تعتمد بعض الصحف العربية المكتوبة حاليا طريقة تبدو غير متعبة للوصول إلى مصدر الخبر ، ورغم أن من حسنات هذه الوسيلة أنها تمد المواطن بحقائق عن وقائع وأحداث تبدو للبعض مثيرة وطريفة ، فإن مجموعة من الأسئلة يمكن طرحها في هذا الباب : "" أولا : ما الذي حمل تلك الصحف على تبني تلك الأخبار بانتهاج تلك الوسيلة مع العلم أنها صادرة عن مواطنين قد نستبعد فيهم عناصر الصدق والدقة والصحة في رواية الخبر والتحقيق ؟ ما هي إيجابياتها وسلبياتها ؟ وأين يمكن تصنيفها ضمن هذا الزخم المعرفي الكبير الذي أصبحت تعرفه مهنة المتاعب الصحافة، وهل بتبني تلك الوسيلة يمكننا القول بأن صاحبة الجلالة قد تخلت عن ولي عهدها الشرعي المتمثل في الصحفي المحترف وعن أمراءها وحاشيتها المتمثلون في المراسلين والموفدين والمندوبين والمتعاونين... ؟ ثانيا : ما الذي جعل المواطنون ينكبون على تفريغ قضاياهم – و التي تشغل بالهم – وذلك بتفضيل تلك الطريقة علما أن هناك قنوات عديدة يمكن أن ننزع بها حقنا سواء كان حقا عاما أو خاصا ؟ أسئلة عديدة وغيرها سنحاول مقاربتها بوجهة نظر تستقي مشروعيتها من الغيرة والحب الذي نكنه لصاحبة الجلالة والمهابة ونريدها مهنة وصنعة تقدس الخبر وتجعل للقارئ حرية التعليق . "إننا نستطيع أن نتصور مدينة في هذا العصر بدون ماء ولا كهرباء ،ولكننا لا نستطيع تصورها بدون صحافة ولا صحف "(1) بهذا التصور العميق مجد أحد عباقرة مهنة المتاعب الصحافة واعتبرها الناطق الرسمي عن قضايا المجتمع واهتماماته بعيدا عن كل أساليب التعتيم، متخذة من الهموم المحلية و الجهوية والوطنية وكذا الدولية مادة دسمة لمعالجتها بقصاصات إخبارية وأخرى تحليلية. نحن لا ننكر ذلك في عصر كانت فيه مهنة المتاعب بحق سلطة رابعة، بل وستصبح فيه ثورة الأنترنيت سلطة خامسة من يدري فهذا الاسم لم يجد بعد النور، وربما قد تفرض أكثر من أي وقت مضى خدمة المواطن والشعب والحرية والدفاع عن الرأي وما يعتقد أنه حق، بل إننا نستنكر الطريقة التي يحصل بها الخبر، و يمرر إلى القاريء على أساس أنه خبر يستحق المتابعة الإعلامية. قد يقول قائل إننا بتبنينا للخط الأخضر نحاول إشراك المواطن في تفعيل الحياة الديمقراطية التي تعني حكم الشعب نفسه بنفسه ، وذلك من خلال خلق منابر ومتنفسات يعبر فيها ومن خلالها-المواطن - عن همومه وذلك بطرح معلومات أو أحداث حول قضية تهم الحي أو القرية ...وتستحق المتابعة الإعلامية . وأقول - ومن منطلق التقديس الذي أكنه لصاحبة الجلالة – إن الطريقة التي تنتهجها بعض الصحف في اقتلاع الخبر( واعطي نموذجا لبعض الصحف المغربية )، تنم عن مؤامرة مفتعلة تريد الإطاحة ليس بصاحبة الجلالة فحسب، فذاك صعب المنال بل قد تعجل في القريب العاجل بالاستغناء عن الدور الذي أنيط بالصحفي والذي يعتبر وليا للعهد تقتضي المملكة التي ينتمي إليها أن يكون حاضرا في كل آن وحين، طبعا بترسانته العلمية والمعرفية التي اكتسبها من خلال دراسته الأكاديمية وتجربته المهنية التي تعتبر المحك الحقيقي والتي تميزه عن كل المتطفلين عن صاحبة الجلالة، كما يقتضي انتماؤه لتلك المملكة أن يكون صادقا ملما بكل صغيرة وكبيرة تحدث في القصر وخارجه ، تم من جهة أخرى فإن ذلك الطرح قد يعجل باغتيال المراسل الصحفي الذي يعتبر أميرا تنتدبه هذه الصحيفة أو تلك والتي يفترض فيها إخضاعه لجميع الاختبارات البسيكوتكنية مع الاطمئنان على كفاءاته المعرفية والثقافية وعلى درجة ذكاءه وحركته ونشاطه وانتمائه والتي تفرضهما طبيعة مهمته كمراسل، وبالطبع وهذا هو المأمول أن يكون ذو كرامة وأنفة لا أن يكون متسولا ببطاقته الصحفية "فالمراسل هو سفير جريدته وبلده إلى العالم .."(2) وبصرف النظر عن موضوع وطبيعة الخبر فإن اقتلاعه بواسطة الاعتماد على مجرد مكالمة هاتفية من مواطن نجهل هويته وانتماءه وثقافته..قد يفقد الثقة بين القاريء والصحفي والتي تقتضي أخلاقيات المهنة بألا تشوبها شائبة وتعرضها للتجريح بسبب خبر غير مؤكد أو تحقيق صحفي ملفق أو مقالة اجتماعية بعيدة عن الموضوعية والأمانة العلمية ... وإذا ما نحن قمنا بمقاربة لتصنيف الاهتمامات التي تتناولهما مهنة المتاعب فإننا نجدها بحسب المواضيع تنقسم إلى ثلاثة : "صحافة الافكار و صحافة الاحداث و صحافة احوال الناس" ، وبحسب المكان تنقسم إلى صحافة ذات جغرافية محلية وصحافة ذات جغرافية وطنية وأخرى ذات جغرافية دولية ، وتأسيسا على هذه التقسيمات – غير الإجرائية – فإن الأخبار الواردة عن طريق الخط الأخضر تفتقد للعناصر المؤسسة للخبر المقدس من حيث تناول المواضيع، والتي تقتضي من باب أولى تناولها لقضايا واهتماهات ما أحوجنا لمعالجتها عبر صحيفة لها وزنها وثقلها وسط المشهد الإعلامي الحالي ، ومن العيب أن تتناول في جل أخبارها الواردة عن طريق الخط الأخضر مشاكل الأزبال واختناقات شبكات الواد الحار وضعف أو انقطاع التيار الكهربائي وكثرة الباعة المتجولين والمتسولين والمتسكعين وعن المعاملة غير اللائقة لبعض حراس الأمن وظاهرة الدعارة بحيث تبقى هذه الأخبار حبيسة الصحافة التي تناقش أحوال الناس ، الشئ الذي يضعف من شعبيتها وسط هذه التراكمات التي أصبح يعرفها الحقل الإعلامي في بعده الإقليمي والدولي، والذي أصبح يسير بوثيرة سريعة تتناول بالدرس والتحليل الإستراتيجيات، فالعالم لم يعد قرية صغيرة لقد أصبح بالملموس نقطة صغيرة، وإذا ما حاولنا إخضاع أحد الأخبار الواردة عن طريق الهاتف الأخضر للتحليل والمناقشة فإننا نجده بعيدا عن الأهداف التي تنحو إليها تلك الطريقة لا من حيث السبق في اقتلاع الخبر ولا من حيث توفره على شروط اعتباره خبرا صحفيا يستحق بالفعل المتابعة الإعلامية وإخبار الرأي العام ، وبالتالي يمكن اعتبار الخبر الآتي عن طريق مكالمة هاتفية من مواطن لا يمت للصحيفة بصلة خبرا مجانيا يفترض فيه انعدام الصحة والدقة ، ولا تسعى من خلاله تلك الجريدة سوى تفخيم وتضخيم محتوياتها بالمجان طبعا، الشيء الذي يجعلها تسقط في متاهة الشح والبخل والحشو الصحفي . ولنعطي نموذجا لما نشرته أحد الصحف المستقلة كما يلي :" أشار أحد المواطنين من مدينة أسفي (أسفي = مدينة مغربية شاطئية سياحية معروفة بصناعة الخزف وبوفرة السمك وتاريخها...)، في معرض اتصاله بالرقم الأخضر إلى مشكل التلوث الذي تسبب فيه عملية إفراغ الكبريت من السفن ، من طرف شركة كيماويات المغرب التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط ....وقد طالب المواطن في اتصاله من الجهات المعنية ، إيجاد حل لهذا المشكل ، واتخاذ كافة الإجراءات المناسبة للحد من خطورة تطاير هذه المواد فوق سماء المدينة " انتهى الخبر، ترى معي أيها القارئ الكريم أن هذا الخبر ليس خبرا خاصا وفريدا بل هو خبر عام والخبر العام ليس في ملك أحد ولا يستطيع حتى الصحفيين المقتدرين أن يستأثروا به ، تم إنه يدخل ضمن صحافة الأحداث وقد يرتقي إلى صحافة الأفكار ، وليس من حقي أن أستخف بهذا الخبر وأزفه للمتتبع على أساس أنه هم فردي يشغل بال ذلك المواطن الغيور الشيء الذي جعله يطالب الجهات المعنية باتخاذ الإجراء اللازم ...وترى معي أخي القارئ أن ذلك الحدث يعتبر من الإهتمامات الوطنية ولا يوجد مغربي ليس له علم بتلك الكارثة منذ أن حط ذلك المعمل الكيماوي بتلك المدينة ذات التاريخ العريق والثروات الضخمة ومن حق تلك الجهات المعنية الا تلبي طلب ذلك المواطن الغيور، لأن ذلك يتطلب تحرك هيئات وجمعيات من المجتمع المدني والتي لها وزنها وثقلها في المحافطة على المحيط الإيكولوجي للمدينة وعلى الثروة التي عرفت بها مدينة أسفي فيما يخص السمك ، تم إن زفه بطريقة إخبارية تعتمد الخط الأخضر يعد استخفافا بتلك المعضلة التي تنخر ليس فقط محيط المدينة بل ينخر أيضا قاطنوها . بناء على هذا النموذج الذي أتينا به على سبيل التمثيل لا الحصر، نلاحظ أنه من الصعوبة بمكان أن نبقى سجيني ما يرد عن طريق الاتصالات الهاتفية ،وإلا سنبقى مذهولين تحت تأثير ما نسمعه لا ما نراه ، حقيقة أن ثورة تكنولوجيا الإتصال فعلت فعلتها وانتصرت على كثير من الوسائل التي كانت لها نكهتها كالمراسلة التي كان لها الدور الكبير في إضفاء الروح وتجديد الحياة بواسطة رسالة قد أفتخر بها يوما وأركنها في رفوف خزانتي كوثيقة تؤرخ لي مثلا لأول رسالة أتوصل بها من فتاة كانت بالأمس صديقتي بالمراسلة وأصبحت اليوم زوجتي وأما لأولادي . أقول إذا كان جهاز الهاتف قد انتصر لنفسه وقتل الرسالة المكتوبة وسمح للمواطن بأن يصبح مراسلا مجانيا، فإنه بالمقابل عمل على تمييع العلاقات الإنسانية ووضعها في مأزق الانحلال الأخلاقي وسهل المأمورية على من كنا نتصل بهم بالأمس بصعوبة وضعف الاحترام المتبادل وسهل الاتصالات غير الشرعية، فإنه نادرا ما ينتصر الصوت على الصورة ، ولن يجد له مكانا مريحا بين أحضان صاحبة الجلالة التي تقدس الخبر وتضعه حقا مشروعا للمواطن شريطة دقته وتحقيقه بالدليل والبرهان في أصبح الكل ينعم فيها بحرية التعبير عما يؤلمنا ونراه إهدارا للحق الخاص أو العام عبر طرق مسؤولة تراعي خصوصيات تقديس الخبر تاركة حرية كاملة للتعليق . الهوامش : (1) و (2) صاحبة الجلالة الصحافة :عدنان الملوحي ص 11 . حسن مجتهد ( باحث في السينما) شتنبر 2007 المغرب – الدارالبيضاء [email protected] [email protected] [email protected]