يواصل جلالة الملك محمد السادس زيارة رسمية إلى روسيا الاتحادية تجسيدا لعلاقات عريقة ومتميزة بين الرباطوموسكو يسمها الاحترام المتبادل والإرادة في أن تكون نموذجا لتعاون فعال بين قوة عظمى ودولة صاعدة، قوية بتاريخها التليد. وهو الأمر الذي أكده الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وإفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، حين قال في تصريح صحفي «أن زيارة جلالة الملك محمد السادس لروسيا الاتحادية تكتسي أهمية قصوى إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي، بالنظر إلى علاقات الصداقة والأخوة القائمة بين الشعبين المغربي والروسي». وقال الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وإفريقيا ،»إن الهدف الأساسي لهذه الزيارة يكمن في تعزيز روابط الصداقة التقليدية بين المغرب وروسيا ، وتوطيد التعاون المثمر في كافة المجالات التي تنص عليها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين التي تم التوقيع عليها خلال أول زيارة رسمية لجلالة الملك لروسيا سنة 2002 . غير أن الآلة الإعلامية في الجارة الجزائر، التي ألفت احتراف التشويش على زيارات جلالة الملك محمد السادس إلى الخارج، لا ترى في الدينامية المغربية من أجل التقارب بين الدول الصديقة والحفاظ على العلاقات المتينة سوى تهديد لمكانة الطرف الجزائري في المعادلة الإقليمية والدولية. إن تميز المغرب في محيطه الإقليمي بالإصلاحات السياسية والاقتصادية الهامة التي اعتمدها و التي جعلته بمثابة ضامن للأمن والاستقرار في محيط مضطرب ومكانته على الصعيد العالمي لدى العديد من العواصم الدولية في ربوع المعمور، أمر يثير في الإعلام الجزائري، وفي كل مناسبة ايجابية يجتازها المغرب، حالة من الاستعداء تطفو من خلال صحف ومنابر إعلامية جزائرية تبدي غيظها من مبادرات أو زيارات ملكية لعدد من الدول الصديقة والشقيقة. وإذا كانت زيارة جلالة الملك محمد السادس، بالنسبة للدبلوماسي الروسي ستعطي فرصة لكل من جلالة الملك والرئيس الروسي للتباحث في القضايا الملحة خاصة التطورات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،فإن يومية «الخبر» الجزائرية اختارت أن تغض الطرف عن الكثير من الهموم المشتركة بين الرباطوموسكو التي تتطلب إيجاد الحلول المناسبة في المنطقة، وتوحيد الطاقات والجهود في إطار مكافحة الإرهاب، العدو المشترك للبلدين وللمجتمع الدولي، وتتعمد أن تزج بملف الصحراء المغربية وزيارة الأمين العام الأممي بان كي مون إلى المنطقة، وتعليق المغرب التواصل مع الاتحاد الأوربي وتجعلها ملفات حسب زعمها سببا رئيسيا لزيارة جلالة الملك إلى موسكو. وكتبت يومية «الخبر» الجزائرية، تشويشا على الزيارة الملكية إلى روسيا وبصيغة العارف بأسرار البلدان و الواثق من النفس ،أن زيارة جلالة الملك إلى موسكو، وإن تم التأكيد على أنها كانت مبرمجة منذ فترة وأنها ستركز على الجوانب الاقتصادية بالدرجة الأولى، «إلا أنها تحمل في جوانبها أهدافا سياسية لكلا الطرفين». ولن تترد يومية «الخبر» الجزائرية، في وصف روسيا بالحليف الأكبر للجزائر، أحد أطراف النزاع المفتعل حول الصحراء في المنطقة، والداعمة الأساسية ديبلوماسيا ولوجيستيا، زاعمة في السياق ذاته، أن الزيارة الملكية إلى موسكو «تريد تحييد حليف الجزائر الأكبر عن قضية الصحراء»، بل تمادت في الأمر إلى حد أن الرباط، ومن أجل بلوغها هذا، ستعرض على موسكو شراكة اقتصادية استراتيجية، تتمثل في استيراد المغرب للغاز الروسي مقابل تصدير منتجات غذائية مغربية إلى السوق الروسية التي قاطعت المنتجات الزراعية التركية، والصيد في المياه المغربية. ومن موقع العارف و العليم تجزم يومية «الخبر» الجزائرية دون أن يندى لها جبين أن موسكو تحاول استغلال الخلاف المغربي الأوروبي، لإقناع الرباط بدعم موقفها في الملف السوري، خاصة وأن الرباط اعتذرت عن استضافة القمة العربية المقبلة بسبب حساسية الملف السوري. إن الذي أغفلته يومية «الخبر» الجزائرية أن العلاقات بين المغرب وروسيا تعود إلى العام 1777 عندما اقترح السلطان سيدي محمد ابن عبد الله على الإمبراطورة الروسية كاثرين الثانية إقامة علاقات بين البلدين والشروع في المبادلات التجارية بين الإمبراطوريتين. وفي نونبر 1897 تم افتتاح قنصلية روسية في طنجة، وذلك قبل أن يقيم البَلدان علاقات دبلوماسية بينهما في شكلها الحديث، وتفتتح روسيا في 1 شتنبر 1958 سفارة لها في الرباط. وعلى الرغم من الاختلافات في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في كلا البلدين خلال تلك الفترة، حافظ البلدان على علاقات سياسية قوية سمتها الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكليهما. ولم تحل الاختلافات الاديولوجية بين المغرب وروسيا في أن يعزز البلدان شراكتهما، ويطورا على مر السنين علاقات متينة ومربحة للطرفين في مختلف المجالات. وقد تم وضع الإطار القانوني لهذه العلاقات الثنائية في أواسط ستينيات القرن الماضي من خلال التوقيع على عدد من الاتفاقيات تهم أساسا التعاون الاقتصادي والتقني والعلمي والثقافي وفي مجالات التجارة والنقل الجوي والصيد البحري وغير ذلك. وكانت واحدة من أبرز محطات هذه العلاقات هي زيارة جلالة الملك محمد السادس الرسمية لروسيا في أكتوبر 2002 والتي تم خلالها التوقيع على إعلان الشراكة الاستراتيجية التي تشمل بالإضافة إلى التعاون في مجالات التجارة وتكنولوجيا المعلومات والصيد البحري، توقيع اتفاق هام للتفاهم بين المجموعة الروسية روسكوسموس والمركز الملكي المغربي للاستشعار الفضائي، والمركز الملكي للدراسات الفضائية بالمغرب في مجالات استخدام الفضاء الخارجي لأغراض سلمية. كما تناول إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين والذي تم توقيعه بعد الأحداث الإرهابية ل 11 شتنبر 2001 محاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وبذلك يعبر البلدان عن إصرارهما لمواجهة هذه الآفة التي أصبحت ظاهرة الأزمنة الراهنة، مع توالي غياب الاستقرار والأمن وتفاقم الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط مع سعي تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية لتمديد نفوذهما في المنطقة.