لست بصدد الحديث عن دراما تعرض بصالات السينما ، كما هو الحال بالنسبة للفيلم السينمائي المصري احكي يا شهرزاد ، هذا الأخير الذي خلق ضجة إعلامية وثورة في صفوف النقاد، من معارضين ومؤيدين لما جاء في أحداثه ، ولا بصدد دراسة رواية شهرزاد لتوفيق الحكيم ، لكن ما أثارني هو الوضع العام للمرأة عموما والمغربية على وجه أخص وما تعانيه من قهر نفسي وفكري وجسدي يمارس عليها بشكل يومي دون أن يحرك المجتمع الذكوري بطبيعته وبفهمه المغلوط للقوامة ساكنا! من منا لا يعرف شهرزاد جارية الملك شهريار في حكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة وكانت الجارية الأخيرة في حياة شهريار الذي تعود أن يتزوج عذراء كل ليلة ثم يقتلها لمعاقبة بنات حواء جزاء خيانة زوجته التي أحبها. هذه المرأة بذكائها المعتاد وجرأتها الغير مسبوقة ، اتخذت من البوح طريقتها المثلى لتتحرّر وتغيّر واقعها ، أو على الأقل تستعيد نفسها من بطش شهريار هي محور حديثنا اليوم بعيون مغربية! لكل مجتمع شهرياره يمارس العنف بشتى أشكاله على المرأة ومجتمعنا المغربي خير نموذج يكرس النظرة الدونية للمرأة زوجات معنفات ، موظفات عرضة للتحرش من قبل زملائهن في العمل ، انتهاك لحرمات قاصرات تغتصب براءتهن بالزواج ممن لا يرتضيهن زوجا نتيجة جشع الآباء وطمعهم ، فتيات عرضة لنهش أجسادهن من محارم تربطهم رابطة دموية بينهم .. وأروقة المحاكم خير نموذج لما يعرض عليها من ملفات تمس الانتهاكات لكرامة ولعرض النساء بالمغرب. من هذا المنطلق ينبغي على كل شهرزاد الثورة على شهريار الذي يتلاعب بها من خلال ذكورته فقط، لأن الرجل لابد أن يتمتع بالأمانة والشرف والأخلاق وليس كما هي العادات بالمجتمع المغربي التي تربط بين الرجل وذكورته وتحكماته ، تعطيه هالة بأنه طابو لا يجوز المساس به بدعوى أن الرجال فضلهم الله ، كم أكره هذه العبارة عندما أسمعها من جدتي، فهمت القوامة على غير معناها الحقيقي ، وصارت لها ظلا ظليلا تتوارى خلفه كما جاء بالمثل المصري ظل راجل ولا ظل حيطة مع العلم أن العديد من المحسوبين على الرجال يتوارون خلف ظل زوجاتهم ومع ذلك لا تسلمن من لسانهم اللاذع ومن التجريح ، فالأدوار أصبحت معكوسة، بمجتمعنا المغربي صارت المرأة رجل بمواقفها وقدرتها على التعامل مع متاعب الحياة اللهم إلا من رحم ربي من الرجال ! دائما في نهاية حكايات شهرزاد تتردد جملة وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح ، بينما نرغب اليوم في أن تظل شهرزاد المرأة التي تجيد فن الحكي و الرواية ، تبوح وتستنكر كل ما يقع عليها من عنف واضطهاد من جشع آباء مرورا بقمع أزواج إلى استغلال جنسي من عديمي الضمير باسم الحب المعاصر فالبوح هو طريقتها المثلى لتتحرّر وتغيّر واقعها ، أو على الأقل تستعيد نفسها ، وخاصة في هذا الزمن الذي يطلب من المرأة الصمت خوفا من العادات والتقاليد التي تقيد المرأة رغم الكم الهائل من الترسانة القانونية التي تحميها نظريا وعلى الورق أما التفعيل فشبه منعدم . المرأة بالمجتمع المغربي تعيش وفقا لرغبة الأب في البداية ثم الزوج بعد ذلك وإذا حاولت التحرر من هذا أو ذاك تصطدم بالمجتمع وعاداته وتقاليده أو تكون عرضة للتفسيرات الخاطئة باسم الدين ، ثم تنجرف باسم الحب إلى الرجل الذي يتلاعب بها وبمشاعرها لمجرد أن يحصل على متعته الجنسية معها ومن تم يتركها ضحية مجتمع لا يملك إلا أن يطلق عليها لقب الأم العازبة مغضوب عليها من المنظور الاجتماعي . ما نطالب به اليوم أن يكون في كل بيت مغربي شهرزاد تكسر جدار الصمت من حولها وتحكي عن معاناتها وقهرها والعنف الممارس عليها، وتضرب بعرض الحائط كل النساء اللواتي اتخذن من الصمت ملجأ وملاذا. إن أهم تحدي يواجه المرأة المغربية اليوم هو الوقوف على مدى تفعيل قانون تجريم التحرش الجنسي ضدها في الأماكن العامة وفي العمل والمدارس ، فمتى ستملك المرأة المغربية جرأة شهرزاد في البوح والتعبير عما تعانيه من اضطهاد دون خوف أو خجل من تقاليد بالية أو من سلطة واستبداد رجل لتحمي نفسها من براثنه وتستعيد شخصيتها وكرامتها التي انعم الله عز وجل بها عليها. [email protected]