أثارت تحركات الملك محمد السادس الأخيرة، سواء بزيارات العمل الرسمية أو الخاصة التي يقوم بها أو مبادرته ومواعيده القادمة، حنق حكام قصر "المرادية" بالجزائر وإعلامييه، الذي باتوا "يحسبون كل صيحة عليهم"، حيث اتهموا المملكة بمحاولة عزل الجزائر إقليميا، فقط لأن العاهل المغربي زار تونس وقوبل هناك بترحاب لافت. ويرى مراقبون أن تحركات الملك محمد السادس وخطواته الأخيرة في المنطقة المغاربية والإفريقية أيضا كانت مدروسة بكثير من العناية، وتتسم بذكاء بالغ، كما أنها دبلوماسية تنم عن المبادرة إلى نوع من الهجوم التكتيكي، عوض الدبلوماسية التي تكتفي بالدفاع ورود الأفعال. واستشاط حكام الجزائر وعدد من صحفها وقنواتها الإعلامية غيظا من زيارة العاهل المغربي إلى تونس، ونظرت إليها نظرة شك وريبة، بل حاولت جهات جاهدة التشويش على تلك الزيارة باختلاق خلاف وهمي بين الملك محمد السادس والرئيس منصف المرزوقي. وشهد مقام الملك المغربي في تونس اتصالا قد يبدو للبعض عاديا، لكنه لدى عدد من المراقبين يحمل في طياته دلالات سياسية كبيرة، بالنظر إلى طلب مسؤول ليبي رفيع المستوى من المغرب دعم ليبيا في المرحلة التي تمر منها، وهو ما لم تنظر إليه الجزائر أيضا بعين الرضا. رسائل الملك محمد السادس الدبلوماسية لم تقف عند هذا الحد، بل امتدت إلى دولة تعتبر حليفا قويا للجزائر، وهي روسيا، وذلك بعد تداول أنباء عن قرب زيارة يقوم بها العاهل المغربي إلى موسكو، والتي سبقها تنظيم منتدى الأعمال المغربي الروسي تحت شعار "المغرب شريك استراتيجي لروسيا"، وشارك فيه أربعة وزراء و120 رجل أعمال مغربي. نشطاوي: الملك غصة في حلق الجزائر وتعليقا على موضوع الدبلوماسية الملكية في الفترة الأخيرة، أكد الأكاديمي والمحلل السياسي، الدكتور محمد نشطاوي، في تصريحات لجريدة هسبريس، أن "التحركات الملكية الأخيرة في محيط بعض مناطق النفوذ الجزائري أفزعت ساسة وإعلام الجارة الجزائر" وتابع نشطاوي بأن "تحركات العاهل المغربي أخرجت بعض المشوشين على الدبلوماسية الملكية من جحورهم، مرة للتنديد بهذا التحرك، ومرة أخرى بالتصريح بعدم المبالاة، إلا أن الحقيقة أن هذه الدينامية الملكية شكلت غصة في حلق الطرف الجزائري". واسترسل الأستاذ الجامعي بمراكش أن الصحف الجزائرية اعتبرت أن الملك محمد السادس يحاول استغلال مرض الرّئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لإقامة علاقات اقتصاديّة وطيدة مع دول تربطها به صداقة قويّة، سواء في منطقة في الغرب الأفريقي بزيارته لمالي والكوت ديفوار وغينيا والغابون، وأنّ زيارات ملك المغرب لتونس ومالي ليست إلاّ تشويشاً على مبادرات الجزائر لحلّ مشاكل المنطقة. وزاد نشطاوي بأن "قرب زيارة العاهل المغربي لروسيا الحليف الرئيسي للجارة الشرقية، سيجعل الجزائر تستشيط غيظا، وتقف عاجزة عن التحرك لعرقلة هذه الزيارة، ولا تملك سوى التشويش على هذه الدينامية التي طبعت الدبلوماسية الملكية". وخلص المتحدث إلى أن "الجزائر بدأت تفقد بعضا من حيوية دبلوماسيتها بمرض رئيسها، وفي ظل خيبة الأمل التي أصابت الجزائريين بعد إعادة انتخاب بوتفليقة"، مضيفا أن "الكل يعلم أنه عاجز تماما عن القيام بواجباته الرئاسية مع تطلع الشعب الجزائري إلى التحرر من قبضة العسكر".