منذ متى؟ وفي أي نازلة من نوازل الدهر ومصائب الوطن انتفضت أحزابنا العتيدة ضد عضو من عائلتها التي يزعمون خروجه عن إجماع الأمة؟ بحسب ذاكرتي المتواضعة القريبة والبعيدة لا أذكر إلا حدثين اثنين كانا، يا للصدفة العجيبة!، كلاهما موجهين ضد حزب العدالة والتنمية: هناك بيانات ملتهبة، بدون لهب!، ضد المساس بالسيادة الوطنية في نازلة النائب عبد العزيز أفتاتي التي ذبحت فيها إرادة المواطنين بمدينة وجدة، وكادت المدينة تفقد في مناخ العنف المصنوع واحدا من أبرز محامييها ومناضليها الشرفاء الأستاذ نور الدين بوبكر، ثم هناك بيانات نارية، ولا نار!، ضد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الأستاذ عبد الإله ابن كيران، وكذا الحزب برمته بمناسبة نازلة "الكفر بالتعدد السياسي والحزبي"، واستهداف "قبيلة قريش" براجِمات الآيات القرآنية على خلفية التصريح بكون المغرب يتوفر على أحزاب ولدت من رحم الشعب، وهي التي لها الحق في الوجود إذا كان هناك من يفكر في تقليص عدد الأحزاب! ما المشكلة إذن؟ وما الهدف من هكذا استنفار فارغ ومثير للشفقة؟ وما الداعي إلى إصدار بيانات بلغة بئيسة لا تستحق الاحترام؟ الأسباب لا تعدو أن تكون ثلاثة: • أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ضغط على منطقة الألم في جسد بعض السياسيين الذين ولدوا من رحم الإدارة الجديدة، ومع ذلك لا يخجلون من ادعاء الأهلية لتنظيم وعقلنة الحقل الحزبي بكل الفساد الكبير الذي يسجله التاريخ في عمرهم الصغي ! لقد قال ابن كيران بالواضح إن التحكم في الحياة السياسية مستمر، ويجب التصدي له حتى لا تتكرر قصة الثيران الثلاثة! • أن المؤتمرين الحركيين فهموا الرسالة وتجاوبوا معها بقوة تصفيقا وشعارات وتضامنا.. كيف لا وهم الحزب الذي "افترسه" الحداثيون/العقلانيون/المجددون/المعاصرون/ الأصلاء! حين رحّلوا من فريقه النيابي أزيد من ثلاثين برلمانيا.. لقد تجاوب جمهور المؤتمرين مع كلمة الأمين العام وكذا قيادته، ولم يكن في البيان الختامي أي إشارة لزوبعة البيانات الركيكة التي جاءت بعده. • أن الحزب الإداري الجديد تلقى الرسالة من طرفي المعادلة ولم يتحمل قوتها الصاعقة، وهو الذي يسوق نفسه، في اضطراب مكشوف، تارة زعيما للمعارضة وتارة زعيما لبعض أحزاب الحكومة. أما الأهداف، فهي أيضا ثلاثة: • تأكيد طابع العداء المستحكم من طرف حزب "البام" لحزب العدالة والتنمية، وأنه وفيّ لمهمته التي من أجلها خلق، وأنه لن يضيع أي فرصة لإثبات ذلك ولو بشكل بهلواني. • تأكيد طابع التحكم في مجموعة من الأحزاب الإدارية القديمة (أو في قياداتها تحديدا)، وتأكيد وجود واقع تبعية لا تجرؤ على الفكاك منه، وهو ما يفسر صدور بياناتها تباعا بعد بيان الأصالة والمعاصرة في ما يشبه طقوس الطاعة والولاء. • تأكيد الرغبة المرضية لدى "البام" في مواصلة سياسة عزل حزب العدالة والتنمية في المجال الحزبي كتعويض عن صعوبة فعل ذلك في المجال المجتمعي الواسع، حيث يحظى الحزب باحترام وشعبية مقدرة ومتصاعدة. لأجل ما سبق، لا نملك إلا أن نؤكد أن الإدارة حين تصنع الأحزاب ولا تترك ذلك للشعب، فهي إنما تعيد إنتاج الكآبة السياسية! * عضو الأمانة لحزب العدالة والتنمية ومدير نشر جريدة المصباح