1- في الأسبوع الماضي، وقّع 23 مواطنا مغربيا يقطنون "حيّ التقدم" بالرباط عريضة أرفقوها بأرقام بطائق تعريفهم الوطنية، يشتكون فيها من تصرفات وسلوكيات مجموعة من المهاجرين السريين الأفارقة الذين يكترون منزلا في نفس الحي، ويتخذونه – حسب ما أوردته جريدة "المساء"- وكرا لبيع المخدرات والخمور. مثل هذه العرائض والشكايات التي صار المغاربة يرفعونها إلى الشرطة ضد المهاجرين الأفارقة تسير في منحى تصاعدي، بعدما أصبحت أعداد هؤلاء المهاجرين تتكاثر بشكل متسارع، بعد أن صارت أبواب أورپا موصدة في وجوههم، وتحوّل المغرب من مجرد نقطة عبور إلى مأوى للاستقرار. 2- الشكايات التي يرفعها المغاربة ضد المهاجرين الأفارقة السريين تفرض علينا أن نطرح سؤالا مهما، وهو: ماذا لو كان عدد هؤلاء المهاجرين "المزعجين" يصل إلى مئات الآلاف أو الملايين؟ من المؤكد أن الوضع حينذاك لن يتوقف عند حدود رفع الشكايات إلى مصالح الشرطة، بل سيؤدي إلى "كراهية" هؤلاء المهاجرين وربما تفشي العنصرية ضدهم. وهنا لابد أن نتساءل أيضا، في هذا الوقت الذي تتصاعد فيه احتجاجات المهاجرين المنحدرين من البلدان العربية والإسلامية، بخصوص تفشي العنصرية والكراهية تجاههم في البلدان الغربية التي يقيمون فيها، عن أسباب هذه "العنصرية" و "الكراهية"؟ 3- هناك من يقول بأن السبب الرئيسي هو أن الغرب (المسيحي) يسعى إلى محاربة الإسلام، لذلك ما فتئت وتيرة العنصرية ضد المهاجرين المنتمين إلى البلدان الإسلامية والعربية/الإسلامية دون غيرهم من بقية المهاجرين. وإذا كان هذا الأمر صحيحا، فهناك سؤال آخر لا يجب إغفال طرحه، وهو: متى بدأت هذه "العنصرية" و "الكراهية" في الاستفحال؟ فقد كان المسلمون في الغرب إلى حدود أواسط تسعينات القرن الماضي، يعيشون معززين مكرمين أكثر مما كان عليه حالهم وهم داخل أوطانهم الأصلية، وهو الأمر الذي دفع بالملايين منهم إلى هجر هذه الأوطان التي لم توفر لهم غير الاضطهاد ولجؤوا إلى الغرب بحثا عن الخبز والكرامة. وبعد أحداث الحادي عشر من شتنبر عام 2001، تغير الوضع بنسبة 180 درجة مئوية، وصار الغرب جحيما للعرب والمسلمين، والسبب طبعا، هو العمليات الانتحارية التي ينفذها تنظيم القاعدة باسم الإسلام والمسلمين في "ديار الحرب". 4- اليوم صرنا نرى كيف تستصدر الحكومات الغربية قوانين عاجلة لمنع النقاب (لأنه يرتبط في مخيلة الغرب بالتشدد الإسلامي)، ومنع بناء المآذن، بل وحتى المساجد. لماذا؟ لأنهم صاروا يخافون من المسلمين، الذين ينتجون قنابل بشرية تستطيع أن تقلب العالم، في لحظة واحدة، رأسا على عقب. وهذا هو السبب الذي جعل كل من يدين بالدين الإسلامي، وكل من يحمل اسما عربيا، أمام فوهة مدفعية "العنصرية" في الغرب، فيما أتباع باقي الديانات الأخرى، غير الحاملين لأسماء وألقاب عربية لا تطالهم نفس "العنصرية". هذا من جانب، من جانب آخر يعود استفحال "الكراهية" و "العنصرية" تجاه المهاجرين في البلدان الغربية إلى مخلفات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، حيث لا يرى مواطنو هذه البلدان في المهاجرين سوى مجرد "خاطفي" مناصب الشغل، وهذا شيء طبيعي. فلو كان المغرب بدوره بلدا مستقطبا لليد العاملة الأجنبية، لكرهنا نحن أيضا المهاجرين الذين يتواجدون بيننا، عندما نرى مناصب عملنا مهدّدة. وفي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال هناك خطة تسمى "سعودة الوظائف"، وتعني أن يتمّ إعطاء الأولوية لتشغيل السعوديين قبل غيرهم من الأجانب. فلماذا نحلل لأنفسنا ما نحرمه على غيرنا؟ 5- وعندما نترك مسألة "الاسلاموفوبيا" التي يشعر بها مواطنو وحكومات البلدان الغربية تجاه المهاجرين العرب والمسلمين ومخلفات الأزمة الاقتصادية العالمية جانبا، ونبحث عن سبب آخر لتفشي "الكراهية" ضد هؤلاء، سنجد أن هناك سببا آخر، وهو أن أخلاق وسلوكيات فئات عريضة من هؤلاء المهاجرين تساهم بدورها، بنسبة أكثر ربما من السببين سالفي الذكر، في تعرضهم ل"الكراهية"، ويتمثل في أن أخلاق وتصرفات وسلوكيات فئات عريضة من هؤلاء المهاجرين ليست متحضرة. 6- تصوروا مثلا، كيف سيكون ردّ فعلنا نحن المغاربة، عندما يخرج مهاجرو إحدى البلدان الإفريقية إلى أحد شوارع المملكة ويشرعوا في تدمير واجهات المحلات التجارية وإشعال النيران في السيارات والدراجات وصناديق القمامة، مثلما فعل أبناء الجالية الجزائرية في العاصمة الفرنسية باريس خلال الأسبوع الماضي، بعدما أقصي منتخب بلادهم من نهائيات كأس العالم لكرة القدم، في الوقت الذي لزم فيه مشجعو المنتخب الفرنسي الهدوء بعدما لقي منتخبهم بدوره نفس المصير، رغم أن المنتخب الفرنسي كان من بين المرشحين للتنافس على الكأس العالمية. هؤلاء الجزائريون، الذين يتشكلون في الغالب من الجيل الثالث الذي ولد وتربى وترعرع في فرنسا يا حسرة، وفّرت لهم السلطات الفرنسية مكانا لمشاهدة مباراة منتخب بلدهم أمام منتخب الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل جماعي عن طريق شاشة كبيرة داخل ملعب "شاغيليت" بباريس، وعندما انتهت المباراة بخسارة وإقصاء المنتخب الجزائري، شرعوا في تدمير تجهيزات الملعب، وممارسة الشغب بداخله، ما اضطر قوات الأمن الفرنسية إلى التدخل بهدف إعادة الأمور إلى طبيعتها، لكن الجماهير الجزائرية الهائجة أصرّت على مواصلة شغبها خارج الملعب، وهكذا دمروا عشرين عربة (ما بين السيارات والدراجات النارية)، وهشموا زجاج واجهات المحلات التجارية. طاعْة الله واش هادو ما كايستاحقّوش الكراهية؟ 7- أحد أصدقائي، الذي سبق له أن عاش خمس سنوات في فرنسا، يحكي لي أن هناك أحياء في الضواحي الفرنسية التي يقطنها المهاجرون العرب والأفارقة بالخصوص، لا تستطيع الشرطة الفرنسية الوصول إليها، نظرا لخطورتها. ويحكي أيضا كيف أن أبناء المهاجرين المغاربة والجزائريين والتونسيين يمارسون الاحتيال في أبشع صوره. هناك مثلا، خط هاتفي مجاني تضعه وكالة التشغيل الفرنسية رهن إشارة الباحثين عن مناصب الشغل من أجل الاتصال بأقسام الموارد البشرية في الشركات والمصانع، لكن هؤلاء المهاجرين المحتالين يستغلون هذه الخطوط المجانية من أجل الاتصال بذويهم وأقاربهم وأصدقائهم في المغرب "فابور".هذا طبعا ليس سوى نموذجا بسيطا عن الأخلاق السيئة لكثير من هؤلاء المهاجرين. مثال آخر في "قلة الأدب والاحترام" التي يتميز بها هؤلاء يتمثل في الصفير الذي يعلو مدرجات الملاعب الفرنسية أثناء عزف النشيد الوطني الفرنسي (لاماغْسييز) خلال مباريات كرة القدم التي تجمع بين أحد المنتخبات المغاربية والمنتخب الفرنسي، والشغب الذي يرافقها، لدرجة أن هناك اليوم دعوات لمنع المنتخبات المغاربية من اللعب في ملاعب فرنسا، بسبب شغب الجماهير المغاربية وقلة الاحترام التي تسِمُ تصرفاتهم. وإذا كان هؤلاء المهاجرون يتمتعون بكل هذه الأخلاق السيئة، (ونحن لا نعمّم على الجميع)، فهم على الأقل، ورغم كل هذه العنصرية التي يدعون أنهم يتعرضون لها، يستطيعون الحصول على جنسية البلدان التي يقيمون فيها، في الوقت الذي يعتبر فيه الحصول على جنسية أحد البلدان العربية، (رغم أن لا أحد يودّ الحصول عليها) بمن فيها المغرب، يعتبر من المستحيلات السبع. فمتى سنعترف بأن العيب فينا، وأننا نحن أيضا عنصريون؟! [email protected]