ما يزال ملف قياديي العدل والإحسان المختطفين بمدينة فاس، يعد بمفاجآت من العيار الثقيل. فالجماعة اختارت التصعيد في هذا الملف على غير عادتها في ملفات سابقة حين فتحت على النظام المغربي مجموعة من الواجهات، كان آخرها المؤتمر الصحافي الذي عقدته عائلات المختطفين/المعتقلين وهيئة الدفاع مساء الأربعاء 1 شتنبر 2010.بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والذي عرف حضورا كثيفا لوسائل الإعلام الوطنية والدولية وممثلين عن منظمات حقوقية وطنية وعالمية، كما سجل الحاضرون من خلال مداخلاتهم تعاطفا واسعا مع قضية المختطفين، وتنديدهم بما تعرضوا له من تعذيب وتنكيل على يد الشرطة المغربية. ففي الوقت الذي آثرت فيه الحكومة المغربية الصمت باستثناء تصريح يتيم من الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري لم يخرج عن سياق التصريحات المطاطة والغامضة والمبهمة التي تدلي بها الحكومة كلما تعلق الأمر بجماعة الشيخ ياسين، خطت العدل والإحسان بالمقابل خطوات تصعيدية منذ تفجر الملف أواخر شهر يونيو 2010 وكانت أول الخطوات الحملة الإعلامية الفعالة من خلال مواقعها الإلكترونية أو من خلال الجرائد الوطنية والدولية والقنوات الدولية(عشرات التصريحات والمقالات والتسجيلات) استطاعت من خلالها الجماعة أن تدحض الرواية الرسمية لوكالة المغرب العربي للأنباء، والتأكيد أن الأمر يتعلق باختطاف وليس باعتقال قانوني جاء على إثر شكاية تقدم بها المحامي محمد الغازي العضو المستقيل من الجماعة. وقد واكب الحملة الإعلامية النشطة حملة حقوقية واسعة، انتهجت فيها الجماعة تكتيكا جديدا أحرجت به المنظمات والهيئات الحقوقية والأحزاب السياسية بوضعها ملف المعتقلين في يد العائلات، مما لم يدع للمنظمات الحقوقية أي خيار فهي أمام عائلات تطالب بإنصاف ذويها وليس تنظيما سياسيا يدافع عن أعضائه، وقد أتت هذه الحملة أكلها محليا ودوليا، فأغلب المنظمات الحقوقية تبنت الملف ودافعت عنه بقوة، ولعل المناشدات التي أطلقتها منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش تعتبر أحد المؤشرات على النجاح الكبير الذي حققته هذه الحملة، كما أن الاستفسارات والاحتجاجات التي توجهت بها هذه الهيئات إلى الحكومة والأحزاب والبرلمان ووزارة العدل ووزارة الداخلية، جعلت القضية تناقش لأول مرة في قبة البرلمان المغربي، من خلال سؤال لفريق الإتحاد الاشتراكي على لسان البرلمانية نزهة العلوي. والواضح أن الجماعة لم تكتف بالتصعيد سياسيا عبر الواجهتين الإعلامية والحقوقية وحسب، بل اختارت التصعيد القضائي والقانوني من خلال مطالبة هيئة دفاع المتهمين بالتحقيق مع وكالة المغرب العربي للأنباء لنشرها أخبارا تعتبر سرية، ومتابعة عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بتهمة التعذيب بعد تقرير الخبرة الطبية الذي جاء إيجابيا يؤكد تعرض المختطفين للتعذيب، وكذا مطالبتهم باستدعاء عبد السلام أحيزون مدير اتصالات المغرب للإدلاء بشهادته في القضية. وكل هذه تعتبر سوابق تصعيدية فالجماعة لم تقدم على نفس الخطوات في قضية شهيرة تماثل في كل تفاصيلها ما وقع في فاس هي قضية الفنان "رشيد غلام"الذي تعرض للاختطاف والتعذيب في ظروف غامضة وتم تلفيق تهمة الفساد له، كما تم نشر الخبر من طرف وكالة المغرب العربي للأنباء قبل مباشرة التحقيقات معه. وتختلف تفسيرات المتتبعين والمحللين لهذا التصعيد من الطرفين على ثلاثة أوجه: -رأي أول: ومن ضمنهم قياديين داخل الجماعة، يجزم أن ما يقع لا يخرج عن سياق سياسة شد الحبل المألوفة بين الجانبين، دشنته الدولة بحملتها على الجماعة بعيد الأيام المفتوحة سنة 2006، ويرى أنه من الطبيعي أن تتوتر علاقة الجماعة مع المخزن بهذا الشكل فنحن أمام جيل جديد من المسؤولين السياسيين والأمنيين الشباب يريد أن يفرض قواعد جديدة للعب، ويريد أن يثبت وجوده ومقارباته الجديدة و"يظهر حنة يديه".ويطمح إلى بناء مسيرته المهنية على حساب الجماعة. -رأي ثان: يرى أن هذا تصعيد من نوع خاص له ظروفه وملابساته الخاصة، ويعتبر أن ما وقع في فاس هو رد فعل طبيعي من الأجهزة الأمنية التي أحست بالإهانة، بعد كشف عنصرها المدسوس وقدرت أن ما تعرض له عميلها -من تحقيق واستنطاق لاستخراج المعلومات وتصوير الاعترافات- هو تطاول على عمل هذه الأجهزة ونوع من "الزعامة" ينبغي أن يتم التأديب عليه و"تربية الجماعة" حتى لا يتم تكراره مستقبلا.ويرى بالمقابل أن الجماعة تضغط بهذه القوة لرغبتها في عدم تكرار تجربة معتقلي وجدة، أي أنها تريد أن تفوت على المخزن فرصة كسب ورقة ضغط وتفاوض جديدة بعد أن احترقت ورقة "طلبة وجدة الاثني عشر" الذين تم الإفراج عن آخر معتقل منهم منذ أسبوعين، وحتى لا يعرف الملف مسار ومصير ملف خلية بلعيرج. -رأي ثالث: يؤكد أن ما يقع هو مجموعة من الأخطاء المتراكمة التي تضر بسمعة المغرب ومصداقيته، ارتكبتها الأجهزة الأمنية والمسؤولين عليها لافتقادهم للرؤية والخبرة السياسية اللازمتين، ويقدمون دليلا على ذلك ما سجل من أخطاء في تدبير عدد من القضايا والملفات الحساسة كمحاكمة الصحافة والمدونين،وقضية أميناتو حيدر، وغيرها. وفي الأخير يبقى السؤال عالقا هل ستكتفي الجماعة بهذه الخطوات أم أنها ستلجأ إلى تصعيد أكبر؟ بدون شك أن الملف مرجح لمزيد من التصعيد فليس من المستبعد أن تنقل العدل والإحسان المعركة إلى الخارج، من خلال تحريك جمعياتها ومنظماتها العاملة في أوروبا وأمريكا وكندا للضغط على النظام المغربي كما فعلت سابقا، وهو ما سيتسبب في إحراج أكبر للحكومة المغربية التي تراهن على تلميع صورتها دوليا في مجال حقوق الإنسان، أو من خلال اللجوء إلى رفع شكاوى أمام المنظمات الدولية كالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أو المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما لمح إليه أحد كوادر الجماعة في مقال له نشر على موقع هسبريس الإلكتروني.تحت عنوان:"جرائم التعذيب في المغرب إلى أين؟" [email protected]