مرة أخرى استطاع الفنان العراقي كاظم الساهر، خلال الحفل الفني الذي أحياه ليلة أمس الجمعة بالفضاء التاريخي (باب المكينة) بفاس أن يأسر الجمهور العاشق لفن الطرب الأصيل ويقوده إلى مراتع العشق والهوى ويدغدغ خلجات قلبه بأشعار تتغنى بالوطن والحبيبة واللقاء والصد والهجران. وتمكن الفنان كاظم الساهر، الذي يجيد الاحتفاء بالموسيقى العربية والإيقاعات المتداخلة والمتشابكة يساعده في ذلك صوته الأصيل ونفسه الطويل، أن يحمل الجمهور الذي غصت به جنبات هذا الفضاء التاريخي في رحلة روحية ممتعة إلى عوالم بغداد وفضاءات الموصل والكوفة مهد المقامات والألوان الموسيقية العريقة ومنبع التجدد والتنوع في الألحان وضبط الأداء على إيقاع أنغام تسمو بالروح إلى مدارج الصفاء. وقدم كاظم الساهر خلال هذا الحفل، الذي حضره جمهور فاق كل التوقعات وتابع أغلبه معظم فقراته واقفا، مجموعة من الأغاني التي أبدعها والتي تحتفي بالمرأة في مختلف هيئاتها وهي عاشقة جموحة أو غاضبة متمردة أو رافضة ومعاتبة أو تائهة بين الصد والهجر أو مستكينة إلى قدر الفراق والشكوى من الشوق دون أن ينسى الاحتفاء ببغداد وبالعراق وما عاناه ولا يزال من حروب وويلات دمرت أعرق حضارة في التاريخ وأتت على كل القيم النبيلة التي كانت تميز منطقة ما بين النهرين. وتوالت فقرات هذا الحفل الفني بأداء الفنان الساهر بإحساس طاغ لمجموعة من الأغاني التي يحفل بها ريبرتواره الفني من قبيل " زيديني عشقا " ويا قبلة العشاق يا بغداد " و "نسيت دائي" و "كلك على بعضك حلو " و "يا حبيبي " و "هل عندك شك " و "أكرهها "وضميني إلى صدرك" وغيرها. وبلكنته المعروفة كان الفنان كاظم الساهر يتوجه بين الفينة والأخرى إلى الجمهور ليسأل عن رغباته وأية أغاني يود سماعها ليرد الجمهور بالهتاف بأسماء الأغاني التي يرغب في الاستمتاع بها والتي لا يتردد الفنان كاظم في أدائها بإحساس فني راقي يحيل على زمن الفن الطربي الذي ساهم في بنائه العديد من رواد الموسيقى العربية . لقد استطاع الفنان كاظم الساهر الذي سبق له أن شارك خلال الدورات السابقة لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة بحضوره القوي وصوته الطربي الأصيل أن يعطي لحفل أمس طابعا استثنائيا باعتباره يشكل أحد المطربين القلائل الذين يجسدون في مجال الموسيقى روح الذاكرة العربية التي تحيل على أقطاب الطرب الأصيل المتميز بالشاعرية والجمالية . وسيستمر هذا الدفق الفني الذي تقترحه الدورة 20 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة مساء اليوم السبت من خلال الحفل الفني الختامي الذي ستحييه فرقة الهوت إيت براس بوند من شيكاغو وبلوز إلي نيو أورليون جاز ( الولاياتالمتحدةالأمريكية ) والتي تضم كبار ممثلي هذا اللون الغنائي الأسطوري. ويشكل مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، ومنذ دوراته الأولى رحلة ساحرة نحو فضاء الإبداعات الموسيقية والإيقاعية التي أنتجتها مختلف الثقافات والشعوب منذ القدم .