تكشف كل عمليات معالجة ملفات الإرهاب بالمغرب عن الدور الثانوي الذي تلعبه العدالة في الحسم في نتائجها النهائية. وتقض الأعراف المتبعة بالا يقدم الأضناء إلا وهم مدانون. وتتضافر جهود عدة جهات في خلق واقع الإدانة بداية من تغطيات الإعلام الرسمي والإعلام الدائر في فلكه انتهاء بندوات الداخلية أو تصريحات المسؤولين. ولا يصل الدور على القضاء حتى تخلق أجواء يصعب تخيل خروج القضاء عن منطقها ولا ينتظر منه إلا أن يحدد الجزاءات الحبسية والمالية. ويقدم ملف شبكة بلعيرج الإرهابية الأخيرة آخر الأمثلة على ذلك. وهو ما سنتطرق اليه من خلال الملاحظات التالية: أولا: من أصل 32 شخصا تم حشرهم ضمن ما سمي بشبكة بلعيرج الإرهابية أربع حالات فقط تم اعتقالها فيما الآخرون تم اختطافهم بطرق غير قانونية. فإذا كان القانون ينظم شكليات الاعتقال بداية من الأمر بالاعتقال وانتهاء بمدته والجهة المسؤولة عنه وأماكنه، فان الاختطاف يعد أسلوبا يجرمه القانون ويدخل ضن انتهاك حقوق الإنسان. إلا أن ما يثير الغرابة والتساؤل معا في ملف بلعريج وشبكته، كما هو الشأن في ملفات سابقة، هو اعتماد نتائج الاختطاف من طرف الأجهزة الأمنية والقضائية معا. وفي هذا الإطار يمكن اعتبار ظهور مختطفين دامت مدة غيابهم أكثر من شهر في ملف واحد مع معتقلين، فضيحة أخلاقية وسياسية يجب أن تضع وزير العدل والحكومة كاملة موضع المسائلة. ثانيا: في كل مرة تبدأ الإدانة من وسائل الإعلام الرسمية ( وكالة المغرب العربي للأنباء الإذاعة والقناتين) التي أصبحت ميزتها في مثل هذه الملفات هي السبق ليس إلى نشر الخبر فحسب ولكن إلى إصدار الأحكام أيضا. ويذكر الجميع كيف أعلنت منطوق الحكم في ملف أسبوعية الوطن الآن قبل أن ينطق به القاضي! وأعلنت اعتقال قيادات البديل الحضاري و الحركة من أجل الأمة قبل أن يتم اعتقالهم بالفعل، وقد حكت زوجة أحدهم أنها سمعت بخبر اعتقال زوجها عبر المذياع وهو ما يزال في بيته ! كما أنها لم تكتف بالخبر في اعتقالات الأضناء بل أدانتهم وأحكمت وتاق التهمة عليهم ولم يبق لها إلا أن تحدد مدد السجن ومقدار الغرامات!. وجمعت وكالة المغرب العربي الجميع، المعتقلين منهم والمختطفين في لائحة واحدة وتحت عنوان واحد هوتفكيك شبكة بلعيرج الإرهابية: اعتقال32 شخصا وما تقوم به الوكالة تسير على منواله القنوات الرسمية وجوقة الإعلام التابع. وللمرء أن يتوقف عند تصريح وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة للقناة الأولى حين توجه إلى وسائل الإعلام بالخصوص مخاطبا إياها بضرورة اعتماد الدقة والموضوعية والمهنية ويتساءل من هي وسائل الإعلام المعنية بهذا الكلام؟ وهل ما تقوم به وسائل الإعلام الرسمية التابعة للوزير يدخل ضمنه؟ ثالثا: لقد اتخذ الوزير الأول قرارا استثنائيا وأصدر مرسوما يقضي بحل حزب البديل الحضاري بدعوى ثبوت ارتباط تأسيسه بالإرهاب اعتمادا على الفصل 57 من قانون الأحزاب وهو ما اعتبره مختصون غير قانوني إذ لا يمكن تعليل القرار بناء على تقارير المخابرات كما أن الواقعة لا تدخل ضمن الفصل 57 ولكن ضمن الفصل 50 بالخصوص. وقرار الوزير الأول لا يمكن إلا أن يكرس أحكام الإدانة التي استبقت وسائل إعلام الدولة القضاء في النطق بها. رابعا: جاءت ندوة وزير الداخلية لتحسم بشكل وثوقي في الملف. فالمختطفون والمعتقلون على السواء أعضاء في شبكة إرهابية خطيرة. أورد الوزير قراءة لتاريخ نشأتها وتطوراتها ومصادر تمويلها وعرض محجوزات من أسلحتها كما أورد لائحة أهدافها الإرهابية. كل هذا فيما يشبه مرافعة للنيابة العامة في إحدى جلسات المحاكمة لكن في غياب كامل لرأي المتهمين ودفاعهم. وخلاصة مسار ملف شبكة بلعريج الإرهابية قبل أن يباشر القضاء عمله فيه هي أن جميع أفراد المجموعة المعتقلة والمختطفة إرهابيون. لقد أوضحت عدة فعاليات حقوقية وسياسية تحفظها على المقاربة المتبعة في معالجة الملف واعتبرت أن فيها مساسا بصلاحية مؤسسة القضاء وتطاولا على اختصاصاتها وتفسح المجال للقول بأننا أمام تنفيذ مسبق لحكم متوقع . ومن المؤسف حقا أن تغط هذه الاختلالات على الانجاز الأمني المهم الذي تحقق في الملف لنصبح أمام فرصة أخرى تضيعها الدولة المغربية لتظهر استقلالية القضاء وحقيقة دولة الحق والقانون إذ أن كل ما تم بشكل غير قانوني يمكن أن يتم في إطار القانون ويربح الوطن دولة الحق والقانون إلى جانب الأمن والاستقرار.