجمة استطاع رجال الكنيسة الإطلاع على ما في القرآن الكريم ومن جملة ما وجدوه ما جاء في القرآن الكريم عن النصارى، وعن عقيدة التثليت في المسيحية هذه القضية التي أوضح: "زيفها وزعمها، ودعا أهلها دعوة منطقية بأن لا يغلو في دينهم ولا يشتطوا في عقيدتهم. وقد أصدر القرآن الكريم حكمه على هذه العقيدة وحكم على معتنقيها بالكفر فجاء رج فعل الكنيسة، بجملة مضادة "التبشير" والتي عرفها المستشرق الألماني: "لإقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام، واجتذابهم إلى الدين المسيحي، فأعمي المستشرقون أسلحتهم للنيل من الدين الإسلامي والتشكيك فيه. لم يقر القرآن بصحة عقيدة المسيحيين، فكبر العداء المسيحي وأنزلوا جام اتهاماتهم على القرآن وعلى محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم تسليما، "بأن القرآن تضمن الأكاذيب، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن رسولا...". وظل هذا الموقف متجذر في اللاوعي الغربي عبر التاريخ حتى مع فقدان التأثير الكبر لمعنى الدين في هذا اللاوعي... وطالما كان الهدف هو التشويه الديني أو تحريف صورة الإسلام في مخيلة المسيحي والمسلم على السواء فمن الطبيعي أن يحيد منهجهم في دراسة القرآن عن المنهج العلمي المحايد. ثانيا: دافع استعماري "كان التراث الاستشراقي بمثابة دليل للاستعمار في شعاب الشرق وأوديته من أجل فر ض السيطرة الاستعمارية عليه وإخضاع شعوبه وإذلالها". والاستعمار لا ينال - بطبعه- من الشعوب ويتغلغل في أوساطها بكل أشكاله إلا إذا ضعفت عقيدتهم وتهاوت، والقرآن مصدر عقيدة الشعوب الإسلامية، فللوصول إليها لابد من المرور عبره والضرب في أصوله والتقليل من قيمة أحكامه، وكان أول ما تناوله المستشرقون - بوابة المستعمر الكبرى - "مفهوم الجهاد" في القرآن الكريم وقاموا بتصويره تصويرا سيئا، والهدف واضح: إضعاف روح المقاومة والدفاع عن الدين والنفس والأرض... فاعتبروا الإسلام عقيدة سيف، فأخذوا يشككون في قوة ومصداقية العقيدة ويصرون على تشويه الحقائق التاريخية وإظهار المبادئ الإسلامية في أدنى المراتب حتى يحدث النفور منها، وفي المقابل كانوا يعملون على الرفع من شأن المسيحية ومبادئها، والدافع في هذا: - الخوف من سيطرة الإسلام على الغرب المسيحي. - الرغبة الجامحة والحلم الذي وصل درجة الهوس في السيطرة على الشرق، هذا الشرق الذي كان وسيظل عالما مثيرا بالنسبة للغرب. "ما دام هذا القرآن موجودا، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن نكون هي نفسها في أمان". وهذا تصريح لوزير بريطاني سابق "جلا ستونت" يكشف وبكل جلال الغرض من كل هذه الحملة التي شنت ولا تزال تشن على القرآن الكريم. ثالثا: دافع علمي وإلى جانب الدوافع السالف الذكر، هناك دافع لا يجب إغفاله أو إنكاره: الدافع العلمي الذي سعت إليه قلة قليلة من المستشرقين إذا ما قيسوا بالجمهور منهم، فكانت الأخطاء التي وقعوا فيها أثناء البحث في القرآن الكريم ودراسته أخطاء طبيعية. ترجع لعدم فهم أو نقص فيه أو عدم إلمام بالعربية، أقبلوا على البحث شكل علمي وموضوعي بعيد عن الخلفيات الدينية والسياسية. كان هذا غيض من فيض دوافع كثيرة كان ولازال الاستشراق يصبو إليها بكل جهد من أجل تحقيقها. انطلاقا مما سبق يتبين أن الدراسات الاستشراقية للقرآن الكريم وعلومه تهدف بالدرجة الأولى إلى زعزعة عقيدة المسلم، وتشكيكه في أمهات الكتب الإسلامية، من خلال مناهجهم - المزعومة- التي لا تحتكم إلى المنهج العلمي الرصين. هدفهم تقديم صورة مشوهة للغرب على الإسلام والمسلمين، والتي أفرزت فيما بعد نظرات تحقيرية لكل ما يمت بصلة إلى الإسلام والمسلمين، وما الصور الكاريكاتورية التي نشرت في الجرائد الدانماركية والمسيئة للمصطفى صلى الله عليه وسلم لدلالة واضحة على الحقد الدفين للإسلام والمسلمين. وأخيرا: نقول إن جل الدراسات الاستشراقية لحضارة وأديان وثقافة ولغة الشرق، تتسم كلها بالتصعب ،والرغبة في خدمة الاستعمار، وتنصير المسلمين، وجعلهم نموذجا مشوها للثقافة الغربية، وبث الدونية فيهم وبيان أن دينهم مزيج من اليهودية والنصرانية.