بمجرد انتهائه من عمله اليومي كسائق لإحدى شركات القطاع الخاص، يضطر رضوان نمييش للمرور مساء كل يوم على أنقاض البيوت العشوائية التي هدمتها السلطات المحلية بعد ترحيل أو إفراغ سكانها، إلى بيت والده بكاريان البشير في كاريان سنطرال، الذي يقطنه رفقة زوجته وابنيه، لتناول وجبة الغذاء وارتشاف كأس شاي. وفي محاولة لتخفيف الضغط النفسي الرهيب الذي يعاني منه منذ شهور، يفضل رضوان الخروج للجلوس مع أبناء الحي، قبالة ركام الأحجار والأتربة الذي خلفته "زيارات" المسؤولين المحليين، وحديثهم لا يدور إلا عن "المصير المجهول" الذي ينتظرهم. التوجس والخوف سادا أوساط ساكنة سنطرال منذ أن قامت السلطات العمومية، يوم الثلاثاء الماضي بتنفيذ الأحكام القضائية بالإفراغ الصادرة في حق بعض قاطني 42 براكة وكوخا صفيحيا من المستفيدين من بقع أرضية بالقطب الحضري الهراويين، وذلك بحضور ممثل النيابة العامة، ومؤازرة من مأموري التنفيذ المنتدبين من طرف المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء. وتغيرت حياة رضوان وأسرته، حيث انقلبت رأسا على عقب منذ الشروع في إرغام السكان على مغادرة بيوتهم العشوائية لهدمها من طرف السلطات المحلية، التي ترفض منذ سنوات منحه نصف بقعة الأرض التي يحق له امتلاكها، بحكم أن مقيم ومتزوج منذ 1999 في بيت والده الذي يفضل عدم مغادرة بيته، مخافة هدمه من طرف القوات العمومية ومصادرة حق ابنه رضوان. حياة في الجحيم حياة رضوان، وعلى غرار مئات الشباب في كاريان سنطرال بالدارالبيضاء، حولها مسؤولو المنطقة إلى جحيم حقيقي مع تسارع وتيرة الهدم، وبطء المساطر الإدارية، وعدم تجاوب مقدم وشيخ وقائد المنطقة مع مطالبه المشروعة. نمييش رضوان يقف اليوم عاجزا عن فهم الأسباب الحقيقية التي تجعل قائد المنطقة الإدارية التي يقع كاريان البشير بمنطقة سنطرال في دائرة نفوذها، يحجم عن تسليمه وثيقة استفادته من نصف بقعة لا تتعدى مساحتها 80 مترا في أفضل الأحوال بمنطقة السبيت شرق الدارالبيضاء، كي يتمكن من تشييد بيته لإيواء ابنه ذي 10 سنوات وابنته ذات 7 سنوات، وزوجته التي ارتبط بهاقبل 15 عاما. سعى رضوان منذ سنة 2010 للحصول على نصف بقعته رفقة شريك آخر، وانتقل مرارا وتكرارا إلى مكتب مقدم الحي، وفي كل مرة كان يحصل على وعود لم تتحول إلى حقيقة ملموسة" وفق شهادة رضوان. وثيقة الاستفادة.... مجرد حلم بحرقة واضحة يقول رضوان، الذي يزيد سنه عن 42 سنة قضاها كلها في كاريان سنطرال رفقة والده وإخوته في كوخ قصديري لا تزيد مساحته عن 45 مترا مربعا، إن هناك أمورا لا يفهمها منذ أن تم الشروع في ترحيل ساكنة هذا الكاريان. وأضاف "هناك أناس تزوجوا من بعدي، وجاءوا للإقامة بعدي في كاريان سنطرال، واستفادوا من بقع أرضية في إطار مشروع ترحيل الساكنة، لكنني رغم كل الحجج والوثائق التي أدليت بها، مسؤولو المقاطعة الإدارية يرفضون منحي وثيقة الاستفادة التي ستمكنني من الحصول على نصف بقعة يتيمة لأحلم بتشييد شقة بسيطة تلم شمل أسرتي الصغيرة..." حلم امتلاك الشقة في أقصى شرق الدارالبيضاء، وبمدارها القروي تحديدا، أصبح بعيد المنال بالنسبة لرضوان، وغيره من الشباب وسكان المنطقة الذين يرفضون الخضوع لابتزاز بعض أعوان السلطة. مبررات سلطات الحي المحمدي السلطة تقول إن السكان يحاولون "ابتزاز" السلطة ويرفضون تنفيذ الأحكام القضائية، مبرزة أن عملية هدم 42 كوخا عرفت بعض المناوشات، تجلت في منع بعض الساكنة المشمولة بالإفراغ لمأموري التنفيذ من القيام بمهامهم، مستعينين ببعض النسوة والقاصرين وأشخاص مسنين. لكن ما لم تقله السلطات في تبريراتها، حسب شهود عيان بالمنطقة، هو أن هؤلاء النسوة والقاصرين والأشخاص المسنين، هم من ضمن المستفيدين الذين ترفض السلطات الاعتراف لهم بحقهم في الحصول على سكن لائق، لتتم إحالة 24 من المعترضين على القضاء بسبب عرقلة تنفيذ وتحقير المقررات القضائية المختصة ، والعنف في حق القوات العمومية أثناء مزاولة مهامها. ولا تخفي السلطات المحلية أنها تعتمد في قرارات هدم وإفراغ السكان على إحصاء سنة 2008، الذي يشير إلى أن عدد البراريك المحصية بكريان سنطرال هو 4640 براكة كانت تقطن بها 6902 أسرة، والتي هدمت منها إلى غاية 02 يونيو الجاري 3926 براكة، أي بنسبة تقارب ال90 في المائة. واستفادت كل الأسر المستوفية للشروط إما من بقعة أرضية، أو من شقة. وتقول السلطات المحلية للدار البيضاء إن سعر الشقة التي تفوت للساكنة لا يتعدى 100ألف درهم مؤكدة أن ثمنها في سوق العقار يفوق 350 ألف درهم، في الوقت الذي تؤكد معطيات سوق بالعاصمة الاقتصادية أن سعر الشقق التي تسلم للساكنة يتراوح ما بين 230 ألف و250 ألف درهم. وتضيف السلطات في تعليلها، أنه منذ بداية عملية إعادة إيواء قاطني كاريان سنطرال يوم 18 ماي 2010، تلقت كل الأسر القاطنة بالبراريك المحصية والمستوفية للشروط المطلوبة عرضا للاستفادة من بقع أرضية تفوق مساحتها 80 مترا مربعا (طابق أرضي + 3 طوابق علوية)، على أساس قطعة أرضية لكل مستفيدين اثنين بمنطقة الهراويين مقابل أداء مبلغ 20.000 درهم لكل واحد منهما، علما أن ثمنها "الحقيقي" يناهز 8000 درهم للمتر المربع، يقول ممثلو السلطات المحلية، في الوقت الذي تسوق فيه مجموعة العمران البقع الأرضية للسكن الاجتماعي بسعر لا يتعدى 2500 درهم. من يبتز من؟ وتؤكد السلطات أن بعض الأسر المستفيدة من البقع الأرضية أو الشقق انتهجت أسلوب الابتزاز، تمثل في رفضها الانخراط في عملية إعادة الإيواء، حيث طالبت باستفادة أفراد أسرها خارج الإحصاء والمعايير المعتمدة، مما استدعى اللجوء إلى القضاء الذي أصدر حكمه في الموضوع. ومقابل ذلك يوجه سكان كاريان سنطرال اتهامات مباشرة بكونهم تعرضوا لضغوطات بكافة أشكالها من طرف بعض أعوان السلطة، لكنهم ظلوا مصرين على أخد حقهم، وهو ما دفعهم إلى مطالبة سلطات الداخلية في العاصمة الرباط إلى بعث لجنة للتحقيق في الخروقات التي شابت عملية الإحصاء في وتقول السلطات إن مطالب الرافضين في الانخراط في عملية إعادة الإيواء المذكورة سلفا هي مطالب تعجيزية، لا تستند على أي أساس قانوني، تحركها أطماع شخصية ومضاربات عقارية، في الوقت الذي قدمت لهم فيه المصالح المختصة كل التسهيلات وفق ما يسمح به القانون. رد "الجميل" لكن ما هو موقف نفس السلطة من ملف "رضوان نميشش" وغيره من السكان الآخرين، الذين يتوفرون على وثائق ثبوتية، سواء تعلق الأمر بشواهد السكنى أو عقد الزواج أو غيرها من الوثائق. وبالرغم من ذلك ظلوا في لائحة "المنسيين" الذي ترفض السلطة منحهم "نصف بقعة" لمغادرة مسقط رأسهم في وسط مدينة الدارالبيضاء، وبأحد أكبر معاقل المقاومة التي أذاقت المعمرين الفرنسيين الويلات في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، قبل أن ترد لهم سلطات الحي المحمدي "الجميل" في أبشع صوره..