تتحدث الباحثة في التنمية الاجتماعية وقضايا الأسرة، ورئيسة المنظمة المغربية لإنصاف الأسرة، حياة بوفراشن، عن واقع التنمية البشرية في المغرب وواقع الأسر المعوزة، وما تحقق في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، معتبرة في هذا الحوار، أن المغرب خلق في السنوات الأخيرة أزيد من 5 آلاف نشاط مدر للدخل ساهم نوعاً ما في التقليص من نسب العطالة والتبعية الاقتصادية. وتضيف بوفراشن رئيسة قسم الشؤون النسوية بوزارة الشباب والرياضة، أن الأقسام الجماعية بالعمالات تقوم بجهود واضحة من أجل تحقيق السلم الاجتماعي، عارجة كذلك على الحلول الممكنة للقضاء على "التشرميل" وبقية المشاكل التي تعاني منها شريحة مهمة من الشباب المغربي. بدايةَ كيف ترين حصيلة التقرير المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ انطلاقها الصادر مؤخراً؟ أولا لابد من وضع الأمور فى سياقها الحقيقي قبل الحديث عن الانجازات، وأثرها على واقع المواطن المغربي. فمشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ليس نتاج يحسب لحكومة معينة دون الأخرى ، هو مشروع وطني يختزل كل قيم المواطنة، هو بمثابة ثورة الملك والشعب (القرن 21) ضد الفقر والتهميش وهدر الطاقات البشرية وحتى المالية. وبالتالي البرنامج بمقاربته الشمولية وتبلور آليات تفعيله ، هو من إبداع وإنجاز المجتمع المغربي بكل فعالياته وحساسياته في تفاعل وتناغم تام بين القمة والقاعدة وذلك منذ ماي 2005 الى غاية اليوم، فلا تأثير للحكومات والسياسات العمومية المتتالية على المشروع لأنه مشروع متكامل، له تصور وآليات وموارد واستراتيجية للتنفيذ. ألا ترين معي أن الحصيلة التي قدمتها المبادرة الوطنية لتنمية البشرية في هذا الباب تلامس وضعية الفئات المعوزة، وتيسر اندماجها الاجتماعي والمهني في النسيج الاقتصادي على أرض الواقع خصوصاً في المناطق الحضرية..؟ على العموم والى غاية 2013 تم تسجيل 29,000 مبادرة بغلاف مالي يناهز 18 مليار درهم، استفاد منها 7 مليون مواطن ومواطنة، 32 بالمئة منهم بالعالم القروي. طبعا لن أخوض في لعبة سرد الأرقام، وفي تعداد كم و نوع المشاريع المنجزة، فهذا أمر قامت وتقوم به التنسيقية الوطنية بشراكة مع أقسام العمل الاجتماعي والمرصد الوطني للتنمية البشرية. ما يمكن أن أجزم به اعتبارا لمساهمتي في المشروع منذ 2005 أن الحصيلة اجمالا هي ايجابية ومشجعة، وأثرها على التنمية البشرية في تصاعد متواتر، مقاربة الاشتغال والتنسيق المجالي والقطاعي تبلورتا بشكل مهم جدا. طبعاً على ضوء نتائج الميدان بسلبياتها وايجابياتها، هو مشروع في تقويم مستمر بناء على التقييم الميداني المصاحب للمنجزات والبرامج بنكهة محلية. وهذا هو سر قوته واستمراريته. في البداية لم يكن البرنامج موجها بالأساس الى المشاريع المدرة للدخل ، فالباب كان مفتوحا على المشاريع بما فيها تقوية البنى التحتية وفك العزلة الاجتماعية والثقافية والجغرافية، فضلاً عن الخصاص المهول الذي تم اكتشافه أو" فضحه "ان شئنا بعد عملية التشخيص التشاركي الذي تم انجازه في بداية الأمر. لذلك استنزفت كل الطاقات المالية والبشرية والتقنية في تأهيل البنى التحتية ، ومساندة المشاريع الحكومية المتعثرة او المفلسة أحيانا ، كما تبين أن جمعيات المجتمع المدني كانت تشتغل بشكل منفرد، وغالبا قي تنافر تام مع باقي المتدخلين المحليين أو الجهويين بما فيهم السلطات الترابية والمنتخبي. لنتحدث عن واقع التنمية في المغرب مقارنة مع عدد من الدول، هل حقق مشروع التنمية البشرية نوعاً من التماسك الاجتماعي خصوصاً في المناطق القروية؟ قبل أن نتساءل عن مدى تحقيق التنمية، يجب أن نقر بان المبادرة الوطنية جاءت بشيء مهم جدا ، هي المصالحة المحلية، الجهوية وحتى الوطنية لكافة الفاعلين في المجال الترابي المشترك. أما التنمية، فأعتقد أنها تحتوي على شقين : المجالية والبشرية. بالنسبة للنوع الأول فله علاقة مباشرة بالتهيئة والبني التحتية، المرافق التعليمية، الصحية، الرياضية ،الثقافية والاجتماعية، وهي من اختصاص المصالح الوزارية والهيئات المنتخبة والمستثمرين. وما تدخل المبادرة الوطنية في هذا المجال إلا اضطراريا بهدف تهيئ الشروط المناسبة للعمل والتركيز على التنمية البشرية وهو لب موضوعها. هل تحققت أهداف التنمية البشرية على أرض الواقع؟ نعم إلى حد ما، فخلال مواكبتي لهذا المشروع الوطني لمدة عقد من الزمان ، يمكن اعتبار أن الشيء الكثير تحقق في مجال تنمية المواطن المغربي. فالجمعوي استفاد من التكوينات والتأهيل نحو الاحتراف ، والمواطن كان المستفيد المحور من المبادرة الوطنية ككل التي ركزت على الإنسان وليس الإسمنت. عرفت الأنشطة المدرة للدخل انتشارا واسعا عبر العالم في القرن الماضي، شجع عليها بالخصوص التطور الكبير الذي عرفته القروض الصغرى كيف ترىن واقع القروض الصغرى في المغرب؟ بالطبع الاستثمار في الإنسان تم بالدرجة الأولى بإخراجه من التبعية الاقتصادية والعوز والبطالة المقنعة، فقد تم خلق ما يربو عن 5000 مشروع مدر للدخل، من خلال التأهيل المهني ومحو الأمية الوظيفية كخطوة أولى ثم بتمويل جزئي مشترك لمشاريع صغرى مدرة للدخل .أما القروض الصغرى ، فهذا أمر لا تدخل فيه المبادرة الوطنية على حد علمي ، هنالك مؤسسات متخصصة في القروض ذات البعد الاجتماعي التضامني. يشكل تطور المشاريع المدرة للدخل بالمغرب هدفا مشتركا بين الكثير من الفاعلين في مجال التنمية. من هم الشركاء أكثر تأثيراً في مشاريع المدرة للدخل؟ من حيث الحكامة ومقاربة الاشتغال على المشاريع وتتبعها، لا يمكن الا أن ننوه بالدور المهم و"االمحوري " الذي تقوم به أقسام العمل الاجتماعي التابعة للعمالات بمعية اللجن الإقليمية للمبادرة الوطنية المكونة من كل الفعاليات المؤثرة في الاقليم مع الحرص على تمثيلية المواطن نفسه، من خلال جمعيات المجتمع المدني. هذه الآلية هي درس حقيقي في الديموقراطية والتشاركية ، هذا من حيث الحكامة كما قلت، أما بخصوص مسألة التمويل، فبرنامج المبادرة لا يمول المشروع برمته، هو فقط يشكل قاطرة لباقي المتدخلين سواء من القطاع العام أو الخاص ، ويبقى للجهة الحاملة للمشروع حرية البحث عن الطرق المتاحة لتنفيذه وضمان استمراريته، بدليل أن من مبلغ 18 مليار درهم ، ساهم البرنامج ب 11 مليار فقط وبالطبع وكما هو معلوم أن للمبادرة شركاء من المنظمات الدولية كالبنك الدولي والاتحاد الاوروبي . ما هي المشاكل التي تواجه الجمعيات في طريق إنجاح مشاريعه الخاصة بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ من بينها الخصاص في القدرة على هندسة المشاريع وعلى تدبيرها اداريا وماليا، وقد تنبه القائمون على المبادرة الوطنية لهذا الأمر فكان أول ما تم فعله هو تأهيل وتقوية قدرات الفاعلين الجمعويين في هذا المجال، مع حث القطاعات الحكومية المتخصصة على المواكبة التقنية . واعتقد أن اغلب الجمعيات الشريكة للبرنامج أضحت اليوم مهيكلة ومستقلة واكتسبت مستوى مقبولا من المهنية التي تضمن لها الاستمرارية والتجدد. كيف ترين واقع الجمعيات التي تعيش ظروف صعبة خصوصاً في المناطق النائية؟ بالطبع يشاع عن المناطق النائية عن أنها تعوزها وسائل الاتصال والتواصل من أجل تبليغ صوتها ، والمرافعة من اجل تمرير المشروع وجلب الشركاء. وهي فقط أحكام قيمة تلصق بهذه الجمعيات عن جهل بمدى نجاعتها وقدرتها على انتزاع حقوقها. هناك جمعيات خصوصا في الجنوب الشرقي للمغرب وكذا في الشمال تربطها علاقات مهمة مع المنظمات الدولية تساعدها في التمويل والتأطير كما أن لأبناء هذه المناطق المحسوبين على مغاربة العالم أحيانا دوراً مهماً في تشجيع المشاريع التنموية من باب التضامن العائلي والقبلي. كما أنه للجماعات المحلية والسلطات الترابية دور رئيسي ومركزي في كم ونوع الأنشطة والمشاريع الجمعوية والاجتماعية، وعليه فقد تتفوق جمعيات قروية بمجهودها وإبداعها عن الجمعيات حضرية . وماذا بخصوص الاقتصاد غير المهيكل الذي يشغل نسبة كبيرة من الشباب؟ إن الاقتصاد الوطني يعتمد 80 بالمئة على المقاولات الصغرى والعائلية، ولكن المواطنون الذين تعذر عليهم العمل بشكل مؤسساتي أو منظم، يعمدون إلى الاقتصاد الموازي أو غير المهيكل الذي يمتص العديد من الشباب المؤهل وغير المؤهل، ويساعد على استقرار كثير من الأسر وتفادي الجريمة والسرقة في واضحة النهار. وبالتالي كانت الفكرة انه بدل مطاردة هؤلاء وحرمانهم من ممارسة أنشطة مدرة للدخل شبه قار رغم طابعها العشوائي، الأحرى إن يتم استيعابهم في إطار قانوني من شانه أن ينظمهم ، ويقوي قدراتهم المالية والتقنية، وبالطبع من خلال خلق تعاونيات أو مشاريع صغرى لها الصفة القانونية داخل النسيج الاقتصادي. هذه المقاربة هي وقائية بامتياز واستباقية لكل سلوكات الانحراف الناجمة عن الفراغ أو قلة ذات اليد أو الهدر المدرسي. كلها وضعيات تبعث على شعور الشخص بالإقصاء والتهميش و" الحكرة ". هذا شعور يترجم في اغلب الأحيان بالعنف والتمرد ضد المجتمع أو رموزه : وهو ببساطة ما يصطلح عليه حاليا بالتشرميل، فالمقاربة الأمنية مهمة، ولكن تُعد "رد فعل" تجاه عنف مجتمعي نابع عن عوامل سوسيو اقتصادية ونفسية متشابكة .وهذا هو بالذات السبب الرئيسي الذي جعل الشق الثاني للمبادرة (2011/2016) يعطي أولوية قصوى للمشاريع المدرة للدخل عبر التشغيل الذاتي. ما هي الأساليب المقترحة قصد تقييم المردودية الاجتماعية وقابلية الأنشطة المدرة للدخل من أجل الاستمرار؟ أظن انه بمجرد التفكير في وزارة تهتم بالاقتصاد الاجتماعي، فهو اعتراف ضمني اولا بأهمية هذا التوجه اقتصاديا ولكن كذلك بأبعاده السوسيو أمنية ومساهمته المباشرة في استتباب السلم الاجتماعي، وامتصاص الفئات المعوزة أو غير مؤهلة مهنيا من خلال الإدماج السوسيو اقتصادي ولكن كذلك السسيوثقافي، خصوصاً فيما يتعلق بالنازحين من القرى نحن الأحزمة السوداء التي تخنق المدن ، و تغرق ساكنتها في أمراض الاجتماعية المتباينة التجليات.